الثورة/ يحيى الشامي
أكثر منها عملية عسكرية تحمل أهدافاً واضحة وتخطيطات مسبقة تتناسقُ وحجم القوة الكبيرة المُعدّة لها، كانت معارك قوى العدوان الأخيرة في الساحل الغربي فقاعةً أخذت بفضل ضخامة وخبرة إعلام العدوان أكبر من حجمها، وحجزت بسرعةٍ قياسية موقعاً متقدّماً في الأخبار الدولية على غير ما هو متعارف عليه بالنسبة لأخبار اليمن، من الواضح أن خلف هذا التهوّر العسكري والاستخدام المفرط للقوة في معركة الساحل والصخب الإعلامي المصاحب دوافع خفية ليس المقام لبحثها.
تكتيك صبياني و جغرافيا مفتوحة
في تفاصيل الخرق الرأسي الاستعراضي لقوى العدوان في الساحل الغربي، ثمة ما لم يأخذ حقهُ من التداول الإعلامي نحاول ايراده والتعقيب عليه سريعاً في هذا التقرير.
كان العدو قد زج بأكثر من مائتي مدرعة، وفق تقديرات ميدانية، في اختراقه للساحل الغربي، وقد بدى حينها أن الخطوة تأتي في سياق عمل عسكري متكامل بمعنى أن الخطوة سبقها تحضيرات عسكرية في أماكن أخرى تستدعي فقط التدخل عبر البحر لدعمها وإنجاحها، قبل أن يتضح أن الخطوة يتيمة وأهدافها إعلامية أكثر منها عسكرية، حينها عاش قادة العملية نصراً وهمياً استمر لساعات اعتمد على تمدد رأسي على طول الطريق الاسفلتي وصولاً الى مديرية الدريهمي، دون الالتفات الى أبسط القواعد العسكرية الضابطة للعمل الهجومي، وأمام هذا التهوّر وجدت القوات اليمنية (الجيش واللجان الشعبيّة) نفسها أمام صيدٍ ثمين وأهدافٍ مغرية جرى التعامل معها على نحوٍ أكثر سهولة، وفق تكتيكات احتواء لحظية، وخطط ميدانية عملياتية تؤسس في النهاية ليس الى تحرير الساحل فحسب بل والى استغلال الخرق لتحويله الى ثقب استنزاف كبير من شأنه ضرب قوى العدوان في الصميم.
تقطيعُ الاوصال
من اللحظة الأولى باشرت القوات اليمنية ( الجيش واللجان) عملاً ميدانياً تفتيتياً حيث استفادت من طريقة العدوان الرأسية في التوغّل، لتفرض نقاطاً خانقة على عدة محاور بدأت من حيس مروراً بالجاح والفازة في مديرية التحيتا وصولاً الى فرض عدّة نقاط في مديرية الدريهمي، في البدء لم تكن هذه النقاط محكِمة الخناق على طرق امداد العدو لكنها سُرعان ما ضاقت وتحوّلت الى نقاط حصار محكَمة، منعت حركة الآليات على الطرق ودخول الامدادات الى رأس الجبهة في الدريهمي، وقد نصب المجاهدون أول هذه النقاط في منطقة الفازة عبر عملية هجومية أسفرت عن تدمير أكثر من عشر آليات مختلفة في اليوم الأول وقد عرض الإعلام الحربي بعضاً من مشاهد الكمائن التي تعرّض لها العدو في الفازة برعم أن سلاح الجيش واللجان المُستخدم اقتصر على أسلحة متوسّطة وخفيفة في البداية قبل أن يتم التعزيز وتتويّع النقطة الى محور كامل جرى تأمينه لكيلومترات بهدف الانقضاض على الطريق من الجهتين وعلى امتداد تجاوز الثلاثة كيلومترات، وبرغم تنبّهِ العدو لخطورة الخطوة عليه فقد حاول تلافي تكرّرها عبر نشر قوات بشرية وآلية لتأمين الخط دون جدوى حيث أن تمدده الرأسي يجعل من مهمة التامين على طول الطريق شبه مستحيلة خاصة مع ما يعتري العدو من نقص في الكادر البشري رغم العدد الكبير للآليات والمدرعات، وهو ما حوّلها الى نقطة ضعف أجاد الجيش واللجان الشعبية استغلالها، لذا سمعنا في هذه العمليات ولعلها المرة الأولى عن عدد أربعة وعشرون آلية جرى تدميرها في أقل من أربعة وعشرين ساعة بمعدّل ألية في كل ساعة، ولاحقاً اغتنام عدد من الآليات واستمرّت أخبار المدرّعات لتغدو أكبر محرقة آليات يتعرّض لها العدوان في تاريخ المعارك على امتداد الجبهات، من هنا بدأت الإثارة وانقلاب الفرحة لدى العدو ودول تحالف العدوان، غير أن “حفلات البث المباشر” التي خصّصتها قنوات العدوان لتغطية الاستعراض المدرّع استمرّت ليومين أو ثلاثة للبحث عن مخرجٍ يبرّرُ النقلة الإعلامية والتحول من لغة التصعيد الى الهدوء هرباً من الاعتراف بالانتكاسة والصدمة العسكرية.
ممنوع الفرار.. إطباق الحصار
استمر نجاح الاستراتيجية العسكرية للقوات اليمنية وعمدت الى استحداث نقاط حصار أخرى على امتداد الخط الساحلي، في عمليات متزامنة ميدانياً بعضها ثابتة وأخرى متنقلة تبعاً لظروف المنطقة وتضاريسها ومنسوب القدرة على التمويه من الطيران.
آخر نقطة حصار أطبقها الجيش واللجان الشعبية في منطقة النخيلة مثلت الضربة الأقوى على رأس جسم الاختراق في منطقة الدريهمي، هذا الحصار تعامل بشكل تراجيدي مع محاولات الالتفاف عليه من البحر، فمع كل نقطة خانقة سعى العدو للتخفيف منها عبر البحر بإدخال إمدادات صغيرة تطيل عمر بقاء مرتزقتهم في على الساحل، سيما وأن محاولات الإنزال الكبرى باستخدام البارجات مستحيلة في ظل إحكام قوات البحرية سيطرتها النارية على مياه اليمن البحرية، وقد كان الدرس الذي تلقته البارجة الإماراتية كافياً لتجنبهم خوض مغامرة أخرى.
نجح مجاهدو الجيش واللجان في وقف تدفق الآليات بالدرجة الأولى وبطبيعة الحال انقطعت خطوط الامداد للمنافقين المحاصرين واستحال عليهم بالتعزيز بالمزيد من القوة البشرية، بفعل تقطّع خط تقدمهم الى أربعة أوصال رأس الجبهة ووسطها منقطعتين ومؤخرة الجبهة من اتجاه حيس، وقد حاول المرتزقة الاستنجاد بالطيران معاتبين قادة العملية على ما أسموه قصور التغطية الجوية، مع أن الواقع يؤكد أن مشاركة الطيران كانت الأقوى والأكثف وبلغت رقماً قياسياً مقارنة بمعارك أخرى، وتفيد معلومات يُقدمها قادة ميدانيون عن تجاوز عدد غارات العدوان الألف غارة جوية الى يوم معركة المطار.
معادلة اقتحموا المطار أو موتوا بالحصار
المصادر العسكرية الميدانية أكدت أن محاولات التقدم على المطار جاءت إثر ضغوطات كبيرة تعرض لها المرتزقة المحاصرون من قبل قادة العدوان، فبعد طلب المحاصرين من القادة فك الحصار وإثر عجز الطيران عن الاستمرار في تغطية قوات المنافقين على الأرض واكتفائه بعمليات سريعة تعتمد على كثافة النيران الجوية والمدفعية بهدف إجلاء جرحاهم ورفع جثث قتلاهم، عندها قرر قادة العدوان الدفع بالمحاصرين لخوض عمليات تقدم صوب المطار والدوار مستغلين حالة الإحباط التي اعترتهم نتيجة الحصار للقتال ببسالة المنتحرين، وهو مالم يتسنّ وجاءت نتيجته عكسية ضاعفت من أعداد قتلاهم كما انتهت المحاولة بمصرع وإصابة المئات من المرتزقة وتزايد أعداد الآليات المُدمّرة بنيران الجيش واللجان الشعبية.
المحصلة التي يرفض العدوان الاعتراف بها ويهرب منها الى الأمام بمواصلته الحديث عن تقدم حذر وسط المدينة وباتجاه الميناء، في وقت ينتظر الجماهير صورةً واحدة يلتقطها مراسلو قنوات العدوان من المطار ، ليسعفوا بها شاشاتهم المصابة بحالة تعرّ غير مسبوقة، ولولا أنها قد اعتادت الصفاقة وفقدت كل معايير المهنية أو على الأقل احترمت جمهورها لتوقفت عن هكذا عمل يُغرقها أكثر في وحل الكذب كما غرقت قوى العدوان نفسها في محارق الساحل التهامي.