«أجنحة الكلام وبوح الأسئلة» كتاب بين دفتيه نبض اليمن

الغربي عمران

ما يقارب من ثلاثمائة وخمسين صفحة من القطع الكبير.. وزع على ثلاثة عناوين داخلية.. هي : أجنحة الكلام.. فضاء الأسئلة.. مقاربات يمنية.. بمعنى آخر.. هذا الكتاب يحمل في طياته ثلاثة كتب.. دمجت في كاتب واحد.. لمواضيع يمكن أن نقرأها مستقلة.. وفي الوقت ذاته لها صلات وبأنساق مشوقة..
رافقني الأستاذ أحمد من خلال كتابه أثناء تنقلي بين ذمار وصنعاء في الأيام الماضية.. لتملأ قلبي السعادة وقد التقيت بأكثر من ستين أديباً من مختلف الأجيال.. في حوارات وقراءات شيقة تفيض بثراء معرفي كبير.. مؤتمر يمني باذخ الجمال والمتعة..
ذلك ما يشعر به من يبحر مع الكاتب والأديب المتميز أحمد الأغبري من خلال كتابه “أجنحة الكلام وفضاء الأسئلة” الصادر حديثا من استكهولم دار نشر رقمنة بالسويد.. بالتزامن مع صدوره في صنعاء عن دار الكتب اليمنية “ابن الوليد”..
قدَّم الكاتب صورة بانورامية عن المشهد الأدبي اليمني من خلال تلك الشخصيات من مختلف الأجيال التي حاورها، لتتدفق الإجابات بفكر وتجارب استدعتها أسئلة ذكية، لتستدرج المسؤول كاشفا عن مكنونات فكره، ونبذ من تجربته، وذلك الفكر الذي يحركه لينتجه إبداعيا.. تبعث على تساؤلات وجودية.. دليل سعة اطلاع الكاتب وثقافته الواسعة، ثم تلك المقاربات لعدد كبير من الأعمال الشعرية والقصصية والروائية.. جهد ذو أوجه مدهشة، الكاتب من خلالها يظهر محمَّلا بهموم وطنية وإنسانية عميقة..
غلاف الكتاب احتوى لوحة للفنانة الكبيرة آمنة النصيري، وهو ما يدعو القارئ لتأمل ذلك الأسلوب الذي تميزت به النصيري، وقد أطرت لوحتها بسواد كخلفية للوحة الباعثة على الأمل بإشراقة ألوانها، وتداخل أحرف عربية لينة..
ومن الجميل أن قدم الكتاب عدداً من ألمع الأدباء منهم: الدكتور المقالح والأديب عبدالباري طاهر والشاعرة هدى أبلان.. إضافة إلى مقدمة مستفيضة للمؤلف شارحا فيها وموضحا خطوات إعداد هذا الكتاب المرجعي.. بداية بالفكرة مرورا بالتنقيح وحتى وصوله بن يدي القارئ الكريم..
وفي حفل احتفاء وتوقيع هذا الكتاب الذي نظمه اتحاد الأدباء والكتَّاب في صنعاء- استمعنا إلى عدد من الكلمات – عدة أوراق قيمة حول محتواه ومضامينه.. كما كانت الإشادة من الجميع لكاتبه الذي يعد ضمن الشخصيات القليلة في المجال الصحفي ممن يحمل هم إيصال الإبداع اليمني داخليا وخارجيا، من خلال نشاطه الصحفي والثقافي، وعمله كمراسل وكاتب في عدد من المجلات والصحف العربية..
فالكاتب خريج جامعة صنعاء “صحافة” حاصل على مؤهل ماجستير إعلام .. يعمل مدير تحرير في وكالة الانباء اليمنية، وله كتابات منشورة في مجلات وصحف عربية ذات طابع إبداعي، كما يمتلك مخزوناً مما نشره خلال سنوات عمله ولا يزال، ولذلك نتمنى أن تخرج إلى النور في شكل هذا الكتاب القيم .. وأن تنشر تلك الأعمال التي هي تحت الطبع.. ومنها: الفن التشكيلي في اليمن- قراءات وحوارات، اليمن- رحلة في المكان، وحدقات- قراءات عربية..
والمستعرض للكتاب يتملكه الإعجاب لتنوعه وتعدد تلك الشخصيات التي شاركت في الإجابة على أسئلة الكاتب في عدة حوارات تجاوزت الثلاثين شخصية.. وتلك القراءات العميقة التي قاربت العشرين عملا بين دواوين شعرية وقصة ورواية..
من خلال تنوع محتوى أجنحة الكلام يمكن للقارئ أن يتعرف بشكل جيد على تطور الوضع الأدبي اليمني وشخصياته، ليس الراهن بل خلال أكثر من عقدين من خلال ما تضمنه هذا الكتاب من قراءات ومقاربات وازنة لتلك الأعمال، ومحاورة كتَّاب لهم تجاربهم وحضورهم..
الكاتب لم تشغله أعماله كمدير تحرير، ولم يكتف بنشر ما يخطه في عدد من المجلات والصحف داخل اليمن وخارجه، بل عمل بحسه الأدبي على جمع تلك المنشورات من حوارات وقراءات، ليخرجها وبشكل متميز في كتاب كمشروع يخدم الباحث والمهتم بالشأن الثقافي اليمني، وأجزم بأنه الفعل الأول في اليمن الذي يقدم فيه كاتب نتاج نشاطه الكتابي المتنوع في كتاب يجسد ملامح وجه اليمن الأدبي في الحقبة الأخيرة، ليتعرف القارئ على الوجه الأجمل لليمن، وذلك نقيض ما تتناقله وسائل الإعلام من احتراب وصراع دائمين على السلطة خلف دمار شامل للأرض والإنسان، وقد تسيد الموت يمننا الحبيب وكأنه الوجه الأوحد له..
من خلال هذا الكتاب يعبِّر الأغبري بنقاء قلبه وسعة معرفته عن محبته لوطن يسكنه.. موهبة الخبير بمعرفة الحركة الأدبية في اليمن.. مشاهد الثقافة والإبداع الكتابي..
ولمن لا يعرف الكاتب فهو جاد في تعامله.. مثابر في حبه لمجتمعه.. تسكنه اليمن.. يعمل في صمت الناسك في صومعته.. دمث الأخلاق.. صبور على المنغصات.. لا يميل للشكوى.. تحمل ملامحه على الدوام ابتسامته العذبة التي تبعث دوما على الأمل بغد أجمل، وما يحتويه كتابه من ثراء وجمال معرفي يشابه ذلك الكائن الودود الذي يعطي محيطة دوما بمحبة وكرم دون أن ينتظر شيئاً..
هذا كتاب يمثلنا جميعاً، وأجزم بأنه لن يتوقف عند هذا الكتاب ولا عند إصدار مخطوطاته التي تحت الطبع.. بل نتوقع منه المزيد وفق مشورع أدبي يترجم تطلعاته، مشروع يستكمل من خلال، كخبير في النشاط الأدبي والثقافي بشكل عام..
من يقرأ الكتاب سيدفعه ذلك الزخم إلى تكرار قراءته، لمزيد من التعمق في معرفة جوهر هذا الشعب، على اعتبار أن الأدب والفن هما ضمير ونقاء وجوهر المجتمع المنتج له، فكثير منا لم يسافر إلى اليابان أو الأرجنتين، أو أي مجتمع إنساني لكننا ما إن نقرأ بعض أعماله الأدبية نشعر بأنه قريب منا وأننا نعرف إنسانه..
فباسم من احتواهم كتابك القيم.. وباسم الوطن لك الشكر أيها الكاتب والمثقف الجميل، ومن قلوبنا عظيم الأماني الطيبة بمزيد من العطاء المتجدد .. حبا لإنسان هذا الوطن، فمثلك من يحمل ذلك الهم النبيل، والجمال المتدفق حرفا شذيا، وذلك الجمال ليس غريبا عليك، فأنت ابن أحد الأودية الخصبة في اليمن، ذلك الوادي الذي أبصرت النور على أحد جوانبه، وتاد يمتد من خاصرة المرتفعات اليمنية ليتجه شرقا حتى دلتا أبين، ذلك الوادي الجميل بخضرته وشلالاته.. وسريان غدرانه هو أنت.