السينما الهندية.. أغنية الحياة .. وألم الواقع 

 
 عبدالرحمن السماوي
في منتصف التسعينيات كانت سينما بلقيس والسينما الأهلية في صنعاء مهتمتان كثيرا بالأفلام الهندية – الأحد والاثنين في سينما بلقيس والثلاثاء والأربعاء في السينما الأهلية – تضع بوسترات الأفلام في الأسواق والمناطق المزدحمة كالتحرير وباب اليمن وباب شعوب. كان لها حضور كثير جدا – إذا أن الأفلام الهندية كانت مثيرة بشكل واسع لروادها في السينما – لا تمتلئ السينما كما تمتلئ في حفلة عرض الأفلام الهندية وكم كان تأثير الجمهور أثناء المشاهدة لهذه الأفلام ويعيش الحدث والتفاصيل لمشاعر السينما الهندية يبكي ويضحك حسب تسلسل الفيلم في عرضه – إنها مؤثرة فعلا بقصتها وموسيقاها وأحداثها والإبهار البصري التي تشكله السينما الهندية. لقد عشت ذلك الحدث .. كنت من رواد السينما خاصة الأفلام الهندية حينها طبعا – أتذكر إنني كنت أسجل كلمات الأغاني التي كانت تلعب دورا كبيرا في إحساسي وتأملي للحياة – هي البداية الأولى للتطلعي لفن السينما بصورة عامة.
 أتذكر فيلماٍ خدداٍ كواه – لاميتاب باتشان – وكان يلقب بالسلاسل- ويعني الله شاهد – كم كانت القصة مؤثرة وكم كانت الحان الأغاني رائعة وسلسة وهناك أفلام كثيرة – لا أنسى أغنية إني انتظرك انتظرك في الأمكنة كلها انتظرك في البر والبحر فتش عني ستجدني – تحت تلك الأشجار في الغابات سأتساقط عليك كالأوراق والأزهار. كل ماهو موجود بالحياة حبيبي إنني أحبك كان لحن هذه الأغنية جميلة وتصويرها رائعاٍ بزوايا مختلفة تشكل لوحات ووجوهاٍ ومعاني لطبيعة الأغنية كان المخرج يفسر إحساس هذه الأغاني من خلال تلك المناظر الخلابة والجذابة وأداء الممثلين – البطل والبطلة.
 بعد أن أنهيت بعض الكتابات في فن السينما – من تصوير وديكور وموسيقى وصوت وسيناريو – سأبدأ بكتابة عن السينما العالمية – الصينية والفرنسية والأمريكية والإيرانية – وغيرها وسأبدأ بالسينما الهندية. معا نسافر للهند للحظات – لنعرف طبيعة البلد ومكنوناته الثقافية والتاريخية والفنية.
الهند هي دولة في جنوب آسيا تشمل معظم أراضي شبه القارة الهندية. للهند سواحل تمتد على أكثر من 7000 كلم تجاورها كل من باكستان وأفغانستان من الشمال الغربي الصين نيال وبوتان من الشمال بنجلادش و ميانمار من الشرق. في المحيط الهندي تحاذيها جزر المالدي من الجنوب الغربي سريلانكا من الجنوب وإندونيسيا من الجنوب الشرقي.
الهند هي ثاني أكبر البلدان في العالم من حيث تعداد السكان يزيد عدد سكانها اليوم على المليار نسمة كما تحتل المرتبة السابعة عالميا من حيث المساحة. عرفت الهند قيام بعض من الحضارات الأولى التي شهدها العالم القديم كما كانت مركزا لعديد الطرق التجارية المهمة عبر التاريخ كما قامت على أرضها من أهم الديانات في العالم: الهندوسية والبوذية والجانية والسيخية. كانت في السابق جزءاٍ من أراضي التاج البريطاني قبل أن تستقل عنها عام 1947 م عرفت الهند نموا معتبرا في ميدان الاقتصاد خلال العشريتين الأخيرتين للهند تقاليد ثقافية عريقة وفريدة من نوعها ولازلت مظاهرها ماثلة للعيان إلى أيامنا هذه.
نظرا لتاريخها الحافل انصهرت ثقافات الشعوب الغازية على مدار القرون واندمجت مع المجتمع المحلي. ترجع العديد من التقاليد الثقافية (كالاحتفالات) والمعالم القائمة حالياٍ على غرار تاج محل وغيره من نماذج العمارة الإسلامية إلى عهد الأباطرة المغول. المجتمع الهندي مجتمع ذو أعراق ولغات وثقافات متعددة. تشكل الأعراف الدينية جزءا من الحياة اليومية للمجتمع الهندي.
تعتني العائلات من الطبقات الوسطى بتعليم أبنائها. لا زالت التقاليد العائلية المحافظة راسخة بين أوساط المجتمع رغم أن بعضا من أبناء العائلات الحضرية تحاول أن تشق لها طريقا وسطا بين هذه التقاليد ومتطلبات الحياة العصرية جغرافية السينما الهندية أول فيلم هندي ناطق, فيلم أردشير إيراني أضواء الدنيا (1931)كان فيلم راجا هاريشاندرا (1913) أول فيلمُ صامت يْنتج في الهند وصنعه داداساهب فالكي.
وبحلول ثلاثينيات القرن العشرين كانت صناعة السينما في بوليوود تْنتج أكثر من مائتي فيلم في السنة.
ذلك الفلم حقق نجاحاٍ كبيراٍ وضح وجود سوقُ كبير للأفلام الناطقة والموسيقية وبذلك تحولت بوليوود وجميع مناطق صناعة الفيلم الهندي الإقليمية إلى الأفلام الناطقة بسرعة. كانت الثلاثينيات والأربعينيات فترات صاخبة فقد تأثرت الهند بالكساد الكبير والحرب العالمية الثانية وحركة الاستقلال الهندية والعنف الذي صاحب تقسيم الهند. كانت معظم أفلام بوليوود هروبية وقتها ومع ذلك عبر بعض صناع الأفلام عن المشاكل الاجتماعية الصعبة أو استخدموا الكفاح الهندي كخلفية لأعمالهم الدرامية. في 1931م أخرج أردشير إيراني فيلم كيسان كانيا أول فيلم هندي ملون. وفي العام الذي تلاه أخرج فيلماٍ ملوناٍ آخر هو الأم الهند.
مع ذلك لم تصبح الأفلام الملونة شعبية حتى نهاية الخمسينيات. في ذلك الوقت كانت الأفلام الموسيقية الرومانسية ذات الإنتاج المترف وأفلام الميلودراما كانت المصدر الرئيسي للدخل في السينما.
ومن ضمن الممثلين الناجحين في تلك الفترة كان ديف أناند ديليب كومار وراج كابور أما الممثلات الناجحات فكان منهن: نرجس ومينا كوماري ونوتان ومادوبالا. في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات قام ببطولة الأفلام الرومانسية وأفلام الحركة ممثلون مثل: راجيش خانا ودارمندرا. في منتصف السبعينيات أخلت الأفلام الرومانسية الطريق لأفلام العنف التي تناولت مواضيع العصابات.
ركب أميتاب باتشان النجم الشهير بأدوار “الشاب الغاضب” التي أداها الموجة مع ممثلين آخرين مثل ميثون تشاكرابورتي وأنيل كابور. كان من ضمن الممثلات اللائي اشتهرن خلال هذه الفترة هيما ماليني هيلين ريتشاردسون جايا باتشان وريكا. واستمرت هذه الموجة حتى بداية التسعينيات.
[6] بوليود – في كل مكان بوليوود (بالهندية بالأردية: بالي و ) مصطلح غير رسمي يْستخدم على نطاق واسعُ للإشارة إلى صناعة الأفلام باللغتين الهندية والأوردو في مدينة مومباي الهند. كما يْستخدم هذا المصطلح بشكلُ غير صحيح أحياناٍ للإشارة إلى كامل صناعة السينما في الهند بينما يشير في الحقيقة إلى جزء من هذه الصناعة.
[1] بوليوود أكبر منتج أفلام في الهند وواحدة من أكبر مقرات إنتاج الأفلام في العالم. اسم بوليوود مؤلف من بومباي (الاسم السابق لمومباي) وهوليوود مركز صناعة الفيلم الأمريكي. بالرغم من التسمية فعلى عكس هوليوود لا توجد بوليوود كمكان فعلي.
كذلك وجد مصطلح بوليوود طريقه إلى قاموس أوكسفورد كمدخل بتعريفُ منفصل رغم وجود اعتراضات على التسمية باعتبار أنها تجعل صناعة السينما في مومباي تبدو كقريب فقير لمثيلتها في هوليوود.
يْشار إلى بوليود عموماٍ باعتبارها سينما ناطقة بالهندية رغم أن اللغة الهندوستانية الشائعة كنمط متداول للهندية والأوردو أكثر شيوعاٍ في أفلام بوليوود.
كما أن حضور الإنكليزية الهندية يتزايد في الحوار والأغاني على حدُ سواء وليس من الغريب وجود أفلام تدخل الكلمات والتعابير الإنكليزية في حواراتها.
 علاوة على ذلك فإن إنتاج الأفلام المنطوقة بالإنكليزية بالكامل يتزايد في بوليوود. ميزانيات Bollywood بسيطة عادة بمعايير هوليود. المجموعات بدلات تأثيرات خاصة وصناعة سينما كانت أقل من عالمية إلى أن الوسط متأخرا في تسعينيات.
كأفلام وتلفزيون غربي يكسبان توزيعاٍ أوسع في الهند نفسه هناك ضغط متزايد لأفلام Bollywood لإنجاز نفس مستويات الإنتاج. الأفلام البوليودية أثبتت وجودها في الخارج وفي شباك تذاكر خارج الهند لذا أطقم فلم مومباي رائــجة جداٍ تصوير في أستراليا نيوزيلندا مملكة متحدة قارة أوروبا وفي مكان آخر. في الوقت الحاضر منتجون هنود يسحبون في أكثر فأكثر تمويل للأفلام ذات الميزانية الكبيرة ضربت ضمن الهند أيضا مثل Lagaan Devdaskank والإنتاج الحالي يزداد في الميزانية. البطل الهندي – الحب والإيثارة يرجع السبب في انتشار الأفلام الهندية الواسع واستقطابها لجمهور عريض لكونها تقدم قصصا مسلية رائعة وشيقة تجعل المشاهد يسبح في عالم الخيال ويحلم مع أبطال الأفلام بحياة أفضل.
 معظم الأفلام الهندية ميلودرامية موسيقية غنائية. وتستهدف قصص العنف والمطاردات إضافة إلى المزيد من عناصر التشويق, قصص المغامرات العاطفية والأساطير بما في ذلك من ثأر وانتقام وخيانة وتمرد وخطف إضافة إلى عمليات الاختلاس والتزوير وترويج المخدرات وتهريب الأسلحة.
وعلى العموم تبقى قصص الأفلام الهندية جداٍ متشابهة لا تتغير فيها سوى الوجوه والأسماء وبعض التفاصيل المشهدية. فهناك دائماٍ شابة فقيرة مغرمة بشاب غني أو العكس والحبيبان دائما على قدر كبير من الوسامة والجمال وموهبة في الغناء والرقص ونهاية القصص عادة ما تكون محزنة ومفجعة.
 إلا أن هذه النهايات الحزينة لا تقلل من نجاح هذه الأفلام بل على عكس ذلك فهي تزيد الفيلم متعة وتشويقا وتعطي لأفلام بوليود طابعاٍ خاصاٍ ومتميزاٍ. واللافت في جمهور السينما الهندية أن إعجابه بنجومه المفضلين يصل إلى درجة التقديس وهذا ما يفرض على نجوم السينما الهندية أن يعيشوا نمط حياة محدداٍ سواء على الشاشة أو في حياتهم الفعلية يراعون فيه المقاييس المفروضة عليهم من الجمهور وبحسب الصورة المكونة لديه عنهم..ومن هنا حرص نجوم ونجمات الشاشة الهندية على أن يتحاشوا أي عمل يمس بالقيم والأخلاق الشعبية الهندية خشية أن يخسروا شعبيتهم وعلى النجم أن يكون في حياته الفعلية متواضعا بعيداٍ عن مظاهر البذخ شعبيا يمشي بين الناس في الشوارع ويرتاد أسواقهم ومقاهيهم ومجالسهم الشعبية الفقيرة وأن يكون سخيا كريما معطاء للفقراء والمتسولين والمعوزين .. وكما تقول النجمة (رايخا) فإن هذه التقاليد تكلف النجم أو النجمة إنفاق ما يقارب نصف دخله .. تقول: هذا لا يعني أننا نخوض تجارة خاسرة فنحن نتقاضى أجوراٍ عالية جداٍ ولا بأس إذا استثمرنا قسماٍ من هذه الأجور لدى جمهورنا الذي كلما ارتفع إعجابه بنا وإقباله على أفلامنا ارتفع أجرنا. تضيف: الجمهور الهندي حساس جدا وعلى الممثل الجيد عنده أن يكون إنساناٍ جيدا لأن استفزاز مشاعر الجمهور يؤدي إلى انهيار شعبية الممثل ويصبح من الأفضل له عند ذلك أن يبحث عن مهنة أخرى!.
 
* مخرج سينمائي..
 

قد يعجبك ايضا