> ماذا قال وكتب مستشار سالمين الإعلامي وسكرتيره الصحفي عقب اغتيال الحمدي¿!
> ماذا تم في لقاءات تعز وقعطبة وصنعاء وكولمبو والرباط بين سالمين والحمدي¿!
> لماذا نصح سالمين أخاه الحمدي بتشديد الحراسة واختيار عناصر مخلصة لحمايته¿!
• قبل أن تقرأ عزيزي القارئ هذا الحديث الهام الذي أجرته “الثورة” مع الأخ الإعلامي المعروف سالم محمد الحاج- السكرتير الصحفي للرئيس الراحل سالم ربيع علي “سالمين” الذي رأس الشطر الجنوبي في الفترة “يونيو 69 - يونيو78 م تعال معي إلى رحلة سريعة في عناوين صحيفة 14 أكتوبر ومقالات بعض كتابها في الفترة 11 أكتوبر 1977م حتى نهاية تغطية الحدث الكبير وهو استشهاد الرئيس إبراهيم الحمدي رئيس الشطر الشمالي.
> في يوم 11 أكتوبر أبرزت الصحيفة عنواناٍ عريضاٍ على صدر صفحتها الأولى يقول: »الحمدي يصل عدن يوم 13 أكتوبر بدعوة من الرئيس ربيع« وفي تفاصيله جاء الآتي:
يقوم الأخ المقدم إبراهيم محمد الحمدي رئيس مجلس القيادة والقائد العام للقوات المسلحة في الشطر الشمالي من الوطن الحبيب في الفترة من 13 إلى 15 أكتوبر الحالي بزيارة ودية إلى الشطر الجنوبي من الوطن تلبية للدعوة التي قدمت له من أخيه سالم ربيع علي الأمين العام المساعد للجنة المركزية للتنظيم السياسي الموحد الجبهة القومية ورئىس مجلس الرئاسة وبهذا الصدد أصدر يوم أمس مجلس الرئاسة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بيانا أعرب فيه عن سروره البالغ لهذه الزيارة التي تأتي ضمن إطار الزيارات واللقاءات الأخوية بين المسؤولين في شطري اليمن.. وفي ما يلي نص البيان:
يسر مجلس الرئاسة بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية أن يعلن عن زيارة الأخ إبراهيم محمد الحمدي رئىس مجلس القيادة القائد العام للقوات المسلحة بالشطر الشمالي من الوطن الحبيب في الفترة من 13 إلى 15 أكتوبر 1977م وذلك تلبية للدعوة التي قدمت له من أخيه سالم ربيع علي رئىس مجلس الرئاسة.
إن هذه الزيارة التي تأتي ضمن إطار الزيارات واللقاءات الأخوية بين المسؤولين في شطري اليمن ستكون لها أهمية عظيمة وأثر هام في وضع الخطوات الواقعية والناضجة على طريق إعادة وحدة الشعب اليمني هدفنا الكبير والنبيل هذا الهدف الذي يحتاج منا جميعاٍ إلى الرؤية الواقعية الصائبة والعمل الدؤوب المخلص.
إننا ونحن نستعد لاستقبال اخينا المقدم إبراهيم محمد الحمدي قائد حركة 13 يونيو التصحيحية والوفد المرافق له لا يسعنا إلا أن نشير إلى الأهمية الملموسة التي اكتسبتها الزيارات المتبادلة التي قام بها المسؤولون اليمنيون وما عكسته تلك اللقاءات على صعيد تعزيز الاستقلال الوطني للشعب اليمني وترسيخ السيادة الوطنية واحترام التضحيات الكبيرة التي قدمها شعبنا ثمناٍ لسيادته واستقلاله الوطنيين.
وتؤكد التجربة الملموسة أن لقاء الأشقاء المسؤولين في الشطرين واتفاقهم على الخطوات التي من شأنها أن تدعم السيادة الوطنية للشعب اليمني وإعادة وحدته: والسير في طريق خلق شروط وظروف حياة تسود فيها العدالة والمساواة والاستقرار قضية تجد الارتياح والتقدير من جماهير الشعب اليمني قاطبة وفي هذا الصدد فإننا نود الإشارة إلى ما يبديه أشقاؤنا في الشطر الشمالي من الوطن وعلى رأسهم الأخ المقدم إبراهيم محمد الحمدي من تفهم وحرص لهذه الأمور.
إننا نهيب بجماهير شعبنا اليمني في الشطر الجنوبي من الأقليم أن تستقبل ابن اليمن الأخ المقدم إبراهيم محمد الحمدي استقبالاٍ يعكس معاني الحب والتقدير لشعبنا في الشطر الشمالي وشوقنا وإخلاصنا جميعاٍ لإعادة وحدة الشعب والأرض اليمنية.
ولقد شكلت بعثة شرف تصاحب الأخ المقدم إبراهيم محمد الحمدي رئىس مجلس القيادة والقائد العام للقوات المسلحة في الشطر الشمالي من الاقليم برئاسة الأخ صالح مصلح قاسم عضو المكتب السياسي وزير الداخلية.
وفي اليوم الثاني المصادف الاربعاء 12 / اكتوبر 1977م صدرت الصحيفة مكللة بالسواد وعلى صدرها العنوانان البارزان:
مجلسا الرئاسة والوزراء يصدران بياناٍ هاماٍ ويعلنان الحداد الرسمي.
أيادُ آثمة تغتال المقدم إبراهيم الحمدي رئىس مجلس القيادة في الشطر الشمالي من الوطن.
وقد ورد في الخبر.. والصحيفة ماثلة للطبع بث راديو صنعاء في الساعة الثانية عشرة مساء أمس الثلاثاء نبأ استشهاد الأخ المقدم ابراهيم محمد الحمدي رئيس مجلس القيادة في الشطر الشمالي من الوطن في حادث اغتيال تعرض له وأدى إلى استشهاد أخيه عبدالله محمد الحمدي قائد قوات العمالقة وعلى إثر هذا النبأ المؤلم عقد مجلسا الرئاسة والوزراء اجتماعاٍ طارئاٍ وأصدر فجر اليوم البيان التالي:
بمزيد من الأسى والحزن العميقين تلقينا نبأ الفاجعة الأليمة والمصاب الجلل باستشهاد الأخ المقدم إبراهيم محمد الحمدي رئىس مجلس القيادة والقائد العام للقوات المسلحة في الشطر الشمالي من الوطن وشقيقه عبدالله محمد الحمدي على أيدي آياد آثمة.
إن مجلسي الرئاسة والوزراء في اليمن الديمقراطية إذ يعبران عن حزنهما العميق واستيائهما البالغ بهذه الخسارة الفادحة التي أصيب بها الشعب اليمني في الشطرين يؤكدان أن هذه المؤامرة الدنيئة ستشكل جزءاٍ من مخططات امبريالية رسمت منذ وقت بعيد للنيل من كفاح الشعب اليمني: وهي في ذات الوقت حلقة من حلقات الإرهاب الدموي الذي واجه ويواجه شعبنا عبر تاريخ نضاله الطويل ضد الغزاة والمستغلين ومن أجل الدفاع عن سيادته الوطنية وحريته وتقدمه الاجتماعي.
واليوم يا شعبنا اليمني العظيم يكشف أعداؤك من جديد عن حقدهم ضد حريتك وكرامتك وسيادتك الوطنية ويكشفون عن نواياهم في استخدام الإرهاب الدموي للمساس بسيادتك الوطنية وأهمية أنهم بهذه المؤامرة الدنيئة التي أقدموا عليها باغتيال الأخ المقدم إبراهيم محمد الحمدي رئىس مجلس القيادة وأخيه المقدم عبدالله الحمدي يستطيعون إرغامك على الاستسلام لأهدافهم ومراميهم الدنيئة وتركيع ثورتك وطموحاتك المشروعة في التقدم والتحرر.
لقد كان أخونا الشهيد المقدم إبراهيم محمد الحمدي أحد أبناء هذا الجيل الذي قارع الإعداء وأكد تاريخ حياته رفضه لكل تدخل أجنبي في شؤون اليمن والسيادة اليمنية وكان مدركاٍ طوال حياته أن مصدر تمزيق الشعب اليمني وإثارة الفتن بين أبناء الشعب اليمني الواحد هو التدخل الأجنبي والقوى الإمبريالية ولهذا لجأت القوى المعادية إلى تدبير المحاولة الاجرامية لاغتياله وأخيه وأن هذه العملية الإجرامية والدنيئة تدعونا نحن أبناء الشعب اليمني الواحد إلى التسلح بمزيد من اليقظة الثورية ضد مخططات الأعداء الذين يحاولون المساس بسيادتنا الوطنية وأن اليقظة أصبحت اليوم ضرورة ملحة لأبناء الشعب اليمني للوقوف في وجه كل المحاولات الهادفة إذلال شعبنا والمساس بسيادته وإعاقة تطوره وتقدمه الاجتماعي.
يا شعبنا اليمني العظيم.. لقد كانت عدن تستعد لاستقبال أحد قادة اليمن وتستعد للقاء الأشقاء اليمنيين: وها هي كغيرها من مناطق اليمن تعيش أحزان فقدانها ابناٍ من أبنائها بفعل مؤامرة دنيئة دبرتها قوى غارقة في جرائمها ضد الشعب اليمني وسيادته ووحدة أرضه.
إن مجلسي الرئاسة والوزراء يعلنان الحداد الرسمي لمدة أربعين يوماٍ وإلغاء كافة الاحتفالات الرسمية والشعبية بمناسبة الذكرى الرابعة عشرة لثورة 14 أكتوبر ويعزيان جماهير الشعب اليمني ومجلس القيادة في الشطر الشمالي من الوطن وأسرة أخوينا الفقيدين المقدم إبراهيم محمد الحمدي والمقدم عبدالله محمد الحمدي راجين جميعاٍ الصبر والسلوان.
هذا.. وبعث الأخ سالم ربيع علي الأمين العام المساعد للجنة المركزية للتنظيم السياسي الموحد الجبهة القومية ورئيس مجلس الرئاسة والإخوة أعضاء مجلس الرئاسة ببرقية التعزية التالية إلى الأخ المقدم أحمد حسين الغشمي رئيس مجلس الرئاسة والقائد العام للقوات المسلحة في الشطر الشمالي من الوطن:
تلقينا بمزيد من الأسى والحزن العميقين النبأ الحزين والفاجعة الأليمة باغتيال أخينا المقدم إبراهيم محمد الحمدي وأخينا المقدم عبدالله محمد الحمدي ومن قلوبنا الحزينة تقبلوا تعازينا الحارة بهذا المصاب الجلل الذي منيت به بلادنا وشعبنا العظيم سائلين المولى عز وجل أن يلهم أسرتهما الكريمة ويلهمكم وشعبنا اليمني الصبر والسلوان.
وفي عدد يوم الخميس 13 أكتوبر 77م جاءت العناوين التالية:
- اغتيال الرئيس الحمدي يستقبل بحزن واستنكار عميقين.
- الشعب اليمني يودع اليوم ابنه البار المقدم الحمدي إلى مثواه الأخير.
- برقية جوابية من الغشمي لرْبيع.
- صالح مصلح ينقل تعازي مجلسي الرئاسة والوزراء إلى رئيس وأعضاء مجلس القيادة في الشطر الشمالي من الوطن.
- الغشمي رئيساٍ لمجلس القيادة.
وجاء في بيان أصدره مجلس القيادة ما يلي:
إنه إيماناٍ من المجلس بدقة المرحلة وتلافياٍ للفراغ الذي أحدثه فقدان الشعب لشهيده العظيم ولما تتطلبه الظروف التي يمر بها شعبنا من الحزم والحنكة وتسيير أمور البلاد بحكمة وعقل وصبر وإيمان اجتمع مجلس القيادة وقرر في اجتماعه أن يشكل مجلس القيادة على النحو التالي:
- مقدم أحمد حسين الغشمي – رئيساٍ للمجلس وقائداٍ عاماٍ للقوات المسلحة.
- الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني – عضواٍ
- الرائد عبدالله عبدالعالم – عضواٍ
وأعرب المجلس عن ثقته بالتفاف الشعب حول قيادته الأمينة على الثورة والجمهورية وعلى النهوض بالبلاد واستقرارها وتقدمها وازدهارها.
وفي الصفحة الأخيرة من نفس العدد نشرت الصحيفة مقالاٍ للأخ محمد قاسم نعمان بعنوان »اغتيال الشهيد الحمدي حلقة من حلقات التآمر العدواني على شعبنا اليمني« ونشرت بيان مجلس القيادة حول اغتيار المقدم إبراهيم الحمدي وللتوثيق التاريخي والصحفي إليكم نصه: »أيها الشعب الكريم.. لقد تعودت في طريق حفاظك على حريتك واستقلالك وثورتك وجمهوريتك أن تجابه الأخطار والمحن بإيمان قوي وثبات لا يتزعزع.
أيها الشعب اليمني الكريم لم تكن غريبة عليك ولا جديدة المؤامرات الدنيئة والدسائس والمخططات التي تحاك عليك وعلى زعمائك الوطنيين وقادتك الأحرار.
أيها الشعب اليمني الكريم إنه في هذا اليوم الأسود الكئيب في تاريخ شعبنا اليمني العظيم سطت أياد آثمة مجرمة خائنة لشعبها ووطنها على حياة قائد مسيرتنا الأخ المناضل إبراهيم محمد الحمدي الذي عرفه شعبنا كله وعرفناه قائداٍ مخلصاٍ ومناضلاٍ شريفاٍ وزعيماٍ أميناٍ الذي بعهده وقيادته حققت أيها الشعب العظيم الكثير من المنجزات والمشاريع وخطوت خطوات واسعة على طريق الانتصار ضد التخلف والفساد كما اغتالت أخاه الأخ المقدم عبدالله محمد الحمدي.
أيها الشعب الكريم إن مجلس القيادة إذ ينقل إليك بكل أسى وحزن هذا النبأ المؤلم ليعزيك بفقيدي الوطن العظيم ويعاهدك عهدا صادقا على الأخذ بثأرهما من القتلة المجرمين الحاقدين ويعاهدك أيضاٍ على السير في الخط الذي رسمه المغفور له حتى يتحقق لجماهير شعبنا كل طموحاتها وما تصبو اليه من الحرية والعدل والتقدم والرقي.
رحم الله شهيدينا وأسكنهما فسيح جناته وأنزلهما منزلة الأولياء والصديقين وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ويعلن مجلس القيادة الحداد لمدة أربعين يوما وإغلاق الدوائر الحكومية أسبوعاٍ كاملاٍ.
كما أفردت الصحيفة حيزاٍ لنشر نبذة عن حياة الشهيد المقدم ابراهيم الحمدي وأبرزت لقاءاته بالرئيس سالمين منذ لقاء قعطبة في عام 1976م ولقائهما الثاني في تعز في شهر مارس 77م واللقاء الثالث في شهر أغسطس 77م اثناء زيارة الرئيس سالم ربيع علي إلى صنعاء.
وفي عدد يوم الجمعة 14 اكتوبر نشرت الصحيفة في صفحتها الأولى هذه العناوين:
- ربيع يشارك في تشييع جثمان الشهيد الحمدي في صنعاء
- عودة ربيع من صنعاء بعد مشاركته في تشييع جثمان الشهيد الحمدي
وقالت: عاد الأخ سالم ربيع علي الأمين العام المساعد – رئىس مجلس الرئاسة قادما من صنعاء بعد أن شارك في تشييع جنازة الشهيد المقدم ابراهيم محمد الحمدي وشقيقه المقدم عبدالله الحمدي اللذين اغتيلا يوم الثلاثاء الماضي على أيد آثمة وكانت الآلاف من ابناء الشعب اليمني قد شيعت صباح أمس في مدينة صنعاء جثماني المقدم ابراهيم الحمدي وشقيقه عبدالله الحمدي إلى مثواهما الأخير وقد كان في مقدمة المشيعين الاخوان سالم ربيع علي الأمين العام المساعد ورئىس مجلس الرئاسة وأحمد حسين الغشمي رئىس مجلس القيادة القائد العام للقوات المسلحة في الشطر الشمالي وأعضاء مجلس القيادة والوزراء وأعضاء البعثات الدبلوماسية المعتمدون في صنعاء.
من ناحية أخرى التقى الأخ سالم ربيع علي ظهر أمس بمقر إقامته في صنعاء بأخيه المقدم الغشمي وحضر اللقاء الأخ عبدالعزيز عبدالغني عضو مجلس القيادة رئىس مجلس الوزراء.
وكان الأخ سالم ربيع علي قد غادر عدن صباح أمس إلى صنعاء على رأس وفد رسمي ضم الإخوة محمد صالح مطيع وعبدالعزيز عبدالولي وعلي سالم لعور وعيشة محسن وعبدالله احمد غانم والشيخ عبدالله محمد حاتم.
في عدد يوم الأحد 16 أكتوبر نشرت الصحيفة خبرا عن تلقي ربيع برقية شكر من أخيه الغشمي هذا نصها:
(لقد كان لوصولكم صنعاء ومشاركتكم في تشييع جثمان الأخ الشهيد المقدم إبراهيم محمد الحمدي تغمده الله بواسع رحمته أكبر أثر في نفسي ونفوس الإخوة اعضاء مجلس القيادة والوزراء واخوانكم المواطنين جميعا في هذا الشطر من الوطن تقبلوا wونشرت في صفحتها الأخيرة مقالاٍ للأخ محمد قاسم نعمان بعنوان (استمرار النضال سيحقق حتما استراتيجية الثورة اليمنية) وآخر بعنوان (الحمدي.. اغتيل بمؤامرة رجعية امبريالية) للأخ عبدالباسط السروري.
وبعد مرور 4 أيام قام الأخ صالح مصلح قاسم وزير الداخلية في عدن بزيارة إلى صنعاء نقل فيها رسالة من سالم ربيع علي إلى احمد الغشمي لم يكشف عن محتواها اعلاميا.
وابتداء من عدد يوم الثلاثاء 25 اكتوبر بدأت سلسلة مقالات صحفية سياسية عن العلاقة بين الرئىسين سالم ربيع علي وابراهيم الحمدي وانعكاساتها على صعيد العمل الوطني بقلم مستشار الاخ سالمين الزميل الصحفي المعروف سالم محمد الحاج.
وحرصاٍ على نشر أكبر قدر من المعلومات التي تزخر بها ذاكرة الأخ سالم نورد ما يلي خلاصة حديث أجري معه حول أثر اغتيال الحمدي في نفسية سالمين وجذور علاقتهما ونضالهما من أجل إعادة تحقيق الوحدة.
كثير من المراقبين والمتابعين للقضايا اليمنية يجهلون تماما العوامل الرئيسية التي كانت سببا في إبعاد حالة التوتر وإحلال التفاهم الودي والنقاش الأخوي بين شطري اليمن محلها وإذا ما اتفقنا بأن العلاقات الشخصية تلعب دورا حاسما في كثير من الأحيان في تطور العلاقات بين الدول إضافة إلى العوامل الأخرى الرئيسية الموضوعية فإن هذا الأمر ينطبق على واقع العلاقات بين شطري اليمن في فترة حكم ربيع – الحمدي.
ويبدو أن التقدم الباهر الذي أحرزه تطور العلاقات بين شطري الوطن يرجع أساساٍ إلى تلك الروح الواقعية التي يتمتع بها المسؤولون في كل من صنعاء وعدن وقبل كل شيء تعتبر العلاقات الشخصية القوية التي كانت تربط الرئيس ربيع بالمقدم الحمدي عاملا حساما هو الآخر في تحسين وتطوير العلاقات بين الشطرين فالواقع يؤكد أن العلاقات الأخوية بين ربيع والحمدي قد سبقت وجودهما على رأس مجلس الرئاسة في الجنوب ومجلس القيادة في الشمال إذ أن العلاقة بينهما سابقة لذلك والواقع اليمني يحمل في طياته حقائق كثيرة عن طبيعة هذه العلاقة.
بداية العلاقة
> في عام 68م كان الرئيس ربيع الذي لم يصبح رئيسا بعد مطاردا من السلطة في عدن وكان على رأس مجموعة الجبل رفاق انتفاضة 14 مايو قد جعل من مدينة قعطبة في الشمال مركزا له ولرفاقه لمناهضة السلطة في عدن وبينما كان يقوم سالمين بجولات في مناطق الشمال لإجراء اتصالات مع القوى السياسية الوطنية والتقدمية هناك شاءت الظروف أن يتعرف على الرائد حينها عبدالله الحمدي شقيق ابراهيم الحمدي الذي كان نائبا لوزير الداخلية في ذلك الوقت وبدأت العلاقة بين سالمين وعبدالله حيث كان عبدالله يشغل مدير أمن تعز وخلال فترة وجود سالمين في تعز توقفت العلاقة بينهما وكان منزل عائلة الحمدي المكان الذي يعيش فيه سالمين ويتردد عليه باستمرار أو بمعنى آخر كان منزل الشهيد عبدالله الحمدي مأوى من المآوي التي كان يلجأ إليها سالمين للاختفاء وبينما كان يعيش هناك صدرت الأوامر إلى مدير أمن تعز بأن يلقي القبض على سالمين وإيداعه السجن بتهمة مشاركته في أحداث أغسطس 68م الدامية التي حدثت في صنعاء إلا أن عبدالله الحمدي أبلغ سالمين بأن يترك تعز حتى يتجنب عملية الاعتقال.
وهكذا كانت التربة هي المكان الذي نزل فيه سالمين بعد أن قام عبدالله الحمدي بتأمين عملية هروبه وكانت محاولات لاعتقاله تمت أيضاٍ بالتنسيق بين عدن وصنعاء وتمت محاولات لاغتياله أثناء وبعد انتفاضة 14 مايو مثل كمين بستان الحاج أحمد وكمين وادي بنا.
سالمين وابراهيم الحمدي
> الواقع أن العلاقة بين سالمين وابراهيم الحمدي بدأت في نفس العام 68م وتم أول لقاء بينهما على غداء في منزل ابراهيم حضره أيضاٍ علي عنتر وقد وصف سالمين منزل اخيه الحمدي بقوله: لقد كان خالياٍ تماما من الأثاث اللهم ما استطعنا أن نجلس عليه للأرض وتكررت اللقاءات والنقاشات بين الاثنين وجاءت أحداث 72م الدامية لتؤثر في مشاعر الشعب اليمني كله وكانت لقاءات القاضي الارياني وسالمين في طرابلس من أجل المصالحة ومعالجة القضية اليمنية وكان الحمدي يرافق الارياني في المباحثات.
كان جو بنغازي باردا وقد شاهد الحمدي أخاه سالمين متأثرا من البرد فخلع «الاوفر كوت» الذي كان يرتديه وألبسه إياه وهو يقسم على ذلك بالرغم من أنه كان مصاباٍ بالتهاب اللوزتين وفي طريقه إلى ايطاليا من بنغازي للعلاج.
يقول سالمين «ليست العلاقة الشخصية إلا عاملا مساعدا على كل ما حدث من ايجابيات في جو الاستقرار والود بيننا كإخوة ولكن الاقتناع الوطني والشعور بالمسؤولية الوطنية لدى الشهيد الحمدي كانت هي الأخرى العامل المساعد على تحقيق ما كان في مصلحة الوطن اليمني عموماٍ.
وفي مؤتمر القمة العربي السابع المنعقد في الرباط في أكتوبر 74م كان النقاش يدور حول ارتفاع اسعار البترول وتأثيرها على البلدان الفقيرة وكذلك حالة الجفاف في الصومال وموريتانا وقد اقترح الحمدي بأن يتحدث سالمين عن قضايا اليمن عموماٍ وبعد أن استعرض سالمين قضايا ومصاعب اليمن وبعد معارضة الملك فيصل – الله يرحمه – ورد سالمين عليه بهدوء ومنطق نال رضاء المؤتمرين تدخل صدام حسين طالبا من الملك فيصل سحب اعتراضه على مطالب اليمن وبعد إقرار مساعدة للصومال وموريتانيا أعلن رئيس المؤتمر الملك الحسن بأن على اليمنيين أن يقوموا باتصالات ثنائية مع الدول العربية ليحصلوا على ما يمكن الحصول عليه انفض الاجتماع وترك سالمين والحمدي مقاعدهما وفي نفسيهما آلام لا يمكن تحديدها وقبل مغادرة قاعة الاجتماع توسطهما بصورة غير عادية أمير الكويت وقال لهما بلطف بعد أن أمسك بيساره سالمين وبيمينه الحمدي »يا أولادي الكويت ستقدم لكل واحد منكما عشرة ملايين دولار لكن على شرط أن لا تشتروا بها سلاح وتتقاتلوا« وشكره الرئيسان بحرارة ووعداه بالتصدي لأية محاولة تريد زج الشعب اليمني في مأساة دامية كما حدث في 72م.
يقول سالمين: عندما ذهبنا إلى مؤتمر القمة في الرباط كان من الاسباب الرئيسية لذهابي هو اللقاء مع الأخ إبراهيم الحمدي التقينا وتفاهمنا كإخوة تربطنا علاقات النضال من أجل الشعب اليمني ونشعر أن الشعب اليمني بحاجة ماسة أن يتطور ويخرج من دائرة العصيد والبسباس أو الكدرة والبسباس إلى أن يأكل أكلا وصل إليه الآخرون قبل مئات من السنين قبلنا لقد أحسست والأخ الحمدي وبصورة عامة الوفد اليمني شماله وجنوبه بالمرارة عندما كنا موجودين في مؤتمر القمة بالرباط كنا إذا خرجنا للراحة بعد اجتماعات القمة أنا أبحث عن الحمدي والحمدي يبحث عني قلنا مستحيل نحن الفقراء نجلس مع الأغنياء ايش نقول لهم الناس يتكلموا في مئات الملايين وفي آلاف الملايين ونحن ايش نتكلم¿ نجلس نعض أصابعنا حسرة وندماٍ على الواقع الردي الذي يعيشه شعبنا كم عشنا هذه المرارة وأحسسنا بالألم وشعرنا أن مهمتنا صعبة وأنها تتركز في هذه المرحلة بالذات في العمل من أجل اقتصاد متكامل للشعب اليمني وفعلا نحن عشنا أيام المؤتمر دون أن نفترق وقد لفت هذا المنظر نظر كثير من القادة العرب وقالوا أن اليمنيين يعيشون مع بعض وفعلا عشنا مع بعض فنحن أيضا نسعى جاهدين لتجاوز كل الاشياء الصغيرة التي لا تعتبر شيئا أمام تطوير وتدعيم اقتصاد الشعب اليمني كل ما يهمنا أن نبني يمنا متطورا ولا يمكن أن يكون يمننا متطورا إلا على أساس الاقتصاد المتطور.
وبالمقابل وعبر اختتام أعمال المؤتمر وعودته إلى صنعاء بعث الحمدي رسالة إلى أخيه ربيع قال فيها »… وكان واضحا أن قمة الرباط لم تتمكن من استيعاب ابعاد الاضرار الاقتصادية التي اصابت اليمن بشطريه نتيجة ارتفاع اسعار النفط ولذلك عالجها المؤتمر بطريقة غير كافية لأن المساعدات التي كان يطالب بها شطرا اليمن قد جاءت في شكل هبات بسيطة من بعض الدول العربية الشقيقة التي يمكن أن تخفف بعض الاضرار التي نزلت بالاقتصاد اليمني في الشطرين خلال عامي 73و74 ولكنها لم تراع حجم المشكلة ولم تأت في شكل قرار يجعل المساعدة مسؤولية قومية ثابتة إلى أن تزول الأسباب الداعية لذلك.وعلى ضوء هذا الموقف المنسجم بين قادة الشطرين اتفق الرئيسان على توجيه مذكرة مشتركة إلى جامعة الدول العربية وحمل محمد صالح مطيع مذكرة مقترحة من عدن إلى الرئيس الحمدي الذي شاطر أخاه سالمين بأهمية الاتصالات المستمرة الهادفة إلى ايجاد ظروف أفضل تنفع الجميع ثم وجهت المذكرة بشكل رسمي إلى أمين جامعة الدول العربية تحت توقيع مشترك لسالمين والحمدي وكان هذا العمل الوحدوي يستهدف تحقيق مصالح الشعب اليمني وأحدث ردود فعل طيبة على المستوى العربي واصبح تقليدا ثابتا يحكم العلاقات بين الشطرين طوال فترة حكم الرئيسين الحمدي وسالمين وكان البحث عن مصلحة اليمن وطرح القضايا بصورة مشتركة هو الطريق الصحيح والسليم المؤدي إلى تحقيق مصالح الشعب اليمني وكان سمة مميزة للعلاقة بين الشطرين والقاسم المشترك للعلاقات وطرق المعالجة يتمثل في تحقيق موقف يمني منسجم وموحد بما يمكن من ايجاد الحلول لكثير من القضايا لصالح الشعب على طريق تعزيز سيادته واستقلاله الوطني وأدت هذه العلاقات بين الرئيسين إلى الاقتراب من فهم مشترك للعديد من القضايا ليس اليمنية وحدها ولكن حتى العربية غير أن تأثيرها كان واضحاٍ تماما فيما يتعلق بحماية السيادة الوطنية وفي نشاط لجان الوحدة.
علاقة ثقة
> كان لقاء اغسطس 77م في صنعاء بين الرئيسين واحدا من سلسلة اللقاءات التي تمت في اطار تبادل الخبرات والتجارب في ما يتعلق بتحقيق رفاهية ووحدة وتقدم الشعب اليمني وفي هذا اللقاء كان الحمدي والغشمي يستفسران ربيع عن الكيفية التي حقق بها وحدة القوى الوطنية وكذا وحدة السلطة المركزية وطرحا أسئلة أخرى تدور حول أهمية الوقوف أمام غلاء المعيشة التي أرهقت كاهل المواطنين في مؤتمر كولمبو لدول عدم الانحياز المنعقد في سبتمبر 76م تم النقاش بين الحمدي وسالمين حول الاستفادة من تجارب الشطرين بما يحقق المصلحة الوطنية وكان محوره حول أهمية توفير الخبز للشعب بعيداٍ عن المخاوف والقلق وارتفاع الأسعار وفي هذا الاتجاه وبروح من الجدية أرسل الحمدي وفداٍ من الاقتصاديين الشباب برئاسة وزير الاقتصاد (محمد عبدالوهاب الجباري) للاطلاع على تجربة جنوب الوطن الخاصة بالتجارة والتموين وحضر هذا الوفد الاجتماعات الدورية الموسعة التي عقدتها اللجنة العليا للخطة الخمسية برئاسة سالمين وكان ذلك بالتحديد في ديسمبر 76م وقد قال ذات مرة الشهيد الحمدي (إننا لا نملك تنظيماٍ سياسياٍ يحمي ويدافع عن القرارات التي يتخذها مجلس القيادة ويعمل على مراقبة تنفيذها) وهذا يعني أنه كان يبحث عن أداة تحقق وتترجم آماله وطموحاته وقد بدأت محاولاته بتجربة توفير مواد استهلاكية ضرورية وبيعها بأسعار منخفضة على أفراد القوات المسلحة وأجهزة الأمن والموظفين.
رسالة هامة
في 23 يناير 1977م حمل الأخ عبدالله حمران وزير الدولة والممثل الشخصي للرئيس الحمدي رسالة شفوية إلى الرئيس سالمين تبين فيها بعد أنها تتحدث عن عدد من القضايا الهامة ذات الصلة المشتركة بين الشطرين وفي مقدمة ذلك (لقاء قعطبة) وأكد فيها حمران أن الرئيس الحمدي يود أن يعمل أي شيء في طريق الوحدة اليمنية ما دام هو في هذا الموقع والمسؤولية وهو على قيد الحياة وأنه يقترح على هذا الطريق أن يناقش قضايا على مستوى كبير من الاهمية ومن أبرزها مسألة توحيد العلم وكذا توحيد النشيد الوطني وأن يصاحب ذلك تنسيق فعال بين وزارتي الدفاع ويتوج بتشكيل لجنة عليا للتنسيق برئاسته وسالمين وتجتمع كل ستة أشهر في صنعاء وأخرى في عدن في هذا اللقاء أعرب سالمين عن موافقته على لقاء قعطبة وطلب من حمران أن ينقل للحمدي دعوته لزيارة عدن في أي وقت يحدده أما القضايا الأخرى التي نقلها حمران فقد أكد عليها بخمس نقاط تحددت أساساٍ بضرورة النظرة الموضوعية للأوضاع السياسية في المنطقة وطلب سالمين أن يلتقي بالحمدي منفردين للتحدث عن الكثير من القضايا بحرية وصراحة.
لقد تم لقاء قعطبة.. وكان هذا اللقاء قد بعث كثيراٍ من الكوامن النفسية والروحية وتواردت العديد من الذكريات العزيزة بين الرئيسين فالرئيس الحمدي والدته من قعطبة وقد تردد عليها كثيراٍ في صباه ونزل فيها أخيراٍ لاستقبال أخيه ربيع كمن يستقبله في بيته وسالمين هو الآخر عاش في قعطبة واعتبرها المكان الذي استقر فيه نفسياٍ ولا يشعر فيه بالخوف وقد صادف أن دار الضيافة الذي نزل فيه الجميع لا يبعد إلاِ خطوات عن المكان الذي كان يسكن فيه الرفيق سالمين حينما كان متخفياٍ عام 68م وفي قعطبة تحقق اللقاء الثنائي وكان الحديث صريحاٍ فتحدثا عن كل المحاولات التي تستهدف اليمن واتفقا على سحب القوات المسلحة التدريجي من مناطق الأطراف والعمل على نقل الواحدات العسكرية وتبادل مواقعها بين الشطرين بهدف إنهاء ما علق بأذهان أفراد القوات المسلحة في الشطرين أنهما يتربصان لبعضهما البعض.
وتحدث الحمدي عن الفساد والرشوة والتحايل على أموال الشعب والكسب غير المشروع والمتاجرة بدماء الشعب اليمني وعن المكاتب الأجنبية التي تتدخل في الشؤون الداخلية لليمن وتوزع المرتبات والميزانيات والهبات للكثير من ضعفاء النفوس الذين باعوا ضمائرهم ليعملوا ضد الشعب وحريته وإستقلاله ودولته.
وحدد اتصال بعض اليمنيين بالسفارات والمكاتب الأجنبية وأهمية قطع دابر المرتزقة والمتطفلين و(العسن) التي تتلوى بالسفارات والمكاتب الأجنبية!
الزيارة الأخيرة
في اللقاء الأول لزيارة سالمين إلى صنعاء في صيف 77م تحدث الحمدي عن التطورات في الشطر الشمالي وعن خطة التنمية التي ستحدثها خطة التنمية ومن خلال النقاش الذي دار بينهما ظهر أن جانباٍ من استثمارات الخطة سيسخر للمشاريع الخدماتية كما ظهر أن نصيب القطاع العام لا يشكل القوة المؤثرة في مشاريع الخطة الخمسية وعقب حديث طويل قال سالمين (إننا نشعر أن الشعب اليمني قد استنزف دمه وعرقه الاستغلال والعسف والتآمر).
ثم سأل الحمدي سالمين عن تطورات الوضع في الجنوب وأجابه أن إخوانه في الجنوب يستعدون لتنفيذ أربع مهام رئيسية وهي انتخابات مجالس الشعب المحلية في المحافظات والتحضير لاحتفالات العيد العاشر للاستقلال 30 نوفمبر وتقييم عمر عشر سنوات ثم انتقل الرئيسان لمناقشة حالة الأمن والاستقرار في كلا الشطرين ووسائل التعاون التي من شأنها تعزيز وتقوية دور الدولة وتحقيق نظام مركزي يكون مساعداٍ على تهيئة الظروف لوحدة الأرض والشعب اليمني وأثناء الحديث عن أعمال التخريب وإرباك حالة الأمن في شمال صنعاء طلب المقدم أحمد الغشمي السماح له بالدخول فأذن له الرئيسان أن يشاركهما الحديث ويكون ثالثهما في الاجتماع الثنائي !
وفي إطار الحديث عن السيادة الوطنية وتعزيزها طرح سؤال محدد هذا السؤال في غاية الصراحة والوضوح والدقة وقد رد الرئيس الحمدي على السؤال ولكن عندما لفت الأخ سالمين إلى الأخ الغشمي وجد في عينيه جواباٍ آخر!! بالرغم أنه لم يتحدث احتراماٍ للرئيس الحمدي! ولكن في اليوم الثاني وفي جلسة غداء جمعت بين سالمين والحمدي في قصر الحجر وخلال جلسة منفردة كان جواب الحمدي على سؤال الأمس محدداٍ وواضحاٍ قال سالمين: (من عدن إلى صنعاء وجدت نفسي أنتقل بكل أحاسيسي ومشاعري في وطني لم أشعر بأي تمييز ناهيك أن المسافة بين عدن وصنعاء أقرب بكثير من عدن إلى بعض مناطق الجنوب) وخلال هذه الزيارة كان سالمين متأثراٍ بحرارة الاستقبال الحار الشعبي والرسمي الذي قوبل به من قبل إخوته وبالرغم من كرم الضيافة واللطف التي عْرفنا به نحن اليمنيين إلا أن سالمين ازداد تأثراٍ عندما أبلغه أخوه الحمدي بأن نائبه الغشمي قد أقسم أن لا يرافق سالمين أحد سواه!! وفعلاٍ كان الغشمي لا يترك القصر الجمهوري طوال فترة تواجد سالمين في صنعاء حيث ظل مرافقاٍ له حتى انتهاء الزيارة.
وكان سالمين منذ اليوم الأول لزيارته صنعاء يسأل عن أخيه عبدالله الحمدي وقد قيل له أنه غير موجود بصنعاء ولكنه أصر على حضوره باعتباره صديقاٍ شخصياٍ له وهكذا التقاه في اليوم الثاني وكان اللقاء حاراٍ وحدث سالمين الحضور عن العلاقة الأخوية القديمة بينه وأخيه عبدالله وقال »كان عبدالله مشهوراٍ بالصمت وكان يبتسم ويتحدث قليلاٍ«.
وبعد الانتهاء من وجبة الغداء التي أقامها تكريماٍ لسالمين المقدم الغشمي وبعد لقاء ثنائي غير طويل بين ربيع والحمدي توجه الجميع في جو كله مرح وسعادة إلى بيت الغشمي الذي استقبل ضيوفه بحفاوة ولطف ليقضوا وقت ما بعد الظهيرة على »القات« في رحاب »مفرجة«.
وقبل عامُ ونصف من اغتيال الحمدي كان الرئيس سالمين قد حذر الاستاذ عبدالله حمران عند زيارته عدن ونبهه إلى ضرورة تشديد الحراسة على أخيه الحمدي إذ أن الطريق التي بدأ يسير فيها طريق تعزيز السيادة محفوف بالمخاطر والوصول إلى نهايته ليس سهلاٍ!
توحيد منهج التاريخ
ابتداء من عام 77م شهد الشعب اليمني شمالاٍ وجنوباٍ ظاهرة ايجابية تمثلت بسلسلة كتب التاريخ الموحد ويعود ذلك إلى لقاء جمع سالمين والحمدي في كولمبو اغسطس 76م ودار حديث بينهما وديا وصريحا وأعرب فيه الحمدي عن عدم ارتياحه لمناهج التاريخ التي تدرس للطلاب اليمنيين. وساءه أن الطلاب اليمنيين يعرفون الكثير عن تاريخ العالم ويجهلون تاريخ شعبهم وتحدث عن الأساليب العملية لمعالجة هذا الوضع وعن إمكانية تشكيل لجنة من الشطرين تقوم بإعداد كتب مدرسية موحدة في التاريخ اليمني تكون أساساٍ مشتركاٍ لأطفال اليمن وتوحيد نظرتهم للتاريخ.
وفي لقاء تعز فبراير 77م ناقشا الموضوع من جديد واتفقا على الإسراع في تشكيل اللجنة وعقدت لقاءات موسعة مع التربويين والمؤرخين وكان أولها لقاء صنعاء في الفترة ما بين 8-16 مارس77م وتم الاتفاق بعد نقاش جاد على ورقة عمل هي عبارة عن لائحة حددت الأهداف العامة والخاصة لهذا المشروع وفي لقاء اللجنة بالرئيس الحمدي بصنعاء في 26 يونيو77م أشاد بسرعة انجاز الكتاب وتحدث باستفاضة عن القيمة الكبيرة لتربية الأطفال في عموم اليمن بأفكار وآراء موحدة حول تاريخ شعبهم ووطنهم وقد وصف الدكتور الإرياني وزير التربية والتعليم آنذاك بعض القوى المعارضة للمشاريع الوحدوية بأنها زعانف لا تريد أن تتطور!
وقد اقترحت اللجنة أن تتم كتابة مقدمة مشتركة لجميع الكتب التي تؤلف يوقعها الرئيسان فوافق الحمدي على الفور وحين اطلع على مسودة المقدمة أبدى عليها ملاحظتيه تتعلق الأولى بضرورة إبراز أن إخراج هذه الكتب إنما هي خطوة أولى في طريق إعادة الوحدة وأن تكون المقدمة موجهة إلى جميع أبناء اليمن في عدن وصنعاء ومن صعدة إلى المهرة ومن زبيد إلى تريم.
الرسالة الأخيرة
كانت زيارة سالمين الأخيرة لصنعاء ولقاءاته بأخيه الحمدي قد تركت أثراٍ طيباٍ في نفسه ولم يخف شدة سروره والانطباعات التي تركتها في نفسه ففي رسالة شخصية بعثها إلى الحمدي وهي آخر ماكتبه إليه قال »لقد اخذت ثلاثة أيام من وقت سيادتكم أنت والأخ المقدم الغشمي كان بالإمكان تسخيرها لمواجهة ظروف البلاد التي تتطلب من كل دقيقة من حياتنا ولكني شخصياٍ قد استفدت فائدة كبيرة من هذه الزيارة وحملت معي طموحاتكم كما حملت همومكم التي هي همومي وهموم رفاقي المخلصين وهموم شعبكم في بلادكم عدن«.
كانت خطابات الحمدي الأخيرة مليئة بعبارات »محاربة الاستغلال« و»الثورة ثورة الكادحين اليمنيين« وكان سالمين شديد الملاحظة عندما أبدى للحمدي رأيه بصراحة أن تلك العبارات لا بد لها من محتوى ومضمون وممارسة تجعلها في إطار الملموس لأصحاب المصلحة الحقيقية في الثورة والذين سيشكلون الدرع الواقي للدفاع عنها وقال له »إن كل نشاطك هو الذي حقق هذه الخطوات العمرانية والخدماتية ولكن أنا وأنت سيبلغ بنا الكبر حده المعروف وسنكون عاجزين عن متابعة كل شيء« ونصحه »أن يبحث عن عناصر يثق بها يشعر أنها قادرة على ترجمة أفكاره وطموحاته إلى حيز الواقع العملي الملموس«.
كان طموح الحمدي في كهربة البلاد مشروعاٍ في غاية الأهمية ولكن لا يطرحه إلا أكثر القادة ثورية لم يصل بعد إلى استيعاب ظروف التطور الصناعي والزراعي في اليمن.
وفي الشطر الجنوبي من الوطن رفع البعض شعار التصنيع وهذا الشعار اعتبره سالمين من صنع الانتهازية اليسارية لأن ظروفنا الموضوعية والذاتية لم تكن تمكننا من التصنيع الثقيل وحتى بعد استلام سالمين السلطة لم يرفع شعاراٍ مثل كهربة البلاد وهكذا كانت ملاحظة سالمين على المشروع الكهربائي الجديد في ذهن الحمدي بعد أن أبدى سروره به هي أن يشرف شخصياٍ عليه لأن بعض الناس ينظرون إلى كهربة البلاد من خلال الاضاءة فقط وكان من رأي سالمين أن تطوير الكهرباء يحتاج إلى الأخذ بعين الاعتبار التطور الصناعي والزراعي مما يخرج البلاد من دائرة الأسواق الاستهلاكية!.
لقد كان لقاء صنعاء من أهم اللقاءات التي جمعت بينهما بالنظر إلى القضايا التي حفلت بها مناقشاتهما.
جاء في رسالة سالمين الأخيرة للحمدي »إن القضايا الاجتماعية عموماٍ يجب أن ينظر إليها بشكل متكامل.. فرفاهية الشعب معناها الخبز النظيف والماء النظيف والسكن الصحي النظيف والقضايا الثقافية والروحية الأخرى على شرط عدم ممارسة الاستغلال عند محاولة تنفيذ هذه المهام« وأنني شخصياٍ لا أقصد تأميم الإسكان ولا أطالب بأي شيء يجافي ظروف الواقع ولكن يا أخي هل نحن متفقون بأنه لا بد من الحصول على الخبز والضروريات الأخرى دونما استغلال¿!«.
وقال سالمين في رسالته »أنه في هذه الحالة نكون قد بدأنا نتميز عن المرتزقة والعملاء الذين يعملون الآن على محاربة وعرقلة سير الثورة ومثل هذه الإجراءات هي الرد الطبيعي على كل المتطاولين لأنهم إذا حكموا البلاد سواء في الشمال أو في الجنوب سوف يسيرون في اتجاه بناء مصالحهم الشخصية مثل المشاركة مع التجار في شؤون التجارة وفي بناء العقارات والمشاركة في الفنادق واقتسام «الكميشنات» وسيجدون من يصفق لهم من المنتفعين بوجودهم في السلطة« هكذا كانت العلاقة بين الرئيسيين وهكذا كان كل يخاطب الآخر بروح وطنية تضع المصلحة العامة فوق كل مصلحة وهكذا جسدا أعظم وأصدق وأشرف روابط أخوية ورسمية شهدها الوطن وكان مصيرهما الاغتيال السياسي في ظروف كان اليمن احوج ما يكون إليهما وإلى إخلاصهما وطهارتهما الثورية وانتمائهما العميق والوحيد لليمن.
وها هي الجماهير اليوم تتذكرهما بحب وتقدير وتعظيم للدور الهام الذي لعباه في تاريخ الشعب والوطن وتحلم أن تلد اليمن زعيمين كبيرين بنفس عظمة ومكانة سالمين والحمدي.