عن الإرهاب باسم العلمانية والتركيبة القاتلة

 

 

مثلما ابتُليَ الدين بمن يحاول جاهدا سرقته والاستحواذ عليه ووضعه في قوالب جامدة وإعادة إنتاجه وتسويقه بما يتنافى ولغة التنافس الخلاق الذي يحترم العقل ، وكأن رؤية المعري للواقع الإنساني حكمٌ مطلق: (إثنان أهل الأرض ذو عقلِ بلا دينِ وآخر ديِّنٌ لا عقل له)، بل إن مختطفي الدين هؤلاء تعمدوا تشويهه وإلباسه ثوب الاكراه لاعتبارهم إعمال العقل جريمة ومن يخالفهم كافر يجب قتله.
كذلك ابتلي العلم بمن يحاول باسمه فعل ما فعله ويفعله مختطفو الدين، حيث مارسوا الإرهاب باسم العلمانية ضد المتدينين ممن لا يستبيحون قتل الناس لمجرد القتل.
والمعروف أن النظريات العلمية تقوم على الأرقام تعريفاً واستنتاجاً ويدعي بعض أصحابها أنها غير قابلة للجدال أو اختلاف الفقهاء وهو ادعاء يكذبه التطور العلمي وتناسخ النظريات ، وكثيراً ما أدى هذا الادعاء إلى الإرهاب باسم العلمانية ضد التدين الدعوي وليس الجهادي كما أشرنا أي ضد من يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة أما من يقتل الناس في الأسواق والأماكن العامة فهي منظمات أكد بعض المسؤولين الأمريكيين أنها من صنع مخابراتهم بالتعاون مع المخابرات البريطانية والصهيونية ، والمثال الذي لا يزال حياً في الأذهان ما تقوم به من دور مفضوح في إعادة تسليم أفغانستان لطالبان لاستمرار محاولة شرعنة التدخل في هذا البلد بذريعة محاربة الإرهاب الذي صنعته !!؛ أما المثال الثاني فهو ممارسات بعض أجنحة الأحزاب التي أضاعت نفسها وبلدانها من خلال نظرتها الشمولية وطيشها السياسي ونرجسيتها الحزبية وتناحر الرفاق بدعوى الدفاع عن الاشتراكية العلمية.
ما أسوأ الاستبداد حينما يتحول إلى مؤسسة سواء جاء بـ(ثياب الرهبان أو قرون الشيطان) كما قال المرحوم القاضي عبد الرحمن الارياني !، وما أفظع الأحزاب والجماعات والهيئات والمؤسسات حين تتعمد تحويل المقدسات إلى أدوات بالغة القسوة بأيدي من يحطم بها روح الانسان ووجدانه، وما أقسى أن يحول الاستبداد نور العلم إلى نار تشوي الوجوه والأفئدة، والدين إلى ريح صرصر عاتية تعصف بالإنسان وتحول الجمال إلى جريمة والتدين إلى قبر شديد الظلمة.
نعم حين تصبح العلمانية أصولا جامدة، ينتفي الفرق بينها وبين السلفية الجهادية بكل أشكالها، طبعا المقصود بالجهاد هنا المعنى الضيق الذي فرضته ممارسات الإرهاب باسم الدين.
إن الأصولية العلمانية والأصولية الدينية الإرهابية تنبعان من مصدر واحد وتؤديان جميعها إلى المقبرة لأن حركاتها وسكناتها تديرها مؤسسات شريرة لا علاقة لها جميعها بالدعوة إلى الحرية والسلام.
لكن هذا التحدي الأليم والمشهد الحزين للتحكم في حياة الانسان تعمل قوى الخير على تحويله إلى فرصة لإعادة التفكير والقراءة السليمة لما يواجه السلام العالمي من مخاطر بحثاً عن القواسم المشتركة للتعايش بين الدين والعلم بما يعطي كل منهما مكانته، والمدخل لذلك يكمن في المعرفة والإيمان بأهمية الحرية والعدالة وتنسيق تضحيات الانسان في بقاع الأرض لجعلها تصب في موقع الاستحقاق ليس لإنهاء الشر والاستبداد الداعم له في هذا العالم لأن تلازم وجود الخيروالشرمن سنن الحياة وإنما للوقوف ضد تسيّده وجعله حاكماً للعالم!!.
إن واقع أغلب رموز السياسة والدين لصوص على شكل زعماء ذخيرتهم الجهل ومنهجهم التجهيل لشرعنة لصوصيتهم والاحتفاء بها.
لقد تحولت الثورة وإعادة بناء الدولة إلى عناوين خادعة من أهم أدواتها استخدام الدين والعلم معاً في التضليل لتصبح النظريات العلمية توابيت مصمتة غير قابلة للنقاش ، ويصبح الدين تمائم يحتويها الطغاة المتزعمون باسمه ومستغلو قدسيته، لا فرق بين خطيب (جُمعة) يعلن مقدمه حرمة مقاطعته ليجلد مشاعر الناس ويبصق في عقولهم الكراهية والبغضاء بكل أريحية، ويغرس بذور الخلافات لا فرق بينه وبين زعيم (سَبت) يدعي العلمانية ويعين الفاسدين ثم يشكو الفساد ، يدير البلاد حقيقة أو حكما ويتذمرمن أوضاعها التي يندى لها الجبين.
هناك رؤساء دول تدعي الجمهورية تحولوا إلى ملوك متخلفين حين تخاطبهم بضرورة احترام قانون ما يردوا عليك بجرأة: (لدي ملاحظات على القانون)، أو: (القانون ليس قرآناً منزلاً) متجاهلا أن قوله علامة جهل فاضح بالقرآن والدين.
إذاً نرجسية المستبدين إن باسم الدين أو السياسة جسدٌ واحد يجثم على صدر الوطن ، فما إن يخطو خطوة نحو محاولة تحقيق حلمه بالثورة إلا ويقف في وجهه كابوس الخلط غير الواعي بين الدين والسياسة ليجعل منهما أحجية لمعاناة دائمة ، في ظلها ترى الدين غطاء للهروب من مقتضيات المسؤولية القانونية المدنية والسياسية والاجتماعية ، والعلم مجرد ادعاء لا يختلف عن ادعاءات مغتصبي الدين والمتاجرين به ، وما المزاجية في سلوك بعض الرؤساء وشاغلي الوظائف العليا للدولة وطريقة إدارتهم شؤونها وفق ما ورثوه من صلاحيات مطلقة وعدم قدرتهم على التمييز بين إدارة مزارعهم الخاصة وإدارة الدولة الواقعة تحت سلطتهم سوى تعبيرعن مستوى الخلط بين قدسية الدين وحرمة العلم إلا مقدمة نتيجتها كل هذا الضياع وهذا السلوك هو سبب معظم الثورات إن كان هناك ثمة ثورة تستحق الاحترام.
(أنشد الراحة البعيدة لكن * خاب ظني وأخطأت أحلامي
فمعي في جوانحي أبدُ الدهرِ فؤادٌ إلى الحقيقةِ ضامي)
(أبو القاسم الشابي – مخاطباً رفيقه)

قد يعجبك ايضا