الوحدة اليمنية راسخة في وجدان الشعب عبر التاريخ مهما تعاظمت الخطوب

 

*المناضل سعيد أحمد حيدرة لـ “الثورة”:
حاوره / محمد محمد إبراهيم
كان أحد الشباب المجندين طوعياً في صفوف المقاومة الشعبية المساندة للنظام الجمهوري في الشمال والممثل لروافد المدد الشعبي لمسار أربع سنوات من الكفاح المسلح بعد ثورة 14 أكتوبر، في جنوب الوطن حتى فجر الاستقلال 1967م الذي فاجأ حرارة الانتظار اليمني ببرودة الخطاب الأول الخالي من أي إشارة إجرائية تفصح عن إعلان تحقيق الوحدة المنتظرة بقدر إحالة الوحدة إلى هدف مستقبلي لم يحدد موعده ولو من قبيل التنبؤ، دافعاً بآلاف اليمنيين إلى الهجرة والشتات.. ثم هاجر إلى الإمارات ثم إلى أمريكا ليساهم في تأسيس أول اتحاد العام للمغتربين اليمنيين في سبعينيات وثمانينات القرن الماضي..
إنه المناضل سعيد أحمد حيدرة، يحكي في حديثه الذكرياتي لـ “الثورة” لمحات سريعة حول نضال اليمنيين وتضحياتهم الجسيمة على طريق تحقيق الوحدة اليمنية أحد.. متطرقاً إلى محطات محورية وهامة في مسار النضال اليمني الوحدوي ومحطاته الناصعة، وعلاقة تلك المحطات بالاغتراب.. وما يجب على كل اليمنيين في الداخل والخارج تجاه الوحدة اليمنية وتجاه ما تشهده اليمن من وضع كارثي جراء العدوان والحصار.. وغيره من القضايا .. إلى التفاصيل:

كونك من مواليد الخمسينيات شهدت ثورتي سبتمبر وأكتوبر في العامين 62-1963م.. وسنوات الكفاح المسلح حتى فجر يوم الاستقلال 30 نوفمبر 1967م الذي كان ينتظر فيه اليمنيون إعلان الوحدة بن الشطرين.. وكونك كنت أحد شباب المقاومة الشعبية المساندة للنظام الجمهوري شمالا من جهة وللكفاح المسلح حتى الاستقلال جنوباً.. برأيك لماذا لم تعلن الوحدة اليمنية عشية الاستقلال ؟!
– قبل الحديث عن يوم الاستقلال كمحطة مفصلية في مسار السؤال التاريخي للوحدة اليمنية أود الإشارة إلى أن الأحداث سارت بعد ثورة 26 سبتمبر سارت بشكل متسارع في كل مناطق اليمن -خصوصا تلك القريبة من عدن كالضالع وردفان ولحج وأبين- باتجاه الضغط على عدن.. وصولاً إلى ثورة 14 أكتوبر 1963م وما تلاها من كفاح مسلح استمر أربع سنوات حتى فجر الاستقلال الذي غاب فيه إعلان الوحدة اليمنية، وأتذكر أن هذا الغياب دفع بالكثير من الشباب وأنا أحدهم إلى مربع اليأس والخروج من صفوف المقاومة الشعبية التي تأسست من كل المناطق عقب إبان الحروب الجمهورية الملكية وكان المناضل سعيد صالح حبيش رئيسنا في محور جُبَن، وكان لهذه المقاومة الشعبية دور كبير في المدد البشري والقتالي في 1967م للدفاع عن النظام الجمهوري والانتصار في حصار السبعين، ومواصلة الكفاح المسلح حتى فجر الاستقلال..
أما لماذا غاب إعلان الوحدة كهدف مصيري مشترك لتضحيات اليمنيين الجسام، فمن المعلوم للجميع أن تأجيل إعلان الوحدة كان بسبب الصراع الذي نشب بعنف بين جبهة التحرير والجبهة القومية.. هذا في جنوب الوطن وفي الشمال حدثت حرب أهلية وحوصرت صنعاء بغية إسقاط النظام الجمهوري، ثم حركة (5) نوفمبر 1967م أي قبل الاستقلال بـ 25 يوم وهو ما اعتبره الأشقاء في جنوب الوطن حركة رجعية.. وهذه المآلات المؤسفة أحدثت انكساراً كبيراً في نفسية الشعب اليمني الذي كان متعطشا لإعلان الوحدة بشكلها السياسي، وليس الجماهيري، فالجماهير كانت ملتحمة ببعضها كما أن الشعب اليمني عبر العصور موحد وجدانيا وفكراً وسلوكاً مهما تعاظمت الأحداث والخطوب، وخارج أشكال النظم السياسية أياً كانت.. إذ يتزاورون ويلتقون يساندون بعضهم البعض ضحوا معا أينما وجدوا داخل الوطن أو خارجه..
مآسي التشطير
ماذا شكل عدم إعلان الوحدة بالنسبة لليمنيين المنتظرين لإعلانها سياسيا..؟ وما هي أهم مآسي التشطير التي تتذكرها ..؟
– شكل تغيب إعلان الوحدة من بيانات الاستقلال، تحولاً قاسياً بالنسبة لانتظار الشعب اليمني، بل كان بداية مرحلة جديدة من معاناة التشطير البغيض الذي كان من أهم مآسيه تحويل اليمن إلى شطرين لهما خطوط تماس نارية اشتعلت بينهما الحروب أكثر من مرة وتجرع الناس في القرى الحدودية الموت والتشرد والغربة.. وتاليا لذلك فمن أهم القصص المؤسفة أن الأسر التي كانت تزور أقاربها على بعد أمتار خط التماس الجنوبي تعود إلى صنعاء لإخراج جواز وتأشيرة خصوصا أيام الأزمات والحروب.. كما أن المهاجرين من الجنوب إلى الخليج لا يستطيعون الدخول بجواز عدن مطلقاً، فكانوا يسافرون صنعاء للحصول على جواز سفر وبطاقة شخصية للخليج.. والقصص كثيرة ولا يتسع المقام لسردها لكن أهم ما في الأمر أن تأخر إعلان والوحدة ودخول الشطرين في معمعة الصراعات والحروب، دفعا بالمواطن اليمني خصوصا الشباب إلى الهجرة فزادت أعداد المهاجرين على ما كانت عليه خصوصاً من تلك المناطق الحدودية التي شهدت مآسي التشطير.. كما أن الوضع التشطيري أجبر السكان خصوصاً في تلك المناطق على الهجرة والسفر بعيدا عن دوامة الحروب والأحداث المدمرة..
هل تقصد أن لتلك الفترة التشطيرية والصراع في الجنوب واعتراض التحديات للنظام الجمهوري في صنعاء علاقة طردية بتزايد هجرة اليمنيين.. ؟! ومتى هاجرت أنت..؟!
– بالتأكيد أقصد ذلك.. صحيح أن هجرة اليمنيين لها أسفار تاريخية ومحطات عابرة للزمن والجغرافيا شرقا وغربا، شمالا وجنوباً، قديما وحديثاً، وأن اليمني يتسم بأنه مجبول على الترحال، حباً في اكتشاف العالم من حوله، لكنه جزء من مجتمع حضاري، يتعطش إلى الاستقرار في بلده وبناء وطنه مثل غيره من بلدان العالم.. ولا أغفل هنا حقيقة هامة هو أن غياب إعلان الوحدة اليمنية في الاستقلال شكل نكسة بالنسبة للمغتربين اليمنيين، الذين دعموا الثورتين بالمال والسلاح، منطلقين من أمرين أساسيين: الأول: إيمانهم بأن التحرر من الاستبداد والاستعمار ستجعل اليمني يستقر ويبني دولة جاذبة للعالم لطبيعتها وخصائصها الجغرافية والحضارية، وينهي فصول ما يسمى بالدويلات والأنظمة الشمولية التي جعلت من اليمن بلدا طارداً لبنيه.. الأمر الثاني: المفارقات الصادمة التي كانوا يقرأونها بإمعان بين واقع اليمن ونهضة دول اغترابهم سواء في الوطن العربي أو إفريقيا أو شرق آسيا أو أوروبا وأمريكا وغيرها..
قصة الاغتراب
هل كنت ممن هاجروا في تلك النكسة..؟! وكيف سافرت حينها..؟!
– نعم كنت ممن هاجروا بعد تلك النكسة في 1968م.. وخلاصة هذه السفر أنه كان هرباً على والدي رحمه ودون علمه، حيث بعثني والأخ قاسم حيدرة أحد أقربائي من الأسرة إلى سوق شعيب لشراء بضاعة وجلبها على الحمير ليلاً حتى لا يدركنا أصحاب النقاط الشطرية، حيث كان والدي يعمل في محل صغير للمواد الغذائية في قريتنا.. فبعد شراء البضاعة ودنو الليل انطلقت أنا وقاسم خلف الحمير للعودة إلى جبن، وقد احتفظت بـ 12 ريالاً جمهورياً لتعينني على سفري إلى عدن، وعندما وصلنا منتصف الطريق، ضربت بكفي على جبيني فقال لي قاسم: ما بك. قلت؟ لقد نسيت الكعك في المحل الذي كنا فيه عند شراء البضاعة، وكنت تركتها عمداً.. وعليّ أن أرجع لها وأنت تمضي وأنا سألحقك.. وانطلقت في الظلام عدواً وكما لو أني فلت من الوحوش.. حتى اقتربت من الضالع المدينة وبينما أنا أتلفت لأسأل المارة كم تبعد عني مدينة الضالع.. إذا أنا بالأخ سعيد صالح حبيش الذي كان قائد المقاومة الشعبية للدفاع عن الثورة، والذي ذكرته سابقاً، وقد انصرف بعد الاستقلال للبحث عن فرصة عمل، ليسوق شاحنة نقل ديزل وبترول بين عدن والضالع، ففرحت به فرحا شديداً حيث أوصلني إلى الضالع.. ومن الضالع انطلقت مشياً على الاقدام إلى نقيل (خريبة) حيث مرور الشاحنات المتجهة إلى عدن، وهناك صادفت شاحنة محملة ببراميل ديزل وبترول، قال لي صاحبها إنه لن يسافر إلى عدن إلا بالصباح فكان عليّ النوم جوار الشاحنة حتى الصباح لكني لم أذق النوم بسبب روائح الديزل والبترول.. ثم سافرنا صباح اليوم التالي إلى عدن وكانت أول زيارة لي إلى عدن..
كيف وجدت عدن يومها.. وأنت تدخلها لأول مرة.. ؟!
– أتذكر حال دخولي عدن حيث كنت شاخصا أمام مشهد العمران والحركة المرورية والشوارع الطويلة والبنايات السامقة.. لقد أحسست يومها أني في كوكب آخر، ولا يتسع المقام لكي أشرح لك الصور التي لم تزل محفورة في ذاكرتي حتى اليوم عن عدن العراقة والتاريخ والتجارة وملتقى البشر.. حين وصلت عدن سألت عن كريتر وأخذت سيارة أجرة أوصلتني إلى بيت أحد أبناء مديرية جبن وهو غالب محمد واصل، وكان يتولى مساعدة المسافرين والمهاجرين، ومكثت عنده شهراً كاملاً وكان القلق يسرج في نفس سهر الليالي الطوال وأنا أترقب مجيء والدي لإعادتي للقرية، خصوصا بعد أن بعث له واصل رسالة أخبره بأني عنده .. ولم يهدأ لي بال حتى جاءت رسالة من الوالد رحمه الله فتحت أمامي عالم الفرح والسعادة حيث أوصى الوالد بأن يعتني بي وأن يرتب أموري للسفر إلى حيث أريد.. وفعلاً كان ذلك، فقررت السفر إلى الإمارات العربية المتصالحة- حسب تسميتها في ذلك التاريخ- ولكن سفري كان غير شرعي وعن طريق البحر..
كيف كانت رحلتك عبر البحر..؟ وما هي أقسى صور المعاناة التي لم تغادر ذاكرتك.. ؟!
– لقد أبحرنا في سفينة مكونة من ثلاثة طوابق تعمل بالشراع التقليدي الخاضع لمصادفات الرياح ورحمة الموج.. وأتذكر أني كنت أرتدي قميصاً أبيض وبنطلوناً أسود ولا أجد غيرهما مطلقاً وكنت ضمن 150 مسافراً، وكنا نستغرب لماذا لا تقترب السفينة من الساحل حتى وصلنا حدود سلطنة عمان تم إنزال السلاح الذي كان في الدور الأول من السفينة، بينما الدور الثاني حيوانات أغنام وأبقار، ونحن في الدور الأخير.. وعرفنا فيما بعد أن السلاح كان مهرباً من سلطات عدن إلى ثوار عمان..
إن أقسى صور المعاناة التي حفرت في الذاكرة، هي أني أصبت بالدوار لركوبي البحر لأول مرة، فعشت عذاب لا يطاق وأنا لم أتجاوز السابعة عشرة، وما أخافني هو أن أحد المسافرين في السفينة أصيب بالدوار وأغشي عليه وفارق الحياة، فألقي بجثته في البحر، فاستوطنني الخوف إلى درجة كبيرة ما جعلني أتيقن بالهلاك، فكان عليّ ترديد آيات القرآن التي أحفظها انتظاراً لمصير رفيقنا في الرحلة وكان هذا المشهد يخيفني.. وقد استمرت الرحلة شهراً كاملاً..
العودة للوطن
بالعودة إلى قضية الوطن الذي عاش فصول الصراع بعد الاستقلال.. فبعد عامين من الاغتراب في الإمارات عدت لليمن.. كيف وجدت عدن والطريق التي قادتك إليها لأول مرة.. هل من تغير.. ؟!
– عدت إلى الوطن ولكن ليس عبر البحر عبر الطيران إلى مطار عدن.. فوجدت عدن حينها بنفس الزخم الذي شهدته لأول مرة فيها.. لكن الوضع السياسي كان يشكل ضباب يطغي على كل تطلعات المجتمع اليمني ببناء الدولة التي حلم بها اليمنيون على مدى عمرهم النضالي، فظل الصراع قائماً، وكان الجدل والخوف محتدمين بعد حركة التصحيح التي أقصت الرعيل الأول من المناضلين أمثال قحطان الشعبي ومن إليه.. الأهم من ذلك إن المشهد السياسي كان يومها غير مستقر وإن هدأ بين الحينة والأخرى فكانت حالة الهدوء مؤقتة..
ما الذي دفعك للتفكير بالهجرة صوب أمريكا.. ؟! ومتى هاجرت.. ؟!
– فكرت بذلك لأني لم أر في الإمارات ذلك المهجر الذي سيلبي طموحي، في الحصول على عمل ومصدر دخل يلبي متطلبات حياة الأسرة يومها، وأنا عند والدي وإخواني، فكيف إذا تزوجت وصرت رب أسرة مستقلة.. وأتذكر أني هاجرت إلى أمريكا عام 1971م وأنا في بداية العشرينيات من العمر فبدأت في بعض الأعمال الخاصة في مجال التجارة ثم في مصنع (كرايسلر) للسيارات، حيث ساعدني أحد أقربائي وهو عبدالرحمن حيدرة، كان يشتغل في المصنع.. كما حظيتُ بفرصة العمل مع بعض الأخوة العرب اللبنانيين والفلسطينيين الذين اغتربوا في أمريكا منذ ثلاثينيات القرن الماضي.. فالتمست من نشاطهم، وكنت منفتحا مع أنشطتهم في مجال العمل المؤسسي، وكنت أحد مؤسسي الكيانات المؤسسية الخادمة للجاليات العربية في أمريكا، ولعل أهمها : مؤسسة المركز العربي الأمريكي للخدمات الاجتماعية في عام 1973م، ولا زال المركز قائما حتى اليوم.. والمركز العربي الأمريكي الكلداني، وكذلك كنت أحد مؤسسي الغرفة التجارية العربية الأمريكية التي ضمت كوكبة من رجال الأعمال العرب والأمريكان..
وعلى الصعيد الوطني خدمة المغترب اليمني، فقد كان لي شرف الإسهام في تأسيس الجمعية اليمنية الأمريكية ثم الجمعية الوطنية اليمنية الأمريكية، ناهيك عن تأسيس أول اتحاد عام للمغتربين اليمنيين، والذي تفكك فيما بعد إنشاء وزارة المغتربين بل تفعيل دورها في رعاية المغتربين وتولي مهام قضاياهم..
في 1973م عدتم إلى اليمن.. هل لمستم أي تغيير باتجاه الدولة الحديثة سواء في صنعاء أو في عدن.؟! وما دور المغتربين اليمنيين في التنمية حينها..؟
– في الحقيقة كانت هناك نقلة نوعية باتجاه التعليم والمعرفة، والعمل والإنتاجي في الدولتين، خصوصا في الشمال.. ولكن كان الوطن يعاني في وسطه من داء التشطير وخطوط التماس النارية، والدعوات للوحدة وفقاً لمصلحة كل طرف، وكانت حينها تداعيات حرب عام 1972م والمدمرة والتي انتهت باتفاقية طرابلس بين رئيسي الشطرين، لا تزال مستمرة وبدأت حينها ملامح إشكالات ما يسمى بالجبهة الوطنية التي كانت سببا حاسما في قرارات الحروب التي شهدتها محافظات ومديريات مناطق الوسطى..
المغتربون اليمنيون لعبوا من وقت مبكر أدوارا ريادية في مسار التنمية في الوطن وكانت لهم إسهامات في بنية اليمن العمرانية الحضرية المعاصرة، وفي الاستثمار العقاري، ناهيك عن ما تشكله تحويلات المغتربين من حركة تجارية ودورة مالية مجدية للبلد، كما دخلوا في شراكات استثمارية مع مستثمرين عرب وأجناب لكن للأسف وضع البلد السياسي والأمني كان عادة ما يقطع الطريق على كل الجهود التي يبذلها المغتربون..
في 22 مايو 1990م أعلنت الوحدة اليمنية في عدن.. أين كنت وما هي مشاعر المغتربين حينها.. ؟!
– كنت يومها في أمريكا، ولم أنس أجواء الفرح التي عاشها كل أبناء الجالية اليمنية في أمريكية، ولا تزال ذكرى الوحدة إلى اليوم خالدة في قلوبنا ووجداننا وستظل كذلك في وجدان أجيالنا وذاكرة تاريخنا اليمني المجيد.. لقد عزز المغتربون بعد ذلك جهودهم وعطاءهم للاستثمار في الوطن الذي عاش عقب الوحدة نهضة سياسية فرضتها مقتظيات النظام السياسي التعددي، وتزامنت معها نهضة اقتصادية في توحيد روافد النماء المتعددة، ولعب المغترب اليمني دورا تنمويا استثماريا عمرانياً بشكل كبير في مختلف المجالات، لكن لم تستمر هذه الوتيرة العالية من الأمل المقرون بالعمل فقد دخلت اليمن في حرب صيف 1994م، التي انتهت بانتصار الوحدة، وبدأت اليمن عهداً جديداً من التنمية والاستقرار، لكن ما لبث هذا الاستقرار أن شهد أحداثاً وظواهر سلبية أدت إلى نفور الاستثمار والسياحة عن اليمن.. رغم جهود المغتربين.. وأتذكر أنني في عام 1998م سافرت – أو بالأحرى عدت- من الولايات المتحدة الأمريكية إلى اليمن، مع وفد عربي أمريكي من كبار المستثمرين العرب والأمريكان.. وكانت وجهتنا إلى عدن وأبين وحضرموت للاطلاع على فرص الاستثمار في المجال الزراعي والعقاري وغيرها.. ولكن للأسف حصلت حينها حادثة أبين الإرهابية التي طالت مجموعة من السُّياح الأجانب.. فرجع الوفد من صنعاء..
على ذكر التطرف والإرهاب إلى أي مدى أضرّ بسمعة اليمن وصورتها الذهنية الحضارية في الخارج..؟! وهل توقف المغترب اليمني عند هذه التحديات.. ؟
– الإرهاب آفة عالمية خطيرة، لا يسيء فقط لليمن بل يسيء لرسالة الدين الإسلامي وقيمها السامية، لقد أضاعت اليمن والمنطقة العربية فرص الأمن والاستقرار، ما جعل عدداً من الدول في دائرة حمراء وهذا بالتأكيد يؤثر على المغتربين، سواء في أمريكا أو أوروبا أو غيرها من الدول المتقدمة..
هذه التحديات، لم توقفنا كمغتربين عن أداء دورنا التنموي الوطني المطلوب، ولو بالمبادرات الشخصية المتواضعة، فشخصياً كان لي شرف الإسهام في الأفكار التنموية الأخرى خصوصاً في المجال الزراعي حيث ساهمت في تأسيس الجمعية الزراعية في اليمن وكانت ولا زالت موجودة.. وأكبر ما كان يدفعني ومجموعة من خيرة أبناء الوطن في المهجر، إلى المجال الزراعي، حاجة البلد إلى النهضة بواقع الإنتاج الغذائي وكون الزراعة قامت عليها حضارة يمنية عريقة وأصيلة.. وبالتالي نشطنا في إنشاء وإقامة مزارع في أبين وفي البون بعمران، كما أقام عدد من المغتربين مزارع في تهامة وكان لها حضور إنتاجي كبير لا يتغافله أحد..
وضع اليمن الإنساني
حالياً كيف تتابعون الأوضاع في الوطن الأم الذي يشهد عدواناً وحصاراً ظالمين للعام الرابع على التوالي..؟
– بأسف وحزن كبيرين نتابع ما يجري اليوم من عدوان وحصار صارخين على وطننا الحبيب، وهي مؤامرة كانت مدبرة، مع سبق الإصرار والترصد، بدليل مسار الأحداث التي شهدتها الساحة اليمنية من ثورة ربيع 2011م، المدعومة بالمال الخليجي لإحداث الفوضى في اليمن، وصولاً بالقوى السياسية إلى الصراع والتناحر، ومن ثم مباشرة تحالف العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي الغادر على اليمن، صبيحة 26 مارس 2015م وإلى الآن لم تحط هذه الحرب العدوانية الظالمة رحالها بل يتم التصعيد من فترة إلى أخرى بهدف إخضاع الشعب اليمني وهذا لن يحدث، ومعطيات التاريخ والجغرافيا أكبر دليل على بسالة اليمني واستماتته في الدفاع عن بلده ووطنه حتى الموت..
كيف تنظرون لما يجري في جنوب الوطن وفي سقطرى ..؟ وهل سيؤثر على الوحدة اليمنية..؟
– ما يجري يعكس كارثية الأوضاع في اليمن، ويعكس بلا شك نتاج اختلاف وتناحر اليمنيين مما جعل الأشقاء في الخليج يعبرون عن أطماعهم التاريخية في الجغرافيا اليمنية صراحة، لكن هذه حالة مؤقتة وستدفع باليمنيين ولو تدريجياً إلى النظر بعين العقل ومراجعة المواقف، ليصل الجميع إلى معادلة لا مفر منها وهي الاتحاد والتسامح والتعايش وجعل مصلحة وسيادة اليمن فوق كل الاعتبارات والمصالح السلطوية والسياسية والمادية..
ومهما كانت المجريات والأحداث التي تحاول فرض واقع جبري من الفرقة والتجزئة والانفصال بين أجزاء الجغرافيا اليمنية، لا يمكن لها أن تمس فكرة ومضمون الوحدة اليمنية التي هي راسخة في نفوس ووجدان اليمنيين عبر التاريخ كما ذكرت لكم آنفاً.. وإن شعر الغزاة والمستعمرون الجدد بأن الأمور ستهادنهم أو ستكون سالكة لهم، فسوف تكون وبالاً عليهم..
وأنت رئيس المجلس الإداري للجمعية الوطنية اليمنية الأمريكية (نايا) ماذا قدمتم لليمن في هذه الظروف الصعبة..؟ وماذا عن مؤسسة حيدرة للسلام والتنمية الإنسانية التي أسستموها مؤخراً في صنعاء…؟
– الجمعية الوطنية اليمنية الأمريكية (نايا) لعبت دورا خدميا كبيرا لشريحة كبيرة من أبناء الجالية اليمنية في أمريكا، وعلى مختلف المحطات منذ تأسيسها في العام 2000م.. وبالنسبة لمؤسسة حيدرة للسلام والتنمية الإنسانية، فهي مؤسسة خيرية غير ربحية مسعاها خدمة اليمن في هذه الظروف القاسية والصعبة التي فرضها العدوان والحصار، وترأسها الآن زوجتي الفاضلة سهير عبدالرحمن المعيضي التي يعود الفضل لها في فكرة المؤسسة وترتيبات التأسيس وبدء النشاط الفعلي على الأرض، في مايو 2017م ولديها مقومات العمل الخيري والإنساني وكذلك التدريب والتأهيل إذ تم تجهيزها بمعامل خياطة متكاملة ومعامل معجنات لتدريب الفتيات من الأسر الأشد فقراً.. كما أنها تعمل بكادر متخصص، وقد نفَّذَتْ مجموعة من المشاريع الخيرية منذ انطلاق نشاطها لا يتسع المقام لذكرها.. لكن نود الإشارة إلى أننا حاولنا أن نزوُّد المؤسسة بكميات من الأدوية لتتولى توزيعها لكن للأسف حال العدوان الحصار دون ذلك حيث أغلق كل منافذ الجمهورية اليمنية، في ظل وضع إنساني كارثي من الدمار والأوبئة..
كما أنني أعمل حاليا بكل جهد ومثابرة لعمل فرع للمؤسسة في أمريكا لمساندة فرع صنعاء في خدمة اليمنيين في الداخل عبر الإسهام في مشاريع خيرية ينفذها فرع صنعاء في الأمانة والمحافظات الأكثر فقراً.. وأيضا اليمنيين في الخارج حيث أؤكد أن فرع مؤسسة حيدرة سيتبنى برامج خاصة في المهجر تعنى بمساعدة الطلاب والمرضى والجرحى العالقين في الخارج وبرامج لتخفيف معاناة المغترب اليمني جراء القرارات الأخيرة المتصلة بمنع اليمنيين من التأشيرة إلى أمريكا..

قد يعجبك ايضا