حكاياتهم مع العدوان لست سنوات

أطفال اليمن : مشاهد الرعب والفزع قد تتحول إلى آفة نفسية قاتلة

 

اختصاصيون نفسيون: ستتنامى لدى الأطفال مشاعر الكراهية والبغضاء إزاء كل من شارك وساهم في هذا العدوان

تنوعت أشكال النكبات والخطوب في حياة المجتمع اليمني، فمعاني الفزع والخوف والهلع ترتسم بوضوح في أعين الأطفال وفي قسمات وجوههم البريئة فتراهم يحدقون بوجوههم والحيرة تسيطر عليهم ما الذي يجري يا ترى ؟ ومن أين سيأتيهم الموت خاصة إذا كانت هذه الحرب حرباً جوية كالتي تعيشها بلادنا طيلة ست سنوات بفعل القصف والغارات التي يشنها طيران دول التحالف الظالم ضد اليمن بقيادة المملكة وما تلحقه من أضرار فادحة باليمن وأهله على المستويين المادي والمعنوي ..

الأسرة /خاص

ويجد الأطفال أنفسهم مجبرين على دفع أثمان باهظة لتلك الحروب فالحيرة والرعب والفزع الدائم الذي يعيشه أطفال اليمن حاليا ليست سوى تأثيرات أولية على نفسياتهم جراء العدوان والغارات الجوية المتواصلة، ويؤكد المختصون النفسيون أن هذه السلوكيات قد تتطور مستقبلا إلى حالات نفسية قد تلازم الأطفال مدة طويلة من الزمن وقد تلقي بظلالها القاتمة على حياتهم الحالية والقادمة والتي قد تنعكس سلبا على مستوى علاقات الجوار القائمة بين اليمن والسعودية جراء ما يترتب على هذا العدوان من تنامي مسببات الأحقاد والكراهية واتساع رقعة الثارات مستقبلا .
وقال ممثل اليونيسف في اليمن جوليين هارنيس في تصريحاته: إن الأطفال يدفعون ثمنا باهظا في الحرب على اليمن فهم يقتلون ويشوهون ويجبرون على الفرار من منازلهم كما أصبحت صحتهم مهددة ومسيرتهم التعليمية متعطلة.. ودعا إلى ضرورة احترام وحماية الأطفال بما يتوافق مع القانون الإنساني الدولي
وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة: إن الحرب على اليمن تقود البلاد الفقيرة صوب كارثة إنسانية كنزوح الكثير من الأسر وتعرض الآلاف إلى تهديد المرض وسوء التغذية.
إدانات
وتظل فئة الأطفال والنساء الفئة الاجتماعية الأكثر تأثراً بأجواء الحرب ومشاهدها المأساوية وصورها الدامية التي تكون لها آثار نفسية كبيرة في حاضر الأطفال ومستقبلهم، ويقول المختصون: دور المنظمات في اليمن ما يزال قاصرا وخاصة في مثل هذه الظروف التي يستهدف فيها الأطفال، فإضافة إلى ما يعانيه أطفال اليمن جاءت هذه الظروف لتقضي على ما تبقى من الأطفال وحقوقهم ولا بد من الوقف الفوري لهذا العدوان الذي يقضي في معظم ضرباته على الأطفال العزل.
تأثيرات مباشرة
غارات الطائرات تشكل حالة كبيرة من الخوف والهلع في أوساط السكان من المدنيين وتحديداً في فئة الأطفال الصغار ممن يجدون أنفسهم مع أهاليهم تحت رحمة هذه الطائرات التي تمارس عدوانها بشكل رئيسي في الليل وتتزايد وتيرة الغارات في ساعات الليل المتأخرة ما يتسبب في حدوث حالة من الاضطراب في النوم ويؤكد المختصون أن التأثيرات المباشرة لانفجارات صواريخ الطائرات تعرض الأطفال لكوابيس ليلية تصاحبهم في منامهم وهي الحالة التي قد تلازمهم مدى الحياة وتظل عالقة في أذهانهم حتى في مستقبلهم وتلازمهم حتى مراحل متقدمة من أعمارهم بل وتنعكس تلك الحالة غير الطبيعية في ممارساتهم الحياتية وسلوكهم اليومي وقد ينجم سلوك عدواني وانتقامي تجاه مجتمعهم وتجاه الآخرين خاصة تجاه من ينتمون إلى جنسيات تلك الدول المعتدية وتتنامى مشاعر الكره والبغضاء إزاء كل من شارك وساهم في هذا العدوان.
مشاكل نفسية خطيرة
ويقول أخصائيو علم النفس: على الأبوين أن يحرصا على عدم إيجاد أي مشاعر بغضاء وكراهية في نفسيات صغارهم تجاه الغير لأنه سيكبر معها ذلك العداء الذي قد يتحول إلى حالة دائمة تؤثر على حياتهم في المستقبل .
ويؤكد المختصون: قد لا يدرك الأهل والمجتمع هذا الأثر في وقته، ولكن بمرور الزمن تتفاقم حالة الطفل ويتحول المشهد المرعب والمفزع الذي رآه قبل سنوات في غمرة الحرب إلى آفة نفسية لا يستطيع الفكاك منها إلا بعد علاج قد يطول زمنه.
وتقول عبير الصنعاني -أخصائية في علم النفس: أخطر آثار الحروب هو ما يظهر لاحقاً من مشاكل وعقد نفسية لدى أجيال كاملة من الأطفال يتوقف مدى خطورتها على مدى استيعاب الأهل وكيفية مساعدة الطفل على تجاوز المشاهد التي مرّت به حيث تُعتبر الصدمات التي يتعرض لها الطفل بفعل الإنسان أقسى مما قد يتعرض له جرّاء الكوارث الطبيعية وأكثر رسوخاً في الذاكرة ويزداد الأمر صعوبة إذا تكررت هذه الصدمات لتتراكم في فترات متقاربة، وتُعيق الكشف عن هذه الحالات لدى الأطفال صعوبة تعبيرهم عن شعورهم أو الحالة النفسية التي يمرون بها بينما يختزلها العقل ما يؤدي إلى مشاكل نفسية عميقة خاصة إذا لم يتمكّن الأهل أو البيئة المحيطة بهم من احتواء هذه الحالات ومساعدة الطفل على تجاوزها .
ومن الآثار النفسية على المدى القريب للأطفال ما حدده أخصائيو علم النفس ويتمثل في :سوء التغذية، الأمراض المتعددة، التشرد، اليتم، الإرغام على ارتكاب أعمال العنف أو الاعتداءات الجنسية، الاضطراب في التربية والتعليم.
ويضيف المختصون: الحرب وما يصاحبها من مصائب ونكبات يكون أثرها النفسي أكبر بكثير على الأطفال، ويرجع ذلك لعدم اكتمال نضج الأطفال نفسيًا واجتماعيًا ومعرفيًا ووجدانيًا وهذا يترك الباب مفتوحًا لكل الاحتمالات خاصة عن زلزلة قناعاتهم وتهدمها وتكوّن اتجاهات العدوان والانتقام وعدم ثقتهم بأي شيء حتى في أنفسهم وقد يقعون ضحيةً للخوف الشديد والكوابيس التي قد تحتوي صورًا مما عاشوه من اقتحامات عنيفة لبيوتهم ورؤيتهم آباءهم يموتون، حيث أن ما يشهده الأطفال في اليمن من ظروف مروعة سوف تترك صورًا لا تنسى قد تؤثر على صحتهم النفسية وتتسبب في أزمات يصعب علاجها وقد تتحول إلى أزمات نفسية مزمنة.
كيف يمكن تقليل المخاطر؟
وتظل فئة الأطفال الفئة الاجتماعية والعمرية الأكثر تأثرا بأجواء الحرب ومشاهدها المأساوية وصورها الدامية التي تكون لها آثار نفسية كبيرة في حاضرهم ومستقبل حياتهم .
وتزداد هذه التأثيرات على الأطفال في مجتمعنا اليمني بسبب غياب الوعي السليم من قبل أولياء الأمور والآباء والأمهات تحديدا عن كيفية التعامل مع الأطفال في مثل هذه الظروف الاستثنائية فيجد الأطفال أنفسهم وقد أحاطت بهم أحداث ووقائع تفوق مستوى استيعابهم وإدراكهم العقلي .
ويقول أخصائيو علم النفس الاجتماعي: على الأبوين أن يتسما بقدر كبير من العقلانية والتعامل الحكيم مع الصغار أثناء الحرب ووضعهم أمام ما يحدث بطريقة مناسبة لا تحمل معها أي تأثيرات نفسية في مستقبل حياتهم.. ويشيرون إلى أن الأطفال ما بين الرابعة والثامنة بحاجة إلى تعامل يختلف عن الفئة العمرية ما بين الثامنة والخامسة عشرة والتي يكون فيها الأطفال على قدر كبير من الاستيعاب لأبعاد ومسببات هذه الحروب..
تهدئة الأطفال
يتوجب على الآباء ان يتسموا بالهدوء والرزانة أثناء القصف والتحلي بالشجاعة ورباطة الجأش أمام أطفالهم في السنوات العمرية الأولى ومحاولة إظهار أن هذه الانفجارات لا تعنيهم ولا تستهدفهم بدرجة رئيسية وأنه لن يكون لها أي مخاطر تهدد حياتهم، كما يتوجب على الأبوين -بحسب المختصين- أن يتعاملا مع الأطفال في المرحلة العمرية من الثامنة إلى الخامسة عشرة على أساس تحفيزهم على الاستقرار في أماكنهم وعدم الخروج إلى الشارع أثناء القصف الجوي ومنعهم من مشاهدة الصور الدموية التي تعرضها وسائل الإعلام للضحايا من الأطفال الذين طالتهم صواريخ الطائرات كي يتجنبوا التأثيرات النفسية التي تنجم عن مشاهدة تلك الصواريخ المرعبة.
تقليل المخاطر
وترى الدكتورة ليلى أحمد – أخصائية أطفال في مستشفى الثورة العام – إن على الأمهات أن يعمدن أثناء الحرب وخاصة الحرب الجوية إلى العمل الجاد لتجنيب أطفالهم قدر الإمكان الاستماع إلى أصوات الانفجارات من خلال العمل على ضمان نومهم المبكر وفي أماكن داخلية من المنزل تكون محصنة للحد من دوي تلك الانفجارت وأن تظل الأم بقرب أطفالها وتؤكد لهم أن مشاعر الخوف طبيعية وأن غيرهم يخافون أيضا ولديهم العديد من المشاعر الأخرى الطبيعية، كما أن على الأم أن توضح لطفلها أنه يستطيع أن يلجأ إليها إذا راودته مشاعر مرعبة وأنه يستطيع التحدث إليها والجلوس بجوارها .
وأول ما يجب أن يفعله الآباء والأمهات عند تعرض الطفل لظروف مروعة في الحروب هو أن يحيطوه بالاطمئنان ولا يتركوه دون دعم نفسي وأن يطمئنوه بأن كل شيء سيكون على ما يرام مع تشتيت فكره عن الحدث المروع.
أما الأطفال الأكبر سنًّا فيمكن مناقشة ما يجري معهم وإقناعهم بأنهم في مكان آمن وأن القصف لن يطالهم مع عدم منعهم من البكاء أو السؤال عما يجري، ويمكن للآباء في مناطق الحروب أن يجمعوا أسرهم صغارًا وكبارًا من أجل قراءة القرآن والدعاء مع زرع الإحساس داخل الطفل بأن القدرة الإلهية قادرة على كل شيء، وأن قوة الله فوق كل قوة.

قد يعجبك ايضا