تأثيرات المسيرة الأخلاقية هي السلاح الأفتك والخطر الداهم الأكبر للعدو

عدنان باوزير

 

قصة الأسير الحجازي لدى الأنصار والذي رفض العودة إلى بلده ضمن عمليات تبادل الأسرى ، وأصر على البقاء والقتال مع الأنصار حتى استشهد في جبهة مارب قبل يومين ، أمر ذو دلالة عميقة وخطيرة (بالنسبة للعدو)، فمثل هذا الأمر لا يحدث في كل الحروب ، وسألتقط هذه الحادثة المهمة لأبدأ منها ، حيث تؤكد هذه القصة مخاوفهم الشديدة من تأثيرات هذه المدرسة الفريدة ، وتجعل العدوان بالنسبة لهم أمراً وجودياً لا مناص منه مهما كانت الأثمان . لا تصدقون حكايات السلام التي بدأوا يتشدقون بها ولا مزاعم التهدئة التي تلوكها ألسنتهم ويناورون بها أو مبادراتهم المخادعة، فكلها مجرد تكتيكات ومظاهر كذابة يبيعونها في مزادات السياسة الإقليمية والعالمية ويوظفون من أجلها أكبر الأبواق ويدفعون في سبيل ذلك مبالغ طائلة كما يعرف الجميع ، وكلها ليست سوى مساحيق خارجية لمحاولة تجميل وجه السعودية القبيح ، ولا تعني لهم ولا لغيرهم أي قيمة تذكر .
والحقيقة أنهم يدركون جيداً وبوضوح كامل أنهم يتعاملون مع مدرسة مختلفة تماماً وأن بقاء هذه المدرسة بجوارهم في اليمن سليمة ومعافاة هو أمر خطير للغاية على عروشهم ، لذلك لن يكلوا أو يملوا من تحقيق واحد من ثلاثة : إما القضاء عليها نهائياً واجتثاثها من جذورها ووأد أفكارها (وهذا أمر أصبح كعشم إبليس في الجنة وعجزوا تماماً عن تحقيقه أو تحقيق حتى جزء يسير منه طوال 6 سنوات من العدوان الغاشم والحصار الجائر)، أو اختراقها بشتى الوسائل وحرفها عن طريقها وتفريغها من مضمونها وتشويهها من الداخل (وهذا أيضاً فشلوا فيه فشلاً ذريعاً خلال المدة الماضية) ، ولم يتبق لديهم إلا الحل الثالث الذي يشتغلون الآن عليه ، هو احتواؤها وتحييدها وعزلها عن محيطها الحاضن، وإن أمكن تهييج هذا المحيط ضدها عبر ممارسة بعض الألاعيب السياسية الخبيثة وما يسمى بمبادرات السلام ، بواسطة توظيف بعض المتناقضات الداخلية في الملف اليمني واللعب ببعض المكونات السياسية اليمنية الأخرى (والمخترقة جميعها حتى النخاع) للوصول إلى هذه الغاية ، وهم يعرفون في الأساس صعوبة هذه المهمة (الصعبة بالفعل خصوصاً مع نضوج التجربة السياسية لدى الأنصار وتراكم خبراتهم ورصيد إنجازاتهم الوطنية وبالمقابل انكشاف إفلاس أدوات العدوان الأخرى على المقلب الآخر وضعف وتضاؤل تأثيرها إن لم يكن موتها سريرياً على الأقل) ، كما أنهم غير مطمئنين أصلاً لهذا الحل حتى على افتراض نجاحه ، لأنه لن يحقق المأمول ولن يبدد مخاوفهم العميقة من التأثيرات الأخلاقية الكبيرة لهذه المدرسة ليس على محيطها اليمني فحسب، بل وحتى محيطها العربي والإسلامي الكبير على أقل تقدير ، وبالتالي عدم زوال الخطر الكبير المحدق بهم والذي يرتعبون من تداعياته عليهم ، رغم الأوراق الخطرة والمقيتة التي لعبوا بها داخلياً لتمزيق لحمة المجتمع اليمني كالمناطقية والمذهبية والعنصرية ..الخ ، ورغم ضخ ماكناتهم الإعلامية والمالية والسياسية الرهيب ومن قبلها العسكرية والحربية ووقوف كل القوى العظمى في العالم ومنظماته الأممية إلى جانبهم وذهابهم مع العدوان إلى أقصى نقطة بطريقة مبتذلة للغاية وغير مسبوقة ولم تحدث بهذا الشكل حتى مع إسرائيل ذاتها ، والتي أثبتت في نهاية المطاف فشلها الذريع جميعها أمام ماكنة الأنصار الأخلاقية فقط.. فما بالك بقدراتهم وماكناتهم الأخرى !!
لهذا أؤكد أنهم لن يألوا جهداً في تحقيق الهدف الأول أو الثاني على أقل تقدير إما بالطرق العسكرية الفجة والعنيفة المستخدمة الآن والتي لم تحقق لهم أي شيء ، أو بطريقة أخرى مقنعة أو ناعمة ومن خلف الكواليس (أي غير معلنة) والتستر بالأردية الإنسانية أو الدبلوماسية أو السياسية أو غير ذلك ، ولكن لن يدخروا أي جهد وسيظلون يشتغلون على ذلك حتى آخر نفس لأنهم ببساطة يعتبرون هذه المسألة مسألة موت أو حياة بالنسبة لهم، وهم في هذا محقون، خصوصاً بعد تآكل هياكلهم وانتفاء كل مبررات بقائهم وانحلالهم الأخلاقي الحاصل والمعلن والواضح وتفسخ كل أدواتهم أخلاقياً ، هذا رغم أن الأنصار ليسوا بوارد تصدير تجربتهم كما أعلنوا أكثر من مرة وعدم نيتهم في ذلك، وهذا أمر محسوم بالتدخل في شؤون غيرهم وإمكانياتهم وظروفهم الحالية المعقدة والتي تحتاج إلى كل جهدهم ليوظفوه لرأب الصدع وترميم ما خربه العدوان ، وهل أبقى أصلاً العدوان شيئاً ؟؟ ولكن تأثيرات المسيرة القرآنية الفتية الأخلاقية ستعبر عفوياً كل الحواجز الجغرافية والثقافية الداخلية والخارجية، وهذا ما سيصيب الأعداء في مقتل !!
حضرموت- 27\3\2021

قد يعجبك ايضا