عندما يكون للمرأة المؤمنة منهاج وقدوة ومدرسة تنهل من معينها الصافي عذب السلوك وصالح القول والعمل والنية في كل ميدان فيه لله رضى فإن ذلك يعتبر كنزاً عظيماً وثميناً لا يقدر بكنوز الأرض.
ومن عظيم لطف الله ورحمة الله بعباده أن أوجد لنا النماذج البشرية لتكون المعلم والمنهل والمربي الأول في حياة الفرد والمجتمع والأمة.
والسيدة الزهراء (عليها وعلى أبيها ألف صلاة وسلام) بما حملته من القيم النبيلة والمثل العليا مثَّلت برصيدها التاريخي العظيم كل معاني الإنسانية والفضيلة والكمال البشري، فكانت بحق مدرسة الأجيال، مدرسة الصبر والإباء…والفداء وقبلة التضحية والصمود..
ولنا فيها أسوة وقدوة في الميدان العملي والجهادي وحتى في الميدان العبادي والأسري.
والمرأة اليمنية لاسيّما في ظل هذا العدوان البربري الغاشم على البلاد والعباد أحوج ما تكون الى اتخاذ القدوة والأسوة والمثال الجهادي الصامد.
وليس هناك مدرسة في الوجود كشخصية السيدة الزهراء ، كيف لا وهي سيدة نساء العالمين ..؟!
ومن هنا أجِدُ الحاجة أن أقول: ما أشدَّ حاجتنا اليوم أيها الأحبّة أن نقرأ عن السيدة الزهراء من جديد، أن نسبر أغوار التاريخ ونغوص في عمق المجد والبطولة؛ لنفتش من جديد عن معدن الطهر وجوهر التضحية، لنجده ماثلاً ومتجسداً في أعظم وأروع شخصية إيمانية جهادية جاءت إلى هذا الوجود.
لنجد كل مواقف ومحطات حياتها القصيرة دروساً ومناقب تربوية قرآنية تأسر القلوب وتأخذ الألباب.
ها هي الزهراء طفلة ويافعة وشابة، تمضي مراحل حياتها الثلاث، مشكاة للنور وشهادة على الحق والحقيقة، طوداً شامخاً للثبات، وجبلاً من الصبر والتجلّد والقوة والأمل في مواجهة ومجابهة كل شياطين وجلاوزة الأرض وأنظمته وطواغيته.
نجدها مع القائد والمعلم والهادي رسول الهدى والنور (صلوات الله عليه وعلى آله) سنداً وعوناً وقلباً حنوناً صادقاً أذكته المحن وصقلته الرزايا والخطوب.
جعلته الحضن الدافئ والملاذ الآمن لسرّ سيد المرسلين (صلوات الله عليه وعلى آله)، حيث استطاعت أن تحيط هذا القائد (العالمي) بعظيم الحب وجزيل الرعاية والاهتمام حتى لقبها الرسول الأعظم (صلوات الله عليه وعلى آله) بأم أبيها وريحانة قلبه رغم حداثة سنها الصغير .
ما أحوجنا اليوم في واقعنا الديني والجهادي والعملي والأسري أن نجد هذا النموذج العظيم الذي يوجّه عواطفه في الاتجاه الصحيح، فيعي ويحتوي ويداوي ويضمّد ويبارك ويؤيد ويدعم ويناصر.
نجدها مع الزوج المجاهد (فدائي الإسلام الأول علي بن أبي طالب عليه السلام)
الصابرة المحتسبة، الباذلة لمعروفها، المضحية في سبيل ربها، التي تدفع بالحبيب وحامي الحمى إلى ميادين الشرف والبطولة وتعينه على الجهاد وتشده إلى رب العباد برضى منقطع النظير وتسليم ٍلا يُضاهى.
فكانت السلوى والسكن، والمشجع والمعين على صروف الدهر ونوائب الزمان، تُشاطر زوجها المجاهد هم الأمة، وتقاسمه أعباء مسؤولية الجهاد.
فما أحوجنا اليوم لوجود هذا النموذج بيننا، ما أحوجنا لمثل تسليم وإيمان هذه الزوجة العظيمة في هذا العصر الذي تكالبت علينا فيه كل الأمم، وتداعت علينا فيه كل دول العالم في حربٍ (عالمية) بين الكفر والإيمان، وبين الحق والباطل، في أشد المراحل خطراً على الدين والوطن والأمة.
ما أحوجنا اليوم إلى الزوجة التي تعي بصدق مسؤوليتها الدينية والجهادية والتربوية في بيت الزوجية الذي قرر معيله الرئيسي أن يكون مجاهداً في سبيل الله ضد الكفر والطاغوت وقوى العمالة والارتهان للخارج.
ما أحوجنا إلى الزوجة التي تدرك كل الإدراك كالزهراء ما معنى أن يكون زوجها مجاهداً، وأيُّ قيمة وعظمة يتحقق بها كمال إيمانها عند رضاها وتسليمها لأمر الله وتشجيعها وتأييدها.
وكذلك نجدُ السيدة الزهراء (عليها السلام) وهي (الأم) في بيت الزوجية مربية فاضلة وأمّاً رؤوفة لأطهر خلق الله من صفوة وسلالة الحبيب المصطفى (صلوات الله عليه وعلى آله).
منبع الحنان ومصدر الطهر وسجايا الفضيلة (ذرية بعضها من بعض).
كالنحلة عطاء يفوق الخيال، تجسد سلوكاً في نشاطها وهمتها أروع المناقب والخصال، ومن جُبلت منذ نعومة أظفارها على القرآن، وفُطرت على حب النبي العدنان (صلوات الله عليه وعلى آله) كيف ستكون تربيتها…؟
كيف لا يكون لسلالة الوحي وربيبة القرآن ومعدن الرسالة أن تكون خلاصة النبوة وشمس الفضيلة ورمز العفة..؟! كيف لا يكون لها أن تكون وهي في مقام الأم شعاعاً ومناراً للأولاد..؟!
نجد الزهراء (عليها السلام) تلعب دور الأم والأب معاً عند غياب الزوج المجاهد.
تلين وتحزم، تصحح وترشد، تربي وتعلم، تعتني بصغارها وترعاهم وتقوم على حاجتهم وحاجة المنزل بنفسها، وتحوط بيت الزوجية بلمسات الحنان والدفء والطمأنينة والهدى والسكينة، وتؤدي واجبها الزوجي والمنزلي والعبادي والجهادي على أرقى وأعلى مستوى، بعيداً عن التذمّر والإحباط والتعاسة مع أن الوضع المادي في حياة السيدة الزهراء كان وضعاً صعباً.
فأين لنا بنساء مثلها في التجلد والتوكّل والاهتمام والالتزام والصبر..؟
وهناك في محراب المناجاة والدعاء والعبادة، نجدها تلك الصديقة المتبتلة بالانقطاع إلى ربها ، تحيطها هالة النور الرباني ، ويتوّجها الوقار المحمدي ، تسبح ربها وتذكره بالغدو والآصال ، وتتلو القرآن آناء الليل وأطراف النهار ..
فينعكس كل ذلك النور الرباني ضياءً وفرحاً واستبشاراً واستقراراً وتألقاً وجمالاً في طابع الأقوال والأفعال في شخصيتها المباركة.
وما أحوجنا اليوم أيضاً أن نقتبس من عبادة السيدة الزهراء بعض الألق والنور لنجدّد العهد والبيعة لملك السماوات والأرض أن نسير وفق منهجيته وأن يكون مماتُنا ومحيانا له وحده لا شريك له كما كانت سيدة النساء (عليها السلام).
أمّا في الميدان الجهادي والعملي لدين الله.. فنجد السيدة الزهراء (عليها السلام) أم العزائم وصاحبة الحزم، وسيدة المواقف الجليلة.
منفقة، باذلة، جسورة، ناصحة لله ولرسوله ودينه في كل معارك الإسلام وصولاته وجولاته مع الكفر والنفاق، لم تترك عملاً ولم تألُ جهداً، لم تفرط أو تتوانى أو تضعف أو تتراجع يوماً.
ولها باعٌ طويلٌ من المواقف المشرفة والعظيمة منذ طفولتها في ميادين الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وهنا لا يفوتني أن أذكر أنها ربيبة العلم وفقيهة السياسة وصاحبة المنطق والبرهان ولها ديدنها المعروف في الإرشاد والتعليم والتفقيه للناس.
فكانت فارسة الخطاب والفصاحة والبيان، وكان لها صولاتها وجولاتها المعروفة التي خلَّدتها كتب التاريخ .
وأنَّى لبنت محمد أن لا تكون كذلك..؟!
وأنّى لمن رضعت حب الدين وتوسّمت بصدق اليقين ألاّ تكون صاحبة السَّبق إلى كل ساحة وميدان فيه لله رضى..؟!
إنها السيدة الزهراء التي صدعت بكلمة الحق وصكّت بها جباه القوم الذين تنكّروا لمنهاج أبيها المصطفى (صلوات الله عليه وعلى آله) ، وأنكروا حقها في فدك والعوالي – إرثها من أبيها صلوات الله عليه وآله – وحق زوجها المجاهد الإمام علي (عليه السلام) في ولاية أمر الأمة بعد رسول الله، حيث أعلنت في خطبتها الشهيرة بمسجده وعلى الملأ وعلى رؤوس الأشهاد وعلى مرأى ومسمع من الصحابة رفضها للتزييف والتحريف والتحول ، لتكون صاحبة بيان الإدانة والاستنكار الأول في التاريخ عندما كسرت هيبة الافتراء ، وعرَّت بكلماتها الثورية كل الزيف، وحذّرت من خطورة وعواقب ما سيترتب على هذ الإجراء من قبلهم .
وأيُّ جريمةٍ ستلحق بالأمة جرّاء فصل الكتاب عن العَلَم، وفصل الولي الشرعي عن الرعية بإقصاء من ولاّه اللهُ وأوحى بذلك إلى رسوله.
وأن معنى ذلك أن يُقصى الحق والقرآن فلا تقوم للدين قائمة، لأن (علي مع القرآن والقرآن مع علي) ، و (علي مع الحق والحق مع علي ) كما قال معلّم البشرية وهاديها (صلوات الله عليه وعلى آله) .
في مباينة واضحة، وشجاعة فاطمية نادرة متسلحة بالحق ناطقة بالصدق، لم يُثنِها عن السطوع به أي خوف أو تردد.. ولم يُعِقها أي مانع، فكان في قوة حجتها ودليل بيانها في تلك الخطبة التاريخية المُقتضبة ما يُفصح عن غزارة علمها وحكمتها وقوة ورسوخ إيمانها، فلم تداهن ولم تجامل ، ولم تخشَ في الله لومة لائم .
وهكذا يجب على كل من ينتمي إلى السيدة الزهراء (عليها السلام) أن يجسِّد مواقفها وأخلاقها وقيمها وجهادها، ونساء اليمن ولله الحمد مازلنَ نساء واعيات محافظات مقتبسات من رمز الطهر والفضيلة السيدة الزهراء (عليها السلام) كل المعاني الروحية والجهادية .
وما أحوج الساحة اليوم لأن نكون جميعاً (فاطميات هذا العصر)، حرائر ثائرات، ومجاهدات صابرات محتسبات
ننصر دين الله، وننتصر لكتابه وأوليائه بالأهل والولد والمال والكلمة والقلم والموقف.
((ولينصرن الله من ينصره)).
حورية ستين
قد يعجبك ايضا