أ . د/ عبدالعزيز صالح بن حبتور*
أسبوع ويزيد على اختفاء الكاتب السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بالعاصمة التركية اسطنبول ، والذي تحول المكان خلال هذه المدة إلى مركز جذب إعلامي وخبري عالمي لجميع محطات التلفزة العالمية ، تحاول من خلال تواجدها أن تحصل على خبر حقيقي حول اختفائه وربما مقتله ، لأن المضاربات والتسريبات الإعلامية بشأن القضية قد استحوذت على الخبر الأول دون منازع في جميع منصات التواصل الاجتماعي والقنوات الإخبارية العالمية بجميع فروعها.
وسائل الإعلام والمستنكرون من شخصيات بارزة في العالم من إعلاميين وسياسيين وبرلمانيين ومثقفين وكتاب وحاملي جائزة نوبل للسلام ، جميعهم يتساءلون في حيرة وحسرة عن حادث الاختفاء الغامض الذي بدأت حكايته من يوم الثلاثاء بتاريخ 2 أكتوبر 2018م وحتى هذه اللحظة بعد ان وصل جمال الخاشقجي الى بوابة القنصلية السعودية في اسطنبول ترك هواتفه النقالة مع خطيبته التركية السيدة خديجة جنغير وأبلغها بأنه في حالة تأخره او عدم خروجه من القنصلية عليها ان تتصل بأصدقائه كي يساعدوها في البحث عنه ، وكأن لديه إحساس بان شيئا ما يُدبَّر له في الخفاء!!!
المهم لأن الرجل لم يعد من حيث أتى ، وهنا بداية هذه الضجة الإعلامية والسياسية والدبلوماسية العالمية الهائجة ، والتي لم تتوقف وأظن انها لن تتوقف ، وسيدفع النظام الملكي السعودي ثمنها غاليا تجاه حماقاته ، لأنها لو صحت الروايات المُتضاربة التي تقول بان جمال قد حُقن بجرعة كبيرة على إثرها قُتِل وتم تهريبه من اسطنبول إلى الرياض ، أو كما تقول روايات أخرى بأن الرجل قُتِل ودفن هناك أو هُرِّب في حقيبة دبلوماسية إما الى خارج تركيا او الى منزل القنصل بهدف إخفاء خيوط الجريمة.
الأهم في الموضوع أن هناك فضيحة عالمية جديدة تُطال الاسرة المالكة السعودية والتي تعاملت مع العالم اجمع بعنجهية واستعلاء مع ضحاياها ، مع ان الإعلامي الخاشقجي يُعد واحداً من أبرز رموزها الإعلامية وكان مدافعاً عن الملك وولي عهده في الدفاع عن سياساتهم وقراراتهم التعسفية بحق شعبهم وجيرانهم ، وردد القول بقناعته السياسية والفكرية والإعلامية بان ما يقوم به الملك وولي عهده هو طريق صحيح وضرورة لازمة لتثبيت الملك لهم ، وكان على سبيل المثال :
* كان الخاشقجي مسانداً قوياً للأسرة المالكة في الحرب العدوانية على الشعب اليمني في ما سموه عاصفة الحزم وإعادة الأمل .
*كان مع محاربة ( الفساد ) من خلال الزج بأبرز رجال المال والأعمال السعوديين من الأمراء والوزراء والإعلاميين وحتى من رجال المال العاديين ، والزج بهم في سجن منتجع الريتز ،،،،،، بالرياض.
*كان مع الانفتاح الاجتماعي في المجتمع السعودي ولكن بضوابط مدروسة .
* لم يكن معادياً للأسرة المالكة في كتاباته وأحاديثه الصحفية ضد حملة الاعتقالات التي طالت عدداً من شيوخ الدين البارزين والإعلاميين والناشطات والنشطاء ، سوى من همس منخفض كان يردده في جلساته الخاصة التي يعلن فيها تذمره وقلقه من سجن بعض أصدقائه مِن مَن شملتهم حملة الاعتقالات .
هذا يعني ان الرجل لم يكن معارضاً للنظام السعودي بالمعنى العام ، بل انه رفض جميع العروض المقدمة له من أميركا وبريطانيا بان يأخذ حق اللجوء السياسي هناك رفضها كي لا يصنف انه معارض ، لكنه كان متوجساً من العودة الى بلده لأسباب عبر عنها بوضوح ، طالما وان هناك أصدقاء له يُسجنون وينكل بهم فهو إذاً يخشى على ذاته من ان يلقى ذات المصير ، ولهذا قرر البقاء في الخارج .
تخيلوا معي بأن يلقى الكاتب المرموق عالمياً هذا المصير الوحشي وبهذه الحماقة والسذاجة من قبل أعلى السلطات الملكية في الرياض إن صَدق كل ذلك السيل الإخباري عنه ، فكيف بنشطاء و معارضين من عامة الشعب وحتى من أمرائهم المغمورين والبارزين ، الم يذكرنا سلوكهم بسلوك الأنظمة الدكتاتورية والشمولية والفاشية ، ما أشبه الليلة بالبارحة ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين!!! .
هنا سيصدق الموقف أم العكس من قبل قوى النفوذ العالمي في الولايات المتحدة الامريكية ، وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا ، هل سيكون موقفهم من الجريمة حاسما وجادا من القانون كي يُعاقب ويُحاكم المتهمون من أسرة آل سعود أم سيفضلون الصفقات التجارية والعسكرية على نصوص القانون الذي صاغه الآباء الأوائل لهذه الدول ، وهنا يخونون المبادئ والقيم التي طالما وتباهوا بها لعقود طويلة مضت.
ومن الطبيعي هنا ان نتضامن تضامناً كلياً مع الكاتب الإعلامي السعودي جمال خاشقجي وأسرته في محنتهم العصيبة ، برغم اختلافنا الكلي معه في قضيتنا اليمنية الصرفة التي برر فيها للأسرة المالكة عدوانهم على الشعب اليمني.
صحيح ان قضية جمال خاشقجي المأساوية قضية تستحق الاهتمام الإعلامي العالمي المتوقع ، لأنه كاتب مرموق في صحيفة الواشنطن بوست ذائعة الصيت ، ومحاور رصين في معظم القنوات التلفزيونية العالمية ، ومشارك نشط في المؤتمرات والندوات العالمية في القضايا ذات الطابع الدولي ، لكل تلك الاعتبارات فانه يحتل الى الآن الخبر الأول في كل وسائل الإعلام ، لكن ذلك الأمر قد أظهر للرأي العام العالمي بوضوح دَجَل وسقوط ونفاق ذلك الإعلام ( العالمي ) وتلك النُظم السياسية الغربية الشرقية من حوادث نتجت عن وحشية وحيوانية النظام السعودي ، لكنها تمر دون اكتراث جدي من كل هذه المنابر الإعلامية العالية إلا في ما ندر ، أين هم من جرائم مشهودة في اليمن كمثال لا الحصر :
اين هم من جريمة قتل اليمنيين في المدارس ، والمستشفيات في العديد من المدن اليمنية ، وقتل المحتفلين بالأعراس في منطقة سنبان ، وقتل أطفال ضحيان في صعدة ، وقتل أطفال التحيتا في الحديدة ، وسوق مستباء وصنعاء القديمة ، وسوق الفيوش في لحج ، وقبل أيّام أحيينا الذكرى الثانية لجريمة الصالة الكبرى بصنعاء والتي استشهد وجرح بها مايزيد عن ألف إنسان ، وهنا نستطيع ان نبرز جرائم القتل الأخرى (موت ) بلغت أرقامه مئات الآلاف ( كإحصاء ) موثق لدى وزارة الصحة في بلادنا بسبب الأمراض المزمنة كمرضى السكر والكُلى والقلب والضغط ، والسرطان والكوليرا والدفتيريا وموت طفل لكل دقائق بعدد أصابع اليد الواحدة ، وغيرها من الأمراض ، أي ببساطة العبارة اللفظية بأن أليمن وشعبها الكريم يعيش اكبر مأساة إنسانية في تاريخ البشرية مُنذ ما بعد الحرب العالمية الثانية كما وصفت تقارير المنظمات الإنسانية الدولية التابعة للأمم المتحدة.
أين كان هذا الإعلام العالمي من كل هذه الجرائم ؟ ، ومرتكب جريمة الإخفاء القسري للكاتب جمال خاشقجي وجريمة قتل اليمنيين هو مجرم واحد وهو ملك الأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية وولي عهده الأمين ! ، فالجريمة إذاً يجب ان يتبعها حساب وعقاب ، وحينما نتخلص من ازدواجية المعايير الغربية الاستعمارية سنتخلص حتماً من شرور أشرار العالم بمن فيهم ملوك آل سعود الظالمين ، والله اعلم منا جميعاً.
وفوق كُلّ ذِي عِلْمٍ عَلِيم
*رئيس مجلس الوزراء
صنعاء في 12 أكتوبر 2018م