“كيف ينظرُ المجتمع الدولي إلى الحرب على اليمن “

 

ماجد الوشلي
أيامٌ قلائل تفصلنا عن العام الجديد 2019 م، وكما هو الحال في كل عام فإننا في واقع الحروب والأزمات نقفُ وقفة تأمل لحصادِ العام، وما خلّفته لنا الأيام من أحداث وقضايا هامة ومفصلية لتاريخ الشعوب ومستقبلها، تجعلنا نضع النقاط على الحروف في مواقعها؛ كي ندرك حجم الأحداث التي عصفت بالتاريخ، وجعلت من الحاضر صفحة رمادية لا مستقبل لها..!
وحين نتحدثُ عن اليمن بحاضره ومستقبله، بأحداثه وأزماته، لابد من تسليط الضوء على حجم المأساة التي تضرب به من كل جانب، ونضعُ رؤية المجتمع الدولي الذي ينظر إلى اليمن بعين التجاهل والنسيان..
الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غرتيرش في آخر تصريح له بشأن اليمن عقب مشاورات السويد يقول :
“إن مستقبل اليمن في أيديكم، لدينا فرصٌ يجب اغتنامها “.
ونحن هنا نتساءل أين هذه الفرص من تحققها؟ وأين المستقبل الذي لا صفحة فيه إلا سواد الأحداث؟ وكيف لنا أن نصنعَ الفرص وهناك من يحول بين الشعوب وتحقيق السلام الذاتي لها تحت غطاء الأمم المتحدة والشرعية الدولية ذاتها.. ؟!
وحين نتطلّعُ إلى المؤسسة الدولية التي تتبنّى بحسب ادّعائها « حفظ الأمن والسلام الدوليين « ، ونقرأ ما في حروفها نستشفُّ حقيقة وصولها إلى أن الحرب على اليمن لا مستقبل لها ، وأن استمرار هذا العدوان غير القانوني أصبح يُكلّف الكثير ممن دعموا وتستروا وشرعنوا هذه الحرب أثماناً باهظة ، وباتت قضية اليمن تؤثر على الرأي العام فلقد اعتمد في آخر جلسة له على الإجماع بالقرار الدولي 2451 حول اليمن مشروع قرار بريطاني حول مدينة الحديدة وموانئها يدعم وقف إطلاق النار ، توفير مراقبين دوليين في الحديدة ، حماية المرافق الطبية ، الآلية التنفيذية بشأن تبادل الأسرى ، والتفاهم حول تعز كما ورد في اتفاق ستوكهولم ، وهذه خطوة إيجابية لعلها تكون بداية الانفراج للحرب على اليمن ..
في حين أن مجلس الشيوخ الأمريكي قدّم مشروعاً يطالب بوقف الدعم العسكري الأمريكي للتحالف السعودي الإماراتي في اليمن والذي نال أغلبية 56 صوتاً وهذه أيضاً من الخطوات الهامة التي لفتت المجتمع الدولي ، والضغط الأوروبي على الولايات المتحدة الأمريكية من أجل إنهاء الحرب على اليمن ، وحتى تكون هناك حلول إنسانية استثنائية لمعالجة هذه الأزمة وفقاً لتقارير منظمات المجتمع الدولي ..
وعلى غرار هذه التصاريح الدولية المستمرة والتي تعترف بالكارثة الإنسانية التي سببتها الحرب على اليمن كان الموقف الدولي الإيجابي من وزيرة خارجية السويد التي قالت : « لن نقبل باستمرار الحرب في اليمن ، وإن هناك عملية سياسية ستتبع هذه الجهود لوقف الحرب في اليمن، وقالت أن السويد ستشارك في ترؤّس مؤتمرٍ لدعم اليمن ، وأن الشعب اليمني ينتظر نتائج ملموسة « وما يحتاجه الشعب اليمني في هذه الأوضاع اليوم هو هذه الجهود الدولية لوقف هذه الكارثة على اليمن ..
وفي تصريح لوزير خارجية فنلندا قال : « علقنا عقد صفقات أسلحة مع السعودية والإمارات احتراماً لحقوق الإنسان ، وإن من العار أن يستمر الوضع في اليمن على ما هو عليه ، وإن جريمة قتل خاشقجي سلطت الضوء على حرب اليمن ، وهناك فرصة سانحة لوقفها « ..
وآخر تصريح للسيناتور بوب مينينديز قال فيه : « يجب اتخاذ خطوات إضافية لوقف الحرب في اليمن بينها وقف تقديم السلاح للسعودية ، والسيناتور ليندزي غراهام قال أيضا : « أدعم مشروع قرار ساندرز لمساءلة السعودية على انتهاكاتها في اليمن « ..
بينما نلحظ شدة اللهجة من السيناتور جين شاهين حيث يقول : « مجلس الشيوخ بعث برسالة مهمة لوقف الحرب في اليمن « ..
وفيما تستمر التصاريح الدولية والضغط الأوروبي بسبب الحرب على اليمن يقول السيناتور بيرني ساندرز : « إن الكونغرس لم يصادق على المشاركة الأمريكية في حرب اليمن مما يجعل مشاركتنا فيها غير دستورية « ..
وعندما نأتي إلى الأنظمة العربية التي هي أقرب إلى اليمن من أي دولة ، نلاحظ أن بعضها شريكٌ في العدوان على الشعب اليمني ، والبعض في دائرة الصمت والحياد ، والآخر في عالم النسيان ، وكأن قضية اليمن لا تعنيهم ولا تعني الإنسانية شيئاً ..
ويجب أن يتذكر الجميع أن اليمن أصبح له منذُ العدوان عليه حوالي 1350 يوماً من استمرار القصف الجوي والبحري والبري على المحافظات والمدن والقرى والمديريات بل على مستوى المؤسسات والمراكز والجمعيات مما أدى إلى أزمات إنسانية حادة ..
فاليمن يعاني فيه ( 20 مليون ) شخص من التجويع بينهم حوالي (1.8 مليون طفل) حالتهم صعبة ؛ بسبب سوء التغذية الحادة وفقاً لتقرير أصدرته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة ( الفاو) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة ( اليونيسف ) وبرنامج الغذا العالمي ( wfP ) والشركاء في المجال الإنساني حيث أودت الحرب على اليمن بحياة أكثر من ( 20 ألف شخص ) .
وأشعلت ما وصفته الأمم المتحدة ب «أسوأ كارثة إنسانية في العالم « كما تعد البلاد موطناً لأسوأ مجاعة في العالم خلال 100 عام وفقاً للأمم المتحدة ، وسبق أن أعلنت منظمة « انقذوا الأطفال « أن نحو ( 85 ألف طفل ) دون سن الخامسة ربما توفوا بسبب سوء التغذية الحاد خلال ثلاث سنوات من الحرب على اليمن ، وسبق أن حذر رئيس المنظمة من أن حياة نحو ( 150 ألف طفل ) مهددة في مدينة الحديدة بسبب استمرار المعارك ، فيما تخشى منظمات الإغاثة سوء الحال الإنسانية أكثر بسبب الحرب ..
وها نحن اليوم نتطلع إلى المجتمع الدولي ونلاحظ غياب القضية اليمنية التي تستحق أن تأخذ حجمها الطبيعي ، وأن تكون هناك مواقف دولية عادلة تنصف الشعب اليمني من هذا العدوان السعودي عليه والذي يخالف الأعراف والقوانين الدولية ، وقيم الإنسانية ، لأنه انتهاك صارخ لإنسانية الإنسان ..
فمتى يا ترى تتوقف مواقف المجتمع الدولي عن التأرجح.. ؟!
متى تتوقف عن تجنيد الإعلام والمواقف السياسية لصالح الرأسمالية المتسلطة.. ؟!
متى تتوجه لدعم حركة السلام العالمي بوقف الحروب والانتهاكات..؟!
متى تصبح الشرعية الدولية صمام أمانٍ للشعوب لا الحكوماتِ الجائرة..؟!
متى يكف المجتمع الدولي عن توجيه الإعلام في مسارِ التعتيم والتضليل..؟!
متى يا ترى يُعادُ النظرُ في القواعد والإجراءات والسياسات المنظمة لتدفق الإعلام الدولي ولمسار السياسة الدولية، حتى يساهم المجتمع الدولي في خدمة المجتمعات والأمم قاطبة ..؟!
لا أن يظل أداةً طيّعةً في خدمة النخب الدولية المسيطرة .. !

قد يعجبك ايضا