استطلاع/علي علوي –
أعمال التخريب منظومة درماتيكية تهدف إلى إغراق اليمن بالمشاكل
كثيراٍ ما نسمع عن استهداف أنابيب النفط في اليمن من قبل مسلحين أما تعلن عنهم الدولة أو تسكت وتتجاوزهم ومع غياب الدولة وانحسار عمود الاقتصاد اليمني وهو النفط بسبب الأعمال التخريبية لأنابيب تصدير النفط إلى الخارج بين الحين والآخر يبقى المرء في حيرة من أمره.
صحيفة «الثورة» استطلعت آراء نخبة من المفكرين والأكاديميين وبحثت معهم أسباب القضية وكيف يمكن تشخيص هذه المشكلة ومن يقف وراء استهداف أنابيب النفط ولماذا صارت هذه هي طريقة الضغط على الحكومة والدولة ولماذا لم تتخذ إجراءات رادعة بحق من يستهدف تخريب كل ما هو مرتبط بمصالح المواطن بالدرجة الأولى والوطن بالمرتبة الثانية وكانت الإجابات على النحو الآتي:
يقول الدكتور عبداللله الحاضري وهو كاتب ومحلل سياسي عن أبعاد تلك العمليات التخريبية: الواقع أن كل عمل تخريبي لا يخرج عن منظومة إغراق اليمن في مزيد من الإشكاليات خاصة الأمنية والاستقرار وتعكير صفو المواطن وتضييق الحال الاقتصادي حتى يتم نسف أي استقرار على أي مستوى قد ينسب للثورة.
وأشار إلى أن الحل يكمن في المزيد من التلاحم الشعبي والوعي الثقافي الذي يعمق المفاهيم الوطنية وأضاف قائلا: في مرحلتنا التاريخية هذه اختلطت كل الأوراق وبات من الصعوبة اتهام جهة ما بعينها قد يكون هناك تقاطع مصالح في التخريب لكن الجزم بأن جهة هي التي قامت بعملية التخريب اعتقد أن فيه تجاوزاٍ للواقع.
وأشار إلى أن الحكومة الحالية نظراٍ لتشكيلتها القائمة تعتبر شبه مشلولة ولا تستطيع أن تتخذ قرارات على المستوى الاستراتيجي خاصة في ما يخص الوضع الأمني وهذا الأمر أدى إلى ضعفها وعدم القدرة على مجابهة كل هذه الأعمال التخريبية.
غياب الأمن الحازم
من جانبه أشار الدكتور عادل الشجاع أستاذ علم الاجتماع المساعد بجامعة صنعاء إلى أن غياب الأمن وبشكل مخيف وارتكاب حواداث أمنية وتخريبية وباستمرار واعتماد الحكومة اعتماداٍ كلياٍ على الاقتصاد الريعي وليس على الاقتصاد الإنتاجي يفاقم مشاكل اليمن عموماٍ حيث أن النفط يساهم في الاقتصاد بما يعادل مانسبته 30% من الناتج المحلي و 70% من إجمالي إيرادات الدولة وبما نسبته 90% من الصادرات.
وأوضح الشجاع أن ضعف مؤسسات الدولة في اليمن الاقتصادية على وجه التحديد سبب في إنفاق معظم الموارد على أنشطة غير إنتاجية بشكل لا يساعد على النمو الاقتصادي الأمر الذي أوجد ثغرات كثيرة وبؤر فساد داخل المؤسسات الحكومية.
وطالب الدولة والحكومة بالعمل الجاد على مراجعة كل السلبيات والأخطاء والاستفادة من بعض الدول بتجاربها الناجحة وإجراء حزمة إصلاحات وبالذات في تحسين الأمن وما يؤدي إلى استقرار الأوضاع وتطبيق كل القوانين والتشريعات بكل حزم وبدون محاباة لأي طرف كان والعمل على تحفيز الاقتصاد اليمن والتحول من الاقتصاد الريعي الذي يعتمد على دخل النفط وحوالات المغتربين إلى الاقتصاد الإنتاجي. وتنوع المصادر لا يمكن أن يتم إلا من خلال استتباب الأمن وبسط يد الدولة على كل شبر فيها والسيطرة على المؤسسات وهيكلة المؤسسات الاقتصادية وإعطاء الأولوية للبنية الأساسية وتفعيل دور المؤسسات الرقابية ومكافحة الفساد وتفعيل مبدأ الشفافية والنزاهة.
وأضاف قائلاٍ: المشكلة هي أن أكثر الأشخاص الذين يديرون أكثر المؤسسات لا يمكلون أدنى خبرة في إدارتهم بسبب الفساد والرشوة ولكن نعول على حكومتنا الحالية عمل الكثير من أجل هذا الوطن والمواطن.
وتابع بالقول: أما المحور الثاني من الأسباب التي تجعل بعض من أفراد القبائل تفجرون أنابيب النفط وأبراج الكهرباء عدة أسباب ومن ضمنها شعور أصحاب تلك المناطق بالظلم والتهميش إذ يشعرون بقراره غيرهم يتمتع بالثروة وهم معزولون وغيرهم يتمتع بالكهرباء وهم محرمون منها وغيرهم يتمتع بالتعليم وهم لا فيشعرون بالنقمة كما أن هناك أناسا مرتزقة أيضا شغلهم ومصدر دخلهم أعمال التخريب.
وعن تصوره للحلول المناسبة للقضية قال: باعتقادي أن الحل هو أن تتبنى الحكومة اليمنية معالجة مشاكل أصحاب تلك المناطق وتلبية كافة احتياجاتهم فاليمن خسرت مليارات الريالات بسبب هذه الأعمال التخريبية وتفجير أنابيب النفط وقطع خطوط الكهرباء فلماذا لا تخسر الحكومة كم مليار ريال وتستغلها بعمل مشاريع ينعم بها أصحاب تلك المناطق ومن هنا تبسط الدولة ذراعيها على كل شبر في جميع تلك المناطق التي لا وجود للدولة فيها. واعتقد بأنه ستختفي كل المشاكل والمعضلات لأن سياسة استعراض العضلات فاشلة ولا تعطي نتيجة لا على الصعيد القريب ولا البعيد.
مؤشر لضعف الدولة
فيما اعتبر الدكتور خالد الصوفي أستاذ الاتصال والعلاقات العامة بجامعة صنعاء أن الخلل في الالتزامات وتغطية تكاليف البنية التحتية وتحسين الخدمات وعدم الخروج من الوضع المتردي القائم وعجز الأمن عن حماية أنابيب النفط كمنتج حيوي مؤشر لضعف الدولة حيث لم تستطع الدولة حمايته وهذا لاشك ينعكس على الاستثمار بشكل عام والسياحة لغياب الأمن والدولة.
وقال:” من يستهدفون أنابيب النفط ينفذون أجندة لأطراف هدفها خلخلة الوضع الأمني والاقتصادي والاجتماعي والسياسي داخل البلد خاصة وأن النفط منتج أساسي فنقصه في الأسواق يؤدي إلى إحراج الدولة وتهييج الناس ضدها لأن حياتهم مرتبطة به وثانياٍ باعتباره المورد الأهم لميزانية الدولة فاختلال تدفقه يعمل عجزا في الميزانية وغرامات وخسائر للبلد وشروطاٍ جزائية تدفع لعدم الإيفاء بالالتزامات مع المتعاقدين في الخارج إضافة إلى أن عدم تدفق النفط يعمل على تردي الخدمات لأن الميزانية معتمدة عليه”.
وأضاف قائلاٍ: ” الدولة تكاد تكون غائبة قبل الثورة وما زالت بعد الثورة مستمرة بضعفها وغيابها وهو ما يجعل هؤلاء النفر من المخربين يتمادون في همجيتهم لغياب الدولة وتكرار التفجيرات لأنهم لم يجدوا رادعا فتطورت وباتت بيئة مناسبة لأصحاب الأجندات ومن يدفعون للتفجير فالدولة غائبة وستستمر الظاهرة في ظل هذا التردي المخيف في غياب الدولة والقانون”.
مشيراٍ إلى أن الحل يكمن في وجود الدولة وأن تضرب بيُد من حديد حتى يرتدع هؤلاء الخارجون عن القانون في تفجير أنابيب النفط وأسلاك الكهرباء والتقطعات والفساد وانتشار مراكز القوى بمختلف أشكالها.
المكايدات والانفلات
بدوره قال محمد عبدالمجيد صالح وهو كاتب وباحث في الشؤون الأمنية: ” إن تفجير أنابيب النفط يشكل للحكومة اليمنية هاجسا مؤرقا هز ثقة المجتمع الدولي بها كونها كانت تمثل في نظره سفينة النجاة للشعب اليمني ويعول عليها النهوض باليمن من كبوته..
وأضاف: ” باستمرار هذه الأعمال الإرهابية فقد تأثر المحور الاقتصادي للبلد بشكل كبير إذ أن استهداف أنابيب النفط يعتبر استهدافا لعصب الاقتصاد الوطني ولحياة المواطن اليمني وفي كل جوانب حياته. ولهذا السبب وغيره من الأعمال الإرهابية فقد بلغت خسارة الدولة نحو 360 مليون دولار شهرياٍ مما سبب تراجعاٍ بالصادرات الأمر الذي أفضى الى الحالة التي نعيشها اليوم وانكماش الاقتصاد.
وأرجع أسباب القضية إلى عدم وجود رؤية أو هدف لدى فرقاء العمل السياسي وغياب المشروع العام وغياب الدولة والانفلات الأمني وبروز المكايدات السياسية بين الأطراف مما هيأ المناخ الخصب أمام المخربين.. كما أن طريقة تعامل الدولة في معالجة مثل هذه الجرائم فتح شهية الكثير ممن تتشابه حالاتهم ومطالبهم بأصحاب الحالات المذكورة وخصوصاٍ وأن هناك قواسم مشتركة لنفس المعطيات وقد تكررت.
ونوه إلى أن “أي إصلاحات ينبغي أن تكون في إطار المنظومة القانونية للبلد بحيث تكون البلد وخيراتها تدار بقانون وتكون الثروة مملوكة للشعب ويكون الشعب هو المالك الوحيد للسلطة بالإضافة إلى تفعيل أدوات الرقابة في البلد بحيث تدار وفق أدوات تقنية حديثة وأشخاص أمناء أكفاء”.
مطالباٍ الدولة بأن تقوم بواجباتها بفرض الأمن وتسيد القانون وفرض هيبتها وحماية مقدرات و خيرات البلد بالإضافة إلى المنجزات والثروات الوطنية.
وأشار إلى أن حساسية الوضع وخصوصية المرحلة قد تكون السبب في تريث الحكومة من القيام بواجبها الدستوري واتجاهها إلى الحل بطرق لا ترتقي إلى ما يتوق إليه الشعب.
وقال: “يكمن الحل من وجهة نظري في رفع مستوى التعليم في تلك المناطق بالإضافة إلى التوعية المستمرة والهادفة وتوفير الخدمات الأساسية وحل المشاكل وعدم ترحيلها وفرض هيبة الدولة وتسيد القانون”.