وحدة اليمن .. الحقيقة وجوهر الصراع
عبد الرحمن مراد
لم يستقر مشروع دولة الوحدة منذ بدأ الاعلان عنه في 22مايو عام 90م، فقد واجه الكثير من التآمر ,والكثير من العراقيل، سواء في البنية النظرية أم في البنية التنظيمية , وكان اشتغال الدوائر الاستخبارية الاقليمية واضحا وبينا في مواجهة هذا المشروع , فالسعودية خافته كمشروع قد يهدد وجودها ويؤثر على مكانتها السياسية ومركزيتها الاقليمية وكذلك رأت فيه تقاربا مع الانظمة الثورية القومية التي كانت تكن لها العداء كالنظام البعثي في العراق , والنظام الناصري في ليبيا , وكانت تتربص باليمن من وجهة نظر العداء الذي تم تكريسه خلال سنوات الصراع بين السوفييت والغرب في أفغانستان ولذلك كان خوف قطر هو خوف حركة الاخوان وتبنت فكرة الثنائية الصراعية “الشوعية / والاسلام ” وكان منهجها في تفتيت مشروع دولة الوحدة قائماً على تلك الثنائية , ولم تغب الامارات يومها عن ذلك الصراع فقد كانت عينها على ميناء عدن خوف التأثير على موانئها في حركة التجارة ومركزية موانئ دبي , وأمام ذلك الصراع المحموم الذي برز في بداية مشروع الوحدة وكانت نتائجه حرب صيف 94م بما تركته من آثار في النسيج الاجتماعي ومن جروح غائرة , وبما تصدع في نفوس الناس , ولم يكن انتصار 7يوليو 94م إلا انتصارا شكليا فالقوى الإقليمية كانت تعمل على تنمية روح الانقسامات في شعب الجنوب وتشتغل عن طريق بؤر وخلايا استخبارية في زعزعة أمن واستقرار اليمن وجاءت الإمارات عن طريق شركة دبي للموانئ لتعمل على تعطيل مشروع السوق الحرة بعدن , وحاولت السعودية عن طريق جهازها الامني الاستخباري نشر السلفية الوهابية وتحريك ما كان يسمى بتنظيم القاعدة في الجنوب وفي الشمال لتكون مقاليد السيطرة على توجيه القرار السياسي فكان جيش ابين عدن بقيادة المحضار ثم جاء طارق الفضلي وتواشجت كل الجهود للوصول الى نقطة الانفجار العظيم في مشروع دولة الوحدة والذي شكل عام 2011م منطلقا له لنصل الى حالة التدخل المباشر من قبل السعودية والامارات بشكل مباشر وقطر بشكل غير مباشر لكنها تدير صراعا مع السعودية والامارات بدماء أهل اليمن .
اليوم أضحى مشروع دولة الوحدة في محك التجارب، وأضحى هذا المشروع هو المعنى الذي يستعيد به اليمن قيمته الحضارية وهويته الثقافية والوطنية وبدون هذا المشروع لن يتحقق لليمن أي وجود حر ومستقر.
لقد كان مشروع الوحدة يشكل قلق اللحظة لكن اضطراب المستقبل لن يستمر كثيرا حتى يكون هذا المشروع هو الملاذ الآمن لوطن مستقر وآمن وقادر على السيطرة على مقاليده وتحقيق وجوده.
وصل الجنوب اليوم الى واقع صادم , ووصل مناضلو الجنوب الى جوهر ما كان غائبا عنهم من صراع الاقليم في اليمن إذ ثمة أثر إعلامي يتحدث عن الأمن الذي أصبح مفقودا , وعن سلطة غير يمنية تدير الشأن اليمني بصورة تدخل سافر غير مقبول وقد كتب أحدهم يرثي زمن الاستقرار والسلطة التي كانت تتحكم بمقاليد الأمور , وزمن الأمن الذي يشعر به المعارض قبل غيره من أفراد المجتمع وزمن الوفرة الاقتصادية والحراك السياسي والاجتماعي والثقافي في حين يجد ثمرة نضاله الطويل تراجعت تراجعا عكسيا إذ فقد الوضع أبسط مقومات بقائه , وغاب ما كان ينشده من تطلعات , لقد ظن الأمارات منقذا له في بداية أمره جهلا منه بما شاب التسعينات من تموجات وما كانت ترجوه الامارات من اليمن وحقيقة الصراع الذي لم يظهر للعلن بل ظل تحت الطاولة ويدار من تحتها على مدى عقدين من الزمان وها هو يعود اليوم بشكل علني وعلى لسان يمني وعلى كتف جنود من أهل اليمن فالمال يصنع ما تعجز عنه السياسات في المجتمعات الفقيرة , وكشرت السعودية عن نابها وعن أطماعها ولم يعد أمرها خافيا في حضرموت ولا في المهرة ولا في الجوف أو مارب , فهي لا تساند هادي ولا تدعو الى عودة شرعية كارثة اليمن في عصرنا الحديث “هادي” – الذي تحتجزه وتملي عليه ما يصدر من قرارات وما يقول من تصريحات وخطابات – كما يقول اعلامها وخطابها السياسي بل باشرت في مد انبوب النفط ووضعت يدها على ميناء نشطون بالمهرة وحركة المهرة ومقاومتها تدل على أن هناك احتلالا سعوديا للمهرة – وهي المحافظة التي ظلت بعيدة كل البعد عن موجة الصراع المعلن والمكثف في الخطاب الاعلامي والسياسي والنشاط الامني والعسكري – ومن خلال بعض المعطيات البسيطة يدرك المناضل الجنوبي أنه كان ضحية وهم صنعه عدو اليمن التاريخي , لقد صنع من صنعاء والحوثي عدوا وهميا للجنوب ثم جاء الجنوب بجناح الرحمة ليحتل الجنوب وها هو يعلن عن ذاته وتلك سياسة يهودية بامتياز يقول ناعوم تشو مسكي :
” إذا أردت غزو شعب ما، فاصنع له عدوا وهميا يبدو خطرا أكثر منك ثم كن المنقذ له من هذا العدو ” .
وذلك ما حدث بالفعل يدركه كل متدبر ذي لب حصيف يشاهد ثم يفكر في الواقع اليمني ويعيش واقع العدوان المعلن على اليمن منذ مارس 2015م الى اليوم وهو عدوان مكون من عشرات الدول وتديره اسرائيل وامريكا من غرف العمليات بالقواعد العسكرية السعودية والخليجية وغيرها.
لا مناص لشعب الجنوب من الوحدة إن أرادوا دولة وطنية ذات سيادة وحرة بعد أن اتضحت لهم حقائق الصراع وجوهره فاليمن تكون أقوى بالكل في استعادة مركزيتها السياسية والاقتصادية والثقافية والحضارية وهي بلد واعد وفي السياق نفسه مستهدف من الاجدر ألا نكون عونا لمستعمر لتدميره بل سواعد لبنائه .