زراعة القمح في تهامة وجدت أيام الدولة الرسولية وهي اليوم تبشر بالخير
مدير فرع مؤسسة الخدمات الزراعية في زبيد لـ”الثورة”: بدأنا في تصنيع الأساسات الشمعية ونشر الخلايا الهندسية الحديثة لتربية النحل
الدولة معنية بتقنين التدخلات الخارجية للمنظمات فيما يخص البذور
القطاع الخاص مدعو للاستثمار في مجال التسويق الزراعي والزراعة التعاقدية
قال مدير فرع مؤسسة الخدمات الزراعية في زبيد المهندس حسام الدين عبدالله فقيرة أن الزراعة في تهامة مبشرة بالخير الوفير، مشيرا إلى أن مشكلة المزارع التهامي متوقفة عند ضرورة توافر السوق المزود بالبرادات والحوافظ الغذائية ذات التقنية الحديثة الكفيلة بالحد من نسبة الفاقد، والتي من خلالها يمكن للمحصول أن يستمر لفترات أطول كي يباع بقيمة مجزية بدلا من الاضطرار لبيعه بأي ثمن أثناء الموسم تحاشيا لتلفه.. وفي اللقاء تناول فقيرة العديد من القضايا المتعلقة بالزراعة، فإلى التفاصيل:
الثورة/ يحيى الربيعي
* في البداية نود أن نعطي القارئ بطاقة تعريفية عن حياة المهندس فقيرة مع النحل وصناعة الأسمدة؟
– رافقتني هواية البحث منذ نعومة أظافري، اشتغلت مع والدي في الصيدلية عدة سنوات، وبعدها سافرت للدراسة في الجانب الزراعي، وفور عودتي التحقت بالعمل كمهندس زراعي. ومن حبي لتربية النحل تعينت مسؤولا عن وحدة النحل في المنطقة ركزت اهتماماتي حول البحث والتجريب على منتجات النحل، ومنها بدانا برفقة المهندس عبدالوهاب الشرجبي وبعض الزملاء في وحدة النحل في تصنيع الأساسات الشمعية ونشر الخلايا الحديثة بمقاييس مختلفة حيث أنتجت مؤخرا الخلية الهندسية المكونة من 12 إطارا، وهي الخلية الملائمة للمنطقة، فكان النحالون لا يستفيدون من منتجات النحل الثانوية مثل الشمع وغيره، وكانوا يكتفون بأخذ العسل فقط.
ومن الشمع بدأت أصنع “الفازوليف” ( فازلين طبيعي 100 % ) ضد تشققات الجلد و الشفايف، بالإضافة إلى الأساسات الشمعية، كما يوجد لدينا منتجات لمكافحة الآفات على النحل بأعشاب طبية وباستخدام الثوم والزعتر لمكافحة القروة ولزيادة الحيوية والنشاط عند المملكة يزيد من عدد البيض.
* وماذا عن تصنيع الأسمدة التي سمعنا أنك تقوم بها؟
– لدينا كذلك مبيدات طبيعية بدأنا ننشرها في المنطقة باستخدام الثوم والبسباس يستخدمها لأصحاب الحدائق المنزلية يتم طحنها والنقع في الماء لمدة 24 ساعة بعدها يتحول إلى سائل جاهز للرش بعد تعديله بنسبة 3:1 مع الماء.
الآن لدينا مشروع نعمل عليه، وهو إنتاج الأسمدة العضوية الصلبة والسائلة بالاستفادة من مخلفات الأشجار والنبات واستغلال مخلفات الموز + مخلفات الحيوان + مخلفات المدينة.. نعمل لها عملية “كمر” لمدة شهرين كي تخمر، وتصف على هيئة طبقات فوق الأرض.
ونستخدم طريقتين للتحاليل إحداهما هوائي، والأخرى لا هوائي ونستخلص من الكمبست سمادا سائلا، نأخذ من الكمبست المخمر الجاهز، ونقوم بنقعه في الماء لمدة ثلاثة إلى أربعة أيام.. ثم نعطي كل عشرة لترات ماء كيلو كمبست ونأخذ المستخلص للاستخدام في الزراعة مباشرة.
* ما الذي يُزرع في زبيد؟
– ما يزرع في زبيد هو كل ما تطيب له النفس من محاصيل حبوب وخضروات وفواكه.. زبيد جزء من سلة اليمن الغذائية.. وفي الساحل التهامي هناك ما يقرب من 2 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة، ولا تحتاج إلا من يستثمرها.
* ولماذا لا يستثمرها أبناء المنطقة؟
– المعوقات كثيرة منها تدهور التربة المستمر ويعود لعدة أسباب منها الاعتماد الكلي على الأسمدة الكيميائية والمبيدات ذات الأثر المتبقي الطويل والمخصبات وانجرافات التربة بسبب السيول وتفكك التربة بالرياح لقلة المواد العضوية فيها والتملح وغيرها الكثير من العوامل، ومن العوامل الأخرى المياه التي تهدر من إجمالي مياه سيو ل الامطار التي تصب في سهل تهامة من المرتفعات والتي تصل إلى 40 % حيث أنها تهدر دون الاستفادة منها ناهبك عن الأودية الفرعية الهامشية والسيول التي لا يستفاد منها مطلقا أضف إلى ذلك ضعف جهاز الإرشاد الزراعي جميعها عوائق تقف أمام المستثمرين إضافة إلى مشكلة التسويق، وأي تحسين في أي منطقة أو إدخال تقنيات حديثة يعتبر خارج الجدوى الاقتصادية مالم يتم التغلب على نسبة الفاقد بسبب غياب سياسة التسويق الناجحة.
* أنتم في مؤسسة عامة للخدمات الزراعية ما الذي تقدمونه؟
– مهمتنا في مؤسسة الخدمات الزراعية هو توفير المدخلات والإرشاد، وفي الجانب التسويقي معنا الأخ المدير العام للمؤسسة عدنان حاشد يحاول جاهدا إيجاد حلول لمثل هذه المعوقات فأرسل لنا بعض الأسمدة إلى منطقة الجاح والبعض إلى زبيد أسمدة عضوية من إنتاجنا المحلي إلى التحيتا لأصحاب النخيل برفقة مدير الفرع بالحديدة الأخ حسن الطشي
ونسعى لتنظيم عملية التسويق ولكننا نواجه العديد من المشاكل من بداية الحصاد حتى نوصل المنتج إلى المستهلك، ونسعى لتصحيح المفاهيم والتقليل من نسبة الفاقد العالية جدا، وهي نسبة ترافق المحصول من بداية زراعته إلى مرحلة الجني، وإلى المستهلك مرحلة ثانية الفاقد.
ونسبة الفاقد في مرحلة الجني تكون أعلى، تلحقها التعبئة والنقل والطرقات، لا يوجد وسائل تعبئة بعبوات خاصة لكل محصول بحيث يتم مراعاة خصائص كل منتج، فالسلة التي نعبأ فيها الطماطم هي نفسها التي نستخدمها في تعبئة البطاط.
وجود وسائل تعبئة لكل منتج بالتأكيد سيخفف من نسبة الفاقد، أضف إلى ذلك غياب البرادات (الثلاجات) ومشكلات كثيرة تحتاج إلى معالجات طارئة للتخفيف من منسوب الفاقد أولا، لأن الفاقد كبير، والمزارع غير مستعد للمغامرة بجهده وماله قبل أن يتم التغلب على هذا القدر من الفاقد.
* ولماذا لا يستثمر أبناء المنطقة في هذا المجال طالما والحاجة ملحة إلى هذا الحد؟
– هنا أسواق بدأت في الظهور خلال هذه الفترة، فعلى سبيل المثل تم تنشيط سوق الحسينية الذي كان مغلقا منذ سنتين ليتم التصدير منه، كما نحاول توفير سوق في القناوص خلال هذا العام بإذن الله، وسنبدأ ببرنامج تنظيم عملية تسويق لمحصول البصل بحكم أن المنطقة من أشهر المناطق في زراعة البصل، وإن شاء الله الأمور في طريقها إلى التحسن قليلا.
* هل تتوفر البرادات في سوق الحسينية؟
– ستظل الحاجة ماسة إلى وجود مخازن معدة بتقنيات التبريد والحفظ لمدى أبعد كي لا يضطر المزارع نظرا لغياب هذه الإمكانيات إلى بيع منتجه بسعر زيادة عرض في ظل طلب قليل.. أحيانا يكون المطلوب تأخير منتج معين في ثلاجة لمدة لا تزيد عن أسبوع إلى أسبوعين ويباع بأضعاف القيمة التي يباع بها أيام البورة تفاديا للتلف.
* وماهي الحلول من وجهة نظركم؟
– القطاع الخاص هو المعني الأول بالاستثمار في هذا الجانب، وهي مشاريع مربحة ومفيدة للغاية، وجود قدرات التبريد والحفظ لفترات زمنية يعطي فوائد كثيرة للمزارع ومتعهد الأسواق والتجار والمستهلك، لأن المنتج سيستمر عرضه في الأسواق لفترات طويلة.. إن وجود أسواق نموذجية مجهزة بإمكانات وقدرات الحفظ والتبريد السليم هو الضمان الأكيد لنجاح العملية الزراعية في اليمن بصورة عامة.
* ماذا عن زراعة القمح في تهامة؟
– لدينا في المنطقة الشمالية تهامة تجربة لمحصول زراعة القمح، حيث زرع في ظروف غير ملائمة وفي تربة غير ملائمة من منظور الخبراء الأجانب، ولكننا على العكس من ذلك حققنا نتائج مبهرة وتعتبر بالنسبة لنا كمؤشر ورافع يزيد من إصرارنا على تحقيق النجاح في زراعة القمح في تهامة.
زرع القمح في 26 /12 وفي شهر واحد، وبعد الموسم أعطت السنبلة الواحدة 46 حبة، في كل الحقول التجريبية، ولدينا الإرادة هذا العام لزراعة القمح في 20 مديرية، حيث أن كل مناخات زراعة القمح من تربة ودرجة حمضية ودرجة حرارة، كل ذلك متوفر.
سنزع هذا العام 20 مديرية، وفي كل مديرية سنزرع معاد كحقول إيضاحية وبثلاث مكررات، ونعمل تحليل مقارنة بين الحقول للخروج بخلاصة أي المناطق أكثر قابلية لزراعة القمح، ومن الموسم القادم سندشن بإذن الله تعالى زراعة القمح في تهامة بشكل رسمي وبكميات تجارية.
في التجربة الأولى، كان همنا يدور حول هل ينبت؟ وعندما نبت، تساءلنا هل سيخرج من النبات حبا؟ ولما أخرجت النبات حبا، صارت لدينا طموحات أكبر في قياس أي المناطق أكثر إنتاجا وموائمة لزراعة القمح بكميات تجارية.
* هل زرع القمح في تهامة من قبل؟
– نعم زرع في عهد الدولة الرسولية، وكانت زراعته تغطي احتياجات المنطقة بأكملها إلى باب المندب، هكذا مدون في كتب التاريخ، لسنا أول من سيزرع في تهامة، وإنما سنكون من يعيد أمجاد هذه المنطقة في زراعة هذا المحصول الغذائي المهم، لعلمك حتى الأزر كان يزرع في وادي زبيد.
* الملاحظ أن الزراعة في بعض المناطق تبشر بصفر محصول؟
– أنت شاهدها اليوم، واليوم ليس بموسم زراعي، معظم الزراعة الموجودة في هذه المناطق هي عبارة عن أعلاف للمواشي، وموسم الزراعة الحقيقي سيبدأ منتصف شهر ثمانية.
* وما الذي تشتهر بزراعته تهامة؟
– نزرع الخضار ومعظم الحبحب والشمام والدخن يأتي من الزيدية.. قبل دخول التقنيات الزراعية الحديثة كنا نزرع موسما واحدا، الآن لدينا محاصيل تزرع على مدار العام في معظم مناطق تهامة.
* وما الذي نحتاجه لزراعة تهامة بكامل قدراتها الإنتاجية؟
– نريد من الدولة أولا منع التدخلات الخارجية، نحن نسعى في تبني عمليات استصلاح لإحياء التربة من جديد، والحفاظ على التوزان البيئي في المنطقة، ولكن في ظل تدخل أصحاب المنظمات والشركات الخاصة، وبالذات في المناطق التي نشتغل عليها، لن ننجح وكل واحد يأتي ببذور محسنة بطريقته ويقوم بتوزيعها على المزارعين، أغلب هذه البذور لا تزال تحت التجربة، وهذه المنظمة أو تلك الشركة تريد أن تحول تهامة إلى حقول تجارب.
والمفترض عدم السماح لهؤلاء بالدخول إلا عبر جهات معنية تقوم بعمليات الفحص والتدقيق والتجريب من أجل التأكد من سلامة هذه البذور ومن صلاحيتها ومواءمتها للتربة في تهامة، ولا يتم توزيعها إلا عبر مختصين وتحت أعين الجهات المختصة كي يتم قياس مدى مواءمتها مع التربة أثناء الزراعة وعند المحصول ومعرفة ما الأضرار أو الفوائد التي يمكن أن تنتج عن زراعتها، أما الدخول العشوائي فهذا يتعارض مع عمليات الاستصلاح.
* وماذا عن مصادر المياه؟
– فيما يخص مصادر المياه تعد تهامة فوق خط الفقر، تهامة لا تشكو من نقص في مصادر المياه، تهامة مقسمة إلى ثلاث مناطق، متوسطة الخطورة، وآمنة، ومناطق خطرة.. المناطق الآمنة هي من بداية مسقط وادي زبيد حتى الحاجز رقم 3، والمناطق متوسطة الخطورة تبدأ من بعد الحاجز رقم 3 وحتى وصول الأسفلت، ومن غرب زبيد في المناطق الرملية نسميها مناطق خطرة، ليس لأنها تفتقر للمياه، فالمياه متوفرة، إنما التغذية أقل وهناك خشية من ارتفاع نسبة الملوحة، ودخول مياه البحر غير الصالحة للري. كما تصب في تهامة العديد من الوديان ولعلها أشهر زبيد ووادي مور وموزع وسهام وسردود.
وتوزيع مياه الري يتم حسب قانون الجبرتي الموجود منذ مئات السنين القنوات ولكل منطقة نصيبها حسب الموسم وبحسب المحاصيل وبحسب كمية تدفق المياه، ليس هناك مشاكل حتى وادي رماع له نظام متعارف عليه. المشكلة تكمن في عدم استفادتنا من كمية المياه التي نتلقاها من المرتفعات والتي تصل إلى 470مليون متر مكعب سنويا فيما أن 40 % منها يهدر لضعف الإدارة القائمة على هذه الأودية وعدم مقدرتها على رسم برامج وخطط تصب في القيام بالتوسع في بناء السدود والحواجز التحولية وقنوات الري والعمل على صيانتها بتمويل حكومي أو مجتمعي أو حتى مشترك.
في الأخير أدعو جميع القطاعات المعنية بالتنمية الزراعية للجلوس على طاولة واحدة لرسم خطة ووضع استراتيجية موحدة محدد هدفها والعمل بروح المؤسسة الواحدة يسودها التجانس والتنسيق والتكامل من اجل تحقيق الاكتفاء الذاتي وتحرير أنفسنا من هيمنة الدول المتحكمة في غذائنا.