الوحدة اليمنية منجز وطني عظيم وجد ليبقى
عبدالعزيز أحمد البكير*
حلت علينا الذكرى الـ 28 لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة والتي صنعها وحققها ورفع رايتها شعبنا اليمني في الـ 22 من مايو 1990م، فالوحدة اليمنية أتت كمطلب شعبي ووطني وأحد أبرز أهداف ثورتي 26 سبتمبر و14أكتوبر المجيدتين، وكانت هدفاً لشعبنا اليمني في شمال الوطن وجنوبه منذ ستينيات القرن الماضي، فالوحدة اليمنية المباركة هي منجز وطني عظيم تحقق للشعب اليمني في 22 مايو1990م بعد أن كان يعيش في شطرين منفصلين وفي ظل حالة من البؤس والاضطراب والخوف وبتوفيق من الله عز وجل توحد شعبنا اليمني، فأصبح اليمن شعباً واحداً ووطناً واحداً، ونشعر اليوم ونحن نحتفي بهذه المناسبة بالحزن الشديد لأن هذا المنجز العظيم يتعرض لمؤامرات كبيرة من الداخل والخارج واليمن ترزح تحت ضراوة وبشاعة صواريخ طائرات تحالف العدوان السعودي الغاشم والحصار الجائر للعام الرابع ، فاستهداف الوحدة اليمنية هو أحد أهداف هذا العدوان الذي جاء لتنفيذ المرحلة الأخيرة من التآمر الطويل على وحدة اليمن وأرضه وثرواته والذي أحرقت السعودية ومن تحالف معها من خلال عدوانهم الهمجي السافر كل ما حققه اليمنيون طوال السنوات الماضية، وقتلوا وجرحوا وشردوا عشرات الآلاف من أبناء شعبنا اليمني في ظل صمت مزر وتخاذل عربي ودولي.
نعم إن الوحدة اليمنية تتعرض اليوم لمؤامرة مزدوجة داخلية وخارجية، فعلى المستوى الخارجي تتعرض هذه الوحدة الفتية لمؤامرة إقليمية خاصة من الدول التي ناصبتها العداء منذ اليوم الأول لتحقيقها وفي مقدمة تلك الدول المملكة السعودية إذ يروق لها ولغيرها من الدول الإقليمية أن ترى اليمن دويلات هزيلة ومفككة يسهل السيطرة عليها وتطويعها لمصالحها الإقليمية، والأدهى والأمر من ذلك هو الخطر الداخلي الذي يتهدد مصير هذه الوحدة وتتم تغذيته من الخارج وهو ما نلاحظه الآن من سير البلاد نحو التجزئة والتشطير بأيدي عملاء السعودية والإمارات بعلم وفهم وإدراك لما يقومون به من مؤامرة تهدد مصير وحدة البلاد وسلامة أراضيها .
لقد مرت الوحدة اليمنية بمنعطفات خطيرة منذ قيامها حتى اليوم ، لقد بات التشطير والتجزئة هدفا لبعض القوى السياسية المنفذة لأجندة خارجية دون أن تعي أنها ترتكب جريمة بحق التاريخ اليمني الحديث والمعاصر، وبنظرة موضوعية ومنصفة يجب النأي بالوحدة اليمنية بعيداً عن الصراعات الحزبية الضيقة وجعلها قاسماُ مشتركاً يتصارع تحت سقفها جميع فرقاء العمل السياسي في البلاد والعمل على تقويتها وتجذيرها في بنية المجتمع اليمني وغرس قيم الوحدة في نفوس أبناء الوطن كافة .
لقد كانت الوحدة اليمنية نقطة تحول كبير في المنطقة خاصة أن التلاحم اليمني كان كبيراً ومرحباً بهذه الوحدة كما رحبت بها معظم شعوب العالم، لكن أتت حرب الخليج الأولى لتدخل الوحدة اليمنية في امتحان صعب استطاعت أن تتجاوز كل الصعاب برغم أن اليمن اتخذت موقفاً مغايراً للدول الخليجية في الموقف من احتلال العراق للكويت ولقد تعرضت الوحدة إلى هزة قوية في حرب صيف ١٩٩٤م ولكن استطاعت اليمن أن تتجاوز هذه المحنة لتظل الوحدة اليمنية حلماً عربياً في زمن الانتكاسات وبعد ٢٠١١م تحولت الوحدة اليمنية إلى قضية سميت بـ”القضية الجنوبية” التي بدأت بحراك جنوبي لتحقيق بعض المطالب لبعض العسكريين، وأثناء هذه الفترة الزمنية تعرضت الوحدة اليمنية إلى أخطر المراحل خاصة بعد أن دعمت السعودية “ما يسمى بالشرعية برئاسة هادي المنتهية ولايته” وتم تقاسم أجزاء واسعة من جنوب الوطن بين دول العدوان وبشكل خاص في محافظة عدن ، مما يعرض الوحدة اليمنية اليوم لأكبر خطر تاريخي تتحمل تبعاته كلٌ من السعودية والإمارات اللتين تسعيان لإفشال أهم حدث عربي في القرن العشرين وهو الوحدة اليمنية، ولكن زمن الاحتلالات قد ولى وسيدافع شعبنا اليمني عن الوحدة ويطرد المحتلين من أرض اليمن لأن اليمن على مر العصور لا تقبل الغزاة ولكم في الاحتلال البريطاني والاحتلال العثماني خير دليل.
إن الحفاظ على الوحدة اليمنية أمانة تاريخية يتحملها كافة أبناء شعبنا اليمني في صون وحدة قُدر لها أن تتم بطريقة سلمية أذهلت العالم وحيرت الباحثين والمتابعين والمراقبين الذين وقفوا يتابعون اليمنيين وهم يؤسسون لتجربة فذة وفريدة في معالجة إشكالية الوحدة اليمنية بعقلانية وهدوء مستحضرين في ذلك تراثاً حضارياً كبيراً ضارباً جذوره في أعماق التاريخ اليمني. وكان لهم ما أرادوا وتحققت لهم وحدة الوطن والتأم الشمل وانتهى التشطير إلى غير رجعة وأصبح ماضياً مؤلماً يتم تذكره بمرارة.
اليوم الوحدة اليمنية التي أكملت ربع قرن من عمرها يجب أن نقف منها موقفا يتسم بالمهابة والاحترام لهذا المنجز العملاق الذي لم يأت بمحض الصدفة وإنما كان حصيلة لنضال طويل وشاق خاضته كوكبة لامعة من أبناء الوطن وسعت إليه بكل غالِ ونفيس وآمنت إيماناً حقيقياً بأن مستقبلاً مشرقاً للوطن وأبنائه مرهون بتحقيق هذا المنجز العظيم الذي فتح آفاقاً رحبة أمام طموحات وأحلام أبناء اليمن.
ونعلم اليوم جميعاً بأن دول العدوان بقيادة السعودية لا تزال تحشد بحقدها كل الأجندة السياسية والعسكرية والمالية لتسخِّرها للإضرار باليمن ووحدتها وشعبها، وما يُمارس من عوامل الانفصال في جنوب الوطن هو خير دليل على سعي دول تحالف العدوان لتقسيم اليمن إلى دويلات لتسهل السيطرة عليه وتقاسم ثروته ، ولم يكن ذلك مفاجئاً أو جديداً على شعبنا اليمني فدول العدوان على بلادنا اليوم هي دول العدوان على شعبنا وثورته الخالدة 26سبتمبر و14 أكتوبر بقيادة النظام السعودي، فمنذُ عام 1962م وتلك الدول وعلى رأسها السعودية تعمل جاهدة وتسخِّر كل إمكانياتها السياسية والمالية والعسكرية لمحاربة اليمنيين ومنعهم من إمكانية إقامة دولة يمنية قوية موحَّدة مستقلة وذات سيادة، لأنها ترى في ذلك خطراً على أنظمتها الوراثية المستبدة ؛؛؛
*الأمين العام للحزب القومي الاجتماعي
وزير الدولة- عضو مجلس الوزراء