بغداد/
يبدو ان الازمة التي يمر بها العراق تتجه نحو حلحلة محتملة، إثر اعتراف جميع الاطراف الفاعلة والمؤسسة للعملية السياسية والنظام السياسي، بوجود ضعف بنوي في النظام يقتضي معالجته بأسرع وقت، وان الفضل في هذا الاعتراف المتأخر يعود للشارع العراقي الذي دفع وحده ضريبة الخلل في العملية السياسية.
الكل متفق على ان التظاهرات التي تشهدها محافظات وسط وجنوب العراق اضافة الى محافظة بغداد، خرجت من رحم الاهمال والمعاناة، التي كان نتيجة طبيعية للنظام السياسي الذي تم تأسيسه لا ليوحد العراقيين، بل ليفرقهم ويحول دون اتفاقهم حتى على ميزانية محافظة، الامر الذي شل أداء العمل الحكومي، هذا إذا اضفنا اليه ظاهرة الفساد التي انشبت اظفارها في جميع مفاصل الدولة.
عقلاء العراق وفي مقدمتهم المرجعية الدينية العاليا، وضعوا اصابعهم على وجع العراقيين، وهو الوجع الذي يجب معالجته قبل فوات الاوان، لاسيما بعد ظهور بوادر لا يمكن انكارها، تؤكد ان هناك جهات تحاول ركوب موجة التظاهرات المطلبية الحقة بهدف تدفع العراقيين الى الاحتراب والاقتتال والفوضى، ويكفي نظرة سريعة الى التغطية الاعلامية لما يجري في العراق من قبل قنوات “الحرة” الامريكية و “العربية” و”الحدث” السعوديتين و “اسكاي نيوز العربية” الاماراتية ، والذباب الالكتروني التابع للسفارة الامريكية في بغداد والذباب الالكتروني السعودي والاماراتي، ووسائل الاعلام البعثية والداعشية، للتأكد من هذه الحقيقية، فهذه الجهات بالاضافة الى الاعلام الصهيوني، لا تعترف بأي اصلاح وترفض كل الحلول التي يتقدم بها العقلاء من العراقيين لإبعاد العراق عن حافة الهاوية، فتراها تبث الشائعات وتحرض العراقيين على بعضهم البعض وتشكك بكل خطوة اصلاحية مهما كانت مهمة وجادة.
على الرغم من كل محاولات التحالف الامريكي الصهيوني السعودي واذنابهم في الداخل، فلول البعث وايتام صدام والدواعش، لدفع الاوضاع في العراق نحو الفوضى، نرى ان الشارع العراقي أدار لهم ظهره ، وحافظ المتظاهرون على سلمية تظاهرهم، لاسيما بعد ان اوصل المتظاهرون مطالبهم وبشكل واضح للمسؤولين الذين بدأوا ولاول مرة في التجاوب معها وبشكل لافت، وهي مطالب كانت قد اكدت عليها المرجعية الدينية من قبل، ولكن للاسف الشديد لم تجد تجوبا من قبل الحكومات المتعاقبة.
خلال الساعات الـ24 الماضية اطلقت ثلاث قوى مؤثرة على الساحة العراقية مواقفها والتي جاءت متقاربة، اكدت جميعها على ضرورة ايجاد حل عاجل يحقق للمتظاهرين مطالبهم ويحمي العراق من الانزلاق نحو الفوضى، فمن مدينة كربلاء المقدسة حذر المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني من التدخلات الدولية والاطراف الاقليمية ومصادرة ارادة العراقيين، داعيا الى احترام ارادة الشعب في تحديد النظام السياسي والتعاون في تحقيق الاستقرار، منددا بأعمال التخريب التي طالت الممتلكات العامة والخاصة، من جانبه وجه الحشد الشعبي رسالة إلى المتظاهرين اكد فيها وقوفه مع المتظاهرين ودعم مطالبهم المحقة وشعاراتهم الوطنية ، محذرا من إرادات اجنبية وعناصر دخيلة واهواء سياسية تتربص بالتظاهرات وتدفع العراق نحو حافة الهاوية، اما رئيس تحالف “الفتح” السيد هادي العامري، فتطرق الى تفاصيل ما يعتبره حلولا جذرية لما يعانيه العراق، حيث رأى ان الحل الحقيقي يكمن في ضرورة اعادة صياغة العملية السياسية من جديد تحت سقف الدستور ومن خلال اجراء تعديلات دستورية جوهرية، معتبرا النظام البرلماني ثبت فشله ولم يعد يجدي نفعا ولا بد من تعديله الى نظام آخر يناسب حال العراقيين ، كما دعا الى إلغاء مجالس المحافظات وان يكون انتخاب المحافظ مباشرة من قبل الشعب.
وعلى صعيد تنفيذ الاصلاحات وتوجيهات المرجعية الدينية العليا، أعلن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، عن إلتزامه الكامل بالخارطة التي وضعتها المرجعية بشأن مطالب المتظاهرين، مؤكدا أن مجلس النواب سيكون في حالة انعقاد دائم للإسراع بتنفيذها، فيما تعهد بتحقيق مطالب الشعب دون ضغط خارجي ودون فرض إرادات شخصية أو حزبية.
وفي ذات الصعيد ، اعلنت هيئة النزاهة في العراق عن صدور أوامر قبض واستقدام بحق وزير وخمسة نواب حاليين ووزيرين سابقين و38 عضو مجلس محافظة من الأعضاء الحاليين والسابقين، ومحافظ واحد واثنين بمنصب رئيس مجلس محافظة من الحاليين، فضلاً عن (6) مدراء عامين ووكيل وزير واحد.
اما الاخبار التي تتسرب من وراء كواليس ما يجري بشأن مستقبل حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، فتؤكد ان هناك قنوات مفتوحة ونشطة بين تحالفي “فتح” و”سائرون” للتوصل الى صيغة تحول دون ادخال البلاد في فراغ يمكن ان يعقد الاوضاع اكثر مما هي معقدة، ويبدو ان استقالة عبدالمهدي اصبحت من الماضي.
وفي المقابل، يبدو ان اخبار التعاطي الايجابي للحكومة والقوى المؤثرة مع مطالب الشعب لم ترق للجهات التي تدفع بالتظاهرات نحو الفوضى ، فخلال الساعات القليلة الماضية ، حذر ناشطون، من قيام الذباب الالكتروني التابع للسفارة الامريكية إطلاق إشاعة تتهم القوات الامنية بارتكاب “مجزرة” على جسر السنك، لافتين الى أن هدف ذلك هو تأجيج روح الانتقام لدى الشباب المتظاهرين ودفعهم للثأر من القوات الأمنية وتفجير الأوضاع.
وفي ذات السياق الانتقامي من المتظاهرين السلميين وتعكير صفو الاجواء ، اعلنت مديرية الحشد الشعبي عن استشهاد احد كوادر طبابة الحشد الشعبي في قضاء الشطرة التابعة لمحاظة الناصرية ، الشهيد فالح جابر ابو سجاد، الذي تعرض لاطلاق نارمن قبل عناصر مندسة في التظاهرات التي حدثت في القضاء.
ان الاوضاع الخطيرة التي يمر بها العراق حاليا تضع العراق ، حكومة وشعبا امام مسؤولياتهم التاريخية، والتي تحكم عليهم التعامل بحذر وحكمة وحنكة ، يفوت الفرصة على المتربصين بالعراق واهله الدوائر، ولكن لا يجب ان يحول هذا الحذر دون استمرار المتظاهرين بالضغط على الحكومة لتحقيق مطالبهم الحقة، كما لا يجب ان يحول دون تنفيذ الحكومة وعودها بالاصلاح الفوري والعاجل ومكافحة الفساد والفاسدين.
من جانب آخر أصدرت الخارجية الامريكية بيانا تدخليا بشأن احداث العراق دعت فيه الحكومة العراقية الى ما أسمته “الاستماع الى مطالب المتظاهرين وتخفيف القيود المتشددة المفروضة على حرية الصحافة والتعبير”.
وزعم البيان بأن التحقيق الذي أجرته الحكومة في أحداث العنف في أوائل تشرين الاول يفتقر الى المصداقية الكافية”.
وقال وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في بيان له، أمس الأول ان “واشنطن تراقب الوضع عن كثب ومنذ البداية”، داعيا “جميع الأطراف إلى نبذ العنف الذي رافق التظاهرات الاخيرة” حسب تعبيره.
وتابع “مع بدء الجهود التي أعلنها الرئيس برهم صالح، يجب تخفيف القيود الشديدة المفروضة مؤخرا على حرية الصحافة والتعبير”.
وبين ان “حكومة الولايات المتحدة تواصل دعمها للمؤسسات العراقية والشعب العراقي وأمن العراق واستقراره وسيادته”حسب تعبير البيان، إلا ان التجارب السابقة ثبتت بأن الدعم الامريكي يساوي التدخل فيما يخدم مصالحها بغض النظر عن مصالح تلك الدولة والشعب وهناك العديد من الادلة التي تؤيد هذا الموضوع.
وكانت المرجعية في العراق قد طالبت يوم أمس الأول في صلاة الجمعة الاطراف الاقليمية والدولية عدم التدخل في الشأن العراقي والازمة الحالية التي يمر بها البلد.