المراقب والكاتب السياسي العربي المتخصص في شؤون اليمن فيصل جلول لـ « «:
إنقاذ اليمن من السقوط في براثن العدوان يوجب على اليمنيين فتح صفحة جديدة وطي صفحة الماضي
ترحيل المغتربين اليمنيين ضغط سعودي بلقمة العيش وضمن أشكال العدوان الاقتصادي على اليمن
حكومة هادي ارتضت قتل شعبها وفقدت مصداقيتها وصار أمرها منوطاً بالمعتدين
اليمنيون أمام خيارين: إما استسلام يفضي لتشطير وعبودية وفقر أبدي أو صمود للعيش في وطن حر مستقل
الفيتو الروسي الأخير يعكس إخلاص روسيا لحليفها الإقليمي القوي إيران ولا يستهدف اليمنيين
انتصار اليمن على كل قوى العدوان يشكل فرصة لتغيير ميزان القوى العربي وجعله أكثر توازنا
وقف العدوان فيه مصلحة للسعودية .. وأقول للجميع اتفاق سيئ خير من حرب مدمرة
جرائم الإبادة في اليمن حطمت الطابع الأخلاقي لنظام حقوق الإنسان في العالم وبينت أنه سلاح لا يحمي المستضعفين
لقاء / محمد محمد إبراهيم
أكد المراقب والكاتب العربي المتخصص في شؤون اليمن فيصل جلول: أن رياح اليمنيين لم تأت بما تشتهيه سفن دول تحالف العدوان بقيادة السعودية، وأنها تطوي عامها الثالث كالعامين الماضيين بلا نتائج مهمة لصالح العدوان.. موضحاً أن جرائم الإبادة الجماعية بحق اليمنيين حطمت الطابع الأخلاقي لنظام حقوق الإنسان في العالم مبينّة أنه سلاح فتاك يطلق ضد الذين لا ترضى عنهم دول الهيمنة العالمية، وأنه لا يحمي المستضعفين الذين يستجيرون به..
وقال جلول إن : صمود الشعب اليمني ومقاومته للعدوان، ليس غريبا عن تراث هذا البلد الذي لم يستقر احتلال فيه ولم يخضع أهله عبر التاريخ للظلم الأجنبي وإن استقر الاحتلال في جنوب اليمن حول الشمال إلى قاعدة للمقاومة وتم كنس البريطانيين خلال أقل من خمس سنوات. متطرقاً لتجاذبات المشهد الدولي تجاه الحالة اليمنية وكذلك الفيتوا الروسي الأخير ,, والملف السوري.. وغيرها من القضايا.. في هذا اللقاء :
كيف تقرأ مجريات العدوان على اليمن وهو يدخل عامه الرابع ؟
– كان العام الثالث للحرب على اليمن كالعامين الماضيين بلا نتائج مهمة لصالح العدوان.. وللتذكير كانت المملكة العربية السعودية تعتقد أن الحرب ستكون بمثابة نزهة تستمر أياما وأن مقاومة العدوان ستنهار بفعل الحصار وضغط المؤسسات الدولية.. لكن رياح اليمن لم تأت بما تشتهيه سفن المعتدين. بالمقابل ازدادت معاناة الشعب اليمني وازدادت مخاطر الموت والأمراض المعدية والجوع دون أن يشكل ذلك ضغوطا حاسمة على الحكومة اليمنية لحملها على تقديم تنازلات تؤدي إلى خسارة الحرب والخضوع للمعتدي..
في تقديرك ما الفارق الأبرز في ثلاث سنوات من العدوان عن سابقاتها ..وما علاقة العدوان بما تشهده المنطقة ؟
– الفارق في السنة الجديدة لهذه الحرب المشؤومة تمثل في تكثيف إطلاق الصواريخ على المدن السعودية ضمن معادلة مدينة بمدينة ومنشأة بمنشأة..
أما علاقة الملف اليمني بما تشهده المنطقة.. فنود الإشارة إلى أن الحرب على اليمن، اندلعت جراء التغيير الذي شهدته المنطقة بعد الربيع العربي، حيث ضربت الدول التي كانت تقول لا للهيمنة الأجنبية والخليجية . هذا التغيير السيئ الذي أطاح بكل مواقف الاعتراض والتمنع في العالم العربي أطلق يد السعودية ووفر لها تغطية واشتراك دولي في هذه الحرب القذرة. أن انتصار اليمن في الحرب ينطوي على هزيمة لكل هذه القوى وبالتالي فرصة لتغيير ميزان القوى العربي وجعله أكثر توازنا..
ما التوصيف الدقيق .. لما يرتكبه الأشقاء، بحق الشعب اليمني.. ؟!
– يتعرض اليمن لإبادة جماعية أمام أعين العالم الذي ينام على صدور اليمنيين البؤساء غير عابئ بالجرائم التي ترتكب تجويعا وقتلا عمداً بنيران المدافع والقصف الجوي المباشر، وبالأمراض من خلال تدمير البنية التحتية.. هذه الجرائم حطمت الطابع الأخلاقي لنظام حقوق الإنسان في العالم وبينت أن هذا النظام سلاح يستخدم ضد الذين لا ترضى عنهم دول الهيمنة العالمية ولا يحمي المستضعفين الذين يستجيرون به.
ليس غريباً
كيف تقيم ما يجترحه اليمنيون من صمود أمام حرب الإبادة هذه ؟
– صمود الشعب اليمني ومقاومته للعدوان ليس غريبا عن تراث هذا البلد الذي لم يستقر احتلال فيه ولم يخضع أهله عبر التاريخ للظلم الأجنبي وان استقر الاستعمار في جنوب اليمن تحول الشمال إلى قاعدة للمقاومة وتم كنس البريطانيين خلال أقل من خمس سنوات.. اليمن لا يركع أمام الغزاة رغم الأثمان الباهظة التي يدفعها اليمنيون للعيش بحرية وشموخ .
على الصعيد الدولي.. برأيك هل لا زال الملف السوري مؤثراً في الملف اليمني على سبيل المقايضة..؟
– نعم الحرب على سوريا تنطوي على تأثير واضح على الحرب على اليمن. في سوريا وفي اليمن تصر واشنطن وحلفاؤها على إخضاع اليمنيين والسوريين وإبعادهم عن فلسطين وإلحاقهم بجوقة العبيد.. إن انتصار السوريين أو ضعفهم ينعكس إيجابا وسلبا على اليمنيين وتصح المعادلة في الاتجاه الآخر فكل إنجاز يمني مفيد للشعب السوري.
* ماذا يعني الفيتو الروسي الأخير الذي ضد قرار مجلس الأمن الذي يسعى لإدانة إيران؟
– الفيتو الروسي يعبر بوضوح عن أن روسيا ما زالت تحافظ على موقفها من الحرب على اليمن مع استثناءات ثانوية فهي منذ البداية لم تشأ تعطيل الحرب لذا امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن على قرار تغطية الحرب ووسائل الإعلام الروسية مازالت أقرب إلى العدوان منها إلى مقاومته أما تعطيل قرار مجلس الأمن لإدانة إيران فيراد منه الإخلاص لحليف إقليمي والحؤول دون تشريع أذيته لكن هذا الموقف ما زال اقل بكثير مما يفيد اليمن واليمنيين..
بالتزامن مع سنوات العدوان على اليمن.. تحدث الإعلام العربي والدولي عن علاقات تقارب كبير بين السعودية وواشنطن والسعودية والكيان الاسرائيلي .. ما قراءتك لهذا التقارب؟
– بين واشنطن والسعودية حلف حماية منذ تأسيس النظام السعودي كان هذا الحلف قاصراً على تبادل المنافع بشروط أمريكية مع هامش للمناورة لدى الطرف السعودي في المسألة الفلسطينية والعلاقة مع إسرائيل .. اختلف الحال مع فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية وتصريحاته المتكررة من أن على السعودية ودول الخليج أن تدفع بدل حمايتها ما أدى إلى توقيع عقود همايونية بين الرياض وواشنطن لتمتين عهد الحماية ومن ثم التقارب أكثر مع إسرائيل بزعم تشكيل حلف ضد إيران. لقد فقدت السعودية هامش المناورة مع الإدارة الأمريكية الراهنة وصارت مجبرة على العمل تحت سقف أمريكي منخفض.
ماذا يعني هذا التقارب لقضايا الصراع على مياه البحر الأحمر.. احتدام التفجيرات في سيناء والتي تجري تحت تعتيم كبير.. ؟
– التقارب الإسرائيلي السعودي سينعكس بالضرورة على البحر الأحمر الذي لا تريد واشنطن أن يكون بحيرة عربية مناهضة لإسرائيل بل مؤازرة لها. هذا التقارب رسم خطوطه العريضة الجنرال السعودي المتقاعد أنور عشقي الذي تحدث عن جسر النور بين جيبوتي وعدن وإقامة مدينتين على طرفي الجسر، واشترط لتحقيقه السلام مع إسرائيل وضمان أمنها في البحر الأحمر..
ومن ضمن ذلك نقل السفارة الأمريكية إلى القدس تمهيداً لضمها إلى الكيان الغاصب.. ؟! ولماذا في هذا التوقيت.؟
– ليس من باب المصادفة أن تختار واشنطن ضم القدس في هذا الوقت حيث يسود العالم العربي أصدقاء واشنطن وحلفاؤها في كل مكان. من يعترض على ضم القدس في هذا الوقت ؟ هل يجرؤ حلفاء واشنطن على تعبئة الرأي العام العربي والإسلامي من اجل تعطيل قرار ضم القدس وهم الذين يملكون وسائل التعبئة وصناعة الرأي العام..
بالعودة إلى الملفين اليمني والسوري.. برأيك ماذا يمثل صمود الشعبين أمام مشاريع التجزئة الصهيو أمريكية بأدوات عربية.. بالنسبة للقضية الفلسطينية…؟
– صمود وانتصار السوريين واليمنيين في الحرب الظالمة التي فرضت على الشعبين اليمني والسوري هو انتصار لفلسطين.. لأن سوريا واليمن كما ذكرت لكم سابقاً هما الدولتان الوحيدتان اللتان تقولان لأمريكا وقوى الغرب (لا)..
* كيف ترى المشهد السياسي اليمني المناهض للعدوان اليوم؟
– بالنسبة للمشهد اليمني الداخلي المناهض للعدوان.. أريد هنا أن أجيب عن سؤالين الأول سابق حول نتائج الحرب، والثاني حول الخريطة السياسية اليمنية.. بداية لا بد من الإشارة إلى أن ما وقع في ديسمبر الماضي هو مأساة يستفيد منها المعتدي وحده الأمر الذي يستدعي استخلاص دروس هذه المأساة..
وبالتالي على اليمنيين فتح صفحة جديدة بين كل القوى السياسية المناهضة للعدوان وطي صفحة الماضي.. إن الوسيلة الوحيدة التي يمكن إن تضعف المقاومة اليمنية للعدوان تكمن في انشقاق المقاومين واحترابهم وتصارعهم. إن إنقاذ اليمن من السقوط في براثن العدوان يوجب اليوم قبل الغد، اتفاقا استراتيجيا بين أطراف جبهة الإنقاذ اليمنية حول مستقبل اليمن بعد وقف العدوان ودور كل الأطراف في بناء هذا المستقبل والمشاركة في تجسيده.
بعد تدمير بنية اليمن التحتية ومواردها الاقتصادية.. اطلقت السعودية قرار ترحيل المغتربين اليمنيين.. تحت شعار السعودة. وعلى مرأى بل وتأييد من تسميهم السعودية بالشرعية.. كيف تقرأون هذا القرار..؟
– في السعودية اكثر من مليون يمني ومع ذلك لم تتمكن الحكومة السعودية من تجنيد عشرة الاف منهم للقيام بتظاهرة ضد بلادهم ولم تتمكن من تجنيدهم للقتال من أجلها على الجبهات وهذا أمر محبط للسلطات السعودية التي بدأت تضغط على المهاجرين اليمنيين بلقمة عيشهم وبالتالي وضعهم أمام معادلة.. الموت جوعا أو الوقوف مع عاصفة الحزم ضد بلادهم.. وبالتالي فالقرار برمته ضمن أشكال العدوان الاقتصادي والسياسي لليمنيين أينما وجدوا.
أما ما يتصل بحكومة المنفى في الرياض ككل الحكومات التي اختارت قتل شعبها ومساعدة المعتدي على تدمير بلدها صارت هامشية وضئيلة التمثيل والتدبير، هذه الحكومة فقدت كل مصداقية وكل قدرة على اتخاذ القرار المستقل وصار امرها منوط بالمعتدين. .
ما هي الرسالة التي يجب أن يفهمها اليمنيون المخدوعون بشعارات الحرب السعودية على اليمن بأنها مصلحة لليمن.. ؟!
– الرسالة الأهم التي استخلصها اليمنيون هي أن المشروع الذي يحمله العدوان ينطوي على استتباع لليمن إلى الأبد وحرمان اليمنيين من امتلاك القرار المستقل والتصرف في بلادهم بما يتناسب مع مصالحهم. اليمن اليوم أمام مواجهة خيارين إما الاستسلام وما يترتب عليه من تشطير وتفتيت وعبودبة وفقر أبدي، وإما الصمود طلبا للعيش في وطن حر مستقل.
لو افترضنا أن مفاوضات تلوح في الأفق.. بخصوص الحل السياسي بعد أن خسرت دول تحالف العدوان رهانات الحسم العسكري.. وصمد اليمنيون خارج توقعات دول التحالف ما رؤيتك للحل السياسي .. ؟!
– لو كنت مسؤولا في المملكة العربية السعودية لأجريت حسابا في أقرب وقت لمكاسب وأضرار الحرب على اليمن.. وسرعان ما سأكتشف أن لا مكاسب من هذه الحرب أبداً وأنها تزيد المشاكل التي كانت قائمة في المنطقة العربية من قبل مشاكل جديدة أكثر تعقيداً. ولخلصت الى نتيجة مفادها أن وقف الحرب ينطوي على مصلحة للسعودية أيضا وليس لليمن حصراً.. ويبقى أنني لو كنت مسؤولا عن اليمن لن تقع الحرب أصلا ولاعتمدت شعار العقل.. ودعوتي للجميع تتلخص في : “اتفاق سيئ، خير من حرب مدمرة”.
كلمة أخيرة تود قولها.. ؟
– هناك أمل في وقف الحرب يلوح من التقدم الذي تم إحرازه في المفاوضات في سلطنة عمان لكننا نحتاج الى معطيات موثوقة أكثر للتأكيد من دون تردد من أن الحرب على اليمن تعيش أيامها الأخيرة.