محمد القعود
*ضلّ في أزقة المطر..
وبين أحلام القرى والمدن الخالية من كوسترول الحضارة وبين خضرة الحقول المحتضرة واليابسة ومشاعر الإسمنت المجلببة بصقيع المودّة..
*ضلّ ذات لحظة فقدت فيها العصافير رحابة الفضاء ورفيف الأجنحة وحرية الزقزقة..
*ضلّ ذات لحظة أعلنت فيها الينابيع والعيون عن جفافها ، واصابتها بالظمأ العاطفي.. واضرابها التام والشامل عن مواصلة تحمل قساوة النكران للوفاء والعطاء.. والتلاحم.
*ضلّ ذات لحظة قصّت فيها الأشجار أغصانها واسقطت أوراقها احتجاجاً على تصرفات الخريف الخشنة ،المتجاوزة لا عراف وتقاليد الفصول والمواسم..
*ضلّ ذات لحظة تلوث وتسمّم فيها الهواء بوباء الكراهية والأنانية وإنفولنزا الاطماع المجنونة وكوليراالعقول الصدئة المعبأة بالرماد.
*ضلّ ذات لحظة صارت فيها الأغاني تذرذر أشجانها وأحزانها وخيباتها في دروب الأسى : الغربة واللوعة والحسرة.. والأماني تتوجع من انكساراتها ومتاهاتها وتمطر بآهاتها في كل اتجاه..!
*ضلّ ذات لحظة أعلنت فيهاالرايات والبيارق اعتصامها بالذبول وتنكيسها لرموزها وألوانها ،احتجاجاً على كسل الريح والبروق والرعود، والتحاقها بمهنة الخنوع والهدنة المشينة والتفكير بالتقاعد المبكر والتخلّي عن إرث الزمجرة والهدير والهمهمة العالية الحضور.
*ضلّ ذات لحظة أسلمت فيها الأمواج تموجاتها وغضبها لسواحل تجيد اخماد موجات الغضب وكتم انتفاضتها تحت أكوام الصمت الثقيل واللامبالة والحياد المشلول.
*ضلّ ذات لحظة ترنّحت فيها الحقيقة بين هوّتين، ومالت نحو نعاسٍ ثقيلٍ وزيفٍ مخيفٍ وظلامٍ كثيفٍ..وسخرية قاتمة ومريرة حد النزيف.
*ضلّ ذات لحظة تناثرت فيها الإبجدية في طرقٍ تبتلع المعاني وتُباد فيها الصفات وتتهاوى فيها الأفكار وتتلاشى فيهابلاغة الصور والحضور والصدى.
*ضلّ ذات لحظة ازدحمت فيها الازقة والإرصفة والشوارع والمدن والقرى بالأوهام والغبار والبلاهة والتعتعة والهرطقة والخرافات الجائلة كالوباء الشرس والنهم.
*ضلّ ذات لحظة سلّم العقل فيها مقاليد زمامه لجنون الجنون وجموح الغباء المزهو بصولاته وبطولاته الهلامية.
*ضلّ ذات لحظة فتح فيها الحنين أزمنته وأوراقه ومدائنه فاشتعلت الأمكنة برحيق وعطر وفوح يثمل الاشياء والكائنات فجنّ وهام و وتلاشى في وجده وندى أيامه المباركة.