وذكِّرْهُم بأيَّامِ الله

العلامة/عدنان الجنيد

 

 

إن الله تعالى حكى لنا في كتابه الكريم الكثير من قصص الأنبياء والمرسلين وأخبار الأولياء الصالحين ، وخلّد مواقفهم ووقائعهم وآثارهم ومناسباتهم ، وذلك كي نفهم منه تعالى أن تخليد المناسبات الدينية التي لها ارتباط بأنبياء الله وبأوليائه والاحتفاء بها وإحيائها هو مما يرتضيه تعالى..
فهي من أيام الله والتذكير بأيام الله يزيد القلوب نوراً وبصيرة والعقول فهماً وعلماً وحكمة ، قال تعالى: ﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ إن الله تعالى أمر نبيه موسى -عليه السلام – أن يذكّر قومه بأيام الله وهي النعم التي أنعم الله بها عليهم ، أنجاهم من آل فرعون وفلق لهم البحر وظلل عليهم الغمام وأنزل عليهم المن والسلوى و… إلخ..
وهذا لا يعني أن التذكير في الآية موقوف على بني آسرائيل فحسب بل هو تذكير لكل الأمم إلى قيام الساعة..
وكذلك التوجيه الإلهي والخطاب الإلهي ليس موقوفاً على موسى فحسب بل هو سُنَّة في عامة أنبيائه ورسله ومنهم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومعلوم قطعاً أن حيزاً كبيراً من القرآن إنما هو تذكير ( بأيام الله) ودعوة للاعتبار بها ﴿ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ﴾..
إذاً أيام الله بالمعنى العام : هي المناسبات الكريمة والنعم الجسيمة والأحداث الزمنية
الكبيرة والوقائع التاريخية العظيمة ..
لهذا كان للمناسبات في ديننا الإسلامي أهمية كبيرة وآثار كريمة، ولقد أبرز الله تلكم الأهمية بأن جعل بعض تلك المناسبات ذات ارتباط بأركان الدين..
فمثلاً شهر رمضان الذي فرض الله علينا صومه ارتبط بمناسبة نزول الوحي ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ أي ابتدأ نزوله في شهر رمضان في الليلة المباركة ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ…﴾ وهذه الليلة المباركة هي ليلة القدر ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾..
وأصبح المسلمون في كل عام يستعدون ويتهيأون لهذه المناسبة، فإذا ما حلّت بهم عكفوا على قراءة القرآن وقاموا ليالي شهر رمضان وصاموا نهاره، فتتلطف أرواحهم وتزكو نفوسهم ، وتصفو قلوبهم وتزيد روح التكافل الاجتماعي فيما بينهم..
وكذلك شهر ذي الحجة، حيث تتم فيه مناسك أحد أركان الدين وهو الحج، فقد جاء ليحيي مناسبات متعددة تتعلق بها مناسك وشعائر هذا الركن ، منها: ذكرى تشييد بيت الله الحرام من قبل سيدنا إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام ولقد خلَّد الله تعالى الموضع الذي كان يقف إبراهيم عليه وهو يرفع القواعد، ليس هذا فحسب بل أمر الله تعالى عباده أن يجعلوا ذلك الموضع الذي وضع إبراهيم – عليه السلام – فيه قدمه أثناء رفعه القواعد مُصلى أي يعبدون فيه الله تعالى جيلاً بعد جيل إلى قيام الساعة قال تعالى: ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ وكذلك من شعائر هذا الركن الصفا والمروة ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ وهذا المنسك ما هو إلا تخليد لما حدث للسيدة هاجر التي كانت تبحث عن الماء حيث تركها زوجها إبراهيم ومعها ولدها إسماعيل _ الرضيع _ تركها في مكة حيث لم تكن الكعبة موجودة آنذاك وليس في وادي مكة أحدٌ لا أنيس ولا ونيس ، ولم يكن مع السيدة هاجر من الطعام والماء إلا القليل، ولمّا نفد الماء والطعام ورأت ولدها يبكي ويتلوى من شدة العطش ذهبت مسرعة حتى وصلت إلى جبل الصفا ثم نظرت إلى الوادي يميناً ويساراً لعلها تجد ماء توقف به بكاء ولدها فهبطت من الصفا وسارت في اتجاه جبل المروة فصعدته ولم تجد شيئاً ، فنزلت من جبل المروة صاعدة جبل الصفا مرةً أخرى وهكذا ظلت تنتقل من الصفا إلى المروة ومن المروة إلى الصفا سبعة أشواط وبهذه المناسبة خلد الله فعلها هذا وصار عبادة..
وكذلك الحال بالنسبة لشعيرة الوقوف بعرفة والذي جاء ليذكرنا بمناسبة لقاء أبينا آدم بأمنا حواء بعد هبوطهما إلى الأرض، وهكذا نجد أن كل مناسك وشعائر الحج كلها مناسبات لها آثارها الروحية ، وخلدها الله تعالى في كتابه الكريم وجعلها عبادات حتى يظل امتدادها الروحي سارياً في قلوب الأجيال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهكذا يجب أن نفهم أن تخليدنا وإحياءنا للمناسبات الدينية والنبوية هو تخليد للقيم والأخلاق والسلوك الحضاري والمُثل العُليا.

قد يعجبك ايضا