التمويل والرهن العقاري

 

احمد ماجد الجمال        

إذا وجهت سؤالاً لأي إنسان  ما هي أهم احتياجاتك؟  تكون الإجابة الحصول على منزل, وبالتالي تصبح مسألة تملك السكن ابرز ما يعاني منه الفرد وخاصة أصحاب الدخول المنخفضة والمتوسطة بسبب تحمل نفقات تكلفة السكن والذي يستنزف معظم الدخل ,فالحصول على سكن حق وأمر ضروري لكرامة الإنسان وفرصة للأسر لتنعم بحياة بها الكثير من الاستقرار .
وبنظرة سريعة ومختصرة لأسباب مشكلة عدم قدرة تملك شريحة كبيرة من الأفراد للسكن  وموقف البنوك المحلية وقلة مؤسسات التمويل العقاري في المساهمة بحل امتلاك المساكن سبب في ارتفاع أسعار الأراضي والعقار الجاهز أياً كان نوعه وله دور كبير في تفاقم مرارة الإشكالية.
بداية يمكن مراجعة نسبة القروض العقارية إلى باقي أنواع القروض الأخرى داخل الاقتصاد اليمني سنجده محدوداً جداً إن لم يكن معدوماً بالمفهوم الاستثماري.ومعلوم أن رفع الفائدة يهبط بقروض الشركات والأفراد ويزيد جاذبية الودائع .
في الفترات  السابقة  كانت الحكومات المتعاقبة هي المقرض الوحيد لتمويل بناء المساكن  من خلال جهة أو بنك متخصص للإسكان لأسباب عديدة منها أن الفكرة هي التي تتبناها  وتعتبرها من برامج التنمية للمجتمع إلا أن ذلك لم يتوسع أو يستمر وتفتت جزءاً جزءاً.
وضمانات السداد وتعامل الجهات القضائية  الطويل والمعقد وما قد ينشأ عليه من نزاعات والفترات الزمنية الطويلة لا توفر ما يقنع البنوك من التعامل أو التوسع لمثل هذه المخاطر خصوصاً أن محفظة الرهن والتمويل العقاري في العادة كبير ويحتاج فترة زمنية طويلة نسبياً ما قد تخلفه من ديون قد تهدد البنك في ملاءته المالية .
لذا من الأهمية إيجاد بيئة مناسبة للتوسع في سوق التمويل العقاري تؤسس بموجبه شركات مساهمة متخصصة أكثر مهنية مما هو قائم  في تقديمه  لهذا المنتج بالتعاون مع مطورين عقاريين مع إمكان إعادة التمويل ونظام شامل لمراقبة شركات التمويل وذلك لتوفير بدائل مختلفة تتيح قدراً عالياً من الشفافية يتمثل في نشر المعلومات المتعلقة بذلك النشاط.لخلق سوق عقاري متوازن وأسعار مقبولة تخدم وتدعم نمو هذا القطاع.
كما يأتي تفعيل نظام التمويل والرهن العقاري وهو (النظام الذي يتيح بموجبه شراء أو بناء أو زيادة البناء أو أعمال  تشطيب عقار بتمويل قرضي من مؤسسات التمويل العقاري أو البنوك ويتم سداد القرض بنسب فائدة متعددة من خلال قسط شهري يدفع خلال فترات حتى تتم تغطية مبلغ القرض والفائدة والرسوم  ويسمح بنشوء وتنظيم العلاقة بين الراهن والمرتهن له ويؤطر العلاقة بين هذين الطرفين ويبين حقوق كل طرف وآلية الرهن  وفك أو بيع المنفعة (العقار) حال حصول أي نزاع بين الطرفين )باعتباره آلية إجرائية دقيقة وواضحة وسريعة لتحصيل الدين,مع توافر شروط مثل العقار المقصود ويجب ان يغطي سعره السوقي قيمة القرض كاملة ويزيد عنه لمراعاة أي مخاطر متعلقة بالهبوط في أسعاره  نتيجة التضخم كما يجب أن يكون موجوداً فعلا أو بدء العمل بإنشائه بالواقع وليس على الورق والمخططات ويلزم وجود تقييم محايد ومتخصص من مصادر متعددة للوصول إلى القيمة العادلة للعقار وكافة الخدمات المتعلقة به  وعدم وجود نظام شامل بضوابط يرفع نسبة المخاطرة ويجعل شركات التمويل التأمين والبنوك  في موقف من لا يقبل الإقراض,وان تحفظ وتردد البنوك في قبول منتج القرض السكني وابتعادهم  كثيراً من إقراض تملك سكن له مبرراته طالما لا يوجد تفعيل لمثل هكذا نظام أو ضوابط كوسيلة للتنظيم وفق بنود التعاقد.
لكن مع كل ذلك فهناك حاجة لمبادرة من قبل البنوك التجارية بالتركيز على الإقراض التنموي المتمثل في التمويل العقاري والرمي بثقلها تجاه هذا النوع من الإقراض والابتعاد ولو مرحلياً عن تنشيط القروض الشخصية  الاستهلاكية التي سيطرت على دخل الفرد وأصبحت عائقاً أمام الاستفادة من قرض عقاري وسببت في تآكل الدخول وقد تمكنت مثل هذه القروض الاستهلاكية من مفاهيم الناس في ظل ما تمارسه معظم البنوك من تسهيل لجذب المقترضين ,فالاقتراض للاستهلاك  إلى وقت قريب كان يتم قبوله وفي سلع لا تعدو عن كونها سوى كماليات كشراء سيارة جديدة ..وغيره، بل إن هذا النوع من القروض سرعان ما يجلب معه المتاعب والعبء للمقترض وذلك على العكس من التمويل العقاري الذي يجلب معه سلعة (معمرة) طويلة المدى عميقة الأثر كبناء مدن سكنية أو شراء قطعة ارض ,أو البناء,أو شراء شقة,أو منزل أو محلات تجارية وأسواق  وخلافه ذات جدوى اقتصادية ومالية سواء كانت  ذات مساحات صغيرة أو متوسطة أو اكبر بمواصفات هندسية تصمم على أساس تكاليف معتدلة وهذا هو الأفضل تؤمن لصاحبها فوائد متعددة، منها الاحتفاظ بالثروة وتخفض التكاليف وليس الاقتراض الاستهلاكي كمثل الاقتراض التنموي لأنه على حساب الادخار والاستثمار.
ولتغييب ذبذبات البعد عن التمويل والرهن العقاري مطلوب من البنوك غربلة  أفكار واقعية منطقية وتمويلية جديدة وتحويله من نظريات مجردة إلى حقول تجارب عملية ومعايير وحلول  على ارض الواقع في التعاطي مع سوق التمويل العقاري محلياً والدفع بالتمويل والرهن العقاري وبنفس الدافعية التي تعمل بها في تشجيع الناس بالقروض الاستهلاكية والتي تم ربطها بالدخل الذي يحصل عليه الفرد والضمانات اللازمة عند ممارسة نشاطات وتمويل العقار أو المنقول وذلك بوضع ضوابط تحمي الدائن والمدين والضامن في العملية الائتمانية,و ضبط مقادير الدفع ألمقدمه والفائدة والفترة الزمنية المناسبة كهدف متوازن لحفظ الحقوق.
والجهات الرسمية وفي مقدمتها مصلحتا أراضي وعقارات الدولة ,والمساحة ووزارتا الأوقاف والأشغال  أن تشارك من خلال مخططات الأراضي التابعة للدولة أو أراضي الوقف لبيعها أو تأجيرها وكل الجهات ستكون معنية مستقبلا بوضع دراسات عميقة متمعنة لواقع قطاع العقارات بسقوف مالية وزمنية  غير متحيزة لحماية المقرض والمقترض والمنظومة المالية بعيداً عن فقاعات المبالغة والمزايدة والتمادي في أسعار العقار المتصاعد والمتذبذب حسب الحال من محافظة إلى أخرى  ومن مديرية إلى أخرى ومن موقع  إلى آخر,بحيث يعير أهمية اكبر لجانب التنفيذ ووضع إجراءات احترازية وفعلية واضحة تتيح للجهات القضائية والتنفيذية اتخاذ القرارات المناسبة دون العودة إلى اجتهادات أخرى كقيد ناظم لحفظ حقوق الجميع  وبقدرات عالية الحساسية لمفهوم يتعلق بنمط تشكل النظام  تجاه تكنيك الضوابط الفعلية والإجرائية وكونه قطاعاً خصباً للاستثمار فيه بشريا وماليا وللاستفادة من منظومة التمويل والرهن العقاري والتي تتحكم بها نظرية الجغرافيا الاقتصادية التي تفسر جزءاً من الرسم البياني للنمو العقاري وكذا للنمو الأبطأ في الفترات السابقة حسب الخارطة الجغرافية لان مستقبل العقار حال انتهاء الحرب والعدوان سيكون له  دافع استثنائي فكلما زادت المخاطرة زاد العائد ولن يعد ذلك الاستثمار التقليدي (الآمن التقليدي) بل سيصبح لزاما على المستثمر أن يدرس بعناية وتحديد ما إذا كان يريد ضمانات اكبر وأرباحا اقل أو أرباحا اكبر ومخاطر أعلى أو التضحية بقليل من الربح للتوسع في المشاريع العقارية مستقبلا وهو الخيار الأفضل كل ذلك من المهم أن يؤدي إلى زيادة نسبة الائتمان الذي ستخصصه البنوك التجارية ومؤسسات التمويل العقاري وتقوم الدولة بدورها من خلال التحفيز ومنح الإعفاءات الضريبية  تسهيل استخراج التراخيص والإجراءات ذات الصلة  وتقديم خدمات البنية التحتية وتصبح الضمانات  التي يوفرها مثل هذا النظام حافزاً في تطوير برامجهم وابتكار عمليات جديدة للرهن والتمويل العقاري تحقق منها عوائد جيدة إضافة إلى خلق روح الدافعية بين البنوك وشركات مشاريع السكن تدفع بالشريحة العريضة  ذات الدخل المتوسط والأعلى بجميع مستوياته والشريحة الكبيرة من فئات المجتمع المختلفة (موظفي القطاعين العام والخاص وأصحاب الأعمال الحرة والمهن والحرف  والعاملين لحسابهم الخاص) لأنهم يحتاجون لتمويل متوازن وعادل في التكلفة، وهذا يمثل لب فكرة التمويل للرهن العقاري للمشاركة في تلك المشاريع  كونهم بعيدين عن نظر القائمين على بناء المشاريع السكنية ومموليها.

* باحث بوزارة المالية

قد يعجبك ايضا