الرئيس الحمدي حلم اليمنيين المتجدد
احمد العليي
لم اكن قد تجاوزت التاسعة مساء ذلك اليوم 13 يونيو 1974م كل أفراد أسرتي يحيطون بجهاز الراديو والصمت يلف ديوان منزلنا عدا صوت المذيع فهمت من والدي بعدها ان هناك في صنعاء حركة قادها ابراهيم الحمدي .
لم اكن قد فهمت من أبجديات السياسة شيئاً لكن شغف والدي بالاستماع لجهاز الراديو صباحا ومساء دفعني الى ذلك الشغف .
ومن كثر الاستماع الذي صار بشكل يومي الحمدي قال الحمدي زار الحمدي وضع حجر الأساس الحمدي افتتح .. تولد لدي شعور قوي بالحاجة لأرى صورة الحمدي الذي بات حديث الكل صغارا وكباراً نساءً ورجالاً .
في منتصف العام 1975 م ان لم تخني الذاكرة كان الحمدي يزور مدينتنا الصغيرة ( قعطبة ) ويشهد احتفالا اقيم في مدرستنا يومها اصررت بأن ألقي فيه خطابا ولصغر سني وقفت على كرسي وحين انتهيت من إلقاء الخطاب شاهدت الرئيس الحمدي يقف معطيا اشارة بأن آتي اليه ،قفزت وكلي شوق لمصافحته وما ان اقتربت منه حتى أخذني بيديه ورفعني ليوقفني على طاولة كانت تقف امامه لينزع ساعته الخاصة ويضعها في يدي مع التصفيق الحار من جميع الحاضرين . لحظات لم ولن انساها، كلها إنسانية وتواضع .
في اليوم التالي كنا جميعا ابناء المدينة بشيوخها واطفالها نقف ومعنا الرئيس الرمز العظيم خارج المدينة ننتظر وصول الرئيس سالم ربيع علي ( سالمين ) رئيس الشطر الجنوبي من الوطن وعيوننا نحن الأطفال محدقة في شخص الرئيس الحمدي لا توقفها الا نظرة خاطفة إلى السماء للبحث عن طائرة الرئيس سالمين كنا كأطفال ننظر الى لقاء الزعيمين فرصة تاريخية تمكنا من تجاوز الحدود الشطرية لنلتقي بجزء آخر من اهلنا يعيشون على بعد امتار منا لكن أمريكا كانت اقرب لنا ولهم من بعضنا .
لكن الكبار كانوا ينظرون الى اللقاء بمنظورهم الخاص بأبعاده السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية أيضا .
ما إن هبطت الطائرة المروحية بالقرب منا وما احدثته من غبار غطى المكان وبمجرد انقشاعه حتى رأينا الزعيم سالمين ينزل من على سلم الطائرة وامامه وقف الزعيمان يتعانقان وسط هتافات الحاضرين المطالبة بالوحدة اليمنية .
تحرك موكب الزعيمين ببطء شديد وهما يلوحان بيديهما لنا بالتحية وتأكيد المضي نحو تحقيق مطالبنا بتحقيق الوحدة اليمنية .
كان لقاء وطنيا مميزا على إثره حدث انفراج كبير بين الشطرين، شعر كل أبناء اليمن انهم قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلمهم الكبير في الوحدة اليمنية وبعد ذلك اللقاء التاريخي فتحت الحدود والتمت آلاف الأسر .
لن انسى تلك الطائرة المروحية التى كانت تحوم فوق منازلنا ملقية بأكياس الشكليت والمليم وبجانبها كرت كتب عليه أجمل التحايا والتبريكات لكل أبناء الشعب اليمني بمناسبة عيد من أعياده الوطنية وممهور بتوقيع المقدم ابراهيم محمد الحمدي.
رئيس مجلس القيادة
لا يمكن ان انسى تبادل زياراتنا كطلاب الى مدينة الضالع للمشاركه في احتفالات ثورة اكتوبر أو مشاركتنا في احتفالات ثورة سبتمبر في قعطبة .مع ما يرافق تلك الاحتفالات من عروض جميلة تميز بها الطلاب في مدينة الضالع لكن العرض العسكري وبالخطوة السريعة الذي كان ينفذه ابطال قوات العمالقة والذي كان يتقدمه في الغالب المقدم عبدالله الحمدي كان الاكثر اعجابا للجميع .
في الحقيقة احتاج لمجلدات لكي اضع القارئ الكريم امام ذلك الزمن الجميل والرائع، زمن القائد العظيم والخالد ابراهيم الحمدي رغم محدودية اعوامه لكنه كان زمنا يمنيا اختصر المسافات والأزمان وتحقق فيه لشعبنا اليمني ما لم يتحقق له لعشرات الاعوام من قبل ومن بعد .
لا اخفي عليكم وانا بصدد الولوج الى كتابة الكلمات الاخيره في مقالي هذا والمتعلق بخبر استشهاد القائد الفذ والوطني الغيور على وطنه وشعبه، شهيدنا ابراهيم الحمدي داهمتني حالة من الحزن العميق والأسى الشديد ،سرعان ما التقطت انفاسي مواصلا..
في صباح ذلك اليوم 11 اكتوبر 1977م وعلى غير العادة والدي يستمع لجهاز الراديو وملامح حزن شديد ظاهرة على وجهه يكاد ينفجر من الغيظ وصوت المذيع ينقل خبر استشهاد القائد الرئيس ابراهيم الحمدي وأخيه المقدم عبدالله الحمدي ولا تفاصيل ..
صاعقة نزلت على كل أبناء الشعب اليمني، وقف الجميع امامها في ذهول .
أقيمت الصلاة على روحيهما الطاهرين في انحاء اليمن وفي جامعنا الكبير في المدينة ويصعد الامام الى المنبر وكان يومها الشيخ حسين الازهري من أبناء مصر الشقيقة ليلقي خطبة مؤثرة جدا ختمها بقوله ” ولن نقول إلا كما قال سيدنا وحبيبنا ونبينا محمد صلوات الله عليه وعلى آله “ان القلب ليحزن وان العين لتدمع وانا لفراقك ياابراهيم لمحزونون ”
لحظتها ضج الجامع بالبكاء من جموع المصلين .
رحمة الله تغشاك يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حيا .
يوم استشهادك ايها القائد العظيم ،هو يوم اغتيال للوطن اليمني برمته .
ولازالت عملية الاغتيال مستمرة .
* نائب وزير السياحة