د. يوسف نصر الله – رئيس “مركز باحث” للدراسات الاستراتيجية:
الأستاذ غالب قنديل – رئيس مركز الشرق الجديد للإعلام والدراسات:
الدكتور وليد محمد علي:
الأستاذ علي مراد – كاتب وباحث سياسي:
طالب الحسني – كاتب وإعلامي:
عقدت في بيروت ندوة خاصة تحت عنوان “ثورة 21 من سبتمبر .. الآفاق والتحديات” شارك فيها نخبة من الباحثين والأكاديميين العرب وتضمنت الندوة – التي نظمتها شبكة المسيرة الإعلامية – محاور عدة تناولت أهمية ثورة الـ 21 من سبتمبر بالنسبة لليمن والمنطقة بشكل عام، بالإضافة إلى ارتدادات الثورة على السعودية ومنطقة الخليج في ورقة للدكتور يوسف نصر الله رئيس مركز ((باحث للدراسات)) الاستراتيجية كما تناولت الندوة الموقف الأمريكي من الثورة وكذلك الموقف الإسرائيلي الذي يبدو عليه الذعر والقلق كما يبدو من وسائل إعلامه ومراكز أبحاثه من خلال ورقتين للإعلامي اللبناني علي مراد والدكتور عباس إسماعيل الباحث في شؤون العدو الصهيوني.
كما تناول الأستاذ غالب قنديل – في ورقته – اليمن ومحور المقاومة بعد ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر.
وحملت ورقة الدكتور وليد محمد علي عنوان: القضية الفلسطينية في أجندة ثورة 21 سبتمبر.
وتطرق الكاتب والإعلامي اليمني طالب الحسني في ورقته إلى الدوافع والأسباب لانطلاق الثورة والوضع الذي كان سائداً قبلها كما قدم مقاربات بين ثورتي 11 فبراير 2011 وثورة 21 سبتمبر 2014م.. فإلى تفاصيل الندوة:الثورة / بيروت/
د. يوسف نصر الله – رئيس مركز ((باحث للدراسات الاستراتيجية))..
ورقة نقاش بعنوان “ارتدادات ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر في السعودية ودول الخليج”.
أعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم اللعين
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأعز المرسلين سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
أود في البداية أن أتوجه بعظيم الشكر، وعظيم الامتنان إلى الإخوة في شبكة المسيرة الإعلامية، القائمين على تنظيم مثل هذه اللقاءات الهادفة إلى الارتقاء بالوعي السياسي الثقافي الفكري، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون لنا ولكم في ذلك جميعًا عظيم الصلاح.
كما أودّ في البداية أن أبارك للشعب اليمني العظيم حلول هذه الذكرى المجيدة، وأن أبارك أيضًا لكل أحرار العالم، وأسأل الله أن يعيدها علينا بمزيد من أسباب القوة والمنعة والاقتدار والبأس والنصر العظيم ان شاء الله.
ليس خافيًا أنّ يوم الواحد والعشرين من سبتمبر 2014 بما آل إليه وأفضى إليه وتكشّفت عنه من تحولات استراتيجية حاسمة في تاريخ اليمن السياسي المعاصر والحديث، أنه أصبح يومًا وطنيًا بامتياز، ويومًا مجيدًا، ويومًا عظيمًا يضاف إلى قائمة الأعياد الوطنية التحررية الكبيرة التي يفخر بها اليمنيون، ويحتفون بها، ويعظمونها بوصفها باتت تشكل مصاديق حريتهم وكرامتهم وعناوين استقلالهم ومكون هويتهم الوطنية والجمعية، وأيضا بوصفها منارات هديهم وعبورهم إلى أن يكونوا جزءًا أصيلًا وفاعلًا في المجتمع الإنساني، وجزءًا أصيلًا وفاعلًا من المشهد السياسي الإقليمي والدولي.
لقد سجل ويسجل لهذا اليوم المجيد أنه حفر عميقًا في التاريخ اليمني، وشكل مفصلًا ومحكًّا من محكاته، بل إنه أحدثه قطيعة تاريخية عميقة بين ما قبله وما بعده، بنحو يصحّ معه القول إن ما بعد 21 سبتمبر 2014م يمنيّا هو بالضرورة خلاف ما قبله، بملاحظة طبيعة الصراع وخصوصية الصراع الوجودي الدائر بين مشروعين، مشروع الاستلاب والارتهان والتبعية السياسية الذيلية للمشيئة السعودية، ومن خلفها المشيئة الأمريكية، والمشروع التحرري الثوري في سعيه إلى تحرير الإنسان اليمني والأرض اليمنية والقرار اليمني من الهيمنة الخارجية، ومن الوصاية الخارجية، أيًّا يكن هذا الخارج.
تأتي أهمية ما جرى في 21 سبتمبر 2014م أنه قام على عاملين اثنين؛ الأول، أنه جاء ثمرة السياق السياسي الذي عاشته اليمن طوال العقود الماضية، بمعنى أنه ليس وليد لحظته السياسية، بل هو نتاج صراع مديد وطويل، وهذا السياق السياسي ذو طبيعة مركبة، يعني له بعد خارجي وبعد داخلي؛ خارجيًّا: استقواء خارجي، استعلاء خارجي، تمثّل في السياسات السعودية التي قامت منذ عشرات السنين، على امتهان الكرامة الوطنية اليمنية، وعلى امتهان الذات اليمنية، وعلى استلاب إرادتها، وعلى محاولة استتباعها واستلحاقها، وعلى النظرة الاستعلائية حيالها. فضلًا عن محاولة استغلال مواردها وخيراتها وقدراتها، وهذا بالموازاة كان يحصل مع استعداء داخلي يمارسه النظام السياسي اليمني لمكونات وازنة في النسيج المجتمعي اليمني، من خلال عمليات الاقصاء والتهميش والعزل لشريحة كبيرة من هذا الشعب. يعني هذه الثورة المباركة جاءت نتيجة هذا السياق، خلاصة هذا السياق.
العامل الثاني، أنه جاء ثمرة لخطاب جماعة أنصار الله، بوصفهم الحامل السياسي والثوري والعسكري لهذه الثورة المباركة، وهو الخطاب الداعي إلى التحرر وإلى استعادة الكرامة الوطنية، وإلى إسقاط الهيمنة الخارجية، والوصاية الخارجية، والداعي أيضًا إلى التحرر الداخلي من سطوة الاستبداد والقهر الاجتماعي، والحرمان والإذلال والإقصاء والتهميش. هذه الثورة هي نتاج تاريخ حركة أنصار الله، وهي خلاصة مشروعها التحرري للإنسان وللأرض وللقرار الوطني وللإرادة الوطنية.
بهذه المعطيات، بهذه المؤشرات، وبهذه المنطلقات، كان من الطبيعي أن يؤرق السعودي، وكان من الطبيعي أن يقلق، وكان من الطبيعي أن يبادر إلى العدوان والحرب ربطًا بما تكشفت عنه 21 سبتمبر 2014م من صور مخيفة ومرعبة على مستقبل الحضور والنفوذ السعودي والمكانة السعودية في المنطقة والاقليم. وإذا حاولنا استعراض خارطة عوامل القلق فهي كثيرة، والتداعيات كثيرة، لكن انسجامًا مع خصوصية الوقت سوف أكتفي بالإشارة إلى بعضها:
– ثمة قلق سعودي وتوجس سعودي بيّن، يتأتى من الخشية من تداعيات 21 سبتمبر 2014م على المستوى الاستراتيجي، أي من إمكانية قيام نظام ثوري وتحرري في اليمن، وذلك ليس من زاوية ما قد يمثله هذا النظام من مخاطر أمنية وعسكرية على ممالك الخليج ومشيخاته، الخشية لدى هؤلاء تتأتى من تأثير التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية اليمنية على مستقبل هذه الممالك والمشيخات، وعلى ديمومتها، وعلى استقرارها، وبقائها، ومكانتها في المنطقة.
الخطورة فيما حدث أنه قد يهيئ لتحولات اجتماعية وسياسية غير مرغوبة بالنسبة إليهم، وقد يحفز ديناميات التغيير، ليس في المملكة السعودية فحسب، بل في كامل المنطقة. هذا أوّلًا.
– الأمر الثاني أن هذه الثورة التصحيحية التكميلية؛ نقول تصحيحية لأنها جاءت لتصوب مسار ثورة الشباب اليمني عام 2011م المباركة والمجيدة، والتي حاول السعودي احتواءها من خلال المبادرة الخليجية، حين حاول الإيحاء بأن الأزمة ليست أزمة اجتماعية، وليست أزمة نظام، بل هي أزمة شخص اسمه علي عبد الله صالح.
إن هذه الثورة التصحيحية المباركة جاءت على خلفية استعادة السيادة الوطنية على كامل التراب اليمني، وسعت إلى تقويض النفوذ السعودي تقويضًا تامًّا وشاملًا، وإخراج اليمن من مدار التأثير السعودي، ومن مجال الهيمنة السعودية التي استطالت إلى حد أنها تجاوزت الثمانية عقود.
– الأمر الثالث أن 21 سبتمبر 2014م أسس ويؤسس لواقع سياسي مغاير داخليًّا وخارجيًّا، وهو واقع تعارض بالضرورة مع مشروع الهيمنة الأمريكية في المنطقة، وما يمكن أن يؤدّيه السعودي بوصفه كيانًا وظيفيًّا على هذا الصعيد.
لذلك نعتقد أن ما يجري الآن في اليمن ليس مجرد كباش سياسي أو اشتباك سياسي أو عسكري، إن ما يجري اليوم يضع المنطقة؛ كل المنطقة على بوابة تحولات استراتيجية ليست في مصلحة الأمريكي وحلفائه.
الأستاذ غالب قنديل – رئيس مركز الشرق الجديد للإعلام والدراسات
ورقة بعنوان: اليمن ومحور المقاومة بعد ثورة 21 سبتمبر.
أحييكم جميعّا سيداتي وسادتي، الحضور الإخوة الأعزاء.
التحية قبل كل شيء لأهلنا أبطال اليمن الصامدين الشجعان، الذين شكلوا مفاجأة سعيدة لأحرار الأمة العربية بين المحيط والخليج، ورفعوا راية التحرر، فزلزلوا الهيمنة الاستعمارية في توقيت بات يثير ذعر الكيان الصهيوني، لأن قوةً مقاتلةً مجلجلةً رديفةً باتت جاهزة للانخراط في نضال محور المقاومة، والمساهمة في تغيير البيئة الإقليمية، وردع الكيان وامتداداته. وقد سددت ضربة واستنزافًا موصولًا في قلب المنظومة الرجعية، وأذناب الهيمنة، بأن مثّلت التحدي الأول من نوعه للنظام السعودي الرجعي الذي هو في طليعة القوى التابعة للهيمنة الامبريالية في منطقتنا، وهو قوة الاحتياط الجاهزة دائما في خدمة منظومة الهيمنة ونهبها وسيطرتها وحروبها تمويلًا ومؤازرةً وانخراطًا.
لذلك إذا أردنا أن ننظر استراتيجيًّا إلى الحدث اليمني، نقول إنه الصدفة السعيدة في تاريخنا المعاصر، التي بدلت الكثير من الظروف في البيئة الإقليمية، وهي تعِد بما هو أكثر، لأن اليمن الجديد في لحظة انتصاره، سيكون قلعةً رديفةً وشريكاً لمحور المقاومة، ونجدةً لكل أحرار العرب.
اليمن – قبل هذه الثورة العظيمة كانت تحت سيطرة منظومة الهيمنة، لكن ليس في قلب الحدث، ونادرًا ما كان يتصدر اهتمام الوسائل الإعلامية ودوائر الرأي العام.
تسلطت الأضواء وانصبت الأنظار على اليمن بعد تلك الثورة، بعد تلك الانتفاضة، لأن الهستيريا التي أصابت محور الهيمنة وذنبه السعودي بصورة رئيسية أثارت حالة من الذعر على صعيد جميع القوى الرجعية، ولذلك قلنا يومها إنها المفاجأة السعيدة من اليمن السعيد، قدمها لنا الأحرار بقيادة السيد عبد الملك الحوثي؛ هذا القائد الثوري الفذّ الذي نعتقد أنه أبدع في خطابه السياسي، وفي رؤيته، وفي إدارته الصراع، مع رفاقه وإخوانه في ملحمة شديدة الأهمية والخطورة على صعيد مستقبل المنطقة.بعض السذّج نظروا إلى اليمن نظرة سطحية للخارطة، لكنّ أصحاب الرؤى السطحية ذات البعد الواحد لا يستطيعون إدراك عمق التحولات والتغيرات الاستراتيجية التي يحدثها الثوار في لحظات نادرة ومناسبة.
ومن هنا أعتقد شخصيًّا أن الحدث اليمني هو بداية انعطافة جديدة في الواقع العربي، لا تقل أهمية عن لحظة ولادة المقاومة في لبنان، ولا عن مسار الملحمة التي يخوضها محور المقاومة.
قد يتراءى للبعض أن اليمن بعيد عن مركز الصراع في الشرق، وبعيد عن فلسطين، لكن الرؤية الثورية والخط الثوريـ ومنطق التضحياتـ وفهم أولويات الصراع، والتناقض الرئيسي، كل ذلك جعل أبطال اليمن على خط التماس في قلب فلسطين. ونحن نستطيع أن نتابع في الإعلام الصهيوني وفي الإعلام الأمريكي كثيرًا من الذعر والرعب والمخاوف من تطور الظاهرة اليمنية، وتفاعلها، وكذلك من فعل المستقبل اليمني الواعد.
كان اليمن قبل هذه الثورة شبه منسيّ، تستفرد به، وتستفرس به على شعبه، وتنشب أظافرها في ثرواته، وتستخدم موقعه الاستراتيجي منظومةُ الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية، ولذلك لم يكن يعطى أي اهتمام لما يمثله اليمن.
اليوم يردّ الأحرار والثوار الاعتبار لبلدهم، وهم يحققون في مسارهم نقلة نوعية في التحرك، ويؤكدون أن البعد الجغرافي عن فلسطين، لا يعني أنك عنصر هامشي في القضية الفلسطينية، فإن وضعت يدك على أصل الوجع في منظومة الهيمنة، صرت في قلب فلسطين. تلك هي المسألة الأساسية التي أدركها أبطال اليمن، وجسدوها بالتجربة العملية، وعبر عنها قادة أنصار الله الأفذاذ، الذين هم اليوم طليعة تحررية عربية، نفخر أنها في زماننا، وقد شكلت نجدة هائلة في مجال مخاض الوعي والتدوير والتثوير، كما في تغيير بيئتنا الإقليمية.
قبل الحدث اليمني السعيد كانت تهيمن علينا حالة من الكآبة حين ننظر إلى شبه الجزيرة العربية، اليوم نرى أن هلاك النظام السعودي غير بعيد، فبؤرة الاستنزاف التي أنشأها ثوار اليمن تتفاعل وسوف تعمّق مأزقه أكثر، والمرحلة القادمة ستشهد بأن الحدث اليمني أطلق تفاعلات زلزالية في البنيان السياسي والأمني لهذا النظام بعدما هشمت جبروته دماء اليمنيين وسواعد الحفاة العراة وإرادة التحدي والتحرر عند أبطال اليمن.
نحن اليوم أمام نتيجة تراكمات كبرى توصلنا إلى انعطافة نوعية مقبلة، فالسجال بين ثوار اليمن وبين منظومة الهيمنة اللصوصية وأذنابها الاستعماريين والعملاء قطعت شوطا كبيرا في الميدان، وتوازن القوى يحقق تحولات كبرى لمصلحة حركة أنصار الله، هذه القوى التحررية الصلبة والرائدة والعروبية التي نعتبرها رديفة لمحور المقاومة وجزءا لا يتجزأ منه، ليس فقط بسبب خطابها، والتزامها، بل أيضا بسبب موقعها، لأن استنزاف النظام السعودي الرجعي هو بيت القصيد في زلزلة منظومة الهيمنة، وخنق الكيان الصهيوني، وزعزعة المرتكزات التي يستند إلهيا الصهاينة في حركتهم، سواء لتمرير مشاريع الاستسلام، أو لمحاصرة قوى المقاومة داخل فلسطين ومواقع المقاومة في المنطقة.
والخبر السعيد من اليمن السعيد كان إضافة حاسمة لمحور المقاومة، فاليوم ليست المقاومة محصورة بما يمثله حزب الله في الواقع اللبناني، ولا هي محصورة في بطولات المقاومة الفلسطينية داخل فلسطين المحتلة، ولا هي في روح الموقف السوري التحرري الرافض للهيمنة، والداعم لقوى المقاوم الشقيقة، اليوم لخيار المقاومة قلعة حرة مقاتلة صامدة، تصدِّر البطولات في جميع المجالات، هي هذا اليمن، يمن الشجعان والشهداء، يمن السيد عبد الملك الحوثي.
أعتقد أن الأمر يتخطى حدود انفعالنا بالحدث اليمني. إن وعي وإدراك أهمية هذا التحول في الواقع السياسي والجيواستراتيجي لمنطقتنا، وللتداعيات التي سيحملها داخل اليمن وفي شبه الجزيرة العربية، وعلى مستوى المشرق ككل، يجعلنا نؤكد أننا أمام ملحمة هي في صلب معركة التحرر من الهيمنة الاستعمارية، وبناء مستقبل جديد للشرق العربي، يكون فيه الفقراء الحفاة العراة هم من يشيدون المداميك ويرسون الأسس لبنيان جديد.
وهذا المخاض اليمني هو رافد هام ونوعي، نلتمس فيه – نحن أحرار المشرق- ما يمثل أملا جديدا بأن استنزاف الرجعية السعودية ودفعها في متاهة الانحدار والسقوط هو ولّاد لمسارات أخرى.
أين هي الساحة العربية التي فيها حلم تغيير وتحرر، ولا يجد فيه الأحرار خنجرا سعوديا في ظهورهم؟ أين هي القضية العادلة بين المحيط والخليج التي لا تمدّ الأبواق السعودية سمومها ضدها تثبيطاً وتآمرا وخبثا، ودسا للسموم في كل مكان.
نحن أمام رافعة استثنائية ونوعية تهدد بتقويض منظومة الهيمنة وضربها في القلب.
ولذلك نقول لأهلنا، لإخوتنا ثوار اليمن، ونقول لقائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي: نحن معكم في معركة التحرر الوطني العربي في كل مكان بين المحيط والخليج، وإن محور المقاومة والمقاومة في لبنان والشعب اللبناني بأحراره يشعرون بوجدانهم ووعيهم بأن معركة اليمن اليوم هي بشارة سعيدة توحي لنا بأن النصر قريب، وبأن انتظارنا لن يطول حتى ساعة تحقق نهضة قومية شاملة ستنهي هذا الليل اللئيمة الذي ساد على منطقتنا.
إن هذه المفاجأة اليمنية التاريخية السعيدة التي حضّرها بإتقان قائد شجاع وثوار أبطال لديهم الحزم والوعي والإرادة، هي رافعة تاريخية لمستقبل أمتنا العربية، وهي بشارة بمستقبل واعد لنا جميعا نتمناه منذ زمن بعيد، وأعتقد أن الزمن لن يطول بنا قبل أن نشهد تلك الصفحة المشرقة التي يصنعها الأبطال في اليمن العظيم وشكرا.
الدكتور وليد محمد علي
ورقة بعنوان: “القضية الفلسطينية في أجندة ثورة 21 سبتمبر”
بسم الله الرحمن الرحيم
في هذا الوقت المختصر والمحدد سأسعى للحديث حول مسألتين؛ موقف الثورة اليمنية المباركة من قضية فلسطين، وما الذي تستفيده قضية فلسطين من انتصار الثورة اليمنية المباركة.
بصراحة أنا أنتمي إلى جيل كان لديه رومانسية الانتصار، موقف ثوري رومانسي، لكن للأسف لم يتمكن هذا الجيل من إيجاد ركائز قوة تمكنه من تحويل التحديات التي تواجهها أمتنا إلى فرص.
لذلك أعتقد أن كل الثوريين في هذا الجيل، وجدوا بانطلاق هذه الثورة الإسلامية ابتداء من انتصار ثورة الإمام الخميني، وجدوا أن هذه الثورة قد تعطيهم التجسيد الواقعي لحلمهم الرومانسي. وبدأنا نجد فعليا أن التحديات التي أراد العدو فرضها على هذه الأمة تتحول إلى فرص، وقد بدأ هذا مع المقاومة في لبنان التي حولت التحدي الذي خلقه العدو الصهيوني باجتياح عام 1982م إلى فرصة بدأ معها المشروع الصهيوني يندثر، وصولا إلى ما نحن فيه.
الشعب الفلسطيني تفاعل ربما بالصدفة- وليست هناك صدفة إلا لها ضرورة- تفاعل مع ذكرى انتصار ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، بالعملية البطولية؛ عملية نفق الحرية، التي تمكن بها الأبطال في فلسطين من تحويل تحدي هذا العدو في هذا السجن الفولاذي الذي جاء فيه بكل تكنولوجيا العالم لمنعهم من نيل الحرية، بكسر هذا التحدي، وتحويله إلى فرصة تقول للكيان الصهيوني: نعم أنت أوهن من بيت العنكبوت.
منذ ما قبل انتصار ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، كان يلفتنا أن أهم المظاهرات والمسيرات التي كانت تخرج في يوم القدس العالمي، وكانت تنظم في صنعاء، وفي المدن التي لأنصار الله ثقل فيها.
واستمر هذا الموقف الذي كان يتكرر دائما على لسان قائد الثورة في اليمن السيد عبد الملك الحوثي حفظه الله، أن فلسطين هي الهدف، وهي الغاية، وأن الثورة في اليمن انطلقت لتقول: الموت لأمريكا والموت لإسرائيل، وانطلقت ليستعيد لليمن مكانته، لتخلصه من حكم يعمل بالوكالة لتنفيذ المشروع الامبريالي الصهيوني الرجعي في أرض اليمن، ولتبني مكانا لهزيمة لمشروع الصهيوني.
المشروع الصهيوني منذ بداياته قبل أن يتأسس الكيان الصهيوني، كان اليمن موقعً خاص فيه، حتى في الأساطير المؤسسة للمشروع الصهيوني. هم يعتقدون أن البحر الأحمر لهم وفق أساطيرهم المزيفة، ويرون أن بحر “سوف” الذي جاء في سفر الخروج يُقصد به البحر الأحمر. وبالتالي تواجدهم في اليمن ضرورة قصوى لنجاح مشروعهم.
واستمر هذا التأييد الذي لم يتأثر ببعض الأخطاء هنا أو هناك، وصولًا إلى ذلك الموقف المميّز الذي قال بالاستعداد لمبادلة طيارين ضبّاط سعوديين بأسرى ومعتقلي حماس المظلومين عند آل سعود. هذا الأمر له دلالات: أنّ ما يهمنا هو الهدف، ما يهمنا هو هزيمة المشروع الصهيوني، ما يهمنا هو نصرة فلسطين، وتحرير دولنا من الهيمنة والتبعية هو لتمكين هذه الأمة من استرداد ذاتها.
وكان واضحًا للثورة اليمنية ومواقف الثورة اليمنية أنها ترى أن هذه الأمة لن تسترد ذاتها إلا إذا استردت فلسطين.
انتصار الثورة المباركة في اليمن؛ ثورة الحادي العشرين من سبتمبر، عنت أن كل محاولات إيجاد أماكن تمنع التحكم في مسار الصراع مع المشروع الصهيوني، أنه أمر ممكن وليس صعباً.
الكيان الصهيوني يعتقد بوضوح وبرسوخ أن وجود قوة ثورية تتحكم في اليمن، تتحكم في باب المندب، ستوجه ضربة قاصمة لهذا المشروع الصهيوني.
المشروع الصهيوني بدون رئة البحر الأحمر يخنق، لذلك كان احتلال إم الرشراش وإقامة ميناء إيلات بشكل مخالف لاتفاقات الهدنة التي وقعت عام 1948م؛ مدينة ما يسمى إيلات لم تُبن ولم تغتصب إلا عام 1849م بعد أن أقيم الكيان، لماذا؟ لأن هذه الرئة ضرورة للكيان، وجود قوة ثورية في هذه المنطقة تذكر الكيان بما حدث عام 1973م عندما أغلق باب المندب في وجه الملاحة الصهيونية، تذكّر تلك العملية البطولية التي قصفت فيها ناقلة النفط من جزيرة سقطرى، تذكر هذا الكيان بالموقف الحاسم والعقائدي لأبطال ثورة أنصار الله من المشروع الصهيوني برمته. وعلى صعيد موازٍ، فالكيان الصهيوني يرى خطرًا محدقًا به إذا ما لحق الضرر بالهيمنة السعودية على المنطقة. آل سعود هم المكلفون بتمثيل أمريكا، وإعطاء الغطاء للهيمنة الأمريكية على المنطقة. سقوط الهيمنة الأمريكية عن المنقطة ممثلة بآل سعود يعني ضربة استراتيجية للمشروع الصهيوني، يعني أن هذا الكيان من الصعب أن يستمر وجوده.
نحن نرى أن الثورة في اليمن ذخر استراتيجي لفلسطين، بسلوكها منذ ما قبل الانتصار، وصولا إلى ما عبّرت عنه بعد الانتصار، وصولا إلى التحديات الضخمة التي تمثلها للمشروع الصهيوني.
كل التحية لشعب اليمني البطل، كل التهنئة لأنصار الله ولقائد مسيرة أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي، وشكرا لكم.
الدكتور عباس إسماعيل – باحث وخبير في شؤون العدو الصهيوني
ورقة بعنوان: “الموقف الإسرائيلي من ثورة 21 سبتمبر”
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
سنحاول سريعا أن نقوم بجولة في العقل الإسرائيلي من زاويتين؛ الزاوية الأولى هي قراءة العقل الإسرائيلي للثورة اليمنية، والزاوية الثانية هي قراءة العقل الإسرائيلي لعقل أنصار الله في مقاربة التعامل مع العدو الإسرائيلي.
لا شك أن إسرائيل تنظر إلى الثورة اليمنية وما أنتجته من وقائع على مستويات كافة باعتبارها تهديدا واضحا على الأمن القومي الإسرائيلي، وعلى المصالح الاستراتيجية، وهو ما انعكس بصورة واضحة وصريحة في التقديرات الاستخبارية والعسكرية لطبيعة التهديد اليمني، إذ أطلق عليه اسم “تهديد الدائرة الثانية”.
عندما يتحدثون في إسرائيل عن دوائر التهديد، تجد الحديث عن تهديد الدائرة الأولى؛ لبنان وسوريا وغزة والضفة، والدائرة الثانية هي العراق واليمن، والدائرة الثالثة هي إيران.
طبعًا ترتيب التهديد ليس له علاقة بأهمية التهديد، ولكن مجرّد إضافة التعريف الرسمي للتهديد اليمني بأنه الدائرة الثانية، هذا يعكس التبني، أو الاستراتيجية الإسرائيلية لهذا التهديد وتوصيفه. والملاحظ أنه لا توصف دول أخرى في المنطقة غير العراق واليمن، على أنها تهديد ثانٍ، وهذا يلخّص فكرة التعامل الإسرائيلي مع التهديد اليمني.
يمكن القول إن القلق الإسرائيلي من الثورة اليمنية سببه مسألتين؛ المسألة الأولى هي الواقع الاستراتيجي السلبي الذي أنتجته الثورة اليمنية، والمسألة الثانية هي الرؤية الاستراتيجية لحركة أنصار الله تجاه إسرائيل.
نشير إلى أنه على الرغم من أهمية الحدث اليمني يقلل المسؤولون الإسرائيليون من إطلاق المواقف المباشرة ذات الصلة باليمن مباشرة، وهذا قد يكون مرتبطا بعدم إحراج السعودية وحلفائها في هذا الموضوع، والبقاء بعيدًا عن كرة النار اليمنية، وعدم الغرق مباشرة في هذا المستنقع.
كذلك الدراسات الاستراتيجية الإسرائيلية قليلة رغم أهمية وكثرة المقالات التحليلية ذات الصلة.
ومع ذلك فإن بعض الدارسات التي تعكس قراءة العقل الإسرائيلي للواقع اليمني عند مقاربتها لموضوع الثورة اليمنية تتحدث عن أن هذه الثورة أنتجت إرباكًا عند القادة الأمنيين الإسرائيليين لعدة أسباب، لأن الحديث يدور عن ساحة بعيدة، وعن عدو جديد بالنسبة للإسرائيليين عدو لديه بالنسبة للإسرائيليين مواصفات غريبة وغير معروفة، ويجب الحديث عن دمج بين متناقضين، بين الطابع العسكري الذي يقوم على البساطة من حيث التسلح، وما بين مقوّم الدولة الموجود. هذا الجمع الهجين بين العنصرين يعدّ موضع قلق عند الإسرائيليين.
ومع ذلك كان الاعتقاد سائدا بضرورة فهم هذا المكون؛ مكون أنصار الله، بسبب ازدياد أهمية هذا المكون في البيئة الاستراتيجية، وبالتالي فإن فهم هذا المكون ضروري جدا لترتيب سلم الأولويات الإسرائيلية.
بالنسبة لإسرائيل، فإنّ الثورة اليمنية أنتجت واقعًا استراتيجيًّا سلبيًّا لعدة أسباب؛ السبب الأول والرئيسي أن الثورة اليمنية، من وجهة النظر الإسرائيلية، نقلت اليمن من موقع إلى موقع، من معسكر إلى معسكر، نقلته من المعسكر السعودي، إلى معسكر المقاومة. وبالتالي هذا التحول هو الأهم، وهو الذي تبني إسرائيل على أساسه قراءتها للثورة اليمنية.
تموضع اليمن الجديد ضمن محور المقاومة هو السبب الأول والمنتج الأول لأسباب القلق الإسرائيلي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الإسرائيلي لا يتعامل مع النيات، بل يتعامل مع القدرات والإمكانيات. بمعنى أن العدو – بالقراءة الإسرائيلية – العدو الذي يقف مقابل إسرائيل، لا تعتني إسرائيل فقط بنيته، بمعنى هل هو الآن في وارد المواجهة أم لا، إنما تعتني بقدرته، وتبني سياستها واستراتيجيتها بناء عليه. بمعنى أنه في حال امتلك هذا العدو القدرة، فإنه يمكن في وقت من الأوقات أن يتخذ القرار ويغير النية، فهي تبني استراتيجيتها على هذا الأساس.
إذًا التموضع الجديد لليمن هو العنصر الأول، هذا التموضع يحوِّل الموقع الاستراتيجي لليمن إلى موضع قلق، فهو يشكل تهديدًا، وبخاصة على الملاحة البحرية، أو حركة السفن الإسرائيلية على أنوعها عسكرية ومدنية وتجارية..
العنصر الثاني من عناصر القلق هو التهديد العسكري المباشر الذي يمكن أن يشكله اليمن أيضا على الجبهة الداخلية الإسرائيلية في أي مواجهة مستقبلية. وهذا التهديد ليس مجرد سيناريو نظري، بل تتم مقاربته في إسرائيل على أنه سيناريو واقعي. والتصريحات الإسرائيلية كثيرة في هذا المجال، ويزداد هذا التهديد خطورة بالنسبة للإسرائيلي مع تزايد القدرات اليمنية الصاروخية والطائرات المسيرة وإلى ما هنالك، خاصة أن إسرائيل تراقب باهتمام كبير، وقلق شديد كل عملية إطلاق صاروخ باليستي أو غير باليستي، أو طائرة مسيّرة من اليمن، وتعمل محاكاة مباشرة على هذا الموضوع، كما حصل في أرامكو وغيرها، حيث كانت العملية حاضرة بقوة في الداخل الإسرائيلي.
كما تشكّل الثورة اليمنية تهديدًا سياسيًا على إسرائيل باعتبار أن اليمن الجديد لديه موقف سياسيّ واضح جدا تجاه القضية الفلسطينية تأييدًا، وعداءً تجاه إسرائيل.
أيضًا من مواقع القلق التأييد الشعبي اليمني العارم للقضية الفلسطينية، وزرع العداء لإسرائيل. وهذا بالنسبة لإسرائيل ليس تفصيلًا، بل له أهمية كبيرة على الموقف الشعبي، وعلى التطبيع وعلى إمكانية أن تنتقل عدوى الحراك الشعبي إلى مناطق أخرى.
يمكن القول إنه بقراءة العقل الإسرائيلي للثورة اليمنية يتضح أن الثورة اليمنية أعادت رسم خارطة البيئة الاستراتيجية لإسرائيل لتنتج بيئة أكثر تهديدا، وخطورة على إسرائيل وحلفائها في المنطقة، وهو ما ينتج تحديات ومخاطر حقيقية ضدها.
النقطة الثانية هي كيف يقرأ العقل الإسرائيلي العقل اليمني. مع التشديد على أن الرؤية الاستراتيجية لليمنيين تجاه إسرائيل هو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للإسرائيليين، إذ أنه يصيغ بناء عليها استراتيجيته في مواجهة اليمن.
النقطة الأولى التي تلفت الإسرائيليين في قراءة العقل اليمني هي الشعار؛ هذا الشعار اليمني الذي يكرر في كل المناطق ويظهر في كل المسيرات، يختزل بحدّ ذاته هذه الرؤية اليمنية الجديدة تجاه إسرائيل، وهذا موقع قلق كبير، لأن رؤية ملايين الناس يرفعون هذا الشعار، يعدّ أمرًا مقلقًا لإسرائيل لأن الشعار يعبّر عن مضمون.
ومع هذا يطرح في إسرائيل السؤال التالي: إذا كان هذا الشعار هو كذلك لماذا لم يبادر أنصار الله حتى الآن إلى العمل ضد إسرائيل؟
وفي معرض الإجابة يقدم خبراء في إسرائيل عدة تبريرات، فيتحدثون أولا عن عنصر الرد، بمعنى أن حركة أنصار الله تعتقد أن الرد الإسرائيلي قد يكون مكلفًا الآن، وبالتالي فهي في غنى الآن عن الدخول في هذه المواجهة.
العنصر الثاني هو عنصر الأفضلية والتوقيت، بمعنى أنهم في إسرائيل يقدرون أن الثورة اليمنية تعمل وفق الأولوية ووفق التوقيت والأولية الآن هي مواجهة العدوان السعودي، أما التوقيت الآن فقد يكون غير مناسب.
هذه نماذج من العناصر التي يتحدثون عنها في إسرائيل، على اعتبار عدم مبادرة أنصار الله لخوض معركة مع إسرائيل الآن، إضافة إلى القدرات، بمعنى أن الفاصل الجغرافي الكبير، ما يقارب 2000 كيلومتر بين اليمن وفلسطين المحتلة، والقدرات التي هي قيد التطوير الآن، لكنها كانت متواضعة في البداية، أيضًا تحول دون مواجهة كهذه.
هذا السؤال يتبعه بعض الخبراء بسؤال ثانٍ، ما هي الاحتمالات التي تجعل مكون أنصار الله ينتقل من “عدم العمل” إلى “العمل”؟
أيضًا هناك عدة احتمالات؛ أحدها ارتفاع منسوب التوتر بشكل كبير بين إيران وإسرائيل، لأن القراءة الإسرائيلية تعدّ اليمن جزءا من محور المقاومة، وبالتالي يعتقدون أن اليمن قد يكون حاضرًا في أي توتّر بين إيران وإسرائيل.
الاحتمال الثاني هو اعتقاد حركة أنصار الله أن المواجهة مع العدو الاسرائيلي تجلب لها مكاسب معينة خاصة بعد انتهاء العدوان الحالي، من قبيل أن هذه المكاسب تعطي مشروعية أكبر لحركة أنصار الله، وتبرر وتعزز لها عملية التسلح.
أيضا اعتقاد اليمنيين أن التصعيد في واحدة من الجبهات التي تواجهها إسرائيل سواء في لبنان أو سوريا أو غزة، هو لحظة مناسبة للتدخل، وهذا موضع قلق في إسرائيل ويؤخذ في الاعتبار، وقد يكون أحد العناصر التي تجعل العدو الإسرائيلي يفكّر مليًّا في أي عدوان يفكر في شنه باعتبار أنه لديه ساحة جديدة قد تفتح.
الاحتمال الرابع هو ظهور دور أكبر لإسرائيل في الواقع اليمني، هذا أيضا من شأنه جعل أنصار الله يبادرون إلى المعركة. أيضًا في حال بادرت إسرائيل إلى عمل وقائي ضد القدرات الموجودة في اليمن باعتبار أن هناك قلقًا إسرائيليًّا معلنًا من تعاظم القدرات في اليمن، سواء القدرات الصاروخية أو الطائرات المسيَّرة أو حتى الصواريخ الدقيقة، هناك قلق إسرائيلي معبّر عنه، وبالتالي نعرف أنه وفقًا للاستراتيجية الإسرائيلية فإن العمل الوقائي هو سيناريو مطروح على الطاولة، وبالتالي فإن لجوء إسرائيل إلى أي عدوان تحت عنوان عمل وقائي يجعل أنصار الله يبادرون.
الخلاصة -وفقًا للقراءة والمقاربة الإسرائيلية- إن أي هجوم يمني على إسرائيل أو مراكمة قدرات كبيرة يمثل تهديدًا مهمًّا على إسرائيل، ما يدفعها لمواجهة معضلة “هل تعمل إسرائيل؟ وكيف تعمل ضد أنصار الله في اليمن؟” وبالتالي سوف تجازف للانجرار إلى مستنقع اليمن.
إذًا، إن أي عمل عسكري يمني ضد إسرائيل سوف يضع معضلة أمام صنّاع القرار في إسرائيل حول أصل العمل ومخاطر العمل.
في المقابل، فإنّ التقليل من قيمة التهديد اليمني على إسرائيل، صحيح أنه يتيح لإسرائيل أن تتفرغ لجبهات أخرى، لكنّ هذا الأمر محفوف بمخاطر في ظل التهديد اليمني الذي يتشكّل ويتزايد وتتعزز قدراته.
ووفقًا لإحدى الدراسات، فإنّ معدّل التحسّن السريع للقدرات اليمنية، – مقارنة بين الاستخدام الأولي لقذائف الآر بي جي وصولا إلى استخدام الصواريخ الموجهة – هذا يظهر عمليّة تطوّر سريعة ونوعيّة تنتج معرفة، هذه المعرفة يمكن أن تنتشر ليس فقط في اليمن، وإنما أيضًا في جهات أخرى في أوساط المقاومة الفلسطينية أو حتى في حزب الله.
الأستاذ علي مراد – كاتب وباحث سياسي
الورقة: “أمريكا وثورة 21 سبتمبر”
السلام عليكم
كل عام وأنتم بخير بمناسبة الذكرى السابعة لانتصار الثورة المجيدة ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر.
اختصارًا للوقت سأتحدث بعجالة حول الموقف الأمريكي من ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر.
لكي نفهم الموقف الأمريكي من الثورة اليمنية يجب أن نفهم طبيعة النفوذ الأمريكي الذي كان موجودا في اليمن قبل هذه الثورة، باختصار بعد هجمات سبتمبر عام 2001 بدا واضحا أن الإدارة الأمريكية؛ إدارة بوش الابن، أرادت إقحام اليمن فيما سمّته بالحرب العالمية على الإرهاب. الوثائق لاحقًا ومؤخرًا كشفت أهمية اليمن في هذه الحرب التي شنّها الأمريكيون في أكثر من ساحة عربية وإسلامية. النفوذ الأمريكي الذي كان آنذاك والذي بدأ بالتعاظم بعد 11سبتمبر 2001م يمكن اختصاره بمكالمة هاتفية جرت في أواخر 2001 وبداية 2002، بين جورج تينت مدير وكالة الاستخبارات الامريكية الأسبق وعلي عبد الله صالح، وكيف كان يأمره بالإفراج عن أنور العولقي قائد تنظيم القاعدة في اليمن، ولاحقًا في الجزيرة العربية. عمليا النفوذ الأمريكي كان يتعاظم مع بداية العقد الأول من هذه الألفية في اليمن، وصولا إلى مرحلة الثورة عام 2011، كان السفير الأمريكي في صنعاء هو الذي يتدخل في الشاردة والواردة ويتدخل في مسألة التعيينات، وما يتم تقريره في قضية التسليح وفي كثير من الأمور، ووثائق ويكيليكس فيها الكثير من التفاصيل في هذا الإطار.
مسألة التعدي على السيادة اليمنية في موضوع الهيمنة الأمريكية كمثال شاهدنا بعض اللقطات في الفيديو الذي عرض ي البداية؛ مشهد تفجير الذخائر، هذه الذخائر هي عبارة عن صواريخ أرض جو قادرة على إسقاط المقاتلات المعادية، أجبر نظام علي عبد الله صالح من قبل موظف أمريكي على أن يفجّرها في الصحراء. إلى هذه الدرجة كانت أمريكا تتحكم وتمارس نفوذًا وهيمنة داخل اليمن، بعد الثورة الشبابية في فبراير 2011 تغير المشهد واعتقدت الإدارة الأمريكية أنه يحب المسارعة إلى تدارك الموقف وإعادة توجيه هذه الثورة إلى حيث تخدم مصالحها، فقاموا باستعمال السعوديين الذين كان لهم تاريخ في ممارسة نفوذ داخل اليمن عبر ما يسمّى باللجنة الخاصة لليمن، وسلطان بن عبد العزيز، وعبر بعض الأدوات في الداخل.
في عام 2012م خرج السفير الأمريكي في اليمن ليعلن اتفاق خروج علي عبد الله صالح خارج اليمن، واستلام عبد ربه منصور هادي، قال جملة هي دائما تستوقفني، أعلن عن الاتفاق، وقال: بعد هذا الاتفاق سيكون هناك عامان بفترة انتقالية وبعد انتهاء هذين العامين، سيكون هناك يمنٌ جديد.
حقيقةً تحققت نبوءة فايرستاين؛ آخر سفير أمريكي في اليمن، عام 2014م في الواحد والعشرين من سبتمبر تحققت هذه النبوءة بانتصار ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر وانتهاء النفوذ الأمريكي في صنعاء، لذلك نقول إنه بين مرحلة 2012 و2014م كانت هناك معارك ضارية حصلت في صعدة وفي أكثر من محافظة، كان السعودي يستثمر في أدوات وموارد من أجل محاولة كبح تقدم الثورة واتساع انتشارها من محافظة إلى أخرى وللحؤول دون وصولها إلى صنعاء. الأمريكي آنذاك كان هو من يدفع السعودي باتجاه ما كان يقوم به. هو وظف تنظيمات إرهابية ومارس اغتيالات، وأرسل انتحاريين إلى المساجد، هو فعل الكثير في محاول إعاقة تقدّم الثورة ووصولها إلى صنعاء وإعلان انتصارها.
لذلك الأمريكي كان يعرف أن أوراقه تنفد في صنعاء، وعمّا قريب سيضطر إلى المغادرة مطأطأ الرأس، وهذا ما حصل بعد انتصار الثورة، وقد شاهدنا لاحقًا من خلال ما صرح به مسؤولو إدارة أوباما، أن المشكلة يمنية يمنية، أو أنها خلاف مع السعودية، وهم لا علاقة لهم بذلك. وهذا الخطاب المراوغ والمنافق استمر عليه الأمريكيون، لأنه عمليًّا لو خرجت أمريكا وأعلنت أنها هي من أرادت إجهاض هذه الثورة ومنع انتصارها، سيكون الموضوع محرجًا بالنسبة لهم. لأنه لو أردنا أن نسأل السؤال المهم جدا في هذا الإطار؛ ماذا تريد أمريكا من اليمن؟
التطورات التي حصلت في اليمن كانت تتزامن مع إعلان الصين عام 2013 مبادرة الحزام والطريق، والممرات المائية بطبيعة الحال هي من الأمور الأساسية في مبادرة الحزام والطريق، وبالتالي الأمريكي إذا كان لديه توجه أو حاجة إلى أن يبقي اليمن ساحة لكي تفرّخ تنظيمات مثل القاعدة وأخوتها وأنصار الشريعة وأخواتها لاستعمالها في مآربه، آنذاك ازدادت أهمية اليمن بالنسبة للأمريكي. بمعنى أنه كان هناك قرار مركزي أمريكي على مستوى مؤسسات دولة الأمن القومي الأمريكي بعدم ترك الساحة اليمنية للمنافسين الدوليين، إضافة إلى أي قوة تحرر تسعى لانتزاع القرار اليمني واستقلاله. لذلك شاهدنا في الأشهر التي سبقت مباشرة انطلاق العدوان على اليمن، كانت هناك عدائية في تصريحات المسؤولين الأمريكيين ضد الثورة، وضد اللجنة الثورة العليا وضد الكثير من القرارات التي كانت قد بدأت اللجنة الثورية العليا باتخاذها، خاصّة في موضوع الانفتاح على الدول التي كان ممنوعًا على اليمن أن تنفتح عليها.
فجاء قرار العدوان ولاحقا فايرستاين نفسه اعترف في ما كان يكتبه في معهد الشرق الأوسط وحتى في مقابلات صحفية، بأن السفارة الأمريكية كان لها دور كبير للحؤول دون أن يصل الحوثيون إلى صنعاء. في نهاية المطاف وحتى اليوم موضوع النفاق الأمريكي في الخطاب تجاه اليمن على امتداد الإدارات وصولا إلى إدارة جو بايدن، نلاحظ دائمًا هذا الإصرار على النفاق والخداع عندما يتعلق الأمر باليمن، هم لا يريدون الاعتراف بشكل واضح وعلني وبيّن بأن لهم الدور الأبرز، وانهم هم من دعموا ودفعوا السعودي والإماراتي وتحالف العدوان لشنّ العدوان في مارس 2015م، وفي نفس الوقت يحاولون التنصل من الجرائم التي ارتكبت في اليمن بسلاح أمريكي وبتجسس أمريكي وبمعلومات ولوجستيات كلها أمريكية، وحتى ضباط على الأرض في بعض الأماكن في اليمن هناك تواجد عسكري محدود للأمريكيين.
الخلاصة، دائما هناك محاولة للتنصل لأن الخطاب الصاعد من صنعاء، خطاب الثورة، كان حريصًا منذ اليوم الأول على توجيه الإصبع إلى العدو الحقيقي إلى واشنطن، على حقيقة أن من يقف وراء هذا العدوان، ليس السعودي والإماراتي؛ هما أدوات منفذة، ولذلك عندما وصل جو بايدن إلى السلطة أراد أن يوحي بأنه عمليًّا يريد لعب دور الوساطة، فعيّن مبعوثًا إلى صنعاء، وصرّح بوقف دعم العمليات الهجومية. حقيقة ما يحصل اليوم هو أن الأمريكي اضطر إلى أن ينزل إلى الساحة بنفسه لكي يفاوض القوى الثورية في صنعاء، هو أرغم على ذلك، أرغمه الشعب اليمني ببطولاته على امتداد السنوات السبع من العدوان، وقبل ذلك في انتصار هذه الثورة.
في مرحلة ما قبل 2014م عندما كان الأمريكي يتحكم بالقرار اليمني، كان يطلب من نظام علي عبد الله صالح ويأمره فينفذ، اليوم هو يضطر للتواصل مع نظام الثورة في صنعاء، عبر وسطاء، ولكن المشهد معكوس، هو يحاول استجداء حل في اليمن، ويحاول أن يقول ” التفاوض معي وليس مع السعودي”، هذا ما كان يحاول قوله منذ عام 2016م عندما أرسل بعرض التفاوض بشكل مباشر مع طهران وطهران رفضت آنذاك وقالت اذهبوا وفاوضوا مع صنعاء. عمليًا الأمريكي هو يعاني حتى اليوم من ارتدادات انتصار ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، التي بالمناسبة لم يكن يتوقعها. إذا عدنا إلى وثائق ويكيليكس منذ السيد حسين بدر الدين الحوثي والبرقيات التي كان يرسلها السفير الأمريكي آنذاك والقائم بالأعمال، هم لم يكونوا يفهمون طبيعة الحركة الثورية التي كانت تتبلور في صعدة ولم يكونوا يتوقعون في يوم من الأيام أن هذه الحركة الثورية وهذا الفكر لثوري الوقّاد سوف ينتشر في محافظات اليمن، ويكون موجًا هادرًا في نهاية المطاف يقتلع كل الهيمنة.
الأستاذ طالب الحسني – كاتب وإعلامي
ورقة بعنوان: “أسباب ودوافع ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر”
السلام عليكم ورحمة الله
الحديث أولا إلى أين كانت تتجه اليمن بعد 2011؟ وأعتقد أن الجميع أشار إلى الكثير من التفاصيل، ولكن التفصيل اليمني بدءًا بالمبادرة الخليجية ومرورًا بالحوار الوطني وانتهاءً بموضوع الدول الراعية للآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية التي هي خمس عشرة دولة.
في النشيد الوطني نحن نردّد “لن ترى الدنيا على أرضي وصيًّا” في العام 2011 كان لدينا 15 وصيًّا مباشرًا. على الرغم من أن هذا النص كتب في السبعينات، ولم يكتب في التسعينات، كتب قبل اغتيال الرئيس الحمدي، وهو مصطلح الوصاية مصطلح جديد لم يدخل في أدبياتنا السياسية إلا في منتصف القرن الماضي، لم يكن موجودا على الإطلاق قبل 1962م، لأنه جاء بعد الوصاية المصرية مرورا بالوصاية السعودية.
في المبادرة الخليجية التي جمدت الدستور عطلت البرلمان وعطلت كل القوى السياسية أصبحت القوى السياسية مجرد أدوات تتحرك مع السعودية فقط، ولا يمكن الخروج عن هذه المبادرة، مع ذلك السعودية حتى الآن لاتزال تتمسك بالمبادرة رغم أن كل الذين وقعوها ماتوا تماما من الملك عبد الله إلى علي عبد الله صالح إلى عبد الكريم الإرياني إلى معظم الذين وقعوها، ومع ذلك لا تزال تعتقد أنها مرجعية صالحة للحوار، صالحة للمفاوضات.
المبادرة الخليجية وبعدها الحوار الوطني الذي كان من يناير 2012م حتى نوفمبر 2013م، هذا الحوار الذي كانت عناوينه فضفاضة وكبيرة جدا، لمدة سنة نتحاور، ونناقش شكل الدولة، شكل الجيش هيكلة البلاد، قضايا صعدة، قضية الجنوب، حتى قضية تهامة أخرجوها ولم تكن موجودة. أيضا شكل الدولة القادمة. رغم أن السعودية كانت تركب نظامًا بديلًا لنظام علي عبد الله صالح، اختارت رجلاً نائماً منذ 17عامًا، نائب رئيس من دون صلاحيات، ولم يكن يحلم أبدًا أن يتمّ اختياره، ولكنهم اختاروه، وأقصد عبد ربه منصور هادي، أرادوا تركيب نظام بديل لعلي عبد الله صالح، عملوا على هيكلة الجيش، اختاروا بعض الأشخاص من نظام علي عبد الله صالح، ورشحوها لنظام عبد ربه منصور هادي، ثم اختاروا قوى سلفية جديدة، بعضهم من حزب الرشاد، وبعضهم من المتطرفين في حزب الإصلاح وحزب الاخوان المسلمين، ثم ركبوا نظامًا هشًّا واختاروا عنوانًا في الحوار الوطني، ألغوا جميع العناوين التي تم التفاوض عليها واختاروا عنوان الدولة الاتحادية اليمنية المقسمة إلى ستة أقاليم. هذا المصطلح -مصطلح الأقاليم وفكرة الدولة الاتحادية -لم يكن موجوداً ولم يفكر فيه أحد من قبل، وردت عن بعض السياسيين أو بعض دكاترة الجامعة في بعض الحالات نكاية بعلي عبدالله صالح بعد ظهور أحداث في الجنوب. هذه الفكرة -فكرة الأقاليم- لا تنفع في اليمن، لكنهم ألغوا كل شيء وركزوا عليها، وهي لا تزال تذكر الآن.
فكرة الأقاليم كانت خطوة أولى نحو تفكيك الدولة اليمنية لأن خارطة بناء الأقاليم كانت مبنية على أساس أن يكون هناك ميول للانقسام، لولا ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، كنا سنأتي هذا العام مع بوادر لتفكيك اليمن، وربما كان هناك انقسام، خاصة أنهم ألغوا فكرة الدولة المركزية تمامًا؛ فالنظام الإقليمي يحتاج إلى دولة مركزية قوية تستطيع الحفاظ على قمع أي إقليم يريد أن يستقل، لكن ما عملوا عليه هو إيجاد الأقاليم قبل الدولة المركزية.
أمام من سقطوا في الداخل، هي قوى نفوذ معروفة، لكم أن تتخيلوا أن أحد النافذين هو رئيس البرلمان وأبناؤه العشرة أيضًا هم أعضاء في البرلمان، وجميعهم يعمل مع السعودية ومع الولايات المتحدة الأمريكية.
الفروق الجوهرية بين ثورة 2011 و2014 أن ثورة 2011 كانت تستدعي الخارج بصورة مطلقة، كانت تستدعي المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج، لا يمكن أن تتحرك دون أن يكون هؤلاء موجودون، حتى أن أبرز المشائخ قال إنه لا يجب أن تؤذى الولايات المتحدة الأمريكية على منصة ساحة الثورة وساحة التغيير. وبالمناسبة نحن كنا جزءا من ثورة 2011م، أنا شخصيًّا تواجدت في الساحات لعامين.
أما ثورة 2014م فقد جاءت لإخراج هذا التدخل الأجنبي، لأنه كان كارثة اليمن الحقيقية، كانت ثورة من الأعلى إلى ألأدنى، أسقطت الوجود الأمريكي والوجود الخليجي والوصاية بشكلها التقليدي والجديد، إلى أن انتهت بسقوط الأدوات بمجرّد أن رحلت الولايات المتحدة الأمريكية.
وأشير إلى أنه لولا فضل الله سبحانه وتعالى أوّلًا ولولا وجود القائد السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي كان سيصعب قيام ثورة جامعة وإيجاد قيادة ثورة جامعة، لأن ما حصل في 2011م أن نصف النظام الذي كنّا نريد أن نسقطه كان يقود الثورة الجديدة التي من المفترض أن تحكم إلى ما لا نهاية. إذًا لولا قيادة السيد عبد الملك الحوثي كان سيصعب إيجاد قيادة توحد الثوار وتوحد الثورة.