استبشرنا خيراً بإنشاء الهيئة العامة للأوقاف، وزاد الاستبشار لأن من وضع على رأسها إنسان معروف بالورع ، وحريص على القيام بأعباء المسؤولية كاملة وهو العلامة عبد المجيد الحوثي الذي أعرفه شخصياً وأعرف أنه على درجة عالية من الفهم بأمور الدنيا والدين ، وقد بدأ انطلاقته الأولى بأعمال كثيرة، لكن وكما يُقال (السيئة تمحو الحسنة ) ليس من قبل الأخ عبدالمجيد حاشا لله أن يقترف سيئة لكن من الطابور الخامس الذي لا يزال محيطاً به ويعمل على تشويه الصورة ليلاً ونهاراً، فلقد حاولت قبل أيام الدخول إلى جامع الرضوان ، لكني فوجئت أنه مغلق قالوا بسبب انعدام المياه، ولجامع الرضوان هذا حكاية طويلة ، إذ كان آخر شيء بناه الإمام أحمد- رحمه الله- وأوصى أن يُقبر بجانبه ، وبالفعل قُبر بحانب الجامع، لكنه تحول إلى مزبلة ، في البداية سكن فيه المصريون ثم احتلته نقابة الأطباء وأخيراً نقابة أطباء الأسنان .
في ظل العقول الجاهلية كان البعض يعتقد أن الثورة تعني اجتثاث كل شيء من الماضي بما في ذلك المساجد ، وهذا ما حدث لجامع الرضوان إلى أن جاءت ثورة 21سبتمبر، فأجتمع أهل الخير وأعادوا تأهيله كاملاً وكان في مقدمة هؤلاء الأخ عبد الرحمن علي حميد الدين ، الذي قال إن تكلفة إعادة تأهيل المسجد وصلت إلى ستين مليون ريال ، لم تُسهم الأوقاف بريال واحد مع أن للجامع أوقافاً تتمثل في الدكاكين التابعة له على شارع جمال تصل إلى إثنتي عشرة فتحة “وبكم الفتحة في هذا الشارع؟!”، إلا أن العائدات تذهب إلى مكتب الأوقاف بالأمانة ، وهذا المكتب يستغرق المال دون أن يُقدم شيئاً للجامع ، وقد تعب المتقدمون وضاق بهم الحال من كثرة الأموال التي دفعوها سواءً للقائمين على المسجد أو لشراء المياه وأخيراً انعدمت لديهم السيولة وأصبحوا مهتمين بتدبير الحالة الخاصة ، وهذا ما أدى إلى إغلاق الجامع ، وهو ما يجعلنا نسأل الأخ العلامة عبد المجيد هل يرضيك مثل هذا العمل؟! وأنت تعلم أن المساجد بالنسبة للأوقاف هي الأولى بكل ريال تتحصل عليه الهيئة ، وكان في الماضي ناظر الأوقاف يتولى جمع المال وينفق على الجامع ما يكفيه من أوقافه الخاصة ثم ينفق بقية المال على الجوامع التي ليس لها أوقاف ، ولا أعتقد أن رئيس الهيئة يرضى بمثل هذا التصرف لأنه فعلاً يتعارض مع مشروعية الأوقاف التي هي في الغالب تُخصص لدور العبادة وكم في اليمن أوقاف حتى لحمام مكة ، لا أدري أين تذهب اليوم ؟! لابد أنها تذهب إلى جيوب حمران العيون من ألفوا نهب الأوقاف والمساومة على مستحقاته، كما يُقال ( ثلثين وثلث ).
أضع هذا الموضوع أمام الأخ عبد المجيد عله يتابعه بنفسه ، وهناك موضوع آخر فلقد جاءني اللواء يحيى محمد زاهر ومعه الدكتور أسامة أحمد السنيدار بشأن الجامع الذي بناه الأخ أحمد علي السنيدار في الصافية على أرض وقف بعد أن قام بشراء اليد من المشرفين على الأرض ، ولم يكتف بذلك لكنه اشترى أرضاً حرة وجعلها وقفاً لصالح الجامع ، والغريب أنهم فوجئوا بموظفي الأوقاف يطالبونهم بإيجار الأرض لمدة أربعين سنة ، أي تصرف هذا وهل يرضي أحداً؟! أرض مقام عليها مسجد ومن قام ببناء المسجد يتولى الإنفاق عليه من كل الجوانب والأوقاف لا تعلم عن نفقات المسجد شيئاً، مع ذلك تطالب بإيجار الأرض ، أليست هذه ثالثة الأثافي أن يُقال لمن ينفق على المسجد ادفع إيجار الأرض وهي وقف ، فإذا كانت الأوقاف لا تستوعب المساجد ، إذاً ما الفائدة منها ولماذا خصصها الواقفون لهذا الغرض؟! أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابة وبحث دقيق من قبل الأخ رئيس الهيئة كونه محل الثقة ويعرف جيداً ما معنى أن تُترك المساجد نهباً لمثل هذه الممارسات الخاطئة التي تستخدم كلمة الأوقاف وسيلة للارتزاق والابتزاز ، وأنا شخصياً أعرف أن هناك مندوبين للأوقاف يتقاضون مبالغ كبيرة يضعون جزءاً صغيراً منها في السند الخاص بالحصيلة العامة للأوقاف والباقي يذهب إلى الجيوب ، فكما يُقال (الطبع غلب التطبع)، هؤلاء جنود الخفاء تعودوا على النهب عقوداً من الزمن ولا يعطون الأوقاف إلا الفُتات، وكما قال المرحوم العلامة أحمد محمد الشامي ( لولا أهل الخير لأغلقت كافة المساجد )، إشارة إلى أن الأوقاف لا تُشرف إلا على القليل من المساجد ، والبقية يتولى الإنفاق عليها أهل الخير ، وهذا ما جعله يُقدم تلك الاستقالة الشهيرة التي ختمها بقول الشاعر :
ولو كان رمحاً واحداً لاتقيته ولكنه رمح وثانٍ وثالث
وعندما سألته عن السبب قال ( عندما قبلت التكليف كنت أعتقد أن مهمة الوزير الحفاظ على أموال الأوقاف وتنميتها ، لكني اكتشفت للأسف أن المهمة تعني تبديد أموال الأوقاف والبحث عن أي قطعة أرض لتمليكها لأصحاب النفوذ والجاه )، وهذا ما كان يحدث بالفعل، فكم من أموال وقف تم نهبها وتحويلها إلى أموال خاصة بدعوى تحريرها ، وهذا الأمر يطول شرحه ويحتاج إلى بحث كامل لأن الأوقاف في اليمن تُمثل قاعدة كبيرة ، لكنا نضع الموضوع برمته أمام الأخ رئيس الهيئة عله يستفيد ويبدأ مناقشة ما يُسمى بعُمال الوقف لمحاسبة من أقدم على التصرف بهذا المال دون وجه حق وبعيداً عما أراده الواقف ، أكتفي بما أسلفت وكما يُقال ( الحليم تكفيه الإشارة ) والله من وراء القصد ..