أوعية لا تخضع للنظافة المستمرة.. وكوب واحد للشرب


خزان ماء صغير وكوب واحد لكل من مر من هناك وأراد أن يروي ظمأه الجميع بإمكانه الشرب منه دون أن يحاسبه أحد ” ماء السبيل ” ماء بخزانات أو برادات أو جرار فخارية على قارعة الطريق في الشوارع والأسواق وكذا المناطق السكنية يضعه فاعلو خير من المحسنين بغية إرواء العطش لعابري السبيل لتكون بمثابة صدقة جارية أو خدمة إنسانية..
ولأن الماء نعمة من النعم الكبيرة التي من الله بها على الإنسان إلا أنها قد تكون سبباٍ في الهلاك والنقمة حين تمر الأيام والشهور إن لم يكن السنين دونما عناية أو تنظيف لتلك الخزانات.. ناهيك عن تخصيص كوب واحد يتناوله الجميع بغية الشرب وإرواء العطش..

في جولة صحفية لمعاينة ” مياه السبيل ” وجدنا حالاٍ ينذر بالخطر لكل عابر سبيل قرر أن يشرب منها غير مدرك بأنه قد يتعرض للإصابة بالكثير من الأمراض الخطيرة..
الخزانات والبرادات وكذا الجرار الفخارية الخاصة ” بماء السبيل ” من الوهلة الأولى لمنظرها الخارجي تلاحظ عدم نظافتها ناهيك عن العوامل البيئية من الغبار والأتربة المحملة بالجراثيم والميكروبات وكذا عوامل الترسبات للمياه جراء عدم الاهتمام بها ونظافة الوعاء المخصص لها كما أن الكوب وحده يشكل خطراٍ حقيقياٍ..
جهل ولامبالاة متعمدة
* المواطن عبدالله صادق كان ممن مروا وشربوا من ذلك الماء استوقفناه وسألناه لماذا يشرب من ذلك الماء.. فكانت إجابته ” ماء السبيل ” متوارث عن الأجداد والآباء لكل من يريد الشرب وضعه أناس بقصد الخير وإرواء العطشى من المارين والمسافرين والمتسوقين..
وحين أخبرناه عن عدم نظافتها والخطورة التي يعرض نفسه لها من هذه المياه كونها مجهولة المصدر وكون المارين يشربون من نفس الكأس.. كانت إجابته لنا (من قال بسم الله مشى على البحر)..
وأردف: من المستحيل الذين وضعوا الماء يقصدون الإضرار بنا لأن النية لديهم هي فعل الخير وكسب الأجر والثواب..
* الطفل سليمان الحدي في التاسعة من عمره كان يشرب الماء من جرة على قارعة الطريق لكن الطريف في الأمر أنه كان يشرب من نفس صنبور الجرة ولم يستخدم الكوب حيث وضع فمه في الصنبور مباشرة وشرب منها !!
وبعد سؤالنا له عن التصرف الذي قام به كانت إجابته بأنه كان عطشان جداٍ ولا يوجد كوب آخر ولا يريد الشرب من نفس الكوب الموضوع جوار الجرة.. جاهلاٍ أو متجاهلاٍ الخطورة التي قد يتسبب بها لمن يأتي بعده ويشرب من تلك الجرة..
* حمود مفلح : صاحب محل لبيع الملابس بأحد أسواق العاصمة ممن قاموا بعمل ماء سبيل بخزان ماء على قارعة الطريق بجوار المحل الذي يعمل به .. يقول :
– نهتم بالخزان ونقوم بغسله بين فترة وأخرى.. لكنه لم يعلق على نظافة ذلك الخزان من الخارج وأيضاٍ الكوب الواحد الذي يشرب به كل من يمر من الطريق أو الخطورة التي قد يتعرض لها كل من شرب من ذاك الكأس ..
خطر مميت
كشفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” أن المياه الملوثة تشكل خطراٍ مميتاٍ لملايين الأطفال ووفقاٍ لبيانات المنظمة يموت سنوياٍ 1.5مليون طفل من أمراض تتسبب فيها المياه الملوثة..
تراث نعتز به ولكن !!
(سبل الماء العامة تراث نعتز به) بهذه الجملة بدأ حديثه عبد الحليم السكري مدير مركز التوعية البيئية بأمانة العاصمة ويضيف : كل من يقوم بعمل سبيل للمياه وخاصة في طريق المسافرين والأسواق فذلك يعد نعمة وأجر لصاحبها حين يروي عطش ابن السبيل الظمآن لأن ذلك والحديث الشريف يقول (يجلب البركة لمالكه) الناس شركاء في ثلاث ” الماء والنار والكلأ ” وقوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصدقة سقي الماء) ..
مشدداٍ بأنه ومن الجانب الآخر لابد من مراعاة نظافة تلك المياه والأوعية الخاصة بها.. لأنها ستشكل خطورة على كل من يشرب منها..
عمل جميل لو أتمه
عبدالله القيسي الباحث في الفكر الإسلامي يقول : ذلك العمل الجميل الذي يقوم به أصحاب النفوس الطيبة والتي تبغي الأجر عند الله من خلال وقفهم لأعمال تنفع الناس ويأتي من هذه الأعمال وقف ” ماء السبيل ” الذي يسقي الناس في الأسواق والشوارع..
ويعيب القيسي على “ماء السبيل خصوصاٍ وعلى أكثر أعمال الوقف في بلادنا عموماٍ, من زاوية أن من يهتمون بالوقف يركزون على البداية فقط , ولا يتنبهون كثيراٍ لاستمراره على الوجه الأنسب , فقد نراهم يوقفون مساجد ولكنهم لا يوقفون لها مرافق تخدمها كدكاكين مثلاٍ أو غيرها , لتكون رافداٍ في إصلاح المسجد وتنظيفه وتجديده …الخ.. وكذلك في وقف ” ماء السبيل ” فبعد فترة قصيرة ربما يتوقف , أو ربما وهو الأسوأ يبدأ بالتلوث , وعدم الاهتمام به من ناحية النظافة , فنرى كوباٍ واحداٍ يتداوله مئات إن لم يكن الآلاف من الناس , ونرى عدم الإشراف عليه بشكل يومي , فربما زاد اتساخه واستمر الناس يشربون مطمئنين ..
وأردف القيسي متمنياٍ : لو أن من أوقف مثل ذلك العمل الجميل أن يتمه , ويتحرى نظافته ونظافة الأكواب أو تكون من الأكواب “السفري ” ذات الاستخدام الواحد, أو أي وسيلة للمحافظة على صحة الناس , حتى لا ينقلب ما أردناه مصلحة إلى مفسدة , لأننا إن تسببنا في مرض الناس وقعنا في مفسدة أعظم من مصلحة اسقائهم الماء , وحينئذ سيكون دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة ..
وحول التسمم الغذائي وما يترتب عليه من شرب المياه الملوثة يحدثنا الدكتور عمرو محمد العِشبي طبيب طوارئ بالمستشفى السعودي الألماني قائلاٍ: تواجهنا في الطوارئ حالات لتسمم غذائي معظمها يكون بسبب شرب السوائل أو المياه المكشوفة والملوثة.. فحالات التسمم تسبب الأميبيا أو التيفود.. وهي أنواع بكتيرية وطفيليات تسبب ” إسهال وطرش ومغص وآلام في المعدة.. وأحيانا تتوسع الحالة إذا أهملت قد تصل لمشاكل بالرئة والقلب وأمراض عضوية مختلفة ..
ويضيف العِشبي بأن أكثر الحالات التي يستقبلها قسم الطوارئ بالمستشفى ما يقارب ” عشر حالات يومياٍ ” أميبيا وبكتيريا من تناول أغذية ملوثة ..
وحول استخدام كوب واحد والمخصص للشرب في “ماء السبيل يقول الدكتور العشبي : يعد استخدام الكوب الواحد لغرض الشرب ووجوده بمنطقة مفتوحة خطيراٍ جداٍ .. يسبب عادة الأمراض الخطيرة فقد يصاب الشخص بإلتهاب الكبد الحاد لفيروس E .. وعادة ما ينتقل عن طريق الفم .. وأيضاٍ الدودة الدبوسية تنتقل عن طريق اللمس أو ملامسة الأسطح بأي مكان وتنتقل بهذه الطريقة أيضاٍ أنواع البكتيريا جميعها .. وقد تنتقل عن طريق الدم مثل التهاب اللثة..
ويضيف الدكتور العشبي: وفي ما يخص عدم تنظيف الخزانات وتحول المياه بها إلى مياه راكدة وانتشار الطحالب في الخزانات فإنها تسبب تسمماٍ غذائياٍ .. ولابد من تنظيفها بشكل دوري كذلك غسل الأكواب وننصح بغسل الكوب مع وضع إشارة تنبيه لغسل الكوب لكل من يريد شرب “ماء السبيل “..
كما ينصح الدكتور العشبي فاعلي الخير ممن يقومون بتوفير ماء السبيل بأن الجزء من ذلك الخير المحافظة على صحة الناس من خلال الاعتناء بنظافة وسائل نقل المياه أو أماكن تخزينها وأواني استعمالها والاهتمام بها ..لذا يجب الالتفات إلى أمر مهم جداٍ هو أن تأمين المياه الصالحة لا يكفي وحده ما لم يمارس الإنسان سلوكاٍ صحيحاٍ على المستوى الشخصي والمستوى البيئي المحيط به .

قد يعجبك ايضا