لمن الثورة اليوم
لطف لطف قشاشة
بعيداً عن توصيف الثورة وماهيتها ونتائجها التي أعقبت قيامها، نحن اليوم نقف بين ثورتين ( 62 و2014 ) يفصل بينهما خمسة عقود من الزمان لكنهما يعبران عن أهداف كلها تحمل معاني إنسانية براقة ومحمودة..
اليوم قادة الثورة الجديدة يحيون ذكرى الثورة السابقة كون ما يفرقهما إلا أيام ثلاثة فقط والمتأخرة ثارت على من جعل السابقة ثورته وظل يحتفي بها لخمسة عقود وأثناء احتفالاته كان يشير في بعض خطاباته بأصابع الاتهام إلى من قاد اليوم الثورة المتأخرة بأنه يسعى للانقلاب على الثورة المتقدمة ويعيد عقارب الساعة إلى الوراء ليقيم دولة الكهنوت والإمامة والرجعية والملكية المقيتة كما كان يسوق لها إعلامه بشكل دائم ومستمر بينما اليوم وبعد ست سنوات من الثورة المتأخرة هاهو النظام القائم يتمسك بالنظام الجمهوري والتعددية ويحتفي بالمتقدمة ويجعلها عيدا وطنيا ضمن أعياده الوطنية الرسمية..
المراقب والحصيف والمتابع للوضع القائم يدرك أننا أمام كم من الأطروحات المتباينة بين نقيضي الصراع الدائر في البلاد حول ثورة 62، فالنظام المناهض للعدوان السعودي الأمريكي يؤكد أن ثورة 21 سبتمبر جاءت مصححة للانحراف الذي أضاع أهداف ثورة 26 سبتمبر وأفرغها من مضمونها فأصبحت شعارات جوفاء فضفاضة لا تمت للواقع العملي بصلة خاصة في إقامة النظام الجمهوري كحقيقة على الأرض واستقلال وسيادة البلد من الوصاية والتدخل الخارجي بينما من يدعون أنفسهم بالشرعية ويقفون في صف العدوان الخارجي يصفون ثورة 21 سبتمبر أنها انقلاب على الجمهورية والتعددية والسعي لإعادة البلاد إلى ما قبل 62 وتسليم اليمن للهيمنة الإيرانية وما شاكل..
هذه الأطروحات جميعها وعند التمعن فيها وبحسب الواقع والإنصاف فإن معاني الثورات ومفاهيمها قد أفرغت تماما من قيم وسلوك الأنظمة القائمة عليها تماماً، ولا أقصد بذلك ثورة 21 سبتمبر 2014 م لأنها لا زالت وليدة اللحظة العنيفة التي لم تشهد استقراراً يذكر وتعيش حالة صراع متواصل ولم تعط الفرصة لتقييم نجاحها أو إخفاقها بعد ولكنها تمتلك من القيم الثورية التي أعلنت في 26 سبتمبر 62 م كأهداف ما نستطيع القول أنها بالفعل تمتلك مقومات ثورة حقيقية عندما جعلت الحرية والاستقلال شعارا عمليا لها وقامت بمواجهة العدوان الخارجي وطالبت بمرجعية مخرجات مؤتمر الحوار الوطني ( مؤتمر حوار موفمبيك ) الذي شاركت فيه جميع القوى الوطنية الممثلة لجميع فئات شعب الجمهورية اليمنية عامة، وهذا تجسيد لمبدأ حاكمية الشعب واحترام إرادته، كما أنها لم تعلن فور قيامها ولا زالت إلى اليوم عن حل الأحزاب السياسية المؤيدة للعدوان كإجراء يقضي على هدف الديمقراطية والعملية السياسية ولم يثبت بعد صدق ادعاءات أعدائها أنها فرطت بالسيادة واستقلال القرار الوطني وسلمته لإيران أو الدول الحليفة لإيران كما يزعمون واستطاعت أن تعزز من بناء جيش وطني يمتلك عقيدة وطنية ويطور من قدراته التسليحية والدفاعية رغم العدوان والحصار وغيرها مما لا يدع لنا مجالا للشك أننا بالفعل نقف أمام فعل ثوري تصحيحي لما كانت القوى الثورية قد أعلنته عام 62 م من سعيها لتحقيق الأهداف الستة المشهورة والتي كانت متطابقة تماما لأهداف ثورة عبدالناصر المصرية ضد الملك فاروق حيث أنها بالفعل انحرفت عنها بمجرد إعلانها حين كانت تدار بقرار مصري مطلق ما لبثت أن انتقلت إلى حضن القرار السعودي ومعهما أصبحت القيادات المتعاقبة لا تخرج من وصاية السعودية إلا من فترة وجيزة حاول الرئيس الحمدي الخروج من هذه الوصاية فكان قرار تصفيته المشهور من السعودية وتنفيذه من خادمها الجديد (صالح ) الذي سلمته السلطة وأحدث فيها ما أحدث من تدهور ونكوص عن أهداف ثورة سبتمبر62م (تجاوزا أسميها ثورة والحقيقة أنها لم تكن إلا انقلاباً وحسب ) فأعاد التوريث وانتشرت الفوضى والفساد والتبعية العمياء للقرار الخارجي ودمر حقيقة الوحدة اليمنية وشارك السعودية وأمريكا في قتل مواطنيه تحت ذريعة الحرب على الإرهاب واستبيحت السيادة للأراضي اليمنية من القوات الأمريكية وطائراتها تحت هذا المبرر وصولا إلى حالة التدمير للعملية السياسية والديمقراطية عبر التفريخ والتزوير لإرادة الشعب عبر انتخابات هزيلة وصورية مقززة وسخيفة..
كل هذه الانحرافات أفقدت الشعب اليمني كرامته ودمرت معيشته واقتصاده وصار مرتهنا لسياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الذي تقوده أمريكا والدول الغربية، وأكثر من هذا وذاك انه حرف البوصلة عن قضية الأمة العربية الأولى قضية فلسطين والصراع مع كيان الصهيونية الغاصب وانخرط في مزاعم السلام العربي الإسرائيلي الخطير…
هذه الانحرافات جعلتنا أمام واقع يدفع بالضرورة إلى الخروج عليه وتصحيحه وهو ما حدث بالفعل بثورة 2011 الشبابية وامتدادها في 2014 م التي أوضحنا بعضا من جوانب ثوريتها..ِ
وبعد الاستعراض السابق فإن الكاتب يخلص إلى نتيجة واحدة ربما يخالفني فيها الكثير من الناس، ولكنها نتيجة استخلصتها مما سبق وهي أن الشعب اليمني وأقصد به شعب الجمهورية اليمنية عامة بعيداً عن القيادات العميلة والجمهور المرتزقة غير راض بالمطلق عن فاعلية ثورة 2014 م خاصة أنها تفتقر إلى الشمولية الجغرافية للبلد كونها لم تراوح مكانها الجغرافي الضيق والتي يعزوها القائمون عليها اليوم إلى العدوان، ألا أنني أعتقد أن هناك مساحات ومجالات متعددة لها (بالطبع مع عدم إغفال فاعلية وحركة الجيش واللجان الشعبية ) بإمكان نظام ثورة الحرية والاستقلال أن ينتهجها ويجعلها ضمن دائرة أولوياته وأولها وأقواها ألاّ يُمَكِّن معتقي الفساد المالي والإداري والسياسي في النظام السابق من زمام القرار والإدارة في المفاصل الحيوية للدولة وإن تلبسوا بثياب الوطنية فهم إما أدوات بيد العدو أو أدوات بيد النفس الأمارة بالسوء التي يستحيل توبتها..
حينها أعتقد وأجزم أن توسع وجاذبية أهداف الثورة الوليدة ستنتشر حتى في المناطق المحتلة كما أن القيادات النظيفة في نظام الحرية والاستقلال سيعيدون ألق وسمعة اللجان الثورية التي استقبلها الشعب ورحب بها واحتضنها بعد أن أسقطت هوامير الفساد من آل الأحمر ومحسن وتداركت بعد حين خطورة عفاش واقتلعته، حينها سيكون لنا بحق أن نفخر ونجيب على السؤال المتداول (لمن الثورة اليوم ؟ ) ونقول: للشعب اليمني كل الشعب اليمني..
والله من وراء القصد