نشوء اختلالات بين الأمنين القومي والإلكتروني دفع العالم نحو الحروب الإلكترونية
دور الحرب الإلكترونية في الصراع العربي الإسرائيلي (1-2)
تأثيراتها عديدة على الساحة الإسرائيلية كونها تجهيزات استباقية
بعد الهجمات التي تعرض لها الفضاء الإلكتروني الإسرائيلي من قبل مجموعاتٍ عربيةٍ وإسلاميةٍ وأجنبية مناصرةٍ للقضية الفلسطينية، أصبح الفضاء الإلكتروني ساحةً جديدة في الصراع العربي الإسرائيلي، شأنه شأن البر والبحر والجو، وفي ظل الثورة الإلكترونية التي يشهدها العالم دخلت وسائل الاتصال الحديثة الصراع العربي الإسرائيلي، مشكّلة ما يعرف حديثا بالصراع العربي الإسرائيلي الإلكتروني عبر الفضاء الإلكتروني، والذي تجيد إسرائيل معرفته بشكلٍ كبير، كونها تهتم بالبحث العلمي والتقني بشكلٍ واسع، وتمتلك كوادر مادية وبشرية متطورة في هذا المجال، تساندها في هذا الشأن أمريكا والعديد من الدول الغربية. وفي مقابل ذلك يعاني الشارع العربي من ضعفٍ في التطور العلمي والتقني، وعدم الاهتمام بالبحث العلمي الهادف لإجادة لغة العصر الحديثة مثلما تفعل إسرائيل وغيرها من دول العالم المتقدم، والذي يعطيها -أي إسرائيل- الفرصة في التفوق على العالم العربي عبر الفضاء الإلكتروني.
عرض/ هاشم السريحي
من هذا المنطلق جاءت رسالة الماجستير لوليد جلعود التي هدفت بشكلٍ أساسي إلى معرفة دور وتأثير الحرب الإلكترونية في الصراع العربي الإسرائيلي.
وللوصول إلى إجاباتٍ عن مدى تأثير هذه الحرب على الساحة الإسرائيلية، وضع الباحث تساؤلاً أساسيًا مفاده: ما هو دور وتأثير الحرب الإلكترونية في الصراع العربي الإسرائيلي؟ منطلقًا من فرضيةٍ أسياسيةٍ مفادها: أن للحرب الإلكترونية تأثيرات عديدة على الساحة الإسرائيلية.
الدراسة التي هي بعنوان: «دور الحرب الإلكترونية في الصراع العربي الإسرائيلي» جاءت في ستة فصول؛ تحدث الباحث في الفصل الأول عن تطور وسائل الصراعات البشرية عبر التاريخ، وذلك ابتداءً من العصور البشرية الأولى، والتي اعتمد فيها الإنسان على الأخشاب والحديد والمعادن، وانتهاء بعصر الثورة المعلوماتية والتقنية وعولمة التكنولوجيا، والتي اعتمد فيها الإنسان على وسائل الاتصالات، وتكنولوجيا المعلومات بشكلٍ شبه متكاملٍ، مما أدخله في جدلية العلاقة بين أمن المعلومات الإلكترونية والأمن القومي.
أما الفصل الثاني؛ فقد تحدث الباحث فيه عن العلاقة الكامنة بين أمن المعلومات الإلكترونية والأمن القومي، والتي نتجت بفعل قيام دول العالم بوضع مدخراتها القومية عبر الفضاء الإلكتروني، الأمر الذي أدى إلى نشوء اختلالاتٍ بين الأمنين القومي والإلكتروني، وهو ما دفع العالم أجمع نحو خوض الحروب الإلكترونية، وهو العنوان الذي حمله الفصل الثالث من هذه الدراسة، في مشهدٍ غيّر كثيرًا من طبيعة الصراعات في عصرنا الحالي.
وفي الفصل الرابع تناول الباحث موضوع العلاقة الكامنة بين النظرية الأمنية الإسرائيلية والفضاء الإلكتروني الإسرائيلي، والذي يعد مجالاً مهماً في حفاظ إسرائيل على أمنها وهيمنتها، وسط بيئةٍ عربيةٍ وإسلاميةٍ رافضةٍ لوجودها، متحدثًا فيه عن مرتكزات النظرية الأمنية الإسرائيلية، والمخاطر التي تواجهها، ومكونات وأجزاء الفضاء الإلكتروني الإسرائيلي ببعض تفاصيلها، ليتجه الباحث بعدها وفي الفصل الخامس من هذه الدراسة نحو سرد مقارنة بسيطة بين الفضاء الإلكتروني العربي بشكلٍ عام، والفلسطيني بشكلٍ خاص، بالفضاء الإلكتروني الإسرائيلي.
أما الفصل السادس والأخير؛ فقد عرض فيه الباحث نماذج من الحروب الإلكترونية في الصراع العربي الإسرائيلي، وأهم المواجهات الإلكترونية التي نشبت بين الطرفين.
وقد سرد الباحث أهم مرتكزات النظرية الأمنية لإسرائيل والتي تمثلت في:
• مرتكز أمن القاعدة (تهويد الأرض): حيث يهدف المشروع الصهيوني في المنطقة العربية إلى إقامة دولة يهودية نقية وصافية وذلك انطلاقًا من المقولة الإسرائيلية: الوطن القومي يحل المسألة القومية.
• المرتكز العقائدي والأيديولوجي: الذي ينطلق من القناعة الدينية والعقائدية التوراتية التي يحملها اليهود بادعائهم أنهم شعب الله المختار، وهو أمر ضروري لتوفير الأمن لهم، ولتبرير أحقيتهم في الوجود على أرض فلسطين.
• مرتكز أمن العلاقة مع المركز (الولايات المتحدة الأمريكية): حيث سعت إسرائيل ومنذ نشأتها إلى توطيد علاقاتها مع أمريكا، والتي تصدرت زعامة العالم عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية فقد ارتبط أمن اسرائيل بأمن الولايات المتحدة الأمريكية بشكلٍ قوي، حيث أصبح أمن إسرائيل من أمن أمريكا، فهي الراعية الأولى لأمن هذا الكيان الاستثماري في المنطقة العربية، وملتزمة بتقديم الدعم له في شتى المجالات، على رأسها المجال العسكري والاقتصادي والسياسي والتكنولوجي ومجالات البحث والتطوير الهادفة إلى تضخيم آلة الحرب العسكرية الإسرائيلية، بحيث ُتصور للعالم أجمع أن إسرائيل قوة عسكرية وسياسية لا ُتهزم ولا ُتقهر.
• المرتكز التكنولوجي: إذ تعطي إسرائيل الجوانب التقنية والمعلوماتية والإلكترونية أهمية أمنية وعسكرية ووظيفية كبرى، فهي تعي أهمية هذا المرتكز في خدمة أمنها القومي، حيث تحتضن اسرائيل العديد من المبادرات الرقمية والتكنولوجية المتطورة، كما تطمح لأن تكون عاصمة (NATO) الناتو للتكنولوجيات الرقمية والعسكرية في المستقبل، وذلك استكمالاً لمشروعها التقني والذي باشرت بتنفيذه منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي والهادف إلى حماية أمنها الوجودي.
• المرتكز الإعلامي: حيث تعتبر وسائل الإعلام إحدى أهم وسائل توازن الأمن في اسرائيل، نظراً لما تمتلكه من إمكانياتٍ عالية وقدرا ت على المناورات الإعلامية، وهامشا كبيراً من التضليل وتضخيم الأمور للصالح الإسرائيلي، فقد عمد الإعلام الإسرائيلي إلى استخدام أساليب الترغيب والإثارة، وغسيل الأدمغة، والتلاعب بالعواطف، والإقناع، وذلك لكسب التعاطي مع الوضع الإسرائيلي، علاوة على الرقابة العسكرية والأمنية التي تفرضها القيادات الإسرائيلية على الإعلام، محاولة إملاءه بمواقف محددةٍ في الموضوعات الأمنية، والانتقائية في الدلالة والمصطلحات والتعبير عن كل ما يتعلق بأحداثٍ تخص الشأن الإسرائيلي وصورة إسرائيل في العالم الخارجي.
• مرتكز القدرة المالية والاقتصادية: حيث يخضع هذا المرتكز الإسرائيلي للضروريات التي يحتمها الأمن القومي الإسرائيلي، كاستقطاب العقول البشرية، وتأهيل الكوادر، والإنفاق على عمليات البحث والتطوير داخل إسرائيل، إضافة لعلاقاتها مع العالم الخارجي، وتحديدا مع الولايات المتحدة الأمريكية، والحلف الغربي من خلفها، والذي لا يتوانى في تقديم مختلف المساعدات المالية لإسرائيل، والهادفة لحماية أمنها، وإبقائه في تفوقٍ مستمرٍ على دول المنطقة العربية والإسلامية.
• مرتكز الأمن الإقليمي (الهيمنة): فقد وظفت إسرائيل طاقتها السياسية والعسكرية والاقتصادية وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، ومراكز صنع القرارات الدولية، في جبي مردوداتٍ أمنيةٍ كبير ة تمثلت بالتفوق العسكري والأمني لإسرائيل على جميع الدول العربية، وتملكها لبرنامجٍ نوويٍ عالي الجاهزية، ومدعومٍ بشكلٍ قوي من دول الغرب كافة، ومن ُثم قطع الطريق على إقامة أية تحالفاتٍ في المنطقة العربية والإسلامية، وذلك عبر اختراق الأوضاع الداخلية لمعظم الدول العربية، وتعزيز وصول أنظمةٍ سياسيةٍ عربيةٍ موالية لإسرائيل، وحامية لأمنها وحدودها من مختلف الجهات.
ورغم الحصانة الأمنية التي تحاول أن تفرضها اسرائيل على أمنها، إلا أن ذلك لم يحصنها من مواجهة المخاطر والتهديدات التي أضرت بأمنها، والتي أهمها المقاومة الفلسطينية والخطر الديموغرافي وتنامي المد التقني والإلكتروني وثبات الاستقرار ومعدوميته في المنطقة وتغير الواقع السياسي في المنطقة العربية والإسلامية.
وقد كانت أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة هي:
1 – أن الحروب الإلكترونية الموجهة عربيًا وإسلاميًا صوب إسرائيل لا تشكل عنصر الحسم في هذا الصراع، لكن تفاصيلها قد تصنع العديد من الفوارق، كونها تعد تجهيزاتٍ استباقية ضد إسرائيل.
2 – نجح التيار الشعبي العربي والإسلامي ورغم إمكانياته البسيطة من توجيه العديد من الضربات صوب الفضاء الإسرائيلي، في صورةٍ تشير إلى أن الشارع العربي قادر على كسر قالب السطوة الاستهلاكية تجاه استخدام التقنيات الحديثة.
3 – الهجمات الإلكترونية التي تتعرض لها الساحة الإسرائيلية وفي مجملها ليست فلسطينية الهوية، بل أن المجموعات التقنية الخارجية كانت لها إسهاماتها الكبيرة في هذه الهجمات.
4 – لا يمكن الجزم بأثر الحروب الإلكترونية على إسرائيل، نظرًا لتفوقها الإعلامي والتقني.