رغم التهويل والضجيج الذي يلقى رواجاٍ في بعض وسائل الإعلام العربية والدولية إزاء ما يتصل بالتحديات الأمنية التي تواجه اليمن في المرحلة الراهنة والتي تتلاقى في نزوعها إلى العنف وأعمال التخريب والتدمير والطابع الدموي الذي يتركز على محاولة استنزاف قدرات اليمن وإضعاف مقاومته في مواجهة هذه التحديات سواء ما يتعلق منها بالتحدي الإرهابي لتنظيم القاعدة أو فتنة التمرد والتخريب في محافظة صعدة أو ممارسات الخارجين على النظام والقانون في بعض مديريات المحافظات الجنوبية.. رغم كل ذلك الضجيج الذي تطغى عليه في كثير من الحالات عوامل المبالغة والرؤى المبتسرة والتكهنات المسكونة بالهواجس فإن ما يدعو للأسف أن كل ما يطرح ينساق في اتجاه واحد وهو الجانب الأمني فيما يتم التغافل أو إغفال التحدي الاقتصادي الذي يشكل أهم معضلة يواجهها اليمن بفعل محدودية موارده والنمو السكاني المرتفع وتزايد معدلات البطالة واتساع رقعة الفقر.
حيث وأن ما يثير التساؤل أن من يبدون مخاوفهم على اليمن ومحيطه الإقليمي جراء هذه المشكلات الأمنية يتناسون بقصد أو بدون قصد أن اليمن الذي يضطلع بدوره بكل مسؤولية في مجابهة خطر القاعدة وأعمال التمرد والتخريب التي تحركها أجندة خارجية وإن كان يقوم بحماية أمنه واستقراره ومصالحه العليا من شرور المؤامرات والدسائس التي تحاك ضده فإنه يدافع عن أمن واستقرار أشقائه في دول المنطقة الذين هم ليسوا بمنأى عن استهداف تلك المؤامرات التي تسعى إلى جر المنطقة إلى أتون الفوضى ودوامة العنف.
كما أن اليمن بذلك الدور يفي بالتزاماته كشريك فاعل في صون الأمن والسلم الإقليمي والدولي وطالما أن اليمن ظل يكافح بإمكانياته المحدودة من أجل الإيفاء بالتزاماته تجاه نفسه وأشقائه وأصدقائه فإن الواجب أن يحظى بالدعم والعون الاقتصادي والتنموي من كافة إخوانه وأصدقائه في العالم الذين لا ينبغي أن يتوقف دعمهم له عند البيانات والتصريحات بل أن المفترض أن يبادروا إلى تقديم العون المادي الذي يمكنه من تجاوز معضلاته الاقتصادية ومشكلتي الفقر والبطالة باعتبار أن الاستقرار الاقتصادي هو الكفيل بإدامة الاستقرار الأمني.
ولا ندري لماذا يتم تجاهل هذه الحقيقة من قبل بعض من يتحدثون عن اليمن في وسائل الإعلام العربية والدولية والذين وصل الحال ببعضهم إلى تحميله فوق ما يحتمل مع أنهم يعلمون علم اليقين أن هناك علاقة واضحة بين ما يجري في اليمن من أحداث وبين المخططات التي يراد تنفيذها في المنطقة بحكم التشابك القائم بين أمن اليمن وأمن محيطه الجغرافي برمته.
وبالقدر الذي نعبر فيه عن الامتنان والعرفان والتقدير لكل الأشقاء والأصدقاء الذين بادروا ولم يتأخروا في الوقوف إلى جانب اليمن ومساندته فقد كان من المعول على الذين يخشون على اليمن من الانتكاس تحت ضغط الأنشطة الهدامة والإرهابية والتخريبية والمؤامرات والدسائس الخبيثة التي لا تستهدف اليمن وحده بل كل مكونات المنطقة عموماٍ أن يسخروا أقلامهم وأصواتهم والمايكرفونات التي يتحدثون فيها لمطالبة الجميع بانتشال اليمن من معضلته الاقتصادية ومساعدته في النهوض التنموي والتغلب على عوامل البطالة والفقر ومعوقات التنمية.
أما التحديات الأمنية أياٍ كانت فإنها مقدور عليها وهي تحت السيطرة فلدى اليمن مؤسسة عسكرية وأمنية قوية تتمتع بكفاءة عالية تمكنها من تطويق نتوءات الإرهاب والتخريب والتمرد خاصة وأن هذه المشكلات ليست أكثر من تحديات عارضة وليس لها أي خلفية بنيوية فإرهاب تنظيم القاعدة ليس سوى ظاهرة دخيلة على المجتمع اليمني وقد جاءت من خارجه وتستند في فكرها وثقافتها إلى تأثيرات صراع القطبية الثنائية في أفغانستان أواخر القرن الماضي كما أن فتنة التمرد والتخريب في صعدة هي الأخرى فعل أخرق يقوم على تفكير متخلف ماضوي تجاوزه اليمن قبل خمسين عاماٍ وليس لها أي سند على الأرض تتكئ عليه للاستمرارية لفترة أطول وينطبق نفس الوصف على تلك الشرذمة المارقة من بقايا مخلفات الاستعمار والحقبة الشمولية التي لا وزن لها ولا تأثير في الواقع العملي وليست سوى مجموعة من المرتزقة والخونة الذين ركبوا موجة العمالة عن طريق المتاجرة ببعض الشعارات والتكسب من ورائها والحصول على المال المدنس مستغلين انشغال الدولة بمواجهة الفتنة والتمرد بصعدة ليتحالفوا مع تنظيم القاعدة ويتماهوا معه في مشاريعه الإرهابية.. ولأن هذه الشرذمة لا تعدو كونها نبتاٍ شيطانياٍ فإنها قد حكمت على نفسها بالزوال والنهاية المحتومة على يد أبناء الشعب اليمني الذين تصدوا ويتصدون لها بعد أن اكتشفوا حقيقتها كعناصر مأجورة لا اقل ولا أكثر.
ولذلك فإن ما يجب أن يكون مفهوماٍ أن ما يهدف إليه “ثالوث الشر” ليس أكثر من إرهاق واستنزاف قدرات اليمن لفترة من الوقت ظاناٍ أنه بذلك سيصل إلى مبتغاه في نشر الفوضى وتحويل اليمن إلى منطقة صراعات وتوترات تتاح فيه الفرصة لمن يريدون تصفية حساباتهم مع دول المنطقة لتنفيذ أجندتهم خاصة وأن إطلال اليمن على البحرين العربي والأحمر والمحيط الهندي وامتداده الجغرافي داخل شبه الجزيرة العربية تجعل منه واجهة استراتيجية لمنطقة الخليج إن لم يكن للوطن العربي بأكمله.
وحتى يتسنى لليمن إيقاف أي اختراق على مستوى هذه الخريطة فإنه يتعين تقويته اقتصادياٍ ومادياٍ وتنموياٍ وأمنياٍ ولوجستياٍ بحيث تصل هذه العملية ذروتها في تمكينه من ارتياد موقعه الإقليمي في مجلس التعاون الخليجي.
وفي ذلك مصلحة له ولأشقائه سواء بسواء وسيكون في ذلك خير للجميع.
Prev Post
Next Post
قد يعجبك ايضا