لا يزال الحال ” اسوأ أزمة انسانية في العالم”

 

*علماء أنثروبولوجيا: التحالف السعودي يتبع سياسة الأرض المحروقة وصعدة أنموذجاً
*عندما شعرت الرياض بكارثتها الإنسانية في اليمن استعانت بشركات علاقات عامة أمريكية وبريطانية لتحسين صورتها

ظلت عبارة “أسوأ أزمة إنسانية في العالم” الصورة المعبرة عن حال اليمنيين في العام 2018م مع استمرار التدمير المنهج الذي سلكته قوى العدوان للبنية التنموية التحتية وسحق المواطن بجملة الأنشطة الاقتصادية التي صار مفضوحا إنها متعمدة ومدروسة تندرج ضمن الحرب الاقتصادية على اليمنيين في إطار العدوان الشامل على الوطن وشعبه ومقدراته.
وضع اقتصادي مزر انحدر بالقدرة الشرائية للمواطن الى مستوى الصفر.. يشير الخبراء والمراقبون الاقتصاديون إلى انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي في ظل الحرب والحصار الى 290دولاراً ما يعني ان نسبة كبيرة من اليمنيين باتت تحت خط الفقر في ظل سنوات العدوان ويذهب الخبراء الى ان نسبة الفقر زادت اثر ذلك الى 80 %.

35 الف عامل وجدوا أنفسهم في الشارع بعد فقدانهم لأعمالهم نتيجة خروج 85 مصنعاً عن الخدمة منها ما تم استهدافها ومنها ما توقفت بسبب صعوبة الحصول على المواد الخام للمنتجات او الحصول السلس على الوقود، وموظفون في القطاع الحكومي وجدوا أنفسهم بلا مرتبات بعد نقل البنك المركزي وإيقاف كافة الأموال التي يملكها في الخارج والتي كانت تقدر بمليار وخمسمائة مليون دولار كافية لتغطية الاحتياجات من السلع الأساسية لعام كامل.
الى ذلك أيضا تسبب الحصار وجملة الإجراءات الكارثية في الارتفاع الباهظ في سعر المواد الاستهلاكية ما زاد من معاناة المواطن، وحسب عضو اللجنة الاقتصادية العليا الدكتور رشيد أبو لحوم كان من تلك المسببات التي خلقها العدوان بحصاره الجائر ارتفاع تكلفة التأمين على أرصفة الموانئ بالنسبة للسفن التجارية، وكذا طول فترة التفتيش من 20 – 25 يوما بسبب خط سير السفن الذي حُدد بالذهاب الى جيبوتي ثم الى جدة وبعدها العودة الى الحديدة ما يعني مضاعفة الغرامة على السفن من 15 – 20 الف دولار غرامة تأخير لليوم الواحد، وهناك أيضا الإتاوات التي تدفع لقيادات المرتزقة وقوى العدوان لمنح دخول السفن السلع لميناء الحديدة تعد أحد جوانب الحرب الاقتصادية على الشعب اليمني إلى جانب ما يفرضه مالكي السفن من نسب معينة تسمى نسب مخاطر دخول السفن لميناء الحديدة جراء العمليات العسكرية والتي تؤدي كلها إلى ارتفاع في الأسعار، إضافة الى “إن استنزاف العملة من خلال ما يفرضه تحالف العدوان من حصار على بعض مدخلات الإنتاج، أدى بدوره إلى ارتفاع قيمتها”، وكذا منع تصدير المشتقات النفطية الذي كان يوفر جزء من حاجة الداخل الوطني من العملات الصعبة، كما لا يمكن تجاهل ان المساعدات والقروض قد انقطعت منذ بداية العدوان.
كما ان واحداً من أسوأ التوجهات العقابية للشعب اليمني والتي ألقت بظلالها القاتمة على حياة المواطن هو قيام هادي المنتهية ولايته وحكومته بتسهيل من أمريكا والسعودية بطباعة تريليوني ريال الأمر الذي زاد بدوره من تدهور العملة الوطنية.
مسار العدوان
من هنا يتضح أن العدوان على اليمن لم يكن عسكريا فقط لكنه الذي اخذ مسارين الأول عسكري، والثاني اقتصادي وهو ما اتفق على اعتباره كذلك المراقبون والساسة الدوليون حين اتضح ان المسار العسكري كان ايضا داعما في الحرب الاقتصادية إذ لم تتوقف عند حد إجراءات التقييد ليتجسد الدعم الى جانب قصف المصانع في استهداف المنشآت الاقتصادية على تنوعها ومخازن المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني ومستودعاتها، منها برنامج الغذاء العالمي الى جانب مطاحن البحر الأحمر وصوامع الغلال في مدينة الحديدة، والتي تُعدّ مخزن الغذاء الاستراتيجي لعدد من المحافظات اليمنية.
كل هذه العوامل التي خلقتها الحرب على اليمن تسببت في وصول المواطن الى حافة المجاعة التي حذرت منها النظمات الأممية على اختلافها.
امعن العدوان بوضوح في تضييق الوضع المعيشي على الشعب اليمني وما الحرب الممنهجة على العملة اليمنية من قبل العدوان إلا تنفيذ لأجندته في إفقار وتجويع الشعب اليمني.
وحول تداعيات الحصار على الوضع الإنساني قالت ليز غراندي منسقة الشؤون الإنسانية في اكتوبر الماضي: ان اليمن يشهد أسوأ مجاعة بشرية على مستوى الإطلاق ,بسبب عدم تمكن إيصال المساعدات جراء العدوان , مضيفة ان الجوع في اليمن يهدد 13 مليون شخص وسيتحول الأمر الى مجاعة لم تحصل منذ 100 عام.
وأشارت غراندي إلى ان على المجتمع الدولي الشعور بالخجل مما يحدث في اليمن , داعية دول العدوان الى وقف هجماتها الجوية التي تفاقم من معاناة المدنيين.
وأكدت منظمة “انقذوا الأطفال” الدولية، أن تحالف العدوان الأمريكي السعودي يستخدم التجويع كسلاح في الحرب على اليمن، وطالبت المنظمة في تقرير صادر عنها الأمم المتحدة، بمحاسبة المسؤولين عن الضربات والقصف التي أودت بحياة عشرات المدنيين. وشددت المنظمة على أهمية محاسبة المسؤولين عن منع الغذاء والدواء عن الأطفال، محذرة من أن أكثر من نصف مليون طفل دون سن الخامسة سيموتون جوعا هذا العام في هذه البلدان التي تعاني من نزاعات.
وشن السيناتور الديمقراطي الأمريكي “كريس مورفي” هجوما لاذعا على الرياض وطالب الكونغرس بالتحرك لوقف الحصار الذي تفرضه على الأراضي اليمنية.
وفي كلمة له بالكونجرس صرّح “مورفي” وهو العضو البارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ: إن السعودية تستخدم التجويع والأوبئة أسلحة حرب في اليمن. وأضاف إن حملة القصف التي تستهدف البنية التحتية للكهرباء في اليمن لم تكن لتحدث بدون الدعم الأمريكي.
مورفي قدم في جلسة بالكونجرس أكتوبر الماضي صورا ليمنيين يعانون من الكوليرا والمجاعة، وفي رد على قول ترامب “لدي ثقة كاملة في الملك السعودي، وإنه يعلم ما الذي يقوم به” قال مورفي “حسنا دعني أخبرك بما يقوم به، إنه يستعمل التجويع والأمراض سلاح حرب، وهو ما يعد انتهاكا للقانون الدولي لحقوق الإنسان”، ورفض مورفي استعمال التجويع والتسبب في الأمراض لأجل كسب نزاع مسلح.
أزمة مزدوجة
من جهتها رأت مجلة نيويوركر الأمريكية أنّ “السعودية” والإمارات تفتعلان أزمة مزدوجة في العدوان على اليمن، إذ تتعمّد غارات التحالف السعودي الأمريكي استهداف المناطق المدنية فيما يتسبب العدوان بكارثة إنسانية حقيقية تهدد حياة الملايين من اليمنيين.
الصحافية جين فيرغسون استهلت مقالتها في المجلة، بالحديث عن حجم المعاناة التي يعيشها اليمنيون في العاصمة صنعاء حيث تزدحم المستشفيات بالمرضى العاجزين عن الكلام نتيجة انتشار المجاعة وسوء التغذية وتردّي الخدمات الصحية، لافتةً إلى أن الحرب ولّدت أزمة معيشية خانقة في البلاد حتى استفحل الفقر بالموطنين.
وتابعت الصحافية الأمريكية: بالإشارة إلى أن الحرب التي تقودها “السعودية” وتدعمها الولايات المتحدة أدت لزيادة أسعار الطعام وغاز الطبخ والوقود، مصنفة، إن اختفاء فرص العمل جعل ثمانية ملايين يمني يعيشون على حافة الجوع وحول اليمن إلى أكبر كارثة إنسانية في العالم .
وأضافت فيرغسون: “لقد دمرت الغارات الجوية للتحالف البنى التحتية والتجارة في معظم المحافظات اليمنية كما مارست الرياض عملية تعتيم إعلامي كاملة ومنع الصحافيين ومراقبي حقوق الإنسان من الوصول إلى المناطق التي تستهدفها من خلال طائرات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة”.
وصرح وين جورداش مدير مؤسسة “غلوبال رايتس كومليانس” قائلاً: إن واشنطن في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما قدمت الدعم الأمني اللازم للتحالف السعودي فيما جاء خليفته دونالد ترامب ليعقد صفقات السلاح مع “السعودية” والإمارات، مشيراً إلى أن الطيران السعودي استهدف المدنيين وحال دون وصولهم إلى الغذاء، كما استهدف قوارب الصيادين على الشواطئ اليمنية الله بذريعة استخدامها لتهريب السلاح إلى أنصار الله، علاوةً على تدمير أكثر من مائتي قارب صيد في الوقت الذي يعاني فيه مجتمع الصيادين من الجوع وفقر التغذية.
بدورها اعتبرت أستاذة الأنثروبولوجيا مارثا ماندي، أن تحليل مواقع الغارات التي يشنها التحالف السعودي في اليمن يفهم جيداً الغرض وراء هذه الأهداف، مضيفةً “لو نظر الواحد إلى المناطق التي يقولون إن الحوثيين أقوياء فيها، خاصة صعدة، عندها يمكن القول إنهم يريدون وقف الحياة الريفية وهذا يشبه سياسة الأرض المحروقة”.
وأضافت الأستاذة المتقاعدة من مدرسة لندن للاقتصاد إنه يتم قصف الأسواق الشعبية في صعدة بشكل دوري، مشيرةً إلى أنه عندما شعرت الرياض بأثر الكارثة الإنسانية في اليمن استعانت على الفور بشركات العلاقات العامة الأمريكية والبريطانية للزعم بأنهم يوفرون المواد الغذائية للمناطق التي يدعون تحريرها.
ويقول اليكس دي وال مؤلف كتاب (المجاعة والموت الجماعي) الذي يحلل المجاعة الحديثة التي من صنع الإنسان “الناس يعتقدون أن المجاعة مجرد نقص في الغذاء، ولكنها في اليمن مرتبطة بالحرب الاقتصادية.”

قد يعجبك ايضا