معنى الشهادة في سبيل الله
عبدالله محسن الجرادي
في واقع الصراعات الدائرة بين أبناء البشرية وفي مختلف الأزمنة نجد تلك الأطراف المتصارعة تتحدث عن قتلاها تصنع لهم النصب التذكارية والمجسمات وتضفي عليهم المسميات الألقاب ومنها مسمى الشهداء لماذا..؟!
لأن الوجدان الإنساني يعرف قيمة أولئك القتلى وعظمتهم بغض النظر عن التوجه وأساس الموقف وطبيعة الهدف.
والحقيقة أن الشهادة ليس مجرد لقب فخري يطلق على أي قتيل ؟ بل هي ذلك الوصف الذي يجب أن يتصف به من قتل وارتقت روحه وهو في ميدان الاستجابة لله والسير على نهج الله ووفق دوافع إيمانية ومواقف من أجل الله وقضية عادلة.
وهي بذلك- أي (الشهادة) -وسام سام ومقدس لا يناله إلا من اصطفـاه الله واتخذه شهيدا، وهي عطاء قابله الله بعطاء حيث جعل منها سبحانه وتعالى هبة لأوليائه الذين منحهم الحياة الأبدية منذ اللحظة التي تفارق فيها أرواحهم أجسادهم، حيث يقول سبحانه وتعالى {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَـمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } ( آل عمران- آية :169- 170).
وهي صفقة بيع مربحة يحققها الإيمان الحقيقي الواعي من خلال مواقف وجهاد وتضحية ، حتى يتم تسليمها لمشتريها، ومع هذا البائع هو الرابح لأنه حاز أرقى مقام وكسب حياة أبدية ، قال الله سبحانه وتعالى:{ إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (التوبة- آية -111)، ومن هنا نعرف أن مواصفات المؤمنين أنهم يصلون في مستوى إيمانهم وارتباطهم وحبهم لله إلى بيع أنفسهم منه وبهذا حققوا لأنفسهم نصراً شخصياً فكتبوا عند الله من الشهداء وحظيوا بتلك الكرامة التي وعد الله بها الشهداء .
ولأن الشهادة أسمى رتبة وأعلى منزلة فإن مـن يعشقونها ويفوزن بها وينالونها يبقون أحياء عند ربهم، وقد سماها واعتبرها الله سبحانه وتعالى بالفوز حيث قال 🙁 وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) والإمام علي (عليه السـلام ) اعتبرها فـوزا ،فقال : (فزت ورب الكعبة) وقد جاء في الأثر عن الرسول محمد (صلوات الله عليه وعلى آله ) قوله :(وددت أني أقتل في سبيل الله ثم عدت ثم أقتل ثم عدت ألف مرة) ومـا ذاك إلا لما يعلم من عظيم قدر الشهادة عند الله.
إذاً الشهادة هي أسمى وأرقى وأفضل عملية استثمار للموت المحتوم، لأن الله من رحمته لعباده فتح لهم إمكانية أن يستثمرو اموتهم حينما ينطلقون مجاهدين في سبيل الله ويبيعون أنفسهم من الله .
وثقافة الشهادة هي الثقافة التي يمكن لنا من خلالها الحفاظ على هويتنا الإيمانية وهي ربح حقيقي في ميزان الربح والخسارة بكل الاعتبـارات، وإذا كان الموت قضية حتمية لكل البشر لا يعرفون متى سيموتون ولا كيف ستكون نهايتهم ولا المكان الذي سيموتون فيه، فإن الموت بالنسبة لنا في سبيل الله ليس مجرد عنوان بل منهجية مرسومة في القرآن توجب علينا الانطلاق إلى ميادين الاستشهاد في ضوء هذه المنهجية القرآنية لا سيما في ظل هذه المرحلة التاريخية الخطيرة التـي نعيشـها والتـي يعمـل خلالها أعداء الإسلام مـن الصهاينة والأمريكيين على تزييف عناوين للموت والقتل تحت غطاء الاستشهاد في سبيل الله والجهاد في سبيل الله.
وقد أصبح ذلك واضحاً وجلياً لنا مـن خلال نجاحهم في صنع وتفريخ الجماعات التكفيرية والإرهابية التي تحـاول هدم وتشويه صورة الإسلام من الداخل .
ولذلك يبقى المعيار الحقيقي لمعرفة سبيل الشهادة الحقيقية هو التمسك والسير على الطريقة التي رسمها الله لنا في القرآن وهي الطريقة التي لا يمكن أن يخترقهـا المزيفون الذين يجب أن نكون على وعي تام بمؤامراتهم ومخططاتهم الهادفة إلى تشويه صورة الإسلام وتغيير مفاهيمه وقيمه ومبادئه ومحاولات ضربه وتفكيكه من الداخل .