الهجرة النبوية عِبرٌ وعِظات

نوال أحمد

 

إنَّ هذا الحدث الذي غير مجرى التأريخ، الحدث الذي يحمل في طياته معاني الشجاعة والتضحية والإباء، والصبر والنصر والفداء، والتوكل والقوة والإخاء، والاعتزاز بالله وحده مهما بلغ كيد الأعداء، إنه حدث الهجرة النبوية الذي جعله الله سبحانه طريقا للنصر والعزة، ورفع راية الإسلام، وتشييد دولته، وإقامة صرح حضارته، فما كان لنور الإسلام أن يشع في جميع أرجاء المعمورة لولا إرادة الله سبحانه وتعالى( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا )سورة الفتح- آية(28) وفي آية أخرى يقول سبحانه وتعالى وقوله الحق( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْـمُشْرِكُونَ )سورة الصف آية (9)، لقد أكّد الله سبحانه وتعالى بأن دينه هو دين الحق وأنه محتم له الظهور ولو كره المشركون، وهو(الله تعالى) الذي وعد أنبياءه ورسله وأنصار دينه المؤمنين في كل زمان ومكان بالغلبة والانتصار على أعدائه وأعداء دينه( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ) ولله الحكمة البالغة في شرعه وكونه وخلقه.
إن النبي الكريم صلوات الله عليه وعلى آله تأذى كثيراً من قِبل المشركين وأوذي إيذاءً شديداً لم يتعرض لمثله نبي من الأنبياء قبله، كان المشركون يحتقرونه ويكذبونه ويسخرون منه، اتهموه بالسحر والكذب وقالوا عنه مجنون، كانوا يشوهون تعاليمه الشريفة ويثيرون حولها الشبهات، أنزلوا به أشد العقوبات ومارسوا عليه كل الضغوطات الجائرة بغية أن يكف عن تبليغ رسالته أو يتراجع عن دينه ومبدئه، كانوا يفاوضونه بعد ذلك فيعرضون عليه أن يتنازل عن حركته وتعاليم الإسلام مقابل أن يتركوا بعضاً مما هم عليه، لكن النبي محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، كان يقابلهم بالرفض وعدم المساومة على دينه فتمسك بقضيته العادلة والمحقة وظل يدعوهم”13″عاماً فاغتاظ المشركون منه كثيراً إلى أن بلغ بهم الحال أن يقوموا بسجنه ـ حصاره ــ بل والتآمر والتخابر عليه بالقيام بقتله، ومع كل ذلك الرسول صلوات الله عليه وعلى آله ـ كان على مستوى عالٍ من الاستعداد على التحمّل والبذل والعطاء والتضحية في سبيل الله إعلاء لكلمة الله، ونصرةً لدينه.
فرغم عداء المشركين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وإيذائهم له والمعاناة الكبيرة التي لحقت به من جانب المشركين في مكة، إلا أنه صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين ــ كان يحمل الإيمان العظيم والصبر الكبير على التحمل حيث أصر على موقفه وعلى ماهو عليه من الشجاعة والثبات ، كان يقول لهم بعزة وشموخ، «والله لو وضعتم الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه » إلى أن جاءه التوجيه الإلهي بالهجرة من ذلك المجتمع المكي الذي سلب التوفيق وحرم الشرف لرفضه رسالة الحق وعظمة النور والهداية، فتوجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك ومعه قلة قليلة من المؤمنين إلى المدينة والإيمان الأصيل يملأ القلوب، وآي التنزيل تنير لهم ظلمة الليالي، وراية التوحيد تفتح أمامهم طرقاً كانت ضيقة، وتزيح أمامهم عراقيل الجبال الشوامخ، فإذا أفقُ طيبةَ الطيبة يتلألأُ من بعيد وهو قريب، طابت بخير قادم عليها، فهام أوسها وخزرجها على روابيها بصدور رحبة، تحيي الأمين وصحبه(النبي ورفاقه) فرحة بخير قادم عليها، والمحبة أوثق العرى مع من ربطتهم به (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) رابطة الإيمان والتقوى .
إن في هذا الحدث العظيم من الآيات البينات والآثار النيرات والدروس والعبر البالغات ما لو استلهمته أمة الإسلام اليوم وعملت على ضوئه وهي تعيش على مفترق الطرق لتحقق لها عزها وقوتها ومكانتها وهيبتها، ولعلمت علم اليقين أنه لا حل لمشكلاتها إلا بالعودة إلى القرآن الكريم، ولا صلاح لأحوالها إلا بالتمسك بالقرآن وبأعلام الهدى السائرين على النهج والدرب المحمدي الأصيل ، لتعلم الأمة الإسلامية بأن قيامها ونهوضها لن يكون إلا بقيام دين الحق وبقيام العدل، إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومواجهة من يعيثون في الأرض الفساد أمريكا وإسرائيل ومن يتولونهم من المنافقين ، ولن ينال المسلمون العزة والكرامة والنصر والتمكين إلا بالجهاد في سبيل رب العالمين ضد أعدائه وأعداء الدين والبشرية اليهود والنصارى ، وهيهات أن يحل أمن أو رخاء أو سلام إلا باتباع نهج الأنبياء والأئمة الأطهار من أهل بيت رسول الله صلوات الله عليهم . إذا تحقق ذلك ، وتذكرت الأمة هذه الحقائق الناصعة وعملت على تحقيقها في واقع حياتها فإنها قد امتلكت السلاح الفاعل الذي تقاتل به، والدرع الحصين الذي تتقي به في وجه الهجمات الكاسحة والصراع العالمي العنيف، فالقوة لله جميعا، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين.

قد يعجبك ايضا