عواصم/ وكالات
ذكرت قناة “العربية” السعودية أن وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، “ثامر السبهان” قام يوم الخميس الماضي بزيارة مفاجئة لسوريا، وعقد لقاءات مهمة مع مسؤولين أمريكيين ووجهاء في العشائر العربية والكردية بمحافظة دير الزور شرقي سوريا بهدف تقديم دعم إضافي لـ”قوات سوريا الديمقراطية”.
وكشفت “العربية” أيضاً، أن حقل “العمر” النفطي في محافظة دير الزور شرقي سوريا استضاف اجتماعاً ضمّ كلّاً من السبهان، ونائب وزير الخارجية الأمريكي، “جويل رابيون”، والمستشار الرئيسي لقوات التحالف الدولي، “ويليام روباك”، وعدداً من شيوخ ووجهاء وإداريين من قبائل ومجالس المنطقة.
من جانب آخر، قال الممثل السياسي لتجمّع أحرار الشرقية التابع للمعارضة السورية “زياد الخلف”: إن السبهان جاء لينقذ حلفاءه في سوريا الممثلين بقوات سوريا الديمقراطية بعد موجة المظاهرات التي شهدتها مناطق سيطرتها في ريف دير الزور.
وأضاف “الخلف”: إن المسؤول السعودي قدّم مبالغ مالية إلى ممثلين عن العشائر في المنطقة لإقناعهم بدعم نفوذ “قوات سوريا الديمقراطية”، إن هذه الخطوات السعودية المفاجئة جاءت من أجل توجيه ضربة موجعة للجانب التركي الذي بذل خلال الفترة الماضية الكثير من الجهود لتأمين حدوده القريبة من سوريا.
لقد ارتفعت حدّة الخلافات والنزاعات بين القوى الديمقراطية السورية التي تتلقّى الكثير من الدعم من أمريكا والقبائل العربية التي تعيش في محافظة دير الزور منذ أواخر العام الماضي، وتشهد مناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية في ريف دير الزور احتجاجات مناوئة لها، منذ أسابيع، ولكن الاحتجاجات الأخيرة هي الأعلى صوتاً منذ سيطرة “قسد” على المنطقة عام 2017م.
وكانت مناطق نفوذ الأكراد في شمالي شرق سوريا تشكّل لوحة عرقية دينية، حيث يقطن في محافظات الرقة والحسكة ودير الزور مكوّنات عربية وكردية وسريانية، وتسبّبت الحرب الدائرة منذ ثماني سنوات بالكثير من الفوضى والتوترات بين هذه المكونات، وهو ما يسعى تنظيم داعش وأطراف أخرى إلى استغلاله، لا سيما بعد طرد التنظيم من آخر معاقله.
وأطلقت قوات سوريا الديمقراطية، ذات الأغلبية الكردية والقوة الشريكة لأمريكا حملتها على المنطقة الأخيرة من الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم، منذ العام الماضي.
ويقول الصحفي “محمد حسان”، إن المظاهرات كانت متوقّعة من الجميع مع تزايد انتهاكات قوات سوريا الديمقراطية وأجهزتها الأمنية ضد المدنيين بحجة التبعية لتنظيم الدولة، حيث تم العثور على جثث العديد منهم في أماكن مختلفة، وكانوا قد قتلوا تحت التعذيب، وأما السبب الأبرز فهو التفرقة وسيطرة المكوّن الكردي على كل شيء، وسوء الوضع المعيشي والخدمي، وفشل المجالس المحلية التي أسستها القوات الكردية في خدمة المنطقة بشكل عام.
وقد تصدّت القوات الكردية للمظاهرات وفرّقتها بإطلاق الرصاص الحي على المحتجين، وكذلك نفذّت حملات اعتقال في البلدات التي تشهد مظاهرات خاصة بلدات عشيرة الشعيطات التي تعتبر أكبر الخاسرين في الحرب على تنظيم داعش.
من جهته قال “عمر أبو ليلى”، إن المدنيين باتوا يتخوّفون بشكل كبير من المستقبل عموماً، ومستقبل المنطقة خصوصاً بفعل تصرفات قوات سوريا الديمقراطية، وعلاقتها مع النظام ومحاولة عقد اتفاق يعيد النظام للمنطقة ويؤكد “أبو ليلى” أن المظاهرات تتسع باستمرار رغم محاولة القيادات العربية ضمن القوات الكردية وأدها من خلال تقديم رشاوى مالية ضخمة لوجهاء بعض العشائر ووجهاء المنطقة، رغم أن المظاهرات خرجت بشكل عفوي للمطالبة بمطالب محقة.
وفي سياق متصل، أفادت العديد من المصادر الإخبارية، بأن تركيا تحرّكت باتجاه العشائر العربية التي تعتبر الركيزة الأساسية لمناطق شرقي سوريا، من أجل جعلها حليفاً لأنقرة والعمل على تشكيل قوة عسكرية من أبناء العشائر لتسلّم زمام الأمور شرق الفرات ومنبج، إذا تم التوصل لاتفاق مع أمريكا بخصوص المنطقة الآمنة، وفي المقابل عملت قوات سوريا الديمقراطية على الوتر ذاته، وحاولت توجيه رسالة لتركيا من خلال المؤتمر الذي عقدته قبل أيام في بلدة عين عيسى بريف الرقة، ودعت إليه عشائر شرق الفرات من أجل قطع الطريق على تركيا، وهي محاولة تشبه تماماً محاولة تنظيم داعش سابقاً ضمّ العشائر لصفوفه وحشدها.
قرّر الرئيس الأمريكي “ترامب” قبل عدة أشهر الانسحاب السريع للقوات الأمريكية من شمال سوريا وذلك في أعقاب حدوث الكثير من الاعتراضات الداخلية والإقليمية على وجود تلك القوات في سوريا ولكن البيت الأبيض عاد مرة أخرى وصرّح بأن أنقرة تشكّل تهديداً على الاكراد السوريين، وكشف بأن القوات الأمريكية لن تغادر تلك المناطق.
إن هذا التراجع الأمريكي يؤكد أن قادة أمريكا يبذلون الكثير من الجهود لتقسيم سوريا بما يتماشى مع مصالح الكيان الصهيوني، ولكي تستمر التوترات في المنطقة، وكذلك من أجل الحفاظ على ورقة قد تساعدهم على ممارسة المزيد من الضغوطات على الجانب التركي.
وحول هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الإخبارية بأن البيت الأبيض، أكد خلال الفترة الماضية على ضرورة انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، وذلك من أجل إجبار الدول العربية المعارضة لخطة الانسحاب تلك وتمويل الوجود العسكري الأمريكي في سوريا. ومع ذلك، فإن وجود التنافس بين السعودية ومحور الإخوان المسلمين في المنطقة بقيادة تركيا، وكذلك غضب الرياض من كيفية تعامل أنقرة مع قضية مقتل الصحفي السعودي المعارض “جمال خاشقجي”، قد دفع الرياض إلى العمل بشكل أكثر فعالية لدعم الأكراد السوريين. وهنا يمكن القول بأن أمريكا سعت خلال الفترة الماضية، وبالاستعانة بأموال سعودية وإماراتية، إلى إشعال فتيل الخلافات والنزاعات بين القبائل العربية القاطنة في هذه المناطق من سوريا وبين القوات الكردية.
وفي ظل هذه الظروف التي تعيش فيها المناطق الشمالية من سوريا وتحوّلها إلى ساحة تنافس بين تركيا وحلفاء أمريكا الإقليميين، ينبغي القول بأن الفترة القادمة سوف تشهد العلاقات بين أنقرة وواشنطن المزيد من التوترات.