تقرير/ سارة الصعفاني
لا تزال النفايات العضوية تمثل مشكلة، فضلاً عن النفايات البلاستيكية في زمن بات العالم يتحدث عن مكاسب الاقتصاد الدائري ، ويفتش عن حلول صديقة للبيئة ؛ لمعالجة مشكلة النفايات الإلكترونية بطرق شتى، في مقدمتها تصديرها للبلدان النامية بهيئة صفقة نفايات بين الدولة المصدّرة والمستوردة.
وتعد من النفايات الإلكترونية أي منتجات بها بطارية أو تستخدم قابساً كهربائياً، وتحوي الإلكترونيات معادن تستخرجها العمالة المضطهدة بالحرق أو التكسير أو صب المحاليل ، يحدث ذلك بعد عرضها في الأسواق في دول لا تهتم بالجودة والرقابة، حيث المعيار هو ” القدرة الشرائية ” للمستهلك الفقير ،والتاجر البسيط.
إنها ” تجارة الخردة العالمية “، إذ تديرها حكومات ورؤوس أموال عابرة للقارات ، من الشمال إلى الجنوب حيث أفريقيا غربًا باتجاه شرق آسيا حيث الأيدي العاملة؛ فالإلكترونيات تخلف وراءها معادن ثمينة كالذهب والفضة والنحاس والبلاتين، وأخرى سامة كالرصاص والزئبق والزرنيخ.. تخلص دولاً من نفاياتها وتعطي دولاً المال بالعملة الأجنبية .. لكنها تخلف أيضًا أمراضًا قاتلة على رأسها السرطانات والتشوهات الخلقية والربو وغيرها إثر تكديسها وحرقها أو دفنها، وتحتوي الإلكترونيات المتطورة على 60 عنصراً كيميائيًا، وفقًا لـ برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
وفي مذكرة سرية في عام 1991م لرئيس جامعة هارفارد أحد الاقتصاديين بالبنك الدولي مدافعًا من خلالها عن تجارة النفايات العالمية قال فيها ” أعتقد أن المنطق الاقتصادي وراء إلقاء حمولة من النفايات السامة في أقل البلدان من حيث الأجور لا تشوبه شائبة، ويجب أن نواجه ذلك.. لقد اعتقدت دائمًا أن البلدان في أفريقيا معرضة للتلوث بشكل كبير، وربما تكون جودة الهواء منخفضة إلى حد كبير مقارنة بلوس أنجلوس .. أرى أنه من الجيد أن يشجع البنك الدولي المزيد من هجرة الصناعات القذرة إلى أقل البلدان نمواً “، وهذا ما يعرف أيضًا بالاستعمار السام .
وفي ظل تفاقم الأزمات الاقتصادية للدول ، والمعاناة المعيشية للشعوب الفقيرة، يقابله التطورات المعرفية والتقنية المتسارعة ، والأنماط الاستهلاكية، وتشديد التشريعات، زادت تجارة النفايات الإلكترونية .
وتبدأ المشكلة حين يلقي المستهلك في دول تتمتع بالرفاهية المعيشية بأجهزته الإلكترونية في مكب النفايات أو للشركة المصنعة بعد فترة وجيزة من شرائها، ليشتريها مواطنو العالم الثالث لاستخدامها ، بيعها ، أو التخلص منها بحرقها في الهواء أو رميها بعيداً.. لكن لا مكان ترمى فيه النفايات ولا تعود إلينا مجدداً.
حكومات تصدّر نفاياتها، لأخرى تشتريها، وتقف دول ومن ورائها حكومات عاجزة عن التخلص من نفاياتها العضوية والبلاستيكية المحدودة – ما يزال التخلص من النفايات وسوائلها مشكلة حيث تتسرب إلى المياه أو تتصاعد غازاتها السامة إلى الهواء- لكنها تشتري نفايات إلكترونية لتبيعها لمواطنيها وتغرق الوطن، فلا أنها استفادت من المعادن ولا قبضت كدولة الهند الفقيرة ثمن حماية دول صناعية أو استهلاكية من التلوث بالنفايات.
في بلدنا لا يوجد سوى مصنعين لإعادة تدوير النفايات البلاستيكية قبل أن يقصف العدوان أحدها مخلفًا معاناة معيشية لأسر يمثل جمع العلب الفارغة مصدر دخلها.
وفي أسواقنا، لم يعد مستغربًا وجود منتجات إلكترونية بها أخطاء مصنعية وأخرى تالفة، وثالثة صارت تراثًا في عالم التقنية فضلاً عن منتجات لشركات غادرت السوق العالمية ، ولم تعد توفر قطع غيار ولا تعليمات صيانة ، فضلاً عن مشكلة العمر الافتراضي القصير للمنتجات في ظل اقتصاد السوق الحر، حيث السلع عرض وطلب وقوة شرائية ومنتجات سريعة التلف.. وتترك الرقابة والتشريعات للدولة وإرادتها في حماية المستهلك ومكافحة تجارة النفايات، ومبادئها في التعامل مع المواثيق الدولية الموقعة عليها – على الأقل- كمدونة سلوك إنسانية ، ويختص هدف التنمية في سياسات الأمم المتحدة بـ ” ضمان وجود أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة “، وفي عام 2017م تبنى البرلمان الأوروبي قراراً يدعو إلى وضع عمر أطول للمنتجات الاستهلاكية.
عالمياً، وصل حجم النفايات الإلكترونية في عام 2019 إلى 53.6 مليون طن ، (%17) فقط تعرضت للتدوير رسميًا ، وفقاً للاتحاد الدولي للاتصالات والرابطة الدولية للنفايات الصلبة، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.
هذا ما قاله أيضًا مدير عام شركة الأجهزة المنزلية الأوروبية باولو في عام 2018: ” يولد خمسة ملايين طن من المعدات الإلكترونية في أوروبا كنفايات إلكترونية.. ولا يتم تتبع مصيرها “.
وبحسب تقرير لجامعة الأمم المتحدة بالشراكة مع الاتحاد الدولي للاتصالات وجمعية النفايات الصلبة الدولية فإن العالم في عام 2016م خلف نفايات إلكترونية يعادل وزنها ما يقارب مليون ونصف المليون شاحنة سعة 40 طنًا.
تقول فينيسا غراي من الخبراء الذين ساهموا في التقرير : ” خلال عام 2016م أنتج كل شخص في العالم ما يعادل بالمتوسط 6.1 كيلو جرام من النفايات الإلكترونية ، 20 % فقط من النفايات الإلكترونية تم إعادة تدويرها ولا ندري ما الذي يحدث لـ 80 %الباقية ..وهذا يقلقنا أيضًا “.
وبينما تغطي النفايات الإلكترونية المستوردة مساحات كبيرة في الدول الأفريقية، تحدثت منظمة العمل الدولية – عضو في ائتلاف الأمم المتحدة للنفايات الإلكترونية عن الاستثمار في هذا المجال : ” إن الطوفان السام للنفايات الإلكترونية والمخلفات الكهربائية الذي يتزايد يوماً بعد آخر في كل مكان يجب تحويله على وجه السرعة إلى مصدر للعمل اللائق بما يمكن أن يحمي سكان العالم من الآثار الضارة “. وأضافت أن ” قيمة 53.6 مليون طن من النفايات تبلغ أكثر من 60 مليار دولار “.
وتسجل الدول الغنية والمتقدمة صناعيًا أعلى نسب توليد للنفايات الإلكترونية، حيث يتجاوز إنتاج الفرد فيها 20 كيلو جرام سنوياً، في المقابل تنفذ بعض الدول المتقدمة برامج لجمع النفايات الإلكترونية وتدويرها مثل الولايات المتحدة، كندا، واليابان، وتحتل سويسرا صدارة التعامل مع مشكلة النفايات الإلكترونية، إذ وصل معدل تدويرها النفايات الإلكترونية الرقمية كالهواتف إلى 95 %.
عربيًا، تبلغ كمية النفايات الإلكترونية المتولدة ثلاثة ملايين طن سنويًا ، بمتوسط 6.8 كيلو جرام لكل مواطن سنويًا ، أغلبها نفايات استهلكتها مصر والسعودية والجزائر.
وتشير توقعات الأمم المتحدة في تقرير لها إلى أن كمية النفايات الالكترونية المتوقعة وفقاً لمعدلات الزيادة السنوية 120 مليون طن سنة 2050م.
و حث الاتحاد الدولي للاتصالات العالم في مؤتمر للمندوبين المفوضين عام 2018م إلى رفع معدل تدوير المخلفات الإلكترونية إلى 30 % بحلول سنة 2023م ، وزيادة نسبة البلدان التي لديها تشريعات للنفايات الالكترونية إلى 50 % بحلول السنة ذاتها.
ولا توجد تشريعات خاصة بإدارة النفايات الالكترونية في الدول العربية فضلاً عن مجمل النفايات باستثناء اتفاقية ” بازل” – أبرمت عام 1989م- لمنع تصدير النفايات الخطرة من الدول المتقدمة إلى الدول النامية، لكن سياسة تحرير التجارة مكنت حكومات الدول النامية من استيراد النفايات كوسيلة للتوسع الاقتصادي.. لا لتدويرها وإنما لدفنها في أراضيها وإغراقها في مياهها الإقليمية.
لكن المشكلات البيئية يمتد أثرها، ما يجعل من مهمة إنقاذ الأرض ضرورة عالمية.. لذا عدلت 187 دولة عضواً في الأمم المتحدة اتفاقية ” بازل” التي تحكم التجارة في المواد الخطرة في عام 2019م ، لتشمل أيضًا المواد البلاستيكية بعد أن وصلت خطورتها إلى مستويات وبائية مع وجود مليون طن من البلاستيك غير القابل للتدوير والتحلل في مياه المحيطات، حد تسميتها بـ “أطلس البلاستيك” !.
وتفرض الاتفاقية المعدّلة إشعاراً مسبقاً وموافقة خطية من البلد المستورد وبلدان العبور قبل شحن النفايات النظيفة والقابلة للتدوير فقط .. ما يطرح تساؤلات حول علم المواطنين بما تقوم به حكومتهم من تحويل الوطن إلى مكب نفايات ؟ ومدى قدرتها على معالجة النفايات وتدويرها؟ وما مستوى الشفافية حول محتوى الحاويات ؟
مؤخرًا في يوليو 2020م حجزت الجمارك التونسية عدد 282 حاوية قادمة من إيطاليا، تحوي نفايات منزلية يحظر على تونس استيرادها، ويحظر على الدول الأوروبية تصديرها إلى أفريقيا بموجب القانون الدولي والمعاهدات الدولية التي تصنفها على أنها ” خطرة “، ولكن ” سياسة التغاضي” ما تزال مستمرة.
يمنيًا، تطرق القانون رقم (26) لسنة 1995م بشأن حماية البيئة ، وقانون رقم (39) لسنة 1999م بشأن النظافة العامة على حماية البيئة للنفايات المحلية، إذ لا توجد تشريعات للنفايات الإلكترونية وتدفن أو تحرق مع غيرها من النفايات العضوية والبلاستيكية والصناعية والطبية.. إلخ.
ويبقى استيراد النفايات بأنواعها ومسمياتها ومستويات خطورتها، وشروط تدويرها محظوراً في البلد حيث حرائق النفايات والمخلفات العضوية من بقايا الطعام نمط سلوك مألوف في الأرصفة والطرقات فضلاً عن الأكياس البلاستيكية المتطايرة في الهواء والمدفونة في باطن الأرض، والعائمة في المسطحات المائية، لكن الأخطر في قضية تجارة النفايات العالمية هو استيراد التجار نفايات بهيئة منتجات كهربائية وإلكترونية بـ ” المساحة أو الوزن “، وتكديسها في المخازن لحين الحاجة إليها.
إنها لا تفحص لعدم وجود أجهزة، ولا تعامل كنفايات في صفقة شراء نفايات بين دولتنا والدولة المصدرة، إنها تعرض في المحلات و” البسطات ” لبيعها للمواطن الذي يدرك أن عليه تجريبها قبل شرائها وإعادتها للبائع مراراً ؛ فالسوق ” مضروب ” بمنتجات مستهلكَة ، مغشوشة، مقلدة ، تجميع قطع غيار.
لذلك حين تفكر بشراء بطارية لهاتفك المحمول، لا تندهش إن وجدت مقاسات للبطارية، إنها ليست مصادفة أو خطأ متوقعًا للتقنية بعد أن أصبحت الإلكترونيات مخلفات تجارية .