د. عبدالباري دغيش –
من أجل الوصول إلى الهدف المرجو والمنشود يجب مراعاة التدرج في خوض الحوار بمستوياته الثلاث ¡ بدءا◌ٍ من حوارات توليد الاحتمالات¡ ومرورا بحوارات توليد الفرص¡ وانتهاء◌ٍ بحوارات توليد الأفعال..
المستوى الأول : حوارات من أجل توليد الاحتمالات
الاحتمال هو إمكانية وقوع أمر ما لسنا على ثقة تامة بحدوثه ¡ ويلعب الاحتمال دورا◌ٍ أساسيا◌ٍ في حياتنا اليومية عبر التنبؤ بإمكانية وقوع حدث ما ..
في هذا المقام تحضرني العبارة المشهورة عن الأمام الشافعي :” رأيي صواب يحتمل الخطأ ¡ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب” ¡ وهي قاعدة يتجلى فيها قدر◌َ عال◌ُ من التسامح واحترام الآخر¡ والاعتراف به¡ وقبوله¡ وأكثر من ذلك تحث هذه القاعدة على توليد الاحتمالات¡ وحوار الاحتمالات هي تلك الحوارات التي يجب البدء بها¡ والغرض منها إعداد جدول بكل الاحتمالات.
هنالك عبارة قالها الكاتب الإنجليزي مارك تواين فحواها :” إذا أردت أن تحصل على فكرة جيدة¡ فلتحصل أولا◌ٍ على عدد كبير من الأفكار” .
علينا إدراك أن مصدر كل إنجاز هو إعلان أن هذا الأمر¡ أو ذاك ممكنا◌ٍ¡ فكثيرا◌ٍ ما نعلن عن عدم إمكانية تحقيق شيء¡ وقلما نقوم بذلك بصورة مسئولة.
الكلمات التي نقولها إما أن توسع الآفاق¡ وتفتح سبلا◌ٍ لمستقبل جديد أمامنا¡ أو أنها تتضمن تكرارا◌ٍ لصور الماضي إلى ما لا نهاية¡ وفيما يأتي أمثلة من الكلمات التي تولد الاحتمالات: أقول إن هذا ممكن ……..¡ لعلنا نقوم …..¡ يمكننا أن ……..الخ
ما يميز حوارات توليد الاحتمالات أنها حوارات خلاقة ومبتكرة¡ وتفتح أمامنا سبل◌ِ مستقبل◌ُ يتجاوز◌ْ الموجود وواقع الحال الراهن.
يجب إدارة الاجتماعات المخصصة لخوض حوارات توليد الاحتمالات بصورة تمنع التدهور وتحويل الحوارات إلى مجرد نقاش حول وجهات النظر.
ومن أجل ذلك علينا مراعاة التنبيهات الآتية:
لن نتخذ قرارات أو نلتزم بشيء حتى نكمل حوار الاحتمالات.
مسموح الشطح بالخيال وافتراض أشياء¡ واقتراح بدائل تبدو غير عملية.
لن نناقش جدول الاحتمالات حتى يتم تقديم كل الاحتمالات..الحوار حول التنفيذ يأتي في مرحلة لاحقة وتحديدا◌ٍ حين خوض حوارات الفرص.
لا يوجد خطأ أو صواب في حوار الاحتمالات¡ الاحتمالات كلها قائمة بوصفها احتمالات¡ وكل الاحتمالات سليمة من حيث هي مجرد احتمالات..إلى أي مدى الاحتمال معقول¡ أو مقبول¡ أو قابل للتنفيذ¡ أو عملي¿ كل تلك الأسئلة ستطرح في وقت لاحق..!!
المستوى الثاني: حوارات من أجل توليد الفرص
وهي الحوارات التي تخاض عقب حوار الاحتمالات¡ وتعمل كالفلتر بالنسبة للاحتمالات¡ وهنا تعلق الاحتمالات غير العملية وغير العلمية¡ ولا تنفذ من الفلتر إلى مصاف الفرص.
هي نوع من الحوارات قريبة الشبه بدراسات الجدوى التي تجريها بعض الجهات لإمكانية حدوث شيء ما¡ وهي تأخذ بالاحتمالات إلى “الفرص” وكأنها جسر يربط بينهما¡ ويمكن النظر إليها على أنها حوارات للجدوى والإمكانية¡إذ يتم هنا تحديد الأرباح و الخسائر¡ وكم هي التكلفة والفائدة (ماديا و معنويا) ..ما هي الفوائد والمكاسب المحتملة¿ وما هي التكاليف والخسائر المحتملة¿ وهل نحتاج تمويلا◌ٍ ¿ وهل التمويل متاح¿ ومن هم المؤيدون¡ والمؤيدون المحتملون..هل سنتمكن من كسب تأييد المعنيين بالنتائج¿¡ وهل لدينا من سينفذ¿
الحوارات التي تولد فرصا◌ٍ هي بمثابة الرابط بين الإمكانية والفعل¡ وتستفيد من المعرفة والأدلة والتفضيلات والآراء في تقييم احتمالات الفعل¡ وتأخذ الماضي بعين الاعتبار¡ ولكن دون أن تحبس نفسها فيه.
في حوارات توليد الفرص ي◌ْسأل: إن كنا سننفذ هذه الفكرة¡ وكيف سنقوم بذلك¿ الحوارات من أجل توليد الفرص تحول الاحتمالات إلى أبواب مفتوحة بصورة تجعل الفعل لا يقاوم¡ وهي تخلق اللحظة التي يتم فيها اتخاذ القرار: ننفذ أم لا ننفذ¿ أو نلزم أنفسنا بخطة أو توجه أو استراتيجية محددة للتنفيذ ¿
تحذير من أوجه النقص في حوارات الفرص:
هي أنها قد تفتقر إلى الفعل القائم على الاحتمالات المختلفة. عندما يكون هنالك احتمال لأمر معين¡غير إننا لا نقوم بشيء حيال ذلك¡ فنحن بكل تأكيد لا نعتبر هذا الاحتمال فرصة¡ ولو أننا نظرنا لأي احتمال على أنه فرصة متاحة لنا فسوف نبادر بعمل شيء ما.