تعاون تاريخي وشراكة واعدة


> محللون سياسيون:زيارة الرئيس هادي إلى بكين نجحت بامتياز في تجديد وهج العلاقات المتميزة بين البلدين

الصينيون هم أكثر شعوب الأرض سلمية وإنسانية وإبداعاٍ عبر التاريخ لم تكن الصين ذات الثقل السكاني الهائل يوماٍ من الدول الاستعمارية بل أن هذه الأمة العظيمة صاحبة الحضارات العربية والإبداعات على مر العصور لم تسلم من الاستعمار وتعرضت للاحتلال مرات عدة في حقب تاريخية متفاوتة ويذكر التاريخ بأن المغول حين اجتاحوا بكين في العصور الوسطى كانت الصين حينها تعيش حضارة إنسانية كبرى ومع ذلك سقطت أمام عنجهية التتر .. ولو كانت الصين بتعداد سكانها العظيم وتميز عقول أبنائها أمة عدوانية وتوسعية لغزت العالم ولبسطت نفوذها على أرجاء الأرض .. لكن هذه الدولة العظمى التي تعرضت للاحتلال من قبل دولة مثل منغوليا التي لا يزيد عدد سكانها حالياٍ عن 5 ملايين نسمة رأت الأمور بطريقة أخرى وها هي اليوم تغزو العالم أجمع من خلال الاختراعات والمنتجات والابتكارات المتسارعة والمذهلة على كافة المستويات.

ولعل من عجائب هذا الزمان أن الصينيين الذين يزيد عددهم عن المليار والثلاثمائة مليون نسمة لم يتوقفوا عند تزويد العالم باختراعاتهم الالكترونية بل أنهم يصدرون أنواع الأغذية والأطعمة إلى مختلف البلدان التي يقل أعداد سكانها بمئات وآلاف المرات عن سكان الصين ومع ذلك وجدت هذه الدول نفسها عاجزة عن تأمين الغذاء لشعوبها.
وبالتأكيد فإن هذا السبق والمكانة المتقدمة لهذه الأمة العظيمة لم يأت من فراغ بل كان ثمرة عقول ناضجة وتراكمات تاريخية للمثالية والتفوق توارثها الصينيون عبر الأجيال وهنا نسرد قصة رواها أحد الطلبة اليمنيين ممن درسوا في الصين يقول هذا الطالب أنه وعدد من زملائه اليمنيين كانوا في مسكن طلابي ويحصلون يومياٍ على نصيبهم من الطعام غير أنهم تفاجأوا بنقص تدريجي لوجبة الأرز المخصصة لهم يومياٍ واستمر ذلك النقص ليصل إلى أدنى مستوياته مما دعاهم إلى الاستفسار حينها رد عليهم النادل أن كمية الأرز التي تتطاير من بين أيديكم أثناء الأكل ويسقط على الأرض وعلى جنبات المائدة يتم احتسابه بدقة ثم يتم خصم الكمية المرمية من وجبتكم في اليوم التالي ويبدو أن ما يتناثر منكم لا تحتاجون إليه وعليه يصرف لآخرين ربما قد يسد جوعهم.
وعندها أدرك هذا الطالب وزملاؤه مستوى الدقة التي يطبقها هذا الشعب الحضاري حتى في التعامل مع أشياء قد نعتبرها نحن سطحية وغير ذات أهمية.. ولا شك فإن أحد أسباب تبوؤ هذه الأمة العظيمة لهذه المكانة .. بين بلدان العالم تكمن في هذه العقلية وفي هذه القيم الإنسانية الرفيعة التي تحكم حياته وتعاطيه مع ماحوله.
علاقات تاريخية
وانطلاقا من هذه الحقائق فإن من حق الشعب اليمني أن يفخر بأن علاقات تاريخية متينة تربطه بهذا الشعب العظيم هذه العلاقات التي قال عنها الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال مباحثات القمة الصينية اليمنية التي عقدت مؤخراٍ في العاصمة بكين أنها تعود إلى القرن التاسع عشر حينها كان هناك تبادل تجاري بين اليمن والصين على مستوى الحرير والبخور واللبان مؤكداٍ الحرص على الدفع بهذه العلاقات إلى آفاق أرحب خاصة وأن اليمن خرج من أزمة كارثية عبر التسوية السلمية وانتهاج الأسلوب الحضاري مغلبا لغة السلام والحوار وراح يمضي صوب المستقبل المأمول.
ولم يجانب الرئيس هادي الصواب حينما عبر عن أمل اليمن في أن تكون الصين وهي القوة الاقتصادية العالمية الشريك الأكبر لليمن خلال هذه المرحلة الاستثنائية التي تشهد التحول الحضاري باتجاه الخروج من الأزمات وبلوغ المستقبل المنشود في بناء الدولة المدنية الحديثة التي سيكون للاستثمارات الصينية فيها الأولوية وكل ما تحتاجه من دعم وتشجيع وبما يحقق الفائدة المشتركة للبلدين والشعبين الصديقين.
ويؤكد الرئيس هادي بأن الصين تظل الأقرب إلى عقول ووجدان الشعب اليمني ولذلك فإن الآمال معقودة لأن تكون هذه الدولة العظمى الشريك الأكبر والأول لليمن الذي يصر على المضي قدماٍ في بناء مستقبله وتحقيق طموحات وآمال أبنائه.
الشراكة الواعدة
واليوم فإن الشراكة اليمنية – الصينية تبدو واعدة ومبشرة إلى أبعد الحدود فهناك حرص مشترك من قبل قيادتي البلدين على الانتقال بعلاقات التعاون التي تميزت خلال العقود الماضية إلى شراكة كاملة وهو الأمر الذي بدا جلياٍ في تأكيدات الرئيسين هادي وبينغ في مباحثات القمة.
وما فتئ الرئيس عبدربه منصور هادي الذي حرص خلال زيارته المثمرة إلى الصين على نقل شكر وعرفان الشعب اليمني للقيادة الصينية على مواقفها الإيجابية المشرفة تجاه اليمن ما فتئ يؤكد الأهمية الكبرى التي تمثله الشراكة مع دولة مثل الصين في مسيرة البناء التنموي المنشود في اليمن خاصة وأنه قد بدأ بالتعافي التدريجي من تداعيات الأزمة وبات على مرمى حجر من بلوغ الدولة المرئية الحديثة وإقامة الحكم الرشيد المرتكز على مبادئ وقيم الحرية والعدالة والعيش الكريم.
ويجمع المحللون السياسيون بأن زيارة الرئيس هادي الأخيرة إلى بكين ستسهم إلى حد كبير في إحداث نقلة نوعية متميزة في مسار علاقات التعاون الثنائي بل أنها مثلت بالفعل منطلقاٍ قوياٍ لشراكة يمنية – صينية على كافة الأصعدة والمستويات.

قد يعجبك ايضا