اشتعال الداخل السعودي
محمد الوجيه
بالحديث عن السعودية اليوم تتزاحم القضايا والمواضيع، السياسة السعودية اليوم غير السياسة السعودية السابقة التي كانت تعمل على نشر الخلافات وزعزعة البلدان العربية والإسلامية من تحت الطاولة، بعكس القيادة الزهايمرية والصبيانية اليوم التي تشتغل علناً لتدمير العالمين العربي والإسلامي، ولا تخجل من شن عدوان مباشر طالما وهي جندي مطيع للإدارتين الأمريكية والصهيونية.
منذ نشأة الدولة السعودية الثالثة في مطلع القرن الماضي والجميع يعرف أنها وجدت بدعم الاستعمار البريطاني، بالتزامن مع قيام الكيان الصهيوني في قلب فلسطين، حتى تكون داعماً ورافداً لهذا الكيان الذي يحلم بإقامة «دولة اسرائيل الكبرى».
اتخذ هذا النظام من العباءة الدينية لباسا له، واستغل منبري الحرمين الشريفين ليخاطب العالم بأنه الوصي على المقدسات الإسلامية والناطق الرسمي والوحيد باسم الإسلام فكان المشروع الإرهابي الوهابي المدعوم من المستعمر الانجليزي منطلقاً لهذه الدولة، فسروا آيات القرآن بحسب هواهم، وكذلك الأحاديث النبوية الشريفة، بالإضافة الى الإضافات التي استحدثها هذا الفكر الوهابي التكفيري وعلى أنها من السنة ويجب اتباعها.
دأبت السعودية وخلال العقود الماضية على ضرب المسلمين فيما بينهم البين، بل زرع الفتن داخل الدولة الواحدة وداخل الأحزاب والقبائل، وبدلاً من ان تصبح البلدان العربية والإسلامية بلداناً منتجة ومصنعة ومتطورة أصبح كل بلد منشغلاً بمشاكله التي يتسبب النظام السعودي بزرعها وتغذيتها بالمال والسلاح وبالفكر الوهابي.
كان يعتقد النظام السعودي أنه سيكون بمنأى عن كل هذه الصراعات، وإن أموال النفط التي يدخرها الأمراء لجيوبهم الخاصة ستكون كالحصن المنيع تمنعهم من القلاقل والاضطرابات، لكن ما في جعبتهم من أوهام تبخرت وأدرك النظام السعودي اليوم انه في مأزق خطير، وخطير جداً يهدد وجوده وبقاءه على هذه الأرض، إذ إن الجرائم التي يرتكبها اليوم لا تغفر ولا يمكن له البقاء وفقاً للشرائع السماوية والقوانين الوضعية والأعراف السياسية والدبلوماسية.
كان العدوان على اليمن بقيادة السعودية قد شكل لهذا النظام السعودي الجديد الضربة القاسية، فبدلاً من تدمير اليمن وعودته الى الحضن السعودي كما كان يعتقد، قوي اليمن وأصبح قوة اقليمية ودولية، بينما الداخل السعودي أصبح مشتعلا.
السعودية اليوم تمر بأسوأ محطاتها، لم تكن السياسة السعودية مفضوحة بهذا الشكل العلني، أي أنها تعلن العداء للعالم العربي والإسلامي وتعلن الصداقة والتحالف مع الكيان الصهيوني بذات الوقت وعلنا، هي اليوم تعتدي بشكل مباشر على اليمن والبحرين، وتعادي دول ما يسمى بمجلس التعاون الخليجي، وتتحالف مع الكيان الصهيوني ضد ايران الإسلامية، وتدخلاتها العدوانية في كل من سوريا ولبنان ومصر وليبيا والجزائر والسودان وكثير من الدول العربية، كل هذه الخطط العدوانية والتدخلات في شؤون البلدان الأخرى جعل من هذا النظام السعودي الجديد نظاماً منكسرة صورته، ومهزوزة أركانه، وأصبح يبحث عمّن يدافع عنه.
اقتصادياً، لأول مرة في تاريخ السعودية تستدين من البنوك الدولية، حتى تغطي نفقة العدوان على اليمن الذي كلفها تريليونات من الدولارات، فصفقات الاسلحة لم تتوقف من معظم دول العالم، وشراء صمت العالم عن جرائم الحرب والإبادة التي يرتكبها النظام السعودي في اليمن أيضاً كلفته مليارات الدولارات، فكان المواطن المسكين والمغلوب على امره هو وقود هذه السياسة الفاشلة، فرضت عليه الضرائب وارتفاع أسعار المشتقات النفطية والمواد الغذائية.
وبنظرة سريعة للداخل السعودي، نجد أن السعودية تعاني الكثير من المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والحقوقية، فالفقر لم يكن بهذه الدرجة من المعاناة بالنسبة للمواطنين، لقد انتشرت صور المواطنين في مملكة بني سعود بكثرة وهم يأكلون من براميل القمامة، البطالة أصبحت في أعلى نسبة لها، حيث أن صراخ وعويل المواطنين اليوم يملأ منصات التواصل الاجتماعي، وأصبحت القنوات الفضائية العربية تسلط الضوء على مشكلة البطالة التي تعاني منها السعودية رغم أنها مملكة عائمة على بحيرة من النفط، وكذلك مشكلة الإسكان التي أرقت المواطن وكل مدخراته يدفعها إيجار، وعايش على حلم حصوله على البيت المجهول، فأكثر من ثلثي الشعب بلا سكن، بينما قصور ومزارع الأمراء لا يستطيع المواطن اليوم قياس طولها وعرضها.
لو ننتقل من المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمشاكل الحقوقية، فالآلاف من ابناء نجد والحجاز يصرخون اليوم من داخل السجون، لقد اعتقل الكثير لمجرد رأي قاله وهو يعيش في بطن خاوية من الجوع أو مشرداً في الحدائق العامة لأنه بلا سكن او خريج بلا وظيفة، والكثير معتقل بسبب الصمت، فهذا النظام الجديد يريد اليوم من الجميع في الداخل السعودي أن يكونوا ذباباً له في كافة الوسائل الإعلامية لكى يبرروا له جرائمه وخيانته للأمتين العربية والإسلامية، وعمالته وتحالفه الواضح مع الكيان الصهيوني.