الجذور التاريخية للصراع اليمني السعودي (4)
عبد الجبار الحاج
وفي أواخر 1930 التقى حسين الدباغ مندوب حزب الاحرار بالسيد الحسن الادريسي في بلدة ميدي الساحلية التي تقع اليوم ضمن الاراضي اليمنية واتفقوا على تزويد الادريسي بالسلاح والمؤن واعلان الثورة وهم بدورهم سيعلنون التمرد في مكة وشمال الحجاز لكن الادريسي تأخر في إعلان الثورة حتى نوفمبر 1932 حيث استطاع إقناع وحشد وتأليب القبائل المحاربة على حكم ابن سعود وقام باعتقال مندوبي عبدالعزيز ودخلت قواته مدينة جيزان وتزامن ذلك مع اندلاع تمرد ابن رفادة شمال الحجاز قبلها بأشهر بسيطة وقام الادريسي بإرسال برقية لابن سعود يبرر فيها تصرفه وحبسه لمندوبيه فرد عبدالعزيز باقتراح تشكيل لجنة سعودية إدريسية لحل الخلاف بين الطرفين لكن السعودي في اللجنة يتقن ان الثورة ماهي إلا للتخلص من معاهدة اكتوبر 1926 ومحاولة من الادريسي لاستعادة زمام السلطة وإعادة سلطته على إمارته التي فقدها ضمنيا لصالح مندوبي عبدالعزيز …
فقام عبدالعزيز بإرسال قوات بقيادة ( خالد بن لؤي) * مجهزة بالسيارات والرشاشات الخفيفة والمدفعية وأحدث العتاد العسكري الانجليزي واستطاعت بسهولة اجتياح أراضي الادريسي واحتلالها ( من القحمة وحتى مدينة جيزان) * في أواخر نوفمبر من نفس العام .
وفي ديسمبر 1932 استطاع الإدريسي مرة أخرى وبمساعدة بعض زعماء القبائل الرافضين للحكم السعودي حشد قوات القبائل عبر استنهاض عاطفتها واصطفت في بلدة المضايا* جنوب جيزان بقيادة الشيخ علي بن احمد الحكمي شيخ قبيلة الحكامية إحدى أكبر قبائل جيزان وكانت تملك القوات القبلية وبعض الاسلحة التي حصلت عليها من حزب الاحرار الحجازي وكذلك من تلقت مساعدة بسيطة ببعض البنادق والذخائر من قبل ألمانيا بالإضافة إلى الأسلحة البيضاء غير أن التسليح الذي حصلت عليه كان لا يقارن ابدا بتسليح قوات عبدالعزيز التي كان يقودها ( سعد بن خالد بن لؤي * المجهز بأحدث الأسلحة والعتاد الانجليزي الحديث واندلعت ما تسمى بمعركة المضايا لكن القوات القبلية لم تصمد امام قوات الامير وانهارت مقاومتها وقتل منها من قتل واعتقل الشيخ علي وأرسل إلى الرياض حيث قضى تحت التعذيب * كما يقول أحفاده وفر الادريسي إلى ميدي أولا ثم إلى صنعاء وواصل جيش عبدالعزيز اجتياح أراضي الامارة الادريسية على الرغم مما بدا من مقاومة تذكر واشتدت تلك المقاومة عند الحدود الحالية حين تعرضت قواته لكمين أعده مقاتلون قبليون *
وبحلول فبراير 1933 كانت قوات سعود قد أمكن لها سيطرتها على كامل اراضي الإمارة الإدريسية وقضت على آخر جيوب المقاومة والثوار وفر الأدريسي وانصاره وحاشيته إلى ميدي أولا ثم إلى صنعاء لاجئا سياسيا وكانت تلك بداية لحظة تحالف يمني يمني ضد سعود ورغم أهمية تلك اللحظة والمحطة السياسية والعسكرية الهامة في مجرى الصراع اليمني السعودي إلاّ أنها تأخرت كثيرا ..
طلب عبدالعزيز من الإمام يحيى حميد الدين تسليم الادريسي فرفض الإمام وفي ابريل 1933 توغلت قوات الإمام في نجران لتأديب قبائل يام التي اتهمها الإمام بمساعدة ثوار قاموا ضده في شمال اليمن وتلك خطيئة يمنية سياسية كبرى في هذا التوقيت الهام الذي كان على يحيى ان يوفر أبناء يام لنجران والذين على الرغم من خلافهم مع الإمام او الامامة الا انهم كانوا على صراع شديد ومقت للوهابية الدينية والسياسية الزاحفة ولهم حروب عنيفة مع آل سعود ..
في اكتوبر من نفس العام توغلت قواته ايضا وسيطرت على بلدة بدر الجنوب وبدأ الأدارسة مرة أخرى في استنهاض قبائل جيزان للثورة على ابن سعود مما أغضب عبدالعزيز ووجه إنذاراً آخرا للإمام لإعادة الحدود كما كانت وتسليم الأدارسة وفي تلك الاثناء كان عبدالعزيز قد حصل على قرض من شركة النفط بغرض شراء الأسلحة ..
في فبراير ومارس 1934 عقد لقاء بين مندوبي عبدالعزيز والإمام في أبها لم يفض إلى نتيجة فأرسل عبدالعزيز جيشين الاول بقيادة نجله سعود ويقصد نجران والثاني بقيادة نجله فيصل ويقصد تهامة حيث تمكن فيصل من دخول الحديدة في أوائل مايو 1934 لكن المقاومة اليمنية التي واجهت الزحف السعودي المعزز بأسلحة الطيران والمصفحات والطيران والخبراء والقادة البريطانيين الذين أداروا المعركة مما جعل معركة الساحل سهلة امام تطور هائل في الجانب السعودي المدجج بالدبابات والطيران والمدفعية وهي في ايدي الخبراء والقادة والضباط الانجليز وهكذا كانت بريطانيا هي من تدير تلك الجيوش في مجالها البري والجوي والبحري الهائل التفوق فكان الفارق الهائل في معركة الساحل لصالح عبد العزيز .
بينما واجه سعود صعوبات في معاركه في الشريط الجبلي بسبب صعوبة تضاريس المنطقة لكن سفنا بريطانية وأخرى إيطالية بدأت تقترب من ساحل الحديدة فاقتنع فيصل بصعوبة السيطرة على الحديدة وفي منتصف مايو وقع فيصل وعبدالله الوزير أقرب مساعدي الامام اتفاقية هدنة بين الطرفين انسحبت على اثرها القوات السعودية من الحديدة وسلم الامام الادارسة لعبدالعزيز الذي اوصلهم الى جدة وتقول بعض المصادر انهم اقاموا لديه وقرر لهم مخصصات شهرية .