الثورة /
في ذكرى وفاة العلاَّمة السيد مجدالدين المؤيدي الذي صادف السادس من رمضان ، يجدر بنا أولاً التعرف على شخصية هذا العالم الجليل من خلال قسمه الشهير الذي قال فيه : «قَسَمَاً بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيْرِ، قَسَمَاً يَعْلَمُ صِدْقَهُ الْعَلِيْمُ الْخَبِيْرُ أنْ لا غَرَضَ لَنَا وَلا هَوى غَيْرَ النُّزُولِ عِنْدَ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْوُقُوفِ عَلَى مُقْتَضَى أَمْرِهِ، وَأَنَّا لَو عَلِمْنَا الْحَقَّ فِي جَانِبِ أَقْصَى الْخَلِقِ مِنْ عَرَبِيٍّ أَوْ عَجَمِيِّ، أَو قُرَشِيٍّ أَوْ حَبَشِيِّ لَقَبِلْنَاهُ مِنْهُ، وَتَقَبَّلْنَاهُ عَنْهُ، وَلَمَا أَنِفْنَا مِن اتِّبَاعِهِ، وَلَكُنَّا مِنْ أَعْوَانِهِ عَلَيْهِ وَأَتْبَاعِهِ، فَلْيَقُلِ النَّاظِرُ مَا شَاءَ، وَلا يُرَاقِبْ إلاَّ رَبَّهُ، وَلا يَخْشَى إلاَّ ذَنْبَهُ، فَالْحَكَمُ اللَّهُ، والْمَوعِدُ الْقِيَامَة، وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ».يثبت هذا القسم ، أن العلاَّمة الذي نحن بصدد التذكير به ، لم يكن خاصاً بمذهب أو طائفة معينة ، فقد كان مؤمناً بالله حق إيمانه وعالماً زاهداً لا يخشى في الله لومة لائم ، لا يُحابي ولا يداهن ولا يخضع ، ولم يكن يوماً من علماء السلطان .
مولده
ولد رحمه الله في 26 شعبان سنة 1332هـ، بالرضمة من جبل برط، دار هجرة والده الأولى، لَمَّا انتقل إلى هنالك من هجرة ضحيان صعدة، مع مَن ارْتَحل من العلماء الأعلام إلى مقام الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم الحسيني الحوثي، لاستقرار الإمام هنالك، وقيامه بواجب الدعوة، ونشر العلم الشريف، رغم استيلاء الأتراك على أكثر مناطق اليمن.
ورعه وزهده ومعيشته
نشأ على الزهد واستمر عليه لم يكن مترفاً ولا مشغولاً بالرفاهية، لا فقيراً فقراً مدقعاً يزدريه الأراذل، و لا ثرياً ثراءً مبطراً، يقنع من الزاد بما يقيم صلبه غير شره ولا نهم، لا يبالي بالزمان ولا يهمه اكتساب درهم ولا دينار. ورع عفيف، لم يخالط الدولة ولم يقم بوظيفة قط سوى تدريس العلم وراتبه مشترط أن يكون من أموال المعارف الموقوف على العلماء والمتعلمين. لم يقم بقضية تتصل بالدولة إلا نافعاً أو شافعاً لضعيف ظُلِم.وكان المولى مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي عالماً مجتهداً مطلقاً، مرجع علماء الزيدية في عصره، نشأ ودرج في أسرة كريمة، وشب وترعرع على العلم والفضيلة، إذ أقبل بكليته على طلب العلوم الشرعية آخذاً عن والده وعن العلامة حسن سهيل وغيرهما في شتى الفنون، واستولى في مدة قريبة على علمي الدراية والرواية، فصار أحد المشار إليهم بالتحقيق وهو في العشرينيات، وكان في سنة 1380هـ أحد مشايخ التدريس بمساجد صعدة، وتخرج على يديه أجيال متعددة من العلماء، هم علماء الوقت، ولما هاجر إلى ظهران الجنوب وإلى الطائف اهتم مع لجنة شكلت من تلامذته بنشر وطباعة بعض الكتب الزيدية كالشافي والاعتصام وغيرهما الكثير، وظل يتردد بين نجران والطائف ومكة، وهو أينما حل يعيش للعلم وأهله، حتى استقر أخيراً في سودان بني معاذ غربي مدينة صعدة.وفي سنة 1990م بعد قيام الوحدة اليمنية ترأس حزب الحق الإسلامي في اليمن. توفى رحمه الله يوم الثلاثاء السادس من شهر رمضان سنة 1428هـ، الموافق 18 سبتمبر سنة2007م، وقبره في ضحيان، بجوار مسجده المبارك، الذي أصبح جامعة علمية، ومنارة تعليمية، يقصد من الآفاق، لولا الحروب الظالمة التي فرضت على صعدة، وعلى اليمن.
أشهر فتاواه
وتضمن كتابه “مجمع الفوائد” قسما لأشهر الفتاوى التي كانت إجابات له على تساؤلات العديد من المسلمين في أنحاء العالم ، ومنها : جواز إسقاط الحمل قبل نفخ الروح في الجنين أي قبل أربعين يوماً وللمرأة أن تسقط الحمل دون رضا زوجها إذا أفاد الطيب المختص أن في بقاء الحمل ضرراً كبيراً زائداً عن المعتاد .جواز نقل الدم والأعضاء من شخص لآخر .وجواز التصوير بالكاميرا أو الرسم باليد .
مؤلفاته علیه السلام
له العشرات من المؤلفات والرسائل والبحوث. طبع أكثرها. ومن أبرزها « لوامع الأنوار في جوامع العلوم والآثار وتراجم أولي العلم والأنظار « وطبع عدة طبعات. الأولى في مكتبة التراث الإسلامي. والثانية في مركز أهل البيت بتحقيق العلامة محمد علي عيسى الحذيفي، والثالثة في مركز أهل البيت بتحقيق أبو عبدالله حسين الأدول . احتوى الكتاب الذي هو بحق موسوعة علمية تحقيقية توثيقية، على مجمل طرق المؤلف إلى مذاهب أهل البيت عليهم السلام، وعلى تفصيل تلك الطرق، وذكر مؤلفي الكتب والمصادر، وعلى بحث واسع عن أقسام الحديث الشريف وأنواعه، كما تناول بتحقيق معنى السنة والبدعة. ويتكون الكتاب من أحد عشر فصلاً. ومن مؤلفاته علیه السلام: – كتاب التحف الفاطمیة شرح الزلف الإمامیة في الدعوات الھاشمیة (وھي قصیدة ذكر فیھا أئمة أھل البیت(ع)، ثم شرحھا). – لوامع الأنوار. كتاب مجمع الفوائد، والذي يحتوي على العديد من الرسائل المھمة- كتاب الحج والعمرة. – كتاب النسیم العلوي والروض المحمدي في سیرة السید الإمام محمد بن منصور المؤيدي- كتاب البلاغ الناھي عن الغناء وآلات الملاھي. – كتاب عیون المختار. – كتاب الجواب الكافي, المسمى عیون الفنون. – كتاب الجامعة المھمة في أسانید الأئمة. وغیرھا الكثیر من التصانیف والمؤلفات والردود.
وفاته علیه السلام
توفي الإمام الحجة مجد الدين المؤيدي علیه السلام في 6 رمضان، مغرب يوم الثلاثاء عام 1428ھـ، الموافق 18 سبتمبر عام 2007م، عن عمر 96 سنة. وقد كان حضور تشییع جنازته مھیباً؛ فقد توافد الناس من داخل الیمن وخارجھا؛ إذ ذاع صیته، وانتشرت كراماته علیه السلام، وأقیمت الصلاة علیه ثلاث مرات، أولاً في جامع جده الإمام الھادي يحیى بن الحسین علیه السلام، ثم المرة الثانیة في مقبرة صعدة عند والده، ثم في المرة الثالثة في مدينة ضحیان حیث نقل جثمانه إليھا ثم ووري في مسجده الذي أصبح جامعة تدرس العلوم الشرعية، ومأوى يفد إليھا طلبة العلم من جميع النواحي. فسلام الله على إمام زماننا، وحجة عصرنا مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي.