الاتجار بالبشر أو الاتجار بالأشخاص ، هو بيع وشراء البشر، بخاصة الأطفال ، ويعتبر تجنيد المقاتلين مقابل الأموال من أبشع صور الإتجار الذي يصنّفه القانون الدولي ضمن المحظورات ، وتعتبر مشاركة الجيش السوداني في الحرب على اليمن من أكبر الإدانات الفضائحية لتحالف العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي ، ذلك أن إرسال أكثر من ثلاثين ألف سوداني للقتال كمرتزقة لصالح النظامين الإماراتي والسعودي في عدوانهما على اليمن ، كان بموجب عقود وصفقات بيع وتأجير ألوف السودانيين لصالح أمراء وملوك الإمارات ، وما كشف عنه المتحدث الرسمي للقوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع من أن خسائر الجيش السوداني المشارك بالعدوان على اليمن خطير يؤكد مدى إجرام السلطات السودانية في الزج بأبناء السودان كمرتزقة للسعودية والإمارات مقابل الأموال ولا غير ذلك.
اليوم وبعد خمس سنوات من الحرب بلغت حصيلة القتلى من مرتزقة الجيش السوداني ما يقارب ثمانية آلاف قتيل ومصاب ومفقود منهم أربعة آلاف و253 قتيلاً ، هذا الرقم الذي كشفه المتحدث الرسمي للقوات المسلحة اليمنية ، يخفيه المجلس العسكري السوداني عن السودانيين ويُصرّ على استمرار تواجد السودانيين في العدوان على اليمن.
لا تمثل اليمن أي تهديد على أمن السودان، ولم يشهد التاريخ تنفيذ أي هجمات يمنية على السودان، لذلك لم يشعر السودانيون بخطر تجاه أمنهم إلا بالمشاركة الفعلية في العدوان على اليمن طيلة خمس سنوات ، وعلى السودانيين أن يضغطوا على حكومتهم اليوم بإيقاف هذا النزيف العبثي ، فكرامة السودانيين أغلى من الدولارات السعودية والإماراتية.
الثورة/ عبدالرحمن الأهنومي
السودانيون في اليمن “مقاتلون للإيجار”
لا يدافع السودانيون عن الحرمين الشرفين ، ولا يقاتلون ذوداً عن العقيدة والدين ، ولا عن السنة المهددة ، هم يخوضون معركة فشل فيها الجيش السعودي والإماراتي ، كمرتزقة تم استئجارهم وتأجيرهم بعقود مدفوعة الثمن ، حتى الحقوق الإنسانية لا يحصلون عليها من قبل الضباط السعوديين والإماراتيين ، هذه الحقائق يخفيها برهان وحميدتي عن الشعب السوداني كما فعل البشير قبلهما.
لا يحتاج السودان لأن يكون شريكاً في حروب السطو والسيطرة التي تشنها السعودية والإمارات ضمن طموحات الأميرين المغامرين بن سلمان وبن زايد ، إذ أن أوضاعه وظروفه لا تمكنه من تحمّل مصائر وكُلَفِ الحرب وارتداداتها ، التي يجب أن تتحملها دول العدوان على رأسها السعودية والإمارات ، وفوق هذا وذاك فإن السودان موبوء بحروب داخلية متطاولة حصدت آلاف الأرواح وشردت ملايين، وأقعدت البلد الذي يتمتع بموارد مادية وبشرية كبيرة عن السير في طريق التنمية والازدهار، وهو كذلك يعاني من آفات الحكم الشمولي وما يترتب عليها من فساد وغياب الحريات والتداول السلمي للسلطة، وبالتالي فهو في غنى عن إرسال جنوده للمشاركة في حرب لن تجر عليه سوى مزيدٍ من المآسي والتعقيدات والخسائر.
ثم إن العلاقات التاريخية الممتدة بين الشعبين اليمني والسوداني تميزت بالمحبة الكبيرة والتداخل والمصاهرة وتبادل المنافع ولم يعكّر صفوها أيُّ نوع من العداوات في أيّ وقت من الأوقات، وكان اليمنيون يعرفون السوداني أستاذاً في المدرسة ، أو طبيباً في المشفى ، وبهذا النحو قامت ونشأت العلاقات التاريخية بين شعبين عريقين ، وجاءت مشاركة السودانيين المرتزقة ضمن جيوش العدوان السعودي الإماراتي على اليمن لتترك جراحات وندوباً في مشاعر اليمنيين ، وما عاد السوداني الذي تشكلت صورته في الوجدان مدرساً وطبيباً وحكيماً بتلك الصورة ، إذ صار مرتزقاً ورخيصاً وباغياً ، ولكن المؤمل ألا تتأثر العلاقات الشعبية بالمواقف السياسية المتغيرة للحكومات، وهو ما يتطلب من حكام السودان الإسراع بسحب القوات المشاركة في حرب اليمن في أقرب فرصة من أجل الحفاظ على الروابط الأخوية مع جميع أطياف الشعب اليمني، وحتى لا يسقط الجيش السوداني في مستنقع الحرب الذي لم تسلم منه القوات المصرية التي شاركت في حرب الثماني سنوات وما زالت آثاره ماثلة حتى اليوم.
ما الذي يُبقي السودانيين في اليمن رغم تغيُّر النظام في السودان؟
حين بدأت التحضيرات للعدوان على اليمن في عام 2015، طلب “النظامان السعودي والإماراتي” من كل من مصر وباكستان والمغرب وتركيا وبنجلاديش المشاركة بقوّات عسكرية بريّة، لكنّ طلبهما قوبل بالرفض، حتى أنّ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أعلن وقتها أنّ «الجيش المصري للوطن فقط»، قبل أن يتراجع ويعلن المشاركة رسميًّا بعد ضغوط إماراتية، لكنها مشاركة بعيدة عن تقديم أية قوات برية ، في تلك الأثناء كانت الدول الخليجية التي تشن العدوان على اليمن ، تشارك في العقوبات الاقتصادية على السودان، بموجب قرار أمريكي صدر في العام 2009 ، وتحت شعار الدفاع عن الحرمين والعقيدة والدين قرر البشير مشاركة “بن سلمان ، وبن زايد” في عدوانهما على اليمن وإرسال قوات برية وجوية وبعد يومين فقط وصلت الدفعة الأولى من الجنود السودانيين تضمّ 12000 مرتزق من الجيش السوداني إلى الأراضي السعودية.
يعلم السودانيون أن النظام البائد سعى للمشاركة في العدوان على اليمن من أجل فك طوق العزلة الإقليمية والدولية التي كانت مضروبة عليه ، وحتى تُغدق دول الخليج الأموال عليه وتمنحه فرص البقاء أكثر ، وبعد أن تعثرت الأحلام التي بنى عليها البشير قرار المشاركة في سفك دماء اليمنيين ، سقط مدوياً وأحيل للمحاكمة عقب الاحتجاجات الشعبية الواسعة في السودان ، أُعتقل ، بينما بقي عدد ثلاثين ألف جندي سوداني يؤدون دور البيادق ضمن أدوات الحرب العدوانية السعودية الإماراتية على اليمن ، فالسعودية التي رفضت أواخر عام 2013، السماح لطائرة البشير بعبور مجالها الجوي ، والرياض التي عاقبت الخرطوم عام 2014، بإيقاف تحويلات صرف أكثر من 500 ألف سوداني مقيم في المملكة ، تتعامل مع الجنود السودانيين الذين يدافعون عن حدودها ومواقعها كوقود لحربها العدوانية على اليمن ، وحماة مستأجرين للدفاع عن حدودها وعن مواقع جيشها الذي يعجز عن المهمة ، وبعيداً عن المكاسب السياسية، فإن القوّات السودانية التي تحرس الحدود السعودية، والتي تتعرض باستمرار للقتل ، وتبرز كأكثر القوات المشاركة في العدوان على أرض المعركة، يتعرضون لمقاتل جماعية بشعة بلغ عدد القتلى والمصابين ما يقارب ثمانية آلاف قتيل ومصاب ومفقود منهم أربعة آلاف و253 قتيلاً”، على خلاف ما هو مُعلن.
كم يقبض المجلس العسكري من الأموال الإماراتية والسعودية؟
أما لماذا يستمر المجلس العسكري في الزج بالسودانيين في الحرب التي لا ناقة ولا جمل للسودان فيها ، فقد صرح الفريق أول محمد حمدان دقلو الشهير بـ”حميدتي”، بأن المال الذي يعود على السودان هو السبب ، ودافع حميدتي عن قرار بقاء القوات السودانية بقوله ” إن الأموال المدفوعة من الإمارات والسعودية دخلت البنك المركزي، ولم تدخل في جيب حميدتي أو غيره”، في إشارة إلى مساعدات بمبلغ 3 مليارات دولار أعلن عنها النظامان الإماراتي والسعودي في وقت سابق بينها وديعة في البنك المركزي السوداني بـ500 مليون دولار.
يطمع المجلس العسكري السوداني بالأموال الخليجية ويرسل الجنود إلى الموت ضمن صفقات وعقود هي أشبه بعقود بيع البشر ، ومن خلال الإبقاء على المرتزقة السودانيين في اليمن يحصل المجلس الحاكم في السودان على الأموال السعودية والإماراتية على الرغم من مطالب الثورة السودانية بعودة المقاتلين من الجيش السوداني إلى البلاد ، لكن برهان وحميدتي ينتظران ثلاثة مليارات دولار ثمناً مقبوضاً لحياة ثلاثين ألف جندي سوداني 40 % منهم أطفال قصر يدافعون ويقاتلون كمرتزقة عن الحدود السعودية مع اليمن، حميدتى الذي أعلن ثمن تأجير المقاتلين للنظامين الإماراتي والسعودي ، أخفى عن السودانيين حجم الخسائر الكبيرة في صفوفهم ، ومصير الجثث ومدافنها ، وكذا أعداد الجرحى السودانيين وحتى الأسرى.
وللمفارقة فإن الدعم الذي قدمته السعودية ودول الخليج للسودان الذي يموت جنوده في اليمن بالمئات لم يبلغ عُشر مِعشار ذلك الذي تم تقديمه لمصر التي لم تشارك في الحرب ، وهو ما يشير من ناحية إلى استخفاف تلك الدول بالسودانيين واعتبارهم مرتزقة مستأجرين مقابل أموال معينة ، أي على خلاف مزاعم حميدتي الذي ادّعى الشراكة مع مملكة العدوان السعودية والنظام الإماراتي ، وفي الحقيقة فإن تلك المشاركة لا تعدو كونها عملية مقاولة مدفوعة الأجر.
أقذر المهام وأرخص المرتزقة
من خلال المعطيات الموجودة وأعداد القتلى المرتفع جداً يمكن القول بأن الجنود السودانيين هم من يتكبدون دائماً أكبر الخسائر ويتم الزج بهم في أخطر المناطق ، وأقذر المهام، ويعاملون “باستخفاف كبير”، حتى الأسرى لا يريد الجانب السعودي الإشارة إليهم ، حدث وأن رفض السعوديون استلام عشرات الجثث للجنود السودانيين وردوا بالحرف الواحد دعوهم للشمس ، ومع ذلك هم مستمرون في حماية الحدود الملكية السعودية ، مستمرون أيضا في حماية الجنود الإماراتيين المتمركزين في قواعد عسكرية أنشأتها الإمارات في العند وعدن وفي الساحل الغربي ، مستمرون مع أنه يتم التعامل معهم كبيادق رخيصة جداً.
يتواجد المرتزقة من الجيش السوداني في عدد من المحاور ، ويشاركون في صفوف تحالف العدوان السعودي الإماراتي على اليمن ، منذ مارس 2015م ، بقوة يصل تعدادها إلى ثلاثين ألف مقاتل، وفق حديث علني أدلى به قائد التدخل السريع الفريق أول محمد حمدان حميدتي نائب رئيس المجلس العسكري.، 40 % من هذا العدد أطفال بين الثامنة عشرة والثالثة عشرة من العمر حسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
تتمركز عدد من الألوية في الجبهات الشمالية وتحديداً في محاور نجران وجيزان وعسير لحماية الحدود السعودية ، يعملون كمرتزقة يتبعون النظام السعودي ، فاللواء الثاني حزم الذي قُتل وأُصيب المئات من منتسبيه في مقتلة مشهورة بمقبرة الجيش السوداني في صحراء ميدي ، تم استبداله بما يسمى اللواء الرابع حزم ، ويوجد اللواء السادس حزم أيضا في محور جيزان ، فبينما يتواجد اللواء الخامس حزم وقوامه خمسة آلاف جندي من المرتزقة السودانيين في الخوبة ، يتمركز اللواء السادس حزم في صامطة وله انتشار تكتيكي إلى ميدي وغرب حرض وفي منطقة مجازة توجد كتيبتان قوامهما يصل إلى ألفي جندي وفي سقام (نجران) كتيبة يصل قوامها إلى 600جندي.
وفي الساحل الغربي تتواجد ستة ألوية منها اللواء الرابع أشاوس واللواء السادس وهؤلاء يقاتلون كمرتزقة مع النظام الإماراتي , وفي عدن ولحج لواء قوامه ألف جندي وضابط منهم سرية مشاة في رأس عباس وكتيبتان في مطار عدن ومطار بدر وكتيبة بقاعدة العند الجوية.
البنادق المستأجرة لا كرامة لها
يتعامل النظامان السعودي والإماراتي مع السودانيين كما لو أنهم سلع تم شراؤها ، إذ لا كرامة لأي سوداني لدى “السعوديين والإماراتيين” أكان حياً أو ميتاً ، فمن وقع أسيرا وهو سوداني ، يرى الضباط السعوديون أنهم لم يعودوا بحاجته وليسوا معنيين به ، أما من قُتل فإن جثته لا تستحق عناء الدفن ومواراتها الأرض.
خلال زيارة سابقة مع وفد مكون من عدد من الصحفيين ، وصلتُ إلى صحراء ميدي عقب معركة شهيرة قُتل فيها أكثر من مائتي سوداني ، شاهدتُ جثثاً متناثرة في تلك الصحراء المترامية ، سألتُ عن بقايا الجثث المكومة على بعضها ، أُجيب بأنها لمقاتلين سودانيين قُتلوا أثناء المعركة التي حدثت قبل يومين من الزيارة ، وأكد لي مقاتلون من الجيش واللجان الشعبية أنه عادة ما يرفض الضباط السعوديون استلام جثث للسودانيين ، حدث وأن عرضت اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى على الجانب السعودي عدداً من جثث الجنود (السودانيين) خلال لقاءات تفاوضية معهم ، وتسليم الجثث عبر الأمم المتحدة في مقابل أن يسلموا عدداً من جثامين شهداء الجيش واللجان الشعبية فرفضوا ذلك ، مطالبين بجثث جنودهم فقط.
انتشر سؤال في وقت سابق ، مفاده :أين يُدفن السودانيون الذين يُقتلون في معارك اليمن؟ ؛ وانتشرت إجابة شعبوية على السؤال؛ مفادها أن السودانيين “يُبقعون” أي تذهب أرواحهم إلى البقيع ، اعتقد السودانيون أن المعنى هو “يدفنون في البقيع” ، وفي الحقيقة فإن غالبيتهم دفنوا في مسرح المعارك ، حيث يقوم أبطال الجيش واللجان الشعبية بمواراة جثثهم الثرى ودفنهم انطلاقاً من مبدأ ” كرامة الإنسان الميت دفنه” ، فهؤلاء السودانيون الذين أرخصوا أنفسهم أحياء لدى النظامين السعودي والإماراتي فقاتلوا وقُتلوا في معاركهما ، هم أرخص موتاً لديه.
اسحبوا جنودكم
يعي السودانيون أن استمرار جنودهم في اليمن سيسبب مخاطر جمة عليهم ، فلا ناقة ولا جمل للسودان في الحرب على اليمن واليمنيين ، أما ونحن نتحدث عن مقتل وإصابة أكثر من ثمانية ألف سوداني فالمتوجب اليوم على كل سوداني أن يرفع صوته لمطالبة المجلس الحاكم بسحب المقاتلين فوراً وإعادتهم إلى بلدهم ، والسؤال المطروح كم المبالغ التي سبق وأن تسلمها المجلس العسكري مما هو موعود له ثمناً لأبناء السودان الذين يقاتلون كمرتزقة لدى “السعودية والإمارات”؟ ، وما الذي استفاده السودانيون مما استلمه وهو قليل جداً؟