محمد القعود
1
كعادتك تغوي الأماني بالخروج إلى نزهاتها الفارهة، وتنسل خفيّةً إلى خباياك المنحازة إلى سكينة مهادنة..
كعادتك تغري الوردة بالبوح العلني لعطرها، وتبتعد مائة لوعة، كي لا تحترق بألسنة عطرها وعبقها، وأجيج أفواج شذاها المندلع كظمأ يُباغت بانهلال المطر.
كعادتك، تغافل الصمت، وتومئ لأوتار أشجانك بالخروج إلى الناس ورشقهم بالمشاعر النبيلة، والرفق بأحزانهم العتيقة، ومسح غبار الخذلان المتراكم على ملامحهم وتحريضهم على النهوض من كبوات حسراتهم المتلاحقة.
كأنّك درّتهم، وأروع محارة لأصفى لؤلؤة..
كأنك أملك الذي لم يخذلك.. ويقينك الذي يتجلّى بك، وصباحك الذي يتباهى بك، وغدك الذي يأملك، وشمسك التي تهفو للشروق بك، وميلادك الذي يستعجل إطلالتك.. ونهرك الذي ينساب بك، وأبجديتك التي تنطق بك..
كأنّك تكاملك بك، وتفردك بك، وأكثرك بك، وأندرك بك..
كأنك أنت، لا توأم لك..!!.
2
كعادتك، توغل فيما تراه أفق يقينك..
وكعادتك، تسمو فوق صراعات الرماد، ومكائد المرضى بالأمجاد الدخانية..
تتغافل عن نشاز الإيقاع، وتتجاهل ارتباك المعنى، وتتغاضى عن تنافر الألوان، وتصارع المبادئ، وتزوّر عن الجهات الملبدة بالفراغ، وتتغابى كثيراً عندما يدلي الظلام بسيرته المبجّلة في التصدي لحماقات الفجر المتكررة في الشروق المبكر!!.
كعادتك، تمرق كإشراقة ضوء، وغضبة برقٍ، من بين كمائن الصدور الآسنة، والعقول الصدئة، وخناجر المكائد المسمومة، وتمضي إلى حيثُ ترتقي نبلاً وقيماً، حيثُ لا تجد سوى ما هو إلا أنت، أو ما يشبهك اكتمالاً والتحاماً ومحبة..
3
كعادتك تمضي إليك.. محفوفاً بك، وبما هو أنت..
تخترق دوائر حصار البؤس، وتعبر المسافات المدببة بالمتاهات، وخلفك تتهاوى وجوه الدخان، وتتبدد في المجهول مجاميع من جحافل ضلالة، وشذّاذ آفاق، وهوّام قرى، وسراة غياهب، ولقّاط سقط متاع، وقصّاد سراب، وطرّاق الليل والرمال الشاسعة بعواءتها..
تضيع جموعهم وجحافلهم وطوائفهم وزمرهم تحت حوافر رياحك وصواهل يقينك، وتزغرد آفاقك بك، وبهبوبك نحوها، وعناقها برحيق طلعك..