الشهيد “ماجد عبدالله الذيب ” ترك شهادات الدنيا وسعى لشهادة الآخرة

صغير في سنّه كبير بإيمانه وعقله وتفكيره:
والد الشهيد ماجد: كان ابني شديد التأثر بقائد المسيرة السيد عبدالملك الحوثي وخطاباته الحماسية الداعية للجهاد

الشهداء وحدهم من خصّهم الخالق العظيم بمنزلة عظيمة عنده فهم أحياء عند ربهم يرزقون وحتى قبل أن تقوم الساعة وتوضع الموازين الحق.. هذه الحقيقة لاغبار عليها وقد ورد ذكر ذلك في القرآن الكريم وفي أكثر من آية لذلك فهم السعداء حقا.
اليوم وبلادنا تحتفي بفعاليات أسبوع الشهيد علينا أن نعلي من مقام الشهداء في حياتنا فهم من ضحى بحياتهم من أجل عزتنا وكرامتنا ومن دمائهم الطاهرة نستمد الحياة الكريمة.
لقد حمل شهداؤنا أرواحهم على أكفّهم وتسابقوا إلى ميادين الشرف والبطولة يذودون عن الأرض والعرض ومن حقهم علينا وقد صاروا أحياء عند ربهم يرزقون أن نتأسى بأخلاقهم العظيمة في التضحية والفداء وأن نعلم أنفسنا وآباءنا وأمهاتنا هذه الثقافة العظيمة ومقامها عند الله فبدون هذه الثقافة لاوجود لعزة أو كرامة وسيبقى الأعداء يحكمون سيطرتهم على بلادنا وكل تفاصيل حياتنا.
لقد رحل الشهداء عن الحياة الفانية رافعي الرأس وقد أعطوا الأعداء دروسا قاسية لا تنسى في البطولة والاستبسال في الدفاع عن الدين والوطن وكيف يكون معنى التضحية من أجل الآخرين.
لم يمت شهداؤنا البواسل فمآثرهم حاضرة بيننا وستبقى نبراسا يضيء طريقنا ويهدينا إلى درب الهدى كلما تاهت خطواتنا في دروب الحياة وسنمضي على نهجهم العظيم حتى تحقيق النصر أو الالتحاق بركبهم المقدس في جنات الفردوس.
“الأسرة” التقت بأسرة الشهيد ماجد عبدالله عبدالباقي الذيب ليوضحوا للمجتمع خلاصة طريقه الذي سلكه ليكون موضع اقتداء وقدوة لمن يسيرون بعده على نهجه ويواصلون ما بدأه حتى تحقيق النصر.

الأسرة / زهور عبدالله

سيرة الشهيد الحيّ
يقول الأستاذ عبدالله الذيب “والد الشهيد ماجد الذيب ” في حديثه للأسرة : لقد ضحى ولدي بحياته دفاعا عن الوطن والأرض إنه الشهيد ماجد عبدالله الذيب ابن الثمانية عشر ربيعا من العمر، كان الشهيد ماجد شابا متدينا صالحا مؤدبا طائعا لوالديه بارا بهما خدوما ومعينا لأهله وأقربائه وجيرانه، يمد يد العون لكل من حوله كان الشهيد شجاعا مقداما منذ نعومة أظفاره لا يخاف ولا يخشى في الله لومة لائم، نعم كان الشهيد صغيرا في سنه لكنه كان كبيرا بإيمانه وعقله وتفكيره، كان يحمل في قلبه هموم وقضايا أمته ووطنه، ترك شهادات الدنيا وسعى لشهادة الآخرة، حيث كان الشهيد ماجد ومنذ بداية العدوان الغاشم على وطننا الحبيب والغالي اليمن يتأثر ويتألم كثيرا لما كان يشاهده من اعتداء ظالم وهمجي على يمن الإيمان والحكمة وقتل للأنفس البريئة من الأطفال والنساء والشيوخ وهدم للبيوت على ساكنيها الآمنين و تخريب وقصف وتدمير لكل مقدرات الوطن ومنشآته الحيوية وبنيته التحتية وحتى معالمه التاريخية لم تسلم من الاعتداء بل دمروا كل شيء جميل في يمن الأصالة والعروبة يمن التاريخ والحضارة ظلما وجورا واعتداء لا مبرر له سوى رغبة دفينة في قلوب المعتدين لتركيعنا وإذلالنا والهيمنة علينا وكسر شوكتنا واحتلالنا والعبث في وطننا الحبيب ، فلم يستطع الشهيد أن يتحمل كل هذه الجرائم الوحشية التي ارتكبت ضد وطنه وأبناء وطنه، فكان يتمنى أن يكون له دور في صد هذا العدوان الغاشم فقرر أن يلتحق بصفوف المجاهدين في جبهات العزة والكرامة الذين يذودون عن الوطن ويدافعون عن حريته وكرامته وسيادته ودماء أبنائه الأبرياء التي سفكت بغير وجه حق، ولأن المجاهدين هم الذين رفعوا راية الجهاد في سبيل الله ولحماية الوطن من العدوان ،لذا قرر أن يلتحق بصفوف المجاهدين، فاستأذنني أن يلتحق بدورات ثقافية وقتالية مع أنصار الله في بداية الأمر كونهم من حملوا هذه الراية حينها ، كما أنه كان شديد التأثر بالمسيرة القرآنية وبقائد المسيرة السيد القائد المجاهد عبدالملك الحوثي حفظه الله ورعاه وبصدقه وبحبه لوطنه وبقيادته للمجاهدين وبمحاضراته الدينية وخطاباته الحماسية الداعية للجهاد والتصدي لهذا العدوان الغاشم، فسمحت له بذلك فأنطلق مع بعض أصدقائه من أنصار الله واكتسب معهم عدة دورات ثقافية وقتالية ولكنه لم يكتف بذلك لأن ما يدور في خاطره وفي قلبه وما يتمناه لم يتحقق بعد فقد كانت أمنيته التي كان ينتظرها هي أن يحمل السلاح ويقاتل لدحر العدوان وأن ينتقم للشهداء الأبرياء من المواطنين وللشهداء من المجاهدين وينكل بأعداء الله شر تنكيل حتى ينال النصر أو الشهادة .
عزمه على الجهاد
ويضيف الأستاذ الذيب : قرر ولدي الشهيد أن يمضي قدما وطلب مني السماح له بالانطلاق لجبهات العزة والكرامة لأنه كان حريصا جدا على رضاي وموافقتي له بذلك ولا أنسى في هذا الموقف أنني كنت أريد أن أختبر مدى إيمانه ونيته وعزيمته على الانطلاق للجبهات فسألته: هل تدربت على حمل السلاح وعلى المهارات القتالية واكتسبت الخبرة الكافية لخوض الحروب؟ وما رأيك لو تكمل سنتك الدراسية الأخيرة في الثانوية العامة وتلتحق خلالها بعدة دورات عسكرية وقتالية حتى تكتسب الخبرة الكافية ومن ثم تنطلق ولن أمنعك أبدا ، فأجاب على أسئلتي بأسئلة مقابلة حيث قال لي: هل تخاف عليّ من الموت يا أبي؟ وهل إن بقيت عندك لن أموت ؟وهل شهادة الثانوية العامة أفضل من الشهادة في سبيل الله ؟ فتعجبت من هذه الأسئلة التي لا تصدر إلا من إنسان مؤمن رشيد صادق مع الله وصادق في نيته وعزيمته، فكان لابد لي من الإجابة على أسئلته فقلت له: الموت حق وكلنا سنموت في المكان والزمان المحدد لنا من الله سبحانه وتعالى كما أن الشهادة في سبيل الله أعظم وأفضل من الدنيا وما فيها، ثم أذنت له ووافقته على الانطلاق والالتحاق بصفوف المجاهدين ولسان حالي يدعو الله له : اللهم إن ابني ماجد اختار طريق الجهاد في سبيلك والدفاع عن دينه ووطنه وعرضه وأمته وهو ما أمرتنا به وجعلت من قتل في سبيلك ودونهم شهيدا، اللهم إنه انطلق للجهاد في سبيلك راغبا بائعا نفسه منك لا يحمل في قلبه حباً للدنيا ومتاعها أو يسعي لجاه أو منصب أو مال أو شهرة وأنت أعلم مني بذلك فأنت علاّم الغيوب، اللهم أحفظه وارعاه وأيدّه بنصرك ورده إلينا سالما غانما منتصرا واختر له ما فيه الخير لدنياه وأخراه يا رب العالمين. فانطلق ملتحقا بإخوانه المجاهدين في جبهات العزة والكرامة.
نيل الشهادة
ويضيف الأستاذ عبدالله الذيب : كنا ننتظر عودته سالما في أي وقت سائلين من الله له وللمجاهدين النصر والتمكين ، وفي يوم من الأيام بعد أن انقطعت عنا أخباره فاجأنا الشهيد بعودته إلينا زائرا بعد أن منحته قيادته إذنا للزيارة ففرحنا بقدومه وسلامته، فكان يقص علينا بطولات المجاهدين وكيف كان الله سبحانه وتعالى عونا ونصيرا لهم وكيف تجلت قدرته بمدده للمجاهدين وتثبيتهم، ولكنه لم يصبر على البقاء لدينا سوى يومين فقط فقد كان جسده عندنا وقلبه و فكره مع إخوانه المجاهدين في الجبهات فعزم على الانطلاق والعودة إلى الجبهة فحاولنا أن نبقيه معنا عدة أيام ولكن لم نستطيع تكررت عودته إلينا للزيارة مرتين على فترات متباعدة حتى حان موعد الوداع الأخير بعد زيارته الأخيرة لنا حيث خاطبني مودعا بقوله أنا أشعر يا أبي بأني لن أعود إليكم في المرة القادمة إلا شهيد بإذن الله وكان يوصيني بوالدته وإخوته وبعدم البكاء والحزن عليه في حال كتب الله له الشهادة لأنها كانت أمنيته ومبتغاه حتى أنه أوصى بعض النساء الكبيرات في السن في حارتنا بدون علمنا أنه إذا عاد شهيدا أن يستقبلن جثمانه إستقبال العريس، ثم طلب مني أن أتصور معه بعض الصور الفوتوغرافية للذكرى وكأنه يقول لي هذه الصور آخر عهدي بك يا أبي فانتابتني تساؤلات ما هو هذا الشعور الذي حل به وكيف ولماذا؟ ولم أجد لها تفسيراً أو جواباً إلا بعد أن وصلني نبأ استشهاده . ثم انطلق الشهيد عائدا إلى الجبهة وبعد عشرة أيام فقط من انطلاقته الأخيرة بلغني نبأ استشهاده فحمدت الله وشكرته وقلت في نفسي صدق إحساسه وشعوره بقرب استشهاده وأنه لن يعود إلينا إلا شهيداً فعرفت معنى وأسباب الشعور الذي انتابه قبل استشهاده ولماذا ، إنه شعور الصادقين مع الله وبشارات المؤمنين الذين آمنوا بوعد الله والمجاهدين في سبيله فكانت نتيجة صدقه مع الله أن صدقه الله، فحمدت الله حين أختاره واصطفاه شهيدا في سبيله ومنحه شرف الشهادة في سبيله ومنحني شرف أن أكنى بوالد الشهيد، كما كان مصدر فخر وعزة لنا ولأسرته ولأقاربه جميعاً . كان استقبال جثمان الشهيد و تشييعه مهيبا حضره عدد من زملائه المجاهدين الذين كانوا معه في الجبهة وحين استشهاده، فكانوا يقصون عليّ بعض بطولات الشهيد وكيف كان شجاعا وكراراً لا يخشى إلا الله وكيف كان ملتزما بطاعة ربه وذكره وتسبيحه في كل أحواله حتى عند محاولة زملائه المجاهدين إسعافه بعد أن أصيب بطلق ناري ذكروا لي أنه كان يتمتم بذكر الله ويسبحه ويستغفره حتى فاضت روحه الطيبة إلى بارئها.
فسلام الله عليه ورحمته تغشاه وتقبله الله وأسكنه الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
مآثر الشهيد
هناك الكثير من القصص البطولية والمؤثرة التي حصلت مع الشهيد أثناء جهاده وأثناء استشهاده وبعد استشهاده سأذكر لكم قصة مؤثرة جدا حصلت مع أم الشهيد أسميتها البشارة حيث كانت أم الشهيد ومنذ استشهاد ابنها تتمنى وتسأل من الله أن يريها ابنها الشهيد في المنام ويطمئن قلبها على حاله ولكنها لم ترهُ ، مرت سنة كاملة على استشهاده ولم تره وبعدها احتاجت أم الشهيد لإجراء عملية جراحية فخضعت لإجرائها وبعد خروجها من غرفة العمليات وهي بكامل وعيها وأعادوها إلى غرفة الرقود الخاصة بها، وصلت لزيارتها فنظرت من شباك الغرفة إلى السماء فرأت ابنها الشهيد في كبد السماء مبتسما لها وهو مرتدٍ لزيه العسكري الذي استشهد به حاملا سلاحه الآلي ثم رأت نورا يخرج ويشع من وراء ظهره أنار السماء حتى سقط ذلك النور على وجهها فلم تستطع أن تراه مرة أخرى من شدة الضوء والنور الذي سقط على عينيها ثم تلاشى هذا النور تدريجيا حتى اختفى واختفى الشهيد معه، ثم قصت علينا ما حصل معها وكيف أنها شعرت بطمأنينة وسكينه لم تشعر بها من قبل وفاضت عيناها بالدموع وبكينا معها ثم حمدت الله وشكرته على أن طمأن قلبها على ابنها الشهيد وقرّ عينيها برؤيته فحمدنا الله وشكرناه.
وهكذا يرحل الكثير ممن نحبهم فنبكيهم ،إلا الشهداء فهم الخالدون فينا وهم من يخلفون وراءهم إرثاً عظيماً وأثراً محفوراً في أعماق الأرض ومعانقاً للسماء ، من الصعب أن يمحى من قلوب الجميع وتبقى سيرتهم حية و طريقهم الذي سلكوه موضع اقتداء وقدوة لمن بعدهم يسيرون على نهجهم ويواصلون ما ابتدأوه حتى تحقيق النصر ،فهم من أرخصوا حياتهم في سبيل إعلاء كلمة الله وفي سبيل عزة وكرامة وطنهم الذي تكالبت عليه قوى الاستكبار لإخضاعه واستعباد شعبه فكانوا هم الحصن الحصين ضد اولئك الحاقدين والمحتلين ، وعهدنا لهم بأن نقتفي خطاهم وسنكمّل ماابتدأوه حتى تحقيق النصر .

 

قد يعجبك ايضا