
في ظل البحث عن موارد إضافية للاقتصاد الوطني الذي يمر بمرحلة سيئة ووضعية هشة يبقى التجاهل سيد الموقف الحكومي لتنمية القطاعات الإنتاجية الواعدة وتوفير بدائل أخرى لتوسيع الهيكل الايرادي للاقتصاد الذي لم يتجاوز نموه العام الماضي 2% .
وتأتي الثروات الطبيعية في طليعة القطاعات التي يمكن استغلالها حيث تشكل بلادنا من الناحية الجيولوجية جزءاٍ من الدرع العربي «النوبي» الذي يعد احد أهم الأحزمة المعدنية في العالم .
وتمتلك اليمن ثروة معدنية هائلة ومتنوعة ومتعددة مثل الاسمنت والسيراميك والزجاج والذهب والزنك وأحجار البناء والزينة وغيرها من الخامات التعدينية الصناعية بالإضافة إلى ثروات نفطية وغازية وقطاعات إنتاجية مثل الزراعة والأسماك لكن عملية استغلالها واستثمارها بطيئة ومحدودة في ظل إهمال حكومي كبير لمثل هذه القطاعات الإنتاجية الواعدة واعتماد تام على المساعدات والمعونات الخارجية.
يرى اقتصاديون أن الارتهان الكبير للمساعدات الخارجية ومعونات المانحين اضر كثيراْ بالاهتمام بالقطاعات الاقتصادية والثروات المتعددة التي تمتلكها اليمن والتي يمكن أن تمثل موارد متعددة لرفد الخزينة العامة في حال استغلالها بشكل امثل أو من خلال استغلال هذه التعهدات الخارجية لتنفيذ مشاريع استثمارية لتطوير هذه القطاعات والنهوض والاستفادة الاقتصادية والتنموية منها في مكافحة الفقر والبطالة .
وتعتبر الثروة المعدنية من أهم القطاعات الواعدة حيث تظهر الدراسات الجيولوجية توفْر العديد من المعادن والخامات الطبيعية المختلفة نظراْ لتميز اليمن بتنوع جيولوجي واعد بالخير والعطاء .
ويشدد القائم بأعمال رئيس هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الدكتور عامر الصبري على أهمية الاستغلال الأمثل لهذا القطاع والتعريف والترويج بأهميته الاقتصادية والاستثمارية والتنموية واستغلال الثروات المعدنية وتحقيق عوائد مناسبة للاقتصاد الوطني من الأنشطة التعدينية والمساهمة في التخفيف من الفقر والبطالة.
وبحسب الدكتور الصبري فإن القطاع الخاص مطالب بالاستثمار في قطاع المعادن الذي يمتلك فرصاٍ واعدة ومغرية ويحتاج للمزيد من الدعم والاهتمام الحكومي وكذا تشجيع وتحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية لاستغلاله بشكل اقتصادي وتنموي أمثل.
مشيراٍ إلى أن الاسمنت كثروة هائلة لو أحسنا استغلالها واستثمارها لأحدثنا نهضة عارمة في هذا الخام التعديني الصناعي الذي تكتنز أرضنا احتياطياٍ ضخماٍ يمكن أن يجعلنا في مقدمة الدول المنتجة والمصدرة له بعد تحقيق الاكتفاء الذاتي.
استكشاف
عملت هيئة المساحة الجيولوجية على استكشاف وتقييم الخامات الأولية الداخلة في صناعة الاسمنت وبناءٍ على نتائجها يضيف القائم بأعمال رئيس الهيئة : تم إنشاء 3 مصانع اسمنت تابعة للقطاع الخاص وترتب على ذلك زيادة في إجمالي الإنتاج المحلي من الاسمنت إلى حوالي 3.6 مليون طن الأمر الذي أدى إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي بالإضافة إلى اكتشاف وتقييم الخامات الأولية الداخلة في صناعة السيراميك والطوب الأحمر وعلى ضوء ذلك انشأ مصنعان للسيراميك ومصنعان آخران للطوب الأحمر .
ويؤكد انه خلال الخمس السنوات الماضية قامت الهيئة بجهود حثيثة ادت الى تطورات ملموسة على صعيد البناء المؤسسي والنشاط الاستثماري ويعد إصدار القانون الجديد للمناجم والمحاجر من أهم التطورات التي أحدثت نقلة نوعية في هذا القطاع الحيوي حيث يسمح القانون الجديد بإسهام القطاع الخاص في الاستثمارات بمجال التعدين والتنقيب والاستكشافات وتحديد نماذج التعدين المختلفة.
ويقول : قمنا أيضا بإعداد إستراتيجية لقطاع المعادن وتعتبر منجزاٍ هاماٍ في طريق الجهود الرامية لاستغلال هذا القطاع والتعريف والترويج بأهميته الاقتصادية والاستثمارية والتنموية وتهدف إستراتيجية قطاع الثروة المعدنية إلى تعزيز تنمية واستغلال الثروات المعدنية وتحقيق عوائد مناسبة للاقتصاد الوطني من الأنشطة التعدينية والمساهمة في التخفيف من الفقر والبطالة.
تحديات
يعاني هذا القطاع الواعد بحسب خبراء العديد من التحديات أهمها عدم ملائمة الأطر التشريعية والقانونية لتنظيم عمل القطاع وتعدد الجهات المصدرة لتراخيص مزاولة النشاط والوضع الأمني وعدم وضوح حقوق ملكية الأراضي وكذا ضعف البْنى التحتية بالإضافة إلى استخدام الوسائل القديمة في استخراج الخامات وندرة القوى العاملة الماهرة في هذا القطاع.
ويشدد الدكتور عامر الصبري على ضرورة إطلاق شراكة جادة بين الحكومة والقطاع الخاص تركز على تنمية الخامات التعدينية وزيادة قيمتها المضافة من خلال ربط القطاع التعديني والصناعي والبحث العلمي ويتم ترجمته في بروتوكول تعاون بين الجهات ذات العلاقة من الحكومة والقطاع الخاص والمراكز البحثية .
وبحسب الصبري فإن مثل هذا الخطوة ستدشن لشراكة حقيقية بين العلم والصناعة وبالتالي تعظيم القيمة المضافة للخامات المعدنية وذلك من خلال إنشاء عدد من الصناعات الاستخراجية والتحويلية المعتمدة على الخامات المعدنية المتوفرة في اليمن .
تنمية
تظهر الدراسات الجيولوجية توفْر العديد من المعادن والخامات الطبيعية المختلفة والتي ما زال أغلبها مدفوناٍ في باطن الأرض ولم يتم وضعه موضع الاستغلال لارتفاع تكاليف الإنتاج وانخفاض العائدات في مواقع وجود هذه الخامات نتيجة للعديد من المقومات القائمة في هذا الخصوص.
ويتمثل المدخل الأساسي لتنمية هذا القطاع بحسب الخبير الجيولوجي المهندس محمود النجار في التأكد من وجود الاحتياطيات المناسبة من الخامات المعدنية واقتصاديات الانتفاع منها.
كما أن هناك العديد من السياسات والبرامج التي يجب العمل على تنفيذها واستكمال عملية تنفيذها ومن أهمها البناء التشريعي والمؤسسي لقطاع الثروة المعدنية وبناء قدرات العمالة الوطنية في الجهات المعنية بهذا القطاع إلى جانب تطوير المعرفة الجيولوجية والتقنية والاقتصادية حول الثروة المعدنية وفرص استثمارها والاسمنت الأكثر احتياجاٍ لمثل هذه الإجراءات باعتباره الخام الأكثر قيمة صناعياٍ في قطاع المعادن بالإضافة إلى إنشاء قاعدة للمعلومات والبيانات الجيولوجية .
وتقتضي الضرورة كما يقول المهندس النجار دراسة المخاطر الجيولوجية والبيئية وتخفيف آثارها وإقامة البنية الأساسية اللازمة لاستغلال الثروات المعدنية وخاصة في المناطق الواعدة وتشجيع القطاع الخاص لاستغلال الفرص المتاحة في قطاع التعدين.
قدرات استيعابية
يعتبر قطاع المعادن الذي يعاني من إهمال كبير من أكثر القطاعات واعدية لاستيعاب تمويلات المانحين من خلال تنفيذ العديد من مشاريع البنية التحتية والخدمية وإيجاد مصادر تمويل متنوعة لاستغلال واستثمار هذه الثروة الواعدة.
ويحتاج هذا القطاع أيضا لإيجاد مشاريع حيوية في مجال البنية التحتية مثل إنشاء سكك حديدية وموانئ خاصة بالصناعات التعدينية لأهمية النقل في نجاح المشاريع الاستثمارية في هذا الجانب ولكون مسألة النقل من أهم العوامل المؤثرة على تطوير واستثمار الموارد المعدنية ولأهميتها كوسائل ضرورية لنقل الخامات من مناطق وجودها إلى نقاط التصنيع والإنتاج والأسواق الاستهلاكية.. بالإضافة إلى إنشاء مناطق صناعية والدور الذي يمكن أن تقوم به في نقل وتوطين التكنولوجيا الحديثة ورفع مهارات العاملين بهذه الصناعة وتوفير أحدث الأساليب الإنتاجية والتسويقية لتحقيق الاستغلال الاقتصادي المناسب ورفع القيمة المضافة لمنتجات هذا القطاع.
