بعيون تملأها الحسرة والحزن تقف الطفلة مريم الوصابي على باب منزل شقيقتها التي تسكن في صنعاء وهي تشاهد الفتيات ممن هن في عمرها وهن يذهبن فرادى وجماعات إلى المدرسة فإذا بأشعة الشمس ترسم داخلها رقعة شطرنج فقدت قطعتها في حرب ضروس
“دفنني والدي وأنا حية ” هكذا تقول مريم وهي تفسر حرمان والدها لها من التعليم.الأسرة / زهور السعيدي
أميات في عصر النت
مريم عمرها عشرة أعوام فقط لكن حديثها وآهاتها عن ضياع حقها في التعليم يشير إلى نضجها وذكائها وربما تصبح ذات شأن كبير إذا ما اتيح لها حق التعليم كالأخريات.
وتقول مريم التي جاءت برفقة أمها من إحدى قرى مديرية وصاب الأسفل بمحافظة ذمار لزيارة شقيقتها المتزوجة في حي نقم شرقي العاصمة صنعاء بأن هناك مدرسة للبنات في قريتها وتتمنى أن تلتحق بها مثل بقية الفتيات في المنطقة لكن أباها يحول دون ذلك ويصر على حرمانها من هذا الحق كما فعل في السابق مع شقيقاتها السبع واللاتي صرن الآن أميات يعانين الويلات والعذابات في حياتهن سيما في عصر النت والتقدم في تكنولوجيا التواصل الاجتماعي.
منظر جذاب
وتحرص مريم وهي البنت الأصغر بين أشقائها العشرة “ولدان وثماني بنات “على الجلوس أمام منزل شقيقتها بصنعاء صباح كل يوم عندما تسمع ضحكات وصياح الفتيات في المرحلة الابتدائية وهن متوجهات إلى المدارس وتجد في ذلك كما تقول شقيقتها الكبرى “إيمان” منظرا جيدا وجذابا يشد انتباهها وربما جعلت منه تعويضا للحرمان الذي تعيشه .
مريم كما تقول لاتريد ان تعيش مثل شقيقاتها السبع اللاتي استسلمن لرغبات والدهن الغريبة في عدم تعليمهن لذلك فهي تذهب خلسة الى منزل الجيران في صنعاء التي تتواجد فيها حاليا منذ 3 أشهر أو حتى عندما كانت في القرية حيث تتسلل على حين غفلة من والدها إلى منزل الجيران ممن لديهم فتيات يدرسنa في الصفوف الأولى وعبر هذه الحيلة استطاعت حسب تأكيد والدتها ان تتعرف على الحروف وأصبحت تجيد قراءة بعض الكلمات ..لكن هذا النجاح البسيط قد يكون ثمنه باهضاً.
وتضيف الأم وهي تحتضن مريم “لو علم والدها أنها أصبحت تعرف الحروف سيوسعها ضربا ” لذلك فان هذا الأمر يتم في الخفاء من والدها وهناك حرص وتكتم شديدين من قبل جميع أفراد الأسرة حتى من قبل اخويها الذكور” احمد وسعيد ” وهما من سمح لهما الوالد بالتعليم فقط.
ظلم ذوي القربى
هذه الطفلة ليست سوى نموذج مصغر لضحايا الظلم الآتي من قبل اقرب المقربين ممن يمتلكون عقولا متحجرة ولايزالون يعتقدون بان البنت مخلوق ثانوي ليس له أي حق في الحياة الكريمة .
مستقبل قاتم
وتقول إيمان شقيقة مريم “كم أتمنى أن تتعلم اختي ولا تواجه ذات المصير الذي واجهته أنا وبقية شقيقاتي فكم هي الصعوبات والتحديات التي نلاقيها في حياتنا بسبب أميتنا وجهلنا بالقراءة والكتابة.. أننا نعجز حتى عن كتابة أو معرفة أرقام هواتفنا”.
جهل الوالدين
التربوي عبدالله العامري يقول ان جهل الوالدين هو سبب في حرمان الفتيات من التعليم غير مدركين عواقب الجهل على مستقبل بناتهم
ويضيف العامري : عندما تمنع الفتاة من حقها في التعليم فإنها تمنع أيضا من حقها في الحياة ويتم تزويجهن صغيرات مما يتسبب في استغلالهن بالقيام بالأعمال الشاقة وتصبح الفتاة بدون قرار.
وتقول المستشارة النفسية والأسرية آيات محمد القربي :
على الدولة والمثقفين ومؤسسات المجتمع المدني والدولي أن تقوم بتوعية وتنوير الآباء وخاصة في القرى حول ضرورة تعليم الفتاة وان التعليم هو حق من حقوقها الذي كفلها لها الإسلام وكل القوانين في البلاد
وقد لاحظنا الجهود المتواضعة والعملية على أرض الواقع من قبل بعض المنظمات حول تشجيع تعليم محو الأمية في بيئة محافظة تأخر فيها تعليم الفتيات سنوات طويلة ونأمل أن تزيد من جهودها لإقامة برامج ودورات توعوية للآباء حول تعليم الفتيات الصغيرات .
حق التعليم
وتزداد الآم مريم وأمثالها من المحرومات من حق التعليم لأنهن يواجهن مستقبلاً حافلاً بالعقبات والصعاب خاصة في زمن النت والذي بات جزءاً مهماً في الحياة .
ويطالب الدكتور محمد سليمان أخصائي علم النفس الاجتماعي بإصدار عقوبات قانونية ضد أي أب ظالم، لكي يدرك جيدا أن التعليم صار الزاميا للذكور والإناث على حد سواء، ويضيف على السلطات التعليمية في البلد وكل الجهات الدولية المختصة بالتعليم ان تنفذ حملات توعية مكثفة في هذا الجانب بما يوصل الرسالة التوعية إلى كل بيت بأهمية التعليم للفتيات وان من يحول دون ذلك لن يكون بمنأى من الردع والإجراءات القانونية الصارمة حتى وان كانوا آباء لهؤلاء الضحايا الصغار .
ويشكل حرمان مريم وغيرها من الصغيرات من الحصول على حقوقهن في التعليم جملة من المخاطر الحقيقية أمام مستقبلهن ومستقبل البلاد عموما إذ أن الأمية كما يقول الدكتور سليمان ستبقى سارية المفعول ولن تتلاشى أبدا.