جهود حثيثة من قبل القيادة السياسية والثورية للتوسع في زراعة القمح
التوجه الجاد نحو الزراعة يمثل مرتكزاً رئيسياً للتنمية في اليمن
الثورة/أحمد المالكي
لا شك أن من مرتكزات التنمية الاقتصادية الرئيسية في اليمن هو التوجه العملي والجاد نحو تطوير تنمية الزراعة وتطوير منهجية تحديثية مبنية على أسس علمية وتاريخية من التراث الزراعي الغني لليمن واليمنيين عبر التاريخ الطويل؛ كون اليمن بلداً يتمتع بمقومات زراعية نهضوية كثيرة ومتعددة ومتاحة أيضاً كتعدد المناخ وتنوع التربة والمياه عن طريق استغلال مواسم الأمطار، وترشيد استهلاك المياه الجوفية، وما إلى ذلك من سياسات وإمكانيات زراعية طبيعية وبشرية يمكن من خلالها بناء نهضة زراعية حقيقية لتحقيق الاكتفاء الذاتي، حيث لا بد من إيجاد السياسات الزراعية التي يمكن أن تعود باليمن إلى سالف الأزمان الذي نعت فيه وسمي بـ”اليمن السعيد” نسبة إلى الغنى الزراعي آنذاك.. ولا شك أن من أبرز الاحتياجات الغذائية التي يمكن الاعتماد عليها وتوفيرها عن طريق الزراعة هو القمح، ولأهمية هذا الجانب الاستراتيجي، فقد ركز السيد القائد في محاضرته الرمضانية الـ(11) على عدة محاور، أبرزها التوجه والاهتمام بزراعة القمح لتحقيق الاكتفاء الذاتي، فإلى التفاصيل:
حيث قال قائد الثورة: إن التركيز على أشياء مهمة جداً في العملية الزراعية، كإنتاج القمح والعناية بزراعة القمح، يفترض أن تكون مسألة مهمة جداً عند المزارعين وعند الدولة وفي الوعي العام؛ لأنها مسألة استراتيجية وأساسية، وكثير من البلدان تحرص على أن تمتلك الاكتفاء الذاتي فيها، وأن لا تكون تلك الأشياء الأساسية مستوردة من الخارج، في ظل ما تواجهه أمتنا من أخطار، من أعداء سيئين ومجرمين جداً، لدرجة أنهم لا يتحرجون أن يُضايقوا هذا الشعب أو ذاك البلد في معيشته وفي لقمة عيشه.
استيراد
وتستورد اليمن سنوياً نحو 3 ملايين طناً من القمح، وما يقارب 750 ألفاً من الذرة الشامية، وأكثر من 159 ألف طن فول الصويا المستخدم كأعلاف للدواجن، وتقدر تكلفة الاستيراد للحبوب بمليار و800 مليون دولار سنوياً، الأمر الذي يوجب الانتقال تدريجياً من الاستيراد إلى الإنتاج، ومما لا شك فيه أن هناك تفاصيل كثيرة تعكس جور الوصاية الخارجية ودور عملاء الخارج في إعاقة أي جهود للتنمية في اليمن.
وبعد العدوان هناك جهود حثيثة من قبل القيادة السياسية والثورية للتوجه نحو التوسع في زراعة القمح، حيث تم إنشاء المؤسسة العامة لتنمية وانتاج الحبوب في يوليو 2016م، ومنذ ذلك الحين فإن مهمة المؤسسة تنصب على التدخل لتخفيض تكاليف الإنتاج من خلال إدخال التقنيات، واستخدام الطرق الزراعية الحديثة.. فإذا وجد المزارع مصدراً للمياه ومكنة حديثة، ووسائل متطورة، ومكافحة متكاملة، ستنخفض تكاليف الإنتاج إلى النصف تقريباً، وستكون تكلفة الإنتاج للمزارع للكيس الواحد من 3000 – 4000 ريال، وبذلك يستطيع المزارع أن يربح وينافس الحبوب المستوردة من الخارج.
مشاريع
لدى المؤسسة بحسب المسؤولين فيها ثلاثة مشاريع في الجوف لدعم المزارعين بالحراثة، وتقوم تلك المشاريع على أساس قيام المؤسسة بحراثة الأرض على أن يقوم المزارع حال الحصاد بسداد ما عليه من أجور الحراثة من محصول الحبوب، كما أن هناك مشروعاً آخر لتقليل تكاليف الإنتاج أطلق عليه مشروع “توفير”، ويهدف المشروع إلى تخفيض تكلفة الإنتاج عن طريق التقليل من تكلفة المحروقات التي يستخدمها المزارع إلى 30 %، وذلك من خلال إيجاد بدائل منها سحب الماء بواسطة تقنية “دينمو وغطاس”، وهذه التقنية تكلف بحدود 700000 – 800000 ريال، تقوم المؤسسة بالتدخل بنسبة 50 %، من قيمة هذه التقنية على أساس أن يعيدها المزارع في شكل محصول حبوب، هذه الخطوة ستقلل تكاليف الإنتاج على المزارع في جانب المحروقات ، حيث سينخفض استهلاك الديزل من 12برميلاً إلى 8 براميل، وهي عملية أولية لتهيئة عمل مشروع الري بالطاقة الشمسية.
وهناك لجنة تابعة للمؤسسة لإعداد دارسة جدوى في محافظة الحديدة، وتجهيز أراضي للقطاع الخاص، ولديها بحدود 10 آلاف هكتار يتم تجهيزها للاستثمار مع القطاع الخاص لزراعة الذرة الشامية.
كما بدأت المؤسسة في تهامة بمحافظة الحديدة باستلام أراضي، وإعداد مساحات كبيرة لتقديمها للمستثمرين من القطاع الخاص بالاشتراك مع المؤسسة، سيما وأن قرار إنشاء المؤسسة خول لها القيام بعمل مشاريع مشتركة مع القطاع الخاص، بحيث لا تتجاوز نسبة مساهمة القطاع الخاص 49 % من رأس مال أي من تلك المشاريع.
تخطيط
وتخطط المؤسسة للبدء بتغطية المحافظتين الرئيسيتين الجوف والحديدة باعتبارهما محافظتين مهيأتين لزراعة الحبوب على نطاق واسع، ثم الانتقال إلى المحافظات الأخرى، كمحافظة ذمار وصعدة وعمران وأجزاء من محافظة إب، وهناك خطط مستقبلية للمؤسسة لزراعة مساحات كبيرة بعدة محاصيل منها: الذرة الشامية والذرة الرفيعة، إلى جانب برامج أخرى لدعم المزارعين بالتقنيات الحديثة.
وتسعى المؤسسة إلى زراعة أراض واسعة في الحديدة لم تستغل من قبل ستتم زراعتها بالذرة الشامية، وصولاً لتحقيق الاكتفاء الذاتي من هذا المحصول، ومن المتوقع أن توفر ما قيمته 165مليون دولار، وهي تكلفة استيراد 750 ألف طن من الذرة الشامية سنوياً من الخارج، وتبدأ خطط المؤسسة بزيادة الإنتاج بحدود 5 % في السنة الأولى 2018م، والسنة الثانية إلى15 %، ولتحقق زيادة خلال العام الحالي والقادم بنسبة 30 %.
محاصيل استراتيجية
ووفقاً لتقرير المستجدات الاقتصادية والاجتماعية الصادر عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي 2018م، فإن الحبوب تعتبر من أهم المحاصيل الاستراتيجية، والمنتج الرئيسي الذي تعتمد عليه الزراعة في اليمن، ويمثل إنتاج القمح ثاني أهم محاصيل الحبوب، حيث احتل المرتبة الثانية (27 %) بعد الذرة عام 2017م، وتشير التقارير الرسمية إلى تدهور إنتاج الحبوب ومنها القمح الذي انخفض تدريجياً من 250,264 طناً عام 2012م إلى 95,651 طناً عام 2017م، بمعدل انخفاض بلغ في المتوسط 16.6 % سنوياً، ويعود ذلك ضمن عوامل أخرى إلى ارتفاع أسعار الوقود وغيره من مدخلات الانتاج وشحة الأمطار، وتذبذب هطولها، وضعف خدمات الارشاد الزراعي، ومحدودية الحافز المالي للمزارعين لزيادة انتاجهم من القمح مقارنة بالمحاصيل النقدية -بالذات القات- التي توفر عائداً أكبر بكثير. ولذلك ارتفعت حصة القات في المساحة المزروعة من 11.3 % عام 2013م إلى 15.4 % عام 2017م مقابل انخفاض حصة القمح في المساحة المزروعة من 9.2 % إلى 5.7 % خلال نفس الفترة، على الرغم من الوضع الحرج لانعدام الأمن الغذائي في البلاد.
وحسب المحافظات، يتركز إنتاج القمح في محافظات الجوف (33.1 %) وإب (15.8 %)، وحضرموت (12 %)، ومأرب (10.9 %)، وذمار (10.8 %)، وشكلت الخمس المحافظات 82.6 % من إجمالي إنتاج القمح في اليمن عام 2017م، وانتجت بقية المحافظات اليمنية 17.4 % من إجمالي الانتاج باستثناء الحديدة والمهرة وعدن التي لا تزرع القمح إنما تزرع أنواعاً أخرى من الحبوب.
أول شحنة
عرف الاقتصاد اليمني القمح منذ زمن طويل، لكن استيراده كان حديثاً نسبياً حيث تلقى اليمن أول شحنة قمح كمنحة من الولايات المتحدة الأمريكية بلغت 14,000 طناً في عام 1959م، تلتها شحنات القمح والدقيق على شكل هبات أو بأسعار رخيصة، وتنامى الاعتماد على القمح والدقيق المستورد لتلبية المتطلبات الاستهلاكية للسكان حتى وصل حوالي 3.4 مليون طن متري عام 2014م.
وفي عام 2015 انخفض القمح المستورد بحوالي 18.1 %، بينما زاد الدقيق المستورد بصورة ملحوظة بلغت 642 % مقارنة بما كان عليه عام 2014م، وبين عامي 2014 و 2016م، انخفض القمح المستورد ب 30.7 %، بينما زاد الدقيق المستورد بـ 472.8 %، وعلى الأرجح أن زيادة استيراد الدقيق جاءت للتعويض عن انخفاض سعة التخزين، وقدرات طحن القمح، وتضرر الموانئ في كل من عدن والحديدة جراء العدوان والحرب الجارية.
كما أن واردات القمح عاودت الارتفاع عام 2017م إلى المستوى الذي كانت عليه تقريباً عام 2014م، وقد يعود ذلك إلى إصلاح مرافق تخزين وطحن الغلال لإحدى الشركات الكبيرة في عدن.
ويستورد اليمن معظم كميات القمح من استراليا وأمريكا وروسيا، ودخل 61.3 % من واردات القمح والدقيق بدون المساعدات الإنسانية إلى اليمن عبر مينائي الصليف والحديدة، و37.2 % عبر ميناء عدن و1.5 %، عبر ميناء المكلا خلال يناير- يوليو 2018م، وتشير البيانات المتاحة إلى ارتفاع واردات القمح والدقيق عبر مينائي الحديدة والصليف من حوالي 2 مليون طن متري عام 2016م إلى 2.5 مليون طن متري عام 2017م بمعدل زيادة 7.2 %، وبلغت حوالي 2 مليون طن متري حتى نوفمبر 2018م.
وتعد واردات القمح والدقيق من أهم السلع غير النفطية المستوردة التي تستنفد النقد الأجنبي حيث شكلت المرتبة الأولى بين أهم ثلاثين سلعة مستوردة عام 2016م، وتمثل ما يقارب ثلث قيمة الواردات الغذائية الزراعية، وشكلت 9.6 % من إجمالي واردات السلع في المتوسط خلال الفترة 2011 – 2016 م، وتقدر فاتورة استيراد القمح والدقيق حالياً بأكثر من 700 مليون دولار سنوياً، ويبلغ عدد مستوردي القمح النشطين حوالي 6 – 7 مستوردين في اليمن مما يعكس حالة الاحتكار التي تسود سوق استيراد القمح.
وواجه المستوردون العديد من الصعوبات بسبب الحصار والقيود التي تتخذها قوى العدوان بما فيها ارتفاع تكلفة التأمين على الشحنات، والتأخير في تصاريح الموانئ، وإجراءات التخليص الجمركي، وانخفاض قدرات الموانئ.
وتعقد الوضع أكثر مع انقسام السلطة النقدية، وعجز البنك المركزي عن تمويل واردات السلع الأساسية بسعر صرف رسمي، وصعوبة الحصول على العملة الصعبة، والوصول إلى الخدمات المصرفية الدولية.
ولتخفيف تلك الصعوبات استأنف البنك المركزي في عدن منذ بداية الربع الأخير من عام 2018م تمويل واردات السلع الاساسية (قمح، ذرة، أرز، سكر، حليب، زيت الطبخ) بسعر صرف رسمي ميسر للمستوردين للحصول على العملة الصعبة وفتح الاعتمادات المستندية، حيث تستغرق إجراءات الموافقة على التمويل 12 يوم عمل.
الفجوة الغذائية
وتعرف الفجوة الغذائية في القمح بأنها الفرق بين الانتاج والاستهلاك المحلي من القمح الذي يتم تغطيته بالاستيراد من الخارج، وتراجع الانتاج المحلي من القمح عام بعد آخر مقابل كبر حجم الطلب الاستهلاكي للسكان الذي يقدر بأكثر من 3 ملايين طن متري سنوياً، وتقدر الاحتياجات الشهرية من واردات القمح ودقيق القمح بحوالي 350,000 طن متري.
وبالتالي، بات اليمن يعتمد على الاستيراد لتلبية أكثر من 95 % من احتياجاته الاستهلاكية من القمح، وفي عام 2017م قدرت الفجوة الغذائية في القمح بحوالي 3.4 مليون طن متري، وقدرت نسبة الاكتفاء الذاتي بحوالي 2.8 % فقط، وأصبح القمح من أهم المحاصيل الغذائية المستوردة بواسطة القطاع التجاري الخاص أو في شكل معونات إنسانية مما يعكس خلالاً جوهرياً في تأمين سلعة القمح الاستراتيجية للمواطن اليمني.
ورغم الجهود التي بذلت لزيادة الرقعة الزراعية إلا أن الفجوة الغذائية لم تجد معالجات مستدامة، وما زالت كبيرة للغاية، وتتسع باستمرار في ظل محدودية الإنتاج المحلي، وتزايد عدد السكان، وتنامي الطلب على الواردات، وهذا يزيد حجم التهديدات التي تواجه الأمن الغذائي في بلاد يقاسي نحو 53 % من سكانها يمثلون 15.9 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد في ديسمبر 2018م، وهذا يستدعي دراسة خيارات السياسات اللازمة لتغيير النمط الاستهلاكي في الوجبة الغذائية وزيادة الانتاج المحلي من القمح.
سعر الصرف
يعتبر القمح من السلع الاستراتيجية التي تؤثر في تقلبات أسعاره بقوة على الحياة المعيشية للمواطنين، ويعد سعر صرف الدولار، وأسعار القمح العالمية ضمن أهم العوامل التي تؤثر على الأسعار المحلية للقمح نظراً للاعتماد الكبير على الاستيراد في تغطية متطلبات الاستهلاك المحلي.
ويظهر أن الاتجاه العام للأسعار المحلية للقمح هو التصاعد المتواصل مما عرض المواطن اليمني لموجات تضخم شديدة في قوته الضروري، فقد بلغ السعر المحلي للقمح ذروته حوالي 296 ريالاً/ كيلو جرام في أكتوبر 2018م مقارنة بحوالي 62 ريالاً/ كيلو جرام في يناير 2015م، بمعدل زيادة 377.4 %، بينما انخفض السعر العالمي للقمح بين هذين الشهرين بحوالي 14.1 %، وبتتبع اتجاهات أسعار القمح المحلية وعلاقتها بأسعار القمح العالمية وسعر الصرف خلال الفترة 2015 – 2018م، يلاحظ ما يلي:
– انخفضت الأسعار العالمية للقمح خلال عامي 2015 – 2016م، لكن الأسعار المحلية كانت في تزايد متأثرة بتداعيات الحرب الجارية على اليمن ومنها: التكاليف الإضافية المرتبطة برسوم التأمين على الاستيراد، وارتفاع تكلفة تحويل المدفوعات للموردين الدوليين عبر شركات الصرافة، وزيادة اجور النقل، وتنامي الأعباء الجمركية والضريبة، مما حرم المواطن اليمني فرص التمتع بوجبات قمح منخفضة التكلفة.
– خلال عامي 2015 – 2016م، ارتفعت أسعار الصرف في السوق الموازي، لكن البنك المركزي كان يمول واردات القمح بسعر صرف رسمي ثابت قدره 214.9 ريال/ دولار قبل أن يرفعه إلى 250 ريالاً/ دولار في مايو 2016م، مما ساهم في تهدئة تقلبات الأسعار المحلية للقمح خلال تلك الفترة.
– صعدت الأسعار المحلية للقمح بمستويات قياسية منذ نوفمبر 2017م وحتى أكتوبر 2018م، وهي مستمرة إلى الآن، متأثرة ليس فقط بتداعيات الحرب الجارية وتقلبات الأسعار العالمية للقمح وإنما أيضاً كان العامل الأكثر تأثيراً هو عجز البنك المركزي عن تمويل واردات القمح بسعر صرف رسمي ثابت وشراء المستوردين العملة الصعبة بسعر الصرف الموازي.
تراجع
– إن ارتفاع سعر الصرف وبالتالي سعر القمح المستورد يفترض من الناحية النظرية على الأقل أن يقود إلى زيادة الجدوى الاقتصادية للإنتاج المحلي من القمح، لكن استجابة الانتاج المحلي كانت عكسية لأسباب منها الارتفاع المصاحب في تكلفة مدخلات الإنتاج ومنها: الديزل، وتدني القروض والتسهيلات المصرفية المقدمة لقطاع الزراعة، والاتكال على المساعدات الغذائية العينية التي ينبغي تحويلها إلى مساعدات أكثر استدامة عبر تخصيص جزء منها لصالح دعم وتحفيز المزارع اليمني على اقتناء أنظمة الطاقة الشمسية، وتطبيق الحزمة المتكاملة لتقنيات الإنتاج الحديثة، ووسائل الري الحديثة، التسميد، مكافحة الآفات الزراعية، استخدام الميكنة في المراحل الإنتاجية.
ووفقاً لدراسة حديثة حول الجدوى الفنية –الاستراتيجية- الاقتصادية لإنتاج القمح نفذتها وزارة الزراعة عام 2016م، تعتبر المنطقة الشرقية والمرتفعات الجبلية (الشمالية والوسطى) أهم المناطق الواعدة لزراعة القمح في البلاد، وتتمتع المنطقة الشرقية على وجه الخصوص والتي تشمل محافظات (مأرب وحضرموت والجوف) بمزايا فريدة عن سواها من المناطق اليمنية مثل: وفرة المياه الجوفية، وقابلية إدخال الميكنة في العمليات الزراعية، مما يؤهلها لزيادة إنتاج القمح بعوائد مجزية إلى 114,000 طن، أي بأكثر من ضعف مستواه الحالي 107.7 % وذلك من دون تغير كبير في المساحة المزروعة 22.4 %، وبالتوازي، تتميز بعض مناطق المرتفعات الجبلية مثل محافظات اب، ذمار، البيضاء، المحويت بتوفر مصادر المياه الجوفية للري، وأمطار غزيرة في مناطق مثل إب، وتنوع طبوغرافية الأراضي بين قيعان واسعة ومدرجات جبلية، إضافة إلى قابلية إنتاج القمح في موسمي الشتاء والصيف، وتمتعها بإنتاجية عالية يمكن أن تبلغ 5 طن للهكتار، ويوجد فرصة غير مستغلة لزيادة إنتاج القمح في المرتفعات الجبلية بحوالي 122.3 % عن مستواه الحالي، بالتزامن مع زيادة المساحة المزروعة بحوالي 27.6 %. وإجمالاً فإنه في حال تطبيق الحزمة المتكاملة لتقنيات الإنتاج الحديثة توجد فرصة كامنة غير مستغلة لزيادة إنتاج القمح في المناطق الواعدة (المناطق الشرقية والمرتفعات الجبلية بمعدل 118.2 % عن مستواه الحالي، أو بكمية إضافية قدرت بحوالي 228,559 طناً، وهذا إن تحقق سيسهم في زيادة نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح في عموم البلاد إلى 12.4 % مقارنة بالنسبة الحالية المقدرة 2.8 %، وستنخفض فاتورة الواردات، وعجز الميزان التجاري في حدود 57 – 69 مليون دولار سنوياً، فضلاً عن توفير كثير من فرص العمل والدخل للأسر الزراعية.
وقدرت الدراسة المذكورة آنفاً إجمالي عائدات إنتاج الهكتار من محصول القمح في القطاع المروي 2700 دولار عام 2016م، بينما قدرت التكلفة الكلية 1750 دولاراً، وبالتالي، بلغ العائد الصافي 950 دولاراً، وكانت نسبة التكاليف إلى العائدات 65 %، وهذه مؤشرات تقريبية تفيد بتوفر جدوى اقتصادية متوسطة في إنتاج القمح، وتشجع على التوسع في زراعته محلياً، ومهما كانت النتائج متواضعة إلا أن القمح يبقى سلعة استراتيجية ترتبط بأمن الوطن واستقلال القرار الوطني، مما يستوجب التعاطي مع الفجوة الغذائية في القمح من منظور استراتيجي واسع على المدى القصير والمتوسط والبعيد، يركز ليس فقط على التوسع الرأسي في زيادة الإنتاجية، ولكن أيضاً التوسع الأفقي في المساحة المزروعة، والتأثير على الأنماط الاستهلاكية، وتعزيز وضع الميزان التجاري الزراعي من خلال زيادة إنتاج وتصدير المحاصيل ذات الميزة النسبية، مع تقليص إنتاج واستهلاك القات الذي يستهلك حوالي 30 % من المياه المستخدمة في الزراعة، وتتمدد زراعته كل عام على حساب المحاصيل الأخرى رغم مخاطرة الصحية والاقتصادية والبيئية، وإعادة توجيه برامج مساعدات المنظمات الإنسانية الدولية بما يراعي دعم وتحفيز المزارع اليمني، ويضمن تنشيط دوره الإنتاجي، وتعزيز مناعته ضد الأزمات، وتحويله من مستهلك للمساعدات الغذائية إلى منتجٍ للمحاصيل الضرورية.
ويوصي المختصون الزراعيون بضرورة اتباع السياسات التالية لتطوير زراعة القمح، والتي من أهمها: رفع الوعي بأهمية تغيير أنماط الاستهلاك الغذائي عبر عمل خلطات بنسب محددة من دقيق القمح مع الحبوب الأخرى المنتجة محلياً مثل الدخن والذرة الرفيعة التي يمكن التوسع في زراعتها خاصة أنها أكثر مقاومة للجفاف من أجل تقليص الدقيق والقمح المستورد، وتخصيص جزء من الطاقة الإنتاجية في مصانع المطاحن لصالح إنتاج الدقيق المركب من الذرة الرفيعة والدخن والقمح بما يسهل تسويق الحبوب المنتجة محلياً ذات بروتين عالي الجودة، وجيدة المذاق، ويحسن منافستها للقمح المستورد، وهذا يستلزم قيام فروع المؤسسة الاقتصادية، أو إنشاء جمعيات تسويق زراعي كوسيط بين منتجي الحبوب مع مصانع المطاحن، وتحفيز أصحاب الأفران على خلط دقيق القمح مع بقية أنواع الحبوب المنتجة محلياً.
إضافة الى أهمية التوسع الرأسي في زراعة الحبوب من خلال إدخال الحزمة المتكاملة لتقنيات الإنتاج الحديثة التي تشمل الأصناف عالية الانتاجية والمقاومة للجفاف، ومكافحة الآفات الزراعية، واستخدام الأسمدة والمبيدات، ووسائل الري الحديثة، والتسميد، والميكنة والبحث العلمي والإرشاد الزراعي.
وكذلك التوسع الأفقي في زراعة القمح والحبوب من خلال تخصيص مساحات زراعية جديدة ملائمة ضمن نطاقات معينة مع تزويدها بأفضل الخدمات، والأهم من كل ذلك وجود توجه حقيقي من أصحاب القرار لرسم سياسات وخطط وبرامج زراعية فعالة تترجم على أرض الواقع، وليس إلى الأدراج للتوسع في زراعة الحبوب وعلى رأسها القمح وتحقيق تنمية زراعية واقتصادية حقيقية تلبي احتياجات السكان وتحقق الاكتفاء الذاتي من الغذاء خارج الهيمنة الخارجية.. موقنون بالنصر المبين الذي نراه قريباً بلا شك يلوح في الأفق.