تحالف العدوان بين واقع مأزوم وأهداف مستحيلة.. ماذا في تقرير فريق خبراء مجلس الأمن؟

 

علي الدرواني
تأكيدا للمؤكد من حال تحالف العدوان والإجرام السعودي الأمريكي جاء تقرير فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن الدولي في سنته الثامنة ليكشف مجددا ابتعاد التحالف عن أي صلة بمصالح الشعب اليمني واستقراره وأمنه الاقتصادي ومستقبله السياسي، ليلخصها بمفردات تكررت كثيراً في أثناء التقرير : تناحر، اقتتال على، السيطرة، والموارد، وتبييض أموال، وكلها على حساب المواطن المحاصر والوطن المدمر، الأمر الذي يوضح بما لا يدع مجالا للشك كمية الفشل والخيبة المتراكمة التي يعيشها تحالف العدوان ومرتزقته، ويضع المجتمع الدولي ممثلا بمجلس الأمن أمام وزر الدعم والصمت عن ممارسات تسببت بأكبر مأساة تعرفها البشرية.
رغم المغالطات الكثيرة التي وردت في التقرير المشار اليه، وعدم الحيادية المعهودة التي سار عليها، في صياغته واستنتاجاته، واستدلالاته، وحتى في طريقة جمعه للمعلومات، بالتحديد عن حكومة صنعاء، أو الحوثيين حسب تعبير التقرير، إلا أنه لم يستطع القفز عن الحقائق الأبرز المتمثلة بحقيقة الأدوار التي تنفذها السعودية والإمارات ومرتزقتها في اليمن والتي تجلت بنتائجها القائمة في الواقع اليمني اليوم على مرأى ومسمع العالم، وبدون أي أقنعة.
بقراءة سريعة للتقرير نجد الأمور اللافتة التالية:
– نبدأ من القرار ٢٢١٦ الذي ولد ميتا، فإن تقرير خبراء مجلس الأمن قد أكد اليوم على تعذر تطبيقه، نظراً لتغير ديناميكات الواقع والسيطرة على الأرض.. بالنسبة لليمنيين كان هذا القرار غير صالح منذ البداية، لكن هؤلاء جربوا حظهم على حساب دمائنا ومعاناتنا وعلى حساب جيوب الأعراب الأغبياء، ولم يتوصلوا إلى هذه النتائج إلا بعد خراب مالطا، كما يقول المثل.
– تحت بند العقبات التي تعترض تنفيذ القرار رقم 2216، سنة 2015 ، يذهب الخبراء إلى أن ذلك أصبح متعذراً بسبب ما وصفها بالتحولات في ديناميات السلطة والسيطرة على الأرض ، مستندا إلى الواقع الميداني في اليمن، وتوزيع المناطق بين (أطراف النزاع) حسب تعبيرهم، مقتصرا على ذكر الأطراف المحلية، وتغفل الفقرة 36 وجود قوات الاحتلال السعودية والإماراتية، وكذلك الأمريكية والبريطانية التي أشارت اليها عدد من التقارير.
– في الفقرة 53، وما تلاها يتحدث التقرير عن تدهور الحالة الأمنية بسرعة في مناطق سيطرة العدوان ومرتزقتهم، في ظل سيطرة الفصائل المتناحرة والمتناقضة التي تحويها تلك المناطق،
– في عدة فقرات مفرقة من التقرير عن الواقع جبهة العدوان الداخلية وصفها التقرير بـ (اقتتال داخلي ومصالح محلية وإقليمية وتنافس على الموارد وغياب استراتيجية متماسكة) (تدهور في الحالة الأمنية في مناطق سيطرة حكومة هادي وتوزيع للسلطة الاقتصادية والسياسية على مراكز إقليمية للقوة) (خليط من الفصائل المتنافسة على السلطة والثروة)، ويستنتج أن (التحالف غير فعال في السيطرة على القوات الموالية له، والاقتتال المتواصل يدل على استمرار خلافات السعودية والإمارات،) وهذا يعيدنا ست سنوات للوراء، حينما ظنت السعودية أنها قادرة على إركاع اليمن، لتظهر اليوم عاجزة عن فرض سيطرتها على حفنة من المرتزقة، فإذا كانت عاجزة عن جمع مرتزقتها وتسييرهم وفق أجندتها إلى هذا الحد، فعليها أن تستنتج، إن لم تكن قد تيقنت بالفعل، أنها أعجز عن إخضاع يمن العزة والشموخ بجيشه ولجانه الشعبية.
– على خطى المرتزقة في محاولات التغطية على تمزقهم وتناحرهم بتمنيات وادعاءات لا أساس لها من الصحة عن مراكز قوى متصارعة في صنعاء ومنافسات لا وجود لها إلا في نتن رؤوسهم وعفن قلوبهم، سار تقرير الخبراء في ذات الطريق، ليبشر مجلس الأمن بخلافات موهومة بين قيادات أنصار الله في صنعاء.
– الداهية الكبرى والتي ليست بجديدة على من له أدنى متابعة للشأن اليمني، ما ساقه التقرير عن فساد حكومة هادي وانخراطها في ممارسات لغسيل الأموال بشكل يؤثر سلباً في إمكانية حصول اليمنيين على الغذاء الكافي، حيث أكد التقرير أن البنك المركزي في عدن المحتلة، نفذ خطة لتحويل الأموال بصورة غير قانونية إلى تجار بمبلغ 423 مليون دولار، واستنفد أموالا تقارب ملياري دولار بصورة غسيل أموال لصالح أفراد في العصابة القائمة على حكومة هادي الخائنة، على حساب قوت المواطن ومعيشته الأساسية… وفات التقرير، في هذه النقطة تحديدا، التضخم الخطير الحاصل بسبب طباعة المزيد من الأوراق النقدية وصلت إلى قرابة تريليوني ريال يمني، دون أي غطاء قانوني، وإن كل ذلك يتم تحت حماية الطائرات السعودية والإماراتية المدعومة من مجلس الأمن!!! لتضع أكبر علامة استفهام عن دور مجلس الأمن، وبالضد للقوانين الإنسانية والأممية ومقرراتها، في فرض أفسد حكومة في العالم على شعب يستحق المزيد من الأمن الاقتصادي والكثير من كرامة العيش!!!
– ودرءاً للوقوع في التناقضات وبحثاً عن ذريعة لمجلس الأمن وقواه المنافقة، ذهب الخبراء لعمل توازن مخل وتضليلي، من خلال الفقرة 90 وما تلاها، والتي ركزت على إيرادات حكومة الإنقاذ، معتمداً على أرقام تقديرية تفتقد للدقة، ليضاهي بها أو يغطي بها حجم الفساد المزكم للأنوف في عدن المحتلة بعد نقل البنك المركزي من صنعاء.
– رغم عدم دقة تلك الأرقام إلا أنَّ صرفها في مواجهة العدوان بنظر صنعاء لا يمثل أي تهمة، بل هي من صميم مهام الحكومة وأولوياتها، في الدفاع عن البلد ضد المعتدين على أمنه وسيادته، بل أصبحت تلك المقارنة البائسة محل تندر من قبل الناشطين والمتابعين، الذين قارنوا حجم انفاق السعودية والإمارات في العدوان على اليمن، بتلك المبالغ الزهيدة، معتبرين أن ذلك يعتبر إنجازات تشكر عليه صنعاء، بأقل التكاليف مقابل مليارات الدولارات التي أنفقتها الرياض.
– كشف التقرير مستوى الخسة والدناءة لدى أولئك المرتزقة الذين لم يعد لديهم أي مشاعر أو روابط مع أبناء بلدهم، وتخليهم عن النخوة، والشهامة اليمنية، والعادات والأعراف التي تصل مستوى التشريع في الالتزام الأخلاقي بها، حيث كشف عن مصير الدكتور مصطفى المتوكل المختطف منذ العام 2017، من الطريق المسبلة في مارب، وسلموه للسعودية، وهذا آخر ما عرف عنه حسب تقرير خبراء مجلس الأمن، وهذا ليس منحصرا بالدكتور المتوكل، بل هناك العديد من المختطفين والأسرى باعهم المرتزقة للسعودية لتبادل بهم أسراها، بالمخالفة لكل الأعراف والقوانين.
– في النقاط المتعلقة بتسليح الجيش واللجان يبدو أن أغرب ما يمكن أن يحتوي عليه التقرير الأممي هو تأكيد خبراء مجلس الأمن وترجيحهم ان مخازن ما تسمى بالشرعية تعتبر عاملا في إمدادات الجيش واللجان الشعبية من الأسلحة، وساق التقرير أدلة على ذلك، صحيح أن ما تكشفه كاميرا الإعلام الحربي وتتناقله وسائل الإعلام في كل الانتصارات على جحافل الارتزاق تؤكد حجم الغنائم التي يحصل عليها المجاهدون بعد فرار المرتزقة وهزائمهم، ليس بحاجة إلى التذكير، إلا أنّ ما جاء في التقرير في الفقرة 71، يتحدث عن تسليم أسلحة وبيعها من قبل المرتزقة في حوادث موثقة وجرى التحقيق فيها من قبل قيادة تحالف العدوان.
– في ذات السياق يوثق التقرير تهريب شحنات أسلحة عبر السواحل الجنوبية على البحر العربي، أو باب المندب، وهي مناطق يسيطر عليها تحالف العدوان ومرتزقته، وبدون أدلة يدعي أنها تذهب للجيش واللجان الشعبية، ولا يكلف الخبراء أنفسهم للتساؤل كيف لمن يقاتل ويمنع وصول الغذاء والدواء والمشتقات النفطية، أن يسمح بتهريب السلاح؟! وعلى افتراض صحة تلك الادعاءات، فهذا دليل آخر على فشل التحالف الكبير الطويل العريض في منع التسلح، ليضاف إلى باقي الأدلة على حجم الخيبة التي يعانيها تحالف العدوان، وما كان لها أن تظهر لولا صمود الشعب اليمني العزيز والكريم طوال السنوات الست.
– وللمرة الثانية على التوالي وكما في تقرير العام الماضي يؤكد الخبراء في الفقرة 70، أن الطائرات المسيرة واستنادا إلى النتائج التقنية لدى الفريق تصنع في اليمن.
– بعد أن قطع تحالف العدوان ستا من السنوات العجاف يبدو أنه لن يدخل في العام السابع ولم يتبق منه إلا اسمه فقط، فبعد أن قفزت عدد من الدول من مركب الرياض واحدة بعد الأخرى، ولم يتبق بشكل فعلي إلى جانب الرياض إلاَّ أبو ظبي، إلا أن التقرير يستنتج اختلافاً في أجندات أبو ظبي والرياض كما يؤكد أن اهتماماتهما لا علاقة لها باليمن ولا حتى بالشرعية المزعومة، التي بدأت تقوضها حسب عبارات كثيرة وردت في التقرير.
– ويضيف التقرير، فيما يتعلق بخلافات الرياض وأبو ظبي، أن الإمارات تدعم كيانا يهدد السلام والأمن والاستقرار في اليمن وتتصرف بشكل يتنافى مع روح القرار 2216، حيث شكلت أنشطة المجلس الانتقالي الجنوبي انتهاكا للفقرتين الأولى والسادسة من القرار.
– على استحياء، جاء ذكر الولايات المتحدة الأمريكية في تقرير الخبراء، ودورها في اليمن، ليحصره فقط في قرار تصنيف أنصار الله في القائمة الإرهابية الأمريكية، وتأثير ذلك في تدفق الواردات التجارية والإنسانية، على أهمية هذه النقطة، إلا أن الإغفال مرة أخرى يبرز كإحدى سمات التقرير، لا سيما إهمال الإشارة إلى المساهمة الأمريكية في تسليح دول العدوان وشراكتها في ارتكاب أبشع المجازر بحق المدنيين، وكذلك الشراكة في الحصار المفروض على اليمن بالبوارج والسفن الحربية الأمريكية، وغيرها من الأمور التي أصبحت بعد ست سنوات من المسلَّمات ، ليس فقط لدى الشعب اليمني والمراقبين المحايدين، بل في دوائر صنع القرار الأمريكي نفسها.
هكذا إذن وكما هو واضح من خلال هذه الأمثلة أن تقرير خبراء مجلس الأمن حاول إخفاء والتغاضي عن كثير من فضائح وفظائع جبهة العدوان والارتزاق وأهدافهم الدنيئة والمتربصة باليمن وشعبها وحضارتها ومستقبلها وثرواتها ومقدراتها، لكنه فشل في القفز على حقائق ومعطيات الواقع المأزوم والآمال المستحيلة، وصعوبة تحقيقها في ظل صمود شعب الإيمان والحكمة.

قد يعجبك ايضا