أوضح العلاَّمة عبدالسلام الوجيه أمين عام رابطة علماء اليمن أن موقع الجمهورية اليمنية المتميز والهام وقربه من جيران السوء آل سعود أدخله منذ عشرات السنين في صراع مرير مع من يحاول فرض سيطرته وهيمنته عليه.. وأشار عبدالسلام الوجيه إلى أن الشعب اليمني قاسى كثيراً من حكام السعودية ولاقى الويلات من هذا النظام الاستبدادي الذي لم يكن له مع اليمن تاريخ جيد، بل تاريخ من الحروب والويلات.. هنا مقتطفات من حوار مع العلاَّمة عبدالسلام الوجيه:
تخوض بلادنا العام السادس من الحرب العدوانية التي يشنها تحالف العدوان.. كيف ترون الشعب اليمني اليوم؟
– الحرب الهمجية الوحشية الظالمة ليست من قبل السعودية ودول عربية فقط، بل هي أيضاً من قبل أميركا و”إسرائيل” اللتين تساندان الغزاة وتدعمان استخباراتياً ولوجستياً ومشاركتان بالطيران والبوارج في حصار الشعب اليمني..
أمام كل هذا الحشد الهمجي المتغطرس يقف الشعب اليمني ثابتاً حراً أبياً شامخاً ،مستبسلاً في الدفاع عن أرضه وعرضه، واثقاً من نفسه متوكلاً على الله سبحانه وتعالى، متيقناً من عونه ونصره وتأييده مردداً قوله تعالى ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ ، هو في قمة الحماسة والشجاعة والثبات رجاله ونساؤه وأطفاله، وقد رأيتم الحشود والجموع الذين لا يهابون الموت يتظاهرون ويحتشدون ويهتفون تحت عين وبصر طائرات العدوان الهمجي وتحليقها وقصفها.
لأي ثورة خلفيات شعبية ومعنوية وثقافية.. في رأيك ما أهم الخلفيات لثورة الشعب اليمني؟
– الشعب اليمني شعب حضاري عريق له تاريخ عميق يمتد آلاف السنين، تأريخ كله شموخ وعزة وكرامة، لم يقبل عبر تاريخه الطويل الخضوع لغازٍ أو محتل، قهر أكبر الإمبراطوريات والممالك التي حاولت أن تخضعه، وكان وما زال صعب المراس، أرضه وجباله وسهوله مقبرة للغزاة في تاريخه القريب والبعيد، والأمثلة في هذا الصدد كثيرة ابتداءً بالغزو الحبشي مروراً بكل الممالك التي حاولت إخضاعه عبر تاريخه الإسلامي كالأيوبيين والمماليك والأتراك العثمانيين والمصريين وغيرهم، كما أن للشعب اليمني تراثاً وفكراً أصيلاً مستمداً من الينبوع الصافي المحمدي الأصيل الذي حمله ومثّله آل البيت عليهم السلام وعنهم ومنهم استقى الشعب اليمني العظيم قيمه ومبادئه منذ عهد الإمام علي عليه السلام الذي أسلموا على يديه وحتى التاريخ الحاضر مروراً بأكثر من (100) إمام عدل وجهاد من آل البيت الذين أرسوا قواعد العدل والتوحيد وحفظوا الأرض والعرض وصانوا العزة والكرامة.
ومع هذا كان من أهم خلفيات النهوض والثورة للشعب اليمني مظلوميته التي اشترك فيها مع أبناء الأمة العربية والإسلامية من قبل الدول الاستعمارية وأطماعها وجرثومتها الخبيثة التي زرعتها في جسد الأمة (إسرائيل الصهيونية) وما جرى ويجري في كل أقطار العالم الإسلامي من مؤامرات وتدخلات وأطماع في ثرواته وتقسيمه وزرع ملوك ورؤساء خاضعين للغرب ولهيمنة الدول الاستكبارية يتحكمون برقاب الشعوب وينهبون ثرواتها ويحكمونها بالحديد والنار ويحاولون تدجينها لتبقى ذليلة خاضعة مستضعفة.. هذا كله شكَّل خلفية ودافعاً ووقوداً للثورة اليمنية، كما أن موقع اليمن الجغرافي وقربه من جيران السوء عبيد الاستعمار وذيول الغرب قد أدخله منذ عشرات السنين في صراع مرير مع من يحاول فرض سيطرته وهيمنته عليه وهم آل سعود الذين قاسى منهم الشعب اليمني الويلات منذ قيام مملكتهم مملكة الشر قرن الشيطان التي عبر تاريخها لم يكن لها مع اليمن تاريخ جيد، بل تاريخ من الحروب والويلات، فمن محاولاتها التوسع وضم أراضي اليمن، إلى مجزرة (تنومة) التي قتل فيها قرابة (3000) حاج يمني على خلفية مذهبية، إلى تدخلها السافر الوقح في اليمن من عام 1962م ودعمها حرب سبع سنوات لا تريد فيها منتصراً، إلى إخضاع القرار السياسي لليمن الجمهوري وقتل كل من يحاول الفكاك من أسرهم كالرئيس الحمدي -رحمه الله- إلى إثارة النعرات والحروب ومحاولة فرض المذهب النجدي الوهابي، إلى تغذية الحروب والصراعات بين اليمنيين، فكانت عشرات الحروب منها حرب الانفصال سنة 1994م وست حروب ظالمة على أنصار الله في عهد صالح وعشرات الحروب التي شنها التكفيريون والقاعدة والدواعش، وغير ذلك مما أدى إلى إنهاك الاقتصاد وتفشي الفقر والظلم والفوضى، فكان لا بد للشعب أن يثور وأن يقرر مصيره ويخلص قراره السياسي من الارتهان لهؤلاء وأسيادهم الصهاينة والأمريكايين.
ما هي مكانة عنصر الاستشهاد وثقافة الشهادة في سبيل الله بين الشعب اليمني والثورة اليمنية؟ هل لها عمق جذري في مقاومة الشعب اليمني أمام الهجمات العدوانية؟
– الشعب اليمني شعب مؤمن مسلم مجاهد عبر التاريخ، وهو شعب محمدي علوي حسيني تشرب حب الجهاد والاستشهاد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ومنهج وسيرة آل بيته الأطهار أعلنها ويعلنها حسينية، وأبى ويأبى الذلة ،وهيهات منه الذلة، فقد قدَّم ويقدم الآلاف من الشهداء في سبيل الله، ينبري للجهاد جيلاً فجيلاً .. وشهيداً على إثره شهداء، كلما عانق الحمام زعيماً، هام بالموت بعده الزعماء نرى ونلمس على أرض الواقع عشقاً للشهادة ينمو ويكبر، حيث تتدافع الجموع للفوز بالشهادة، وكلما قدمت الأسرة اليمنية أو القبيلة أو العشيرة شهيداً اندفع بعده العشرات والمئات للجهاد والاستشهاد في حماس واندفاع وإيمان قلَّ نظيره.
ما مكانة الفكر الزيدي في الثورة اليمنية وتأثيرات هذا الفكر المذهبي على الجهاد في سبيل الله؟
– كما قلت الفكر الزيدي هو امتداد للفكر المحمدي العلوي الحسيني، فالإمام زيد بن علي عليه السلام هو من أئمة العلم والجهاد، وهو من رفع راية علي والحسين وجدد نهج الحسين عليهم السلام وأعلن الثورة والخروج على الظالمين وقدّم حياته رخيصة من أجل الحفاظ على الدين ومقارعة الطغاة والمستكبرين، وبعده ابنه الشهيد يحيى وسلسلة طويلة ممن اعتنقوا فكره ولزموا خطه من أتباعه وشيعته إلى يومنا هذا، إذ أن أهم مبدأ من مبادئ الزيدية هو الثورة والخروج على الظالم كائناً من كان، وعلى نهجهم قارع الثوار والأحرار الظلمة والطغاة عبر الزمن وكان وما زال فكر الجهاد والثورة والاستشهاد حاضراً كلما طغى الجبابرة والمستكبرون في الأرض قام أصحاب هذا الفكر بالثورة والتغيير باذلين النفوس رخيصة لأجل إحياء معالم الدين وإحياء ما اندثر من سنن سيد المرسلين، وهو فكر جهاد وثورة واستشهاد لا يمكن أن يطلق عليه مصطلح التطرف، إذ لا يقوم به إلا المستضعفون المؤمنون بعد أن تستنفد كل الوسائل الأخرى في مقارعة المستكبرين والظالمين ولا يقدمون عليه إلا في وجه من يستحقه، وهم على يقين وبصيرة وعلم بأن ما يقومون به في سبيل الله وعلى منهج الله ورسوله وبناءً على استكمال شروط القيام وعلى معرفة آداب الحروب والجهاد والقتال مقتدين بالإمام زيد بن علي عليه السلام الذي يقول ((عباد الله.. البصيرة البصيرة ثم الجهاد)) إلى آخر أقواله وخطبه عليه السلام، منهج الثوار منهجه، وبصيرتهم بصيرته، ودعوتهم دعوته، وهي دعوة الإسلام ومنهج الإسلام، وانظر إن شئت المزيد في رسالته إلى علماء الأمة، ومجموع كتبه ورسائله التي كانت وما زالت زاداً لكل مجاهد.