شهر إذا أتى فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وسلسلت الشياطين، أنه شهر رمضان، شهر التراحم بين الناس .
الصيام في مفهومه الحقيقي ليس الصيام عن الطعام والشراب، بل الهدف الأساسي أن نشعر بالآخرين، يعلمنا الرحمة والعطف على الفقراء والمساكين والمحتاجين، الصبر والقدرة على التحمل، الإحساس بالغير.
فالصيام يطهر النفس ويهذبها ويزكيها من الصفات السيئة، يعودها على التحلي بالأخلاق الكريمة كالحلم، والكرم، والرفق، والعطف، ومجاهدة النفس والتحكم في الشهوات.
حكاية الساعة الأخيرة قُبيل الإفطار
زائر خفيف يأتي ويمضي سريعاً في خطاه، مع ذلك هو للبعض ضيف (ثقيل) على قلوبهم، يجعلون الصيام الشماعة التي يعلقون عليها أخطاءهم، فيثورون لأتفه الأسباب.
عشرات المشاكل والمشاجرات تشاهدها في الأسواق وفوق الباصات والشوارع والحارات خاصة في الساعة الأخيرة قُبيل الإفطار.
الجولات الرئيسية للشوارع تتحول إلى ساحات للمشاجرات، حيث تكتظ الخطوط بالباصات والسيارات ويذهب العقل وتضيع الحكمة، ثم ترتفع الأصوات وتتحول إلى ملاسنات وتصل إلى الاشتباكات بالأيدي والعصي والسلاح الأبيض.
هذه مشاهد يومية متكررة قُبيل رفع أذان المغرب ، تنتهي البعض منها في أماكن الاحتجاز بأقسام الشرطة، فيما يصل الحال في بعضها الآخر إلي الانتهاء بالسجن المركزي بفعل طعنة غادرة تخترق رئة أحد الأشخاص ليتم إسعافه إلى مستشفى يوني ماكس بمديرية بني الحارث وهناك فارق الحياة .
كثيرة هي مشاهد الأكشن المؤلمة التي نُشاهدها في شوارعنا وحاراتنا وساحاتنا، أبطالها صائمون يحملون رمضان مسؤولية كوارثهم ونثراتهم ، غير أن واقع الحال يقول إن رمضان براء منهم كبراءة الذئب من دم يوسف.
إن زيارة واحدة لأكثر من قسم شرطة في العاصمة تجدها لا تخلو من المحتجزين الذين وقعوا في أحداث خلال نهار رمضان، وفي البحث عن الأسباب؛ تجدها أسباباً تافهة للغاية، مع ذلك كانت ردّة الفعل قوية وكبيرة.
أبرز الأمثلة ، تطور عراك بين شقيقين في مديرية بني الحارث قُبيل أذان المغرب، يتسبب في مقتل الوالد الذي حاول جاهدا الفصل بين ابنيه الذين احتدم بينهما العراك بالسلاح الأبيض، فيما تكاد الحكايات والمشاهد من الحوادث اليومية لا تنتهي .
القات والسهر الطويل .. السبب
خبراء اجتماع ارجعوا ظاهرة كثرة الشجار في نهار رمضان وخاصة قُبيل الساعة الأخيرة من الإفطار، إلى الإفراط الشدید في تناول القات ولفترات طویلة، ما ينتج عنه السهر الطويل وما يعقبه من عصبیّة وحدّة في الطّباع وقلق مصحوب بالاكتئاب والنوم المتقطع .
وشددوا على أن ذلك من شأنه أن یفوت على المؤمن في رمضان فرص التقرب إلى الله ویحرم المؤمن روحانیة الصوم. ودعو إلى تجنب السهر الطويل بمعیة أغصان القات والخلود إلى النوم .
رمضان علاج للأمراض النفسية
في تأثير رمضان على النفس؛ تقول الخبيرة النفسية رائدة حسين، بأن رمضان يضفي على النفس السكينة والهدوء النفسي والطمأنينة .
وتشير إلى أن أهم ما يميز رمضان هو الصيام، في مفهومه الحقيقي ليس الصيام عن الطعام والشراب فقط، بل الهدف الأساسي أن نشعر بالآخرين، فهو يعلمنا الرحمة والعطف على الفقراء والمساكين والمحتاجين، والصبر والقدرة على التحمل، الإحساس إلى الغير، فالصيام يطهر النفس ويهذبها ويزكيها من الصفات السيئة، يعوّدها على التحلي بالأخلاق الكريمة كالحلم، الكرم، الرفق، العطف، مجاهدة النفس والتحكم في الشهوات.
وتشدد الخبيرة النفسية على أن قدوم شهر رمضان، يعد فرصة لمواجهة الكثير من الأمراض النفسية، فقد أثبتت الدراسات النفسية أن من يتمتعون بالهدوء والاتزان النفسي هم من لديهم وازع ديني، هم الملتزمون بأداء الفرائض، هم المتمسكون بروح الدين في تعاملاتهم مع الآخرين، فالشعور بالطمأنينة النفسية المصاحب للإيمان والصلة القوية بالله له علاقة وثيقة بالجهاز المناعي الداخلي الذي يحمي الإنسان من جميع الأمراض النفسية والعضوية.
ثبت علمياً أن الصيام يساعد الجسم على التخلص من الرواسب والفضلات المتراكمة في الجسم فيؤدي إلى تحسن التركيز، ووضوح الأفكار، وصفاء الذهن والقدرة على التأمل، ومن الآثار النفسية الإيجابية للصيام أنه ينظم إفراز هرمون الأدرينالين الذي يخفف من حدة القلق والخوف والهلع، وبالتالي يقلل من حالات الاكتئاب والاضطرابات النفسية.
من الناحية النفسية نجد أن رمضان يهذب النفس ويزكي الروح، فكثير من الناس يبتعدون في هذا الشهر عن المعاصي، وعن كل ما من شأنه أن يفسد الصيام ويتقربون إلى الله، وذلك لا يعتبر تناقضا في الشخصية، بل هو رغبة في البعد عن كل ما يغضب الله وأمل في التغيير نحو الأفضل في الحياة طوال العام، فيكون شهر رمضان بمثابة البداية لميلاد جديد لأرواحهم.
الصوم يعني النضج وتحمل المسؤولية وينمّي قدرة الأنسان على التحكم في ذاته ويقوي إرادته وفرصة لإعادة التوازن النفسي والسلام الداخلي.