إحذروا أحفاد الكابتن هينس
د. احمد عبدالله الصعدي
كان بوسع الكابتن هينس أن يحتل عدن بأسطوله وجيشه ومدافعه يوم 19/يناير/1839من غير الحاجة إلى ذريعة تمثلت بما قيل عن تعرض المركب الهندي المسمى ((داريا دولت))المملوك للسيدة الهندية ((بيجم)) للنهب بعد أن جنح بالقرب من عدن صباح يوم 4/يناير/1837 ، فلم يكن يوجد في حينه كيان عربي مستقل يمكن أن تصدر عنه ردة فعل تخشاها بريطانيا ، ولا عصبة أمم ولا أمم متحدة ، ولا من يتغنى كما يحدث اليوم ، باحترام سيادة الدول وبحقوق الانسان ، لكنها الخبرة والدهاء المميزان للمستعمر البريطاني ، الذي يحلو له ، باعتباره صانع ومصدر ((حضارة وتمدن)) أن يصور عدوانه على بلد ما واحتلاله دفاعا مشروعا عن النفس.
في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي كانت بريطانيا تزود سلطان نجد (ملك المملكة العربية السعودية في ما بعد) ابن سعود بكل ما يلزمه من أسلحة وتقنيات وخبرات وخبراء لينجح في حروبه التوسعية ، ومنها حروبه على اليمن لتحقق مصالحها بدبلوماسية هادئة كعادتها ، وكانت عينها على إضعاف الدولة اليمنية المستقلة والضعيفة في الوقت نفسه وتمكين ابن سعود من انتزاع عسير وجزره من الإدريسي وإبقاء اليمنيين بعيدا عنها . كانت إيطاليا المنافسة لبريطانيا في البحر الأحمر – وهي أحد أعضاء حلف المنتصرين في الحرب العالمية الأولى – قد طالبت في مؤتمر فرساي (1919) بجزيرة فرسان ، وهي من جزر عسير كتعويض لها ، إلا أن طلبها رفض وعوضت بدلا عن ذلك في الصومال . لكن بريطانيا لم يهدأ لها بال ورأت أن سيطرتها على جزر البحر الأحمر بما فيها فرسان لن تتحقق ولن تكون مأمونة إلا بانتزاع ابن سعود لها من يد الإدريسي الضعيف وبإبقاء الإمام يحيى بعيدا عن عسير وجزره ، وقدمت لابن سعود كل ما يحتاجه لتحقيق هذه الغاية المشتركة (أنظر إن شئت كثيرا من هذه التفاصيل المغيبة من تاريخنا في كتاب د . سيد مصطفى سالم . مراحل العلاقات اليمنية السعودية 1754 -1934) .
كانت بريطانيا تفعل كل ذلك وهي تدعي الحياد وعدم التدخل في النزاعات العربية، وهو نفس الأسلوب الذي يتخذه اليوم أحفاد المستعمرين الذين يحنون لماضيهم ، ورأينا كيف سارعوا لإعادة الرموز الاستعمارية إلى عدن بعد حرب 94 عندما دعاهم لإعادتها ورحب بهم تحالف7/7 الذي قلب ظهر المجن لشريكه في الوحدة وغدر به واحتفى برموز الاستعمار الأجنبي .
لم يخلع أحفاد الكابتن هينس ثوب سلفهم ، وها هم يقتفون آثاره في مستعمرتهم السابقة ، ويحومون حول ميناء الحديدة ، ولكن خلافا للكابتن هينس لديهم مجلس الأمن ودول من صنعهم في المنطقة ، وجحافل من المرتزقة والخونة يقدمون وطنهم على طبق من أشلاء ودماء اليمنيين . فاحذروا أحفاد الكابتن هينس على كل حال .