أشواق مهدي دومان
قد تجفّ مشاعرنا ، ويصيبنا الخذلان ، ويعصف بأرواحنا نكران البشر ، وقد نصمت ليس عجزا عن ردّ إساءة من يتبنّى إيلامنا ، ويبغي قتل أجمل ما فينا وهي الرّوح ؛ فقتل الجسد أسهل بكثير !!
نصمت ذهولا ، نتجلّد إباء ، نعاني من جفوة من حولنا وفظاظة طبعهم ، قد نغضب حدّ الشعور ببراكين في أعماقنا تريد لفح من يجرحنا ، ومن يتقصّد إيذاءنا ، وحينها نسمع من أحدهم جملة كأنها برد وسلام لأرواحنا، نعم نسمع صوتا ملائكيا ( نعدّه ) يقول لنا : ” صلّوا على محمّد “، فنحتكم بطبيعة إيماننا القاضي والماضي فينا بأنّه بمحمّد أُطفِئت نيران كسرى أفلا تنطفئ نيران قلوبنا المكلومة ؟
ألا تلتئم تلك النّدوب التي هجرت محمدا سلوكا فآلمنا بعضنا كبشر ، وظلمنا بعضنا في غطرسة وغرور وكبر ، ليكون ذكر محمّد من ذكر اللّه ، وفي الصلاة عليه وآله عودة لنقاء أرواحنا فمحمّد وعشق محمّد كمياه تطفئ فينا كلّ الأوجاع ، وتجدّد فينا الحبّ، والخير والجمال .
محمّد الذي حتّى في تاريخ مولده وشهر مولده أيقونة خالدة فالرّبيع هو شهر مولده ولم ينتقِ الخالق هذا الشّهر عبثا لميلاد حبيبه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) ، بل ليبقى محمّد أيقونة الرّبيع الخالد ، ربيع الأرواح التي لا تُشتوي ولا تُصيّف ولا تُخرّف ؛ فإن وهن العظم واشتعل الرأس شيبا تظلّ الرّوح المحمديّة شابّة العطاء ، فمحمّد ربيع متجدّد ما دامت البشريّة ، وهو ربيع الأخلاق والسّلام والأمن والأمان ، محمّد ربيع الفضائل كلّها ، ونبعها وريّها وماؤها الطّاهر المطهَّر المطهِّر ،،
أوليس قد جعل اللّه من الماء كلّ شيء حيٍّاً ،
نعم : فرسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) بمثابة النّهر المتدفّق بالحب المصفّى ألوانا فيه لذّة للمصلين ( عليه وآله ) كما لو كان محمّد هو العسل نستشفي به ؛ ففيه شفاء للنّاس وهو من فيه ومنه وبه ( روشتة ) من خالق الكون إرشادية لن ننجو من الهلاك إلّا لو التزمناها ، وتطهّرنا بعشقه واتباعه أثرا أثرا ، وجعلناه قدوتنا وأسوتنا حين كانت القدوة لجوانب الشخصيّة القويّة الشّجاعة وحين كانت الأسوة بأدق تفاصيل ونبضات فؤاده وقلبه وروحه ورهافة مشاعره ،
نعم ولنا فيه أسوة حسنة ، وبمحمّد اقتداءً وتأسّيا تتطهّر أرواحنا تطهّرا يشفي كلّ كلوم الحياة التي تفرض علينا اللهث وراءها ، حياة تنافسنا بل تتحدانا أن ننسلخ عن أرواحنا فتأبى كلّ روح إلّا أن تتبلسم وتتشافى بمحمّد وتحبّ و تعشق محمّدا ؛ فمحمّد هو الرسول الموصوف بـــ : ” رحمة للعالمين ” ، وما أوسع معاني الرّحمة التي جاءت في حوار اللّه مع حبيبه ، وقد جاءت كلمة رحمة نكرة لشموليتها وسعتها ورحابتها فلم يقيدها ربّ العالمين بــ ال التّعريف ، ولم يحاصرها بإضافتها إلى مابعدها ، بل كانت : رحمة : كلمة حرّة مرفرفة على شواطئ تحكي حبّ الخالق لعباده ، بل إنّ الرّحمة هي ممّا يؤسّس لمعرفة بين العبد وربه من جهة ، وبين العبد والعبد من جهة أخرى ، ومجيؤها نكرة كدليل سعتها واتساعها فرسول اللّه رحمة في أخلاقه .. مبادئه .. تشريعاته .. أوامره .. نواهيه ، هو رحمة واسعة ليس في مقدور البشر تحديدها أو حتّى حصر مواقفها ،،
رسول اللّه رحمة ليست خاصّة ببني إسرائيل وليست حكرا على العرب دون سواهم ، محمّد سيّد الكونين والثّقلين ، محمّد من كتب الرحمن اسمه على عرشه قبل خلق الأكوان ، محمد نفح وروح ونور اللّه ، محمد رحمة من رحيم ورحمن ، وبهذا فحبه وعشقه هو آخر خيط ( نبي ورسول ) من السّماء إلى الأرض وهو بقرآنه العروة الوثقى التي لا انفصام لها ، هو قائد ورائد سفينة النّجاة من الغرق في الظّلمات ،،
فلماذا حين نأتي للحفاوة بمولده يظهر لنا آلاف من ( عبدالله بن أُبَي بن سلول ) ؟
لماذا يتبادى ويتبارى مهلهلو الإيمان ، ساقطو الرجولة ويدعون الناس للتّخاذل عن الاحتفال بذكرى مولده بمبرّرات واهية سخيفة ، ويستبدلون فيه من هو أعلى بمن هو أدنى ، ولسان نفاقهم يقول : لا تحتفلوا برسول اللّه فهذا الاحتفال بدعة ؛ بينما يرون تعظيم أبناءهم الذين يقيمون لهم كلّ عام حفلات أعياد الميلاد ؛ ليفرحوهم ويسعِدوا قلوبهم ، ويبذلون لذلك أموالا لا بأس بها ، ولا يهتمون حينها لأيّ مادّة لكنّهم عند الاحتفال برسول اللّه يبلغون مبلغهم من الشّحّ والبؤس ، كما ولا ينسون الحفاوة بأعياد زواجهم ، وأيضا يتبادلون التّهاني بمناسبة ( الكرسمس ) ، ولا يمرّ العام إلّا ويحتفلون بالعمّال ، والأمّهات والآباء ، والطّرب والمطربين ، و النّظافة ، وحتّى يجعلون للطّماطم مهرجانات ، وحتّى الطّبخ يجعلون له يوما عالميا للاحتفال بأفضل شيف وأفضل طبخة ، وهنا ما أشبههم بأصحاب مائدة نبي الله عيسى ( عليه السّلام ) ، وهم من طلب مائدة من السّماء أساسا وشرطا في اطمئنانهم للّه ثمّ إيمانهم به ، بينما الأصل في الإيمان هو تسليم مطلق غير مشروط بإشباع بطن ؛ فقضيّة الإيمان باللّه وبرسله وكتبه وقدره وملائكته ويومه الآخر قضيّة أرقى من الجسد وإشباع حاجاته ، إذ لا شأن فيها للبطون ؛ فكلّ من يعبد بطنه قد يكفر عندما تخلو وتجوع هذه البطن ، نعم قد يكفر بأجمل النّعم مقابل إشباع البطون ، ولنأخذ مثلا من الواقع والعصر فأولئك المرتزقة والعملاء والخونة الذين فرّوا إلى سلمان إنّما فعلوا ما فعلوا انتصارا وتقديسا لبطونهم التي لا تشبع ، وعلومهم التي لا تنفع ، وقلوبهم التي لا تخشع فكانوا كالبهائم أو أضلّ ، وبخنوعهم ربّما احتفوا بمحمّد بن سلمان ، ومحمّد بن عبدالوهاب ، وجعلوا محمّد بن زايد ملكة جمال ولكن في ذكر مولد النبي الأكرم تعصرهم بطونهم ، وتقوم قيامتهم!
فيا أحمق : اتبعهم في حفاوتهم بالكرسمس ، واحتفل معهم بعيد الحبّ، والشّجرة ، واللحية المحنّاة ، و المثليين ، والمراقص كما لا تنسَ الاحتفال بسروال المؤسّس، وبقرة ترامب وبوذا بنات زايد ،،
احتفل وأقم معهم أيامهم التي كان مثلها في الجاهلية أيام للعربدة ، وهم مماسيخ العصر والأوان !!
يا مذبذب : تعربد معهم في يوم الكأس والغانية وملكات الجمال ، واختر أفضل مومس ، وأفضل مطرب ، وأفضل ممثّل ، وأقم وجهك شطر بيعهم وكنائسهم !!
احتفي معهم بذكرى احتلال سقطرى ، وفلسطين قبلها منذ سبعين عاما ، واحضر حفلات رقص علي البخيتي ، ولا تفارقهم حين تدعوكم ( توكل كرمان ) للاحتفال بــ : ( أردوغان )، كما ولا تنس أن تشجع محمّد الأضرعي بحصوله على المركز الأول في التّهجّم على آل بيت رسول اللّه ، ولا يغيب عنك تسجيلك الإعجاب بمنشور لخالد الرويشان رمز ثقافة المخمورين حين يوهن عزمك حين يُذكَر رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم) ، كما لا تبتعد كثيرا عن منافق يقول لك : النّاس ميّتين جوع والحوثة بيزينوا الشّوارع عاسب محمّد !!!!
محمّد محمّد محمّد …و كأنّ محمّدا عندهم سحابة صيف بلا تأدُّب يذكرونه في حضرة أو لحضرة محمّد، وماكان محمد أبا لأحد منهم ، وما كان حرف كلمة سقط سهوا من سجل أنبياء اللّه ورسله !!!
يستهينون بمحمّد وهو مخرجهم من الظّلمات إلى النّور، وهو من حرّرهم من عبادة الصّنم والحلوى والنّهر والثّور والشّمس والقمر والطّير والبقر ،،
يفتون بأنّ الاحتفال بيوم محمّد رسول اللّه بدعة في حين يحلّلون كلّ احتفال ، وتحت أيّ مسمّى، ويفجرون ويفسقون ويسكرون في احتفالاتهم، وحين الاحتفال بيوم ( محمّد بن عبدالله ) العالمي لا يستحون من إعلان معارضتهم لهذا الاحتفال ، الكافرين به كونه أعظم نعمة للعالمين يحقّ للأكوان بمن ومافيها أن تحتفي وتحتفل به ؛ فهو الهادي إلى سواء السّبيل ، والمخرج من الظّلمات إلى النّور،
فيا محمّد .. يا رسول اللّه :
لا تحزن … فلك أمتك ولهم فوضاهم ،
لك أحبابك وجمهورك ولهم ستار أكاديمياتهم الطربيّة ، وأرب أيدولهم ،،
و أنت رسول اللّه المصطفى المختار من ربّ السماوات والارض من له اليد في إحراقهم وما يعبدون من أسماء ما أنزل اللّه بها من سلطان ،،،
ويا محمد :
دعهم يا حبيب اللّه ينفقون ملياراتهم في دبي للاحتفال بالكرسمس ، وتحيي حفلاتهم نجوى ونانسي وحلمي وحسني وناصر وأحلام و…الخ ؛ فهؤلاء سوبر نجومهم وسوبر ستارهم ، لكنّك سوبر ستار السّماء ، وأنت نجمي المفضل ، أنت وصفة شفائي المقدّسة ،،
يا رسول اللّه : لا تحزن بأبي أنت وأمي وأخي وابني ،، وأنت سيّدي مادام الليل والنّهار ،،
يا محمّد : أنت ربيعي وروحي التي تسكنني وهل لروح بشر أن تسكن روحي قبلك ؟ !
أنت نور العين ، وقرّتها ، أنت حبّة فؤادي ومهجته ، وأنت عمري وأيامه وساعاته، وأنتَ تفاصيل سعادتي ؛ فدعهم ( يا حبيب اللّه ) يحتفلوا بما شاءوا، ويبدّعوا الاحتفال بك فليسوا جديرين بحبك ، وليسوا على مستوى الاحتفال برسول ربّ السّماء،
دعهم فلهم أيّامهم ولك يوم ذكرى مولدك وهو يومك العالمي ، وكفى .
اليوم العالمي لمحمّد بن عبداللّه .