هل تفتح أبوظبي قناة التفاوض مع صنعاء لتأمين منشآتها الحيوية..الإمارات الخائفة..

تنامي القدرات العسكرية اليمنية وخذلان الحليف الأمريكي أمام طهران يوقفان سياسة التهور الإماراتية في اليمن والمنطقة

 

 

الثورة/ابراهيم الوادعي

للمرة الأولى صوت الإمارات خافت في التحالف السعودي الذي تقوده وترعاه الولايات المتحدة الامريكية للعدوان على اليمن وحصاره منذ خمسة أعوام ، بل وتغرد خارج السرب الذي تمضي فيه الرياض بدفع من إدارة ترامب لخلق الذرائع لنقض اتفاق السويد ، واطلاق جولة جديدة من القتال في الحديدة لمحاول السيطرة على المدينة والميناء .
في خضم مشهد التصعيد السعودي لمعركة الحديدة تعيد أبوظبي التأكيد خلال لقاء أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية مع المبعوث الاممي إلى اليمن مارتن غريفث على الالتزام والحفاظ على اتفاق السويد والحل السياسي في اليمن .
وقرقاش وهو من صقور إدارة أبوظبي والمتحمسين لاستمرار الحرب على اليمن عادة مايعكس رغبة حكام أبو ظبي واتجاه بوصلتهم تصعيدا أو تهدئة.
يشير محللون إلى أن ثمة انعطافه بدأت تظهر على السياسة الإماراتية الإقليمية فرضتها بدرجة كبيرة التطورات المرتبطة بحرب اليمن وتحول الحرب هناك باتجاهين بعد ان كانت لاعوام أربعة في اتجاه واحد اتخذت فيها صنعاء موقع الدفاع بدرجة رئيسية .
في ديسمبر 2017م تعرض موقع المحطة النووية الإماراتية في ابوظبي إلى قصف بصاروخ كروز، وخلال العام 2018م قصفت طائرات يمنية مسيرة مطاري أبو ظبي ودبي ثلاث مرات.
وإذ كانت الامارات اعتمدت سياسة التكتم ازاء تلك الهجمات المتفرقة على مدى عام ونصف الهجمات على مطاراتها ومنشآتها الحيوية فإن ذلك لم يعد ممكنا بعدما نشرت صنعاء صورا للهجوم على مطار أبو ظبي من كاميرات المطار وليس من كاميرا الطائرة المسيرة ، ولذلك مدلوله العميق في ان الامارات دولة مخترقة على عكس ما يتباهى حكامها ، وسياسة التكتم لن تكون مجدية أو ذات نفع حين تتعرض الامارات لهجمات يومية على شاكلة ما يتعرض له الحليف السعودي والذي لم يجد بدا من الاعتراف والتأوه ألما.
وللإشارة هنا فتعطيل الملاحة في مطار دبي لنحو ساعة وفقا لمصادر في طيران الامارات يكلف الشركة نحو 500 الف دولار ، ناهيك عن خسائر مالية تلحق بالمطار وشركات الطيران الأخرى ، ومشاكل تتعلق بالمطار الذي يعد من أكبر المطارات العالمية .
مع تحول الهجمات الجوية على المنشآت الحيوية السعودية في جنوب المملكة إلى خبر يومي وعجز تقنيات الدفاع الامريكي الاحدث من باتريوت وباتريوت باك3وثاد ومنظومة القبة الإسرائيلية عن صد تلك الهجمات ، تنامى القلق الإماراتي وأدركت الإمارات ان تهديدا حقيقيا يطرق ابوابها ، وسائل اعلام ذكرت بأن حاكم دبي محمد بن راشد بات يدفع إلى الخروج من المستنقع في اليمن قبل ان تتطور الاحداث بما لا تحمد عقباه ، ونقلت تسريبات إعلامية عنه قوله غاضبا في اجتماع: من يقدر على تصوير المطارات والمنشآت الحيوية لدينا قادر على ضربها ويجب إلا نصل إلى هذه المرحلة .
الرجل الثاني في الإمارات لم يأت بجديد ، فمحمد عبد السلام رئيس الوفد الوطني المفاوض حذر الإمارات في وقت سابق وتوعدها بعمليات لا تستطيع تحملها أو كتمانها، وهو جر ببراعة فضيحة لحكام أبو ظبي الذين أنكروا تعرض مطار أبو ظبي لهجوم الطيران اليمني المسير ، وتطوع أنور قرقاش للهجوم على عبدالسلام حينها قبل ان يتبين في ظرف شهور عدة، صدق كلام المفاوض اليمني وكذب الوزير الاماراتي وحكومة ابوظبي بشأن وقوع الهجوم على مطار ابوظبي ، ويجد الوزير قرقاش نفسه في موقف محرج إعلاميا .
تدرك أبوظبي انطلاقا من تصريحات امريكية بأن صنعاء أحرزت تقدما تكنولوجيا لم يكن متوفرا لدى صناعاتها العسكرية قبل عام من الآن ، والاعتقاد بأن المسافة الطويلة بين اليمن والامارات عامل معيق أو مؤثر اضحى وراء ظهور اليمنيين ، وهذا التطور العسكري اليمني انعكس في ارتفاع منسوب القلق الاماراتي وعلو صوت حاكم دبي القلق والأكثر إدراكا من غيره بان تعرض دبي لهجمات كالتي تتعرض لها السعودية كفيل بالقضاء على كل ما بني من ازدهار اقتصادي في عقود.
التخلي عن سياسة التهور في الحروب والعسكرة التي صبغت السياسة الخارجية الاماراتية فرضها بالدرجة الأولى تنامي قدرات الخصم العسكرية والتخوف من ارتدادات ذلك على الدولة الهشة اقتصاديا وسياسيا مقارنة بالحليف السعودي ، لكن ثمة عامل آخر فرض هذه الانعطافه وسرع منها وهو التطورات المتعلقة بالتصعيد الأمريكي مع إيران ، وإظهار الأخيرة عزمها وقدرتها على الرد في مقابل خذلان واشنطن لحلفائها والتخلي عنهم وأوار الحرب لم ينشب بعد .
تردد الإدارة الأمريكية وعجزها عن اطلاق حرب ضد إيران رغم كل الأموال الخليجية التي دفعت لقاء تلك الحرب، مثل امام حكام الإمارات اختبارا حقيقيا عما يمكن ان يسوء الحال اليه فيما لو تركوا لوحدهم بوجه ايران القوية وفيما لو نشبت الحرب بين إيران وأمريكا وهي لن تكون حربا خاطفة بالتأكيد وستكون الإمارات احدى ساحاتها بل من اهم ساحاتها.
حادث الفجيرة واستهداف ناقلات نفط فارغة تسبب في تحويل شركات نفطية عالمية وجهاتها لشحن النفط بعيدا عن ميناء الفجيرة ، ولاريب ان استهداف ناقلتي نفط في بحر عمان لاحقا قد ضاعف من خسائر السوق الإماراتية لبيع النفط ، وأدى التصعيد في منطقة مضيق هرمز إلى عزوف العديد من الشركات النفطية بعد أن كانت السوق الإماراتية وجهتها الأولى ،والحال عينه بالنسبة إلى شركات الطيران العالمية ودبي كوجهة ترانزيت دولية.
تغريدات ضاحي خلفان رئيس شرطة دبي السابق، وعبد الخالق عبد الله المستشار لدى محمد بن زايد يهاجمان فيها الولايات المتحدة، بأنها تستأسد فقط على الدول الضعيفة و “حمل” وديع امام الدول القوية، واتهامهم الإدارة الامريكية بالتردد وتدفع بحلفائها إلى الهاوية ، مثلت مواقف صادمه تخرج عن دولة الامارات وتعكس حجم قلقها وارتباكها الكبيرين، فالرجلان مقربان جدا من حاكم أبو ظبي الفعلي محمد بن زايد وحاكم دبي محمد بن راشد رئيس وزراء الامارات.
الانعطافة الإماراتية لا يمكن ان تتم سريعا فالإمارات شأنها شأن كل دول الخليج رهنت قرارها لدى الإدارات الامريكية المتعاقبة ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية ، ووقوف هذه الدول أخيرا على حقيقة ان أمريكا لا تولي حلفائها قيمة ويمكن أن تتخلى عنهم ليس جديدا ، ليس بالاكتشاف المثير أو الجديد ولهذه الدول الخليجية تجربة فعلية في الحرب العراقية الإيرانية حين تخلت أمركيا في عهد الرئيس كارتر عن حماية ناقلات النفط الخليجية بعد تعرض اسطول الولايات المتحدة لخسائر وهجمات في الخليج إبان الحرب العراقية الايرانية أو ما تسمى حرب الخليج الأولى ليس بعيدا.
تنامي الغزل الإماراتي لموسكو والحديث عن توجيه دعوة لروسيا للتدخل وخفض التصعيد مع إيران لن يكون بمعزل عن قبول شروط محور المقاومة وصنعاء اليوم جزء اصيل من هذا المحور الذي يقاتل الولايات المتحدة ويقف بوجه اطماعها ، والتحلل من حروب تورطت فيها أبو ظبي في المنطقة بمحض ارادتها وعاجزة اليوم عن الخروج منها بضغط الحليف الأمريكي.
قد يكون ابن سلمان قرر المضي إلى النهاية وراء إدارة ترامب أو لا يملك خيارا آخر للوصول إلى العرش السعودي ، وهو ما لا يعاني منه حكام الامارات ، لكن اقتصاد الامارات هش وقائم على جلب الاستثمارات والبيئة الآمنة لن يحتمل خضات كالتي يتعرض لها الاقتصاد السعودي الذي يستند إلى سبع ملايين برميل من النفط يضخها يوميا إلى العالم..
لن يكون في مقدور الإمارات سماع دوي انفجارات أكبر مما سمعته في ميناء الفجيرة أو أن يتحمل اقتصادها مزيدا من الخضات، تقول صنعاء أنها طورت أسلحة اعلى تكنولوجية وفتكا والكشف عنها سيعد مفاجئة بحد ذاته وبعضها يطال كيان العدو الصهيوني بحسب تسريبات صحافية.
لأربع سنوات كسبت صنعاء الوقت فطورت قدراتها العسكرية، وبعد خمس سنوات من العدوان على اليمن، دارت لعبة الوقت ووصلت إلى أبو ظبي، وتقول واشنطن بوست أنها بصدد الخروج من اليمن في ضوء انباء عن تقليص تواجدها في اليمن ، فهل تتخذ القرار الصائب ..
سيكون على الإمارات فتح قناة للتفاوض مع صنعاء ليس اقله إعلان الانسحاب من تحالف العدوان على اليمن والاقرار بخطأ الحرب على اليمن وتحمل كلفة التعويضات ،وذلك يظل اقل كلفة من لملمة الزجاج المتناثر من ناطحات السحاب ..

قد يعجبك ايضا