الشعب اليمني … الشعب الذي لا يُقهر
أحمد يحيى الديلمي
* انتهى العام 2016م ، بصمود يمني اسطوري لا نظير له فاجأ العالم ، وارعب المُعتدين ، وبدأ العام 2017م، مبشّراً بانْتصارات كبرى ونجاحاتٌ أسطوريةٌ لمُجاهدين مؤمنين مسُتضعفين أذهــلـت العالَــم ، وهزت عروش الظالمين، ليكون الانتصار المُبين قاب قوسين أو ادنى يحققه الشعب اليمني وجيشه ولجانه ، ذلك الشعب الذي اثبت أنه لا يُقهر ، ولسان حاله يقول: سننتصر رُغماً عن النصر ذاته.
ومستقبلاً ، لن يكون قراءة العدوان السعودي الأمريكي على اليمن مجرد قراءةً عابرة تخلو من الوقائع والأحداث الحقيقية ، وبلا شكل فإن القصة التي ستحكي معاناة وجراح الشعب اليمني وصموده ، لن تكون كغيرها من القصص والحكايات ، بل ستكون أسطورة هذا الزمان ، واعجوبة ستُضاف إلى عجائب الدنيا السبع ، فالتاريخ سيدون في صفحات العجز والمهانة أن قوى الاستكبار العالمي واذنابهم من النظام السعودي وتحالفه الخليجي استخدموا كل الوسائل العسكرية والأمنية والسياسية والإعلامية والاقتصادية لإذلال شعبٍ عزيز يأبى الظين والخنوع ، ولم ينجحوا في ذلك أبداً ، بل كان مصيرهم الهوان والهزيمة المدّوية ، لاسيّما وأن الصمود الأسطوري للشعب اليمني دفعهم إلى المستنقع ليذوقوا مرارة الهزيمة والفشل، رغم استخدامهم كافة أنواع الاسلحة التدميرية والفتاكة.
وبعد أن حاول تحالف العدوان بزعامة مملكة الشر ومن ورائها “أمريكا وإسرائيل” إرساء معادلة “الإبادة مقابل الخضوع” ، فقرعوا طبول الحرب الكونية على اليمن في محاولة لقهر الشعب اليمني وإركاعه وإذلاله ،مستخدمين كافة الأسلحة الفتاكة والمُحرمة دولياً المُلقاة على رؤوس الابرياء من الشيوخ والنساء والاطفال ، ومتعمدّين تدمير كل البنُى التحتية في اليمن من مرافق خدمية ،ومستشفيات ،ومدارس ،وجامعات ،وطرقات، وجسور ، ومصانع ، ومساجد ..الخ ؛ إلا أن عنفوان الشعب اليمني وصموده اسقط تلك المعادلة لا محالة ، وظل يتصدى لهذا العدوان الغاشم ، متمسكاً بموقفه ، صامداً وشامخاً في مواجهة مؤامرات قوى الاستكبار ومخططاتهم الشيطانية ، مدُافعاً عن استقلال قراره الوطني ، وسياده أراضيه، رافضاً أي تدخل في شأنه الداخلي.
وفي حقيقة الأمر، لقد شّنت مملكة الشر “السعودية” عدوانها الغاشم على اليمن ومعها كل عناصر القوة وأسباب الانتصار ،التي ربما لم تتوفر لطرف مهاجم ومُعتد آخر ،على افتراض أن المعركة سيتم حسمها سريعاً من منطلق الوهم أن غزو اليمن سيكون نزهة ، وهو افتراض سرعان ما بدأ يتبدد شيئاً فشيئاً ليُصبح بعد ذلك سراباً لا يكاد يرونه على أرض اليمن “مقبرة الغزاة” ، لاسيمّا وأنها ظنت في بداية الامر أن اليمن شـعـباً وجيشاً ولجاناً قد ركعوا وخضعوا لهم ، لتجد نفسها بعد ذلك عاجزة تماماً أمام ذلك اليمني الشجاع الذي دنى قليلاً لكي يربط خيوط حذائه العسكري استعداداً لمعركة النفس الطويل ، معُلناً أنه لا ، ولن يخضع أو يركع إلا لله عزَّ وجل.
وعلى الرغم من أن هذه العّدوان الغاشم تخوضه أغنى دولة في العالم، تلك المملكة المدجّجة بثاني أكبر احتياطي نفطي على أقل تقدير، وتمتلك أموالاً هائلة استخدمتها في شراء وتكديس ترسانة عسكرية من أحدث الأسلحة الفتاكة والمعدات العسكرية الغربية عموماً والأميركية خصوصاً، فحشدت مملكة الشر خلفها “تحالفاً عربياً” ، وجمّعت وحشدت المرتزقة من كل صوب ، وتسلحت بموقف أميركي ثابت في تغطية العدوان سياسياً وتسليحياً ولوجستياً وابتاعت دولاً بأكملها للمشاركة في عدوانها ، أو للتغاضي والسكوت عن جرائمها الوحشية ؛ إلا أنها فشلت في تحقيق أهدافها في غزو اليمن والسيطرة عليه.
وبتأييد من الله القوي العزيز ، فقد أرسى المقاتلون الحُفاة من المجاهدين المستضعفين، معادلة توازن رعب جديدة مع العدو المتغطرس ، واستطاع اولئك المسُتضعفون امتصاص الضربات القاسية ، وانتقلوا من وضع الدفاع إلى وضع الهجوم في سياق استراتيجية معركة النفس الطويل ،على الرغم من بساطة عتادهم واسلحتهم العسكرية أمام الاسلحة الامريكية والبريطانية المتطورة والفتاكة ، واستطاعوا تصنيع اسلحة ردع وتطوير منظومة صواريخ محلية الصنع وباليستية أذهلت العالم وأرعبت العدو في قعر داره ، بالرغم من فرض قوى العدوان حصاراً برياً وبحرياً وجوياً ؛ ليثبتوا للعالم أجمع المعنى الحقيقي للصمود الأسطوري في مواجهة تحالف كوني أجمعت عليه قوى الاستكبار العالمي وأذنابها.
وهنا سيدون التاريخ في صفحات العزة والبطولة والإباء ، قصة صمود وثبات الشعب اليمني العظيم الذي لا يُقهر ، وحوَّل جراحاته العميقة لانتصارات هزت عروش الظالمين المُتجبرين، وسيكتب المؤرخون بالخط العريض وتقرؤها الأجيال المتعاقبة أن أولئك الأبطال الأشاوس رجال اليمن وحماته من المجاهدين المسُتضعفين هم من مرغوا أنف قوى الاستكبار العالمي في التراب ، وسحقوا بأقدامهم الشريفة أكذوبة اسطورة السلاح الأمريكي، وبدّدوا كل تلك الفقاعات عن مرتزقة بلاك ووتر وجعلوها مجرد سراب في جبال اليمن ووديانه.
هذا الشعب العظيم الذي لا يُقهر ، ظل يخرج – بالرغم من أزيز الطائرات التي تحمل صواريخ الموت له- في مظاهرات حاشدة بصورة مستمرة رافضاً للخنوع والهوان ، واستمر شامخاً ، رافعاً رأسه ومردداً “ما نبالي ما نبالي واجعلوها حرب كبرى عالمية” ، واستمر يعقد اللقاءات القبلية المستمرة ، ويقدم مئات القوافل الغذائية مساندةً وداعماً لجيشه الأبطال ولجانه الشعبية الأشاوس الذين ألحّقوا بالجيش السعودي في عقر الأراضي المسيطر عليها هزائم مدّوية وانكسارات وصفعات متتالية ، وسدّدوا ضربات مؤلمة للعدو ومرتزقته في أكثر من جبهة قتالية ،وافّشلوا الكثير من مخططاتهم الشيطانية ، وهذا ما تجلى بوضوح في قلب موازين المعركة ، وتلك لم تكن لولا الشجاعة والحنكة العسكرية والتخطيط الاستراتيجي للقيادة الحكيمة التي تُدير زمام المعركة بصبر استراتيجي سيكون جسراً للوصول الى النصر الاستراتيجي بعون الله القوي العزيز.
وعلى الصعيد العسكري ، فإن كل العمليات العسكرية والحشودات الكبيرة والمتكررة صارت في أعين المجاهدين المسُتضعفين أقل خطراً، بعد أن صارت كل الأسلحة المدرَّعٌة الحديثة الامريكية -التي يقُال عنها فخر الصناعة الأميركية – من دبابات الـ«أبرامز»، وعربات «البرادلي» تحت اقدام المجاهدين الذين أحرقوها بولاعات السجائر ، بعدما تركها جنودها وولوا الأدبار ، وفروا من الميدان، لتكون تلك الملاحم البطولية مادة للسخرية بين أوساط اليمنيين بعد أن سقطت هيبة الصناعة الأميركية.
وكانت تلك الجموع الكبيرة المجمّعة من كل أصقاع المعمورة من الرديئة والنطيحة وما أكل السبع من مرتزقة بلاك ووتر ،والجونجويد ،والسنغاليين .. الخ، بانتظار المجاهدين المسُتضعفين من أبطال الجيش واللجان الشعبية الذين انتظروهم بشغف وحماس لمواجهتهم والذود عن تراب اليمن الطاهر ، فأسقوهم الموت الزؤام ، وجعلوا من ارض اليمن مقبرة لهم ، بعد أن وجد أولئك المرتزقة أنفسهم أمام حقيقة جليّة انهم حفروا قبورهم بأيديهم في أرض اليمن ، وأن تدريباتهم العالية وجدت مكانها تحت نعال الجندي اليمني ” حافي القدمين” ، وهذا ليس كلاماً من غياهب الخيال وانما أثبته واقع الحال ، فهم شعب الإيمان والحكمة الذين لم يهزموا عبر التاريخ ، بل كانت أرضهم المُباركة مقبرة للغراة والمتحلين ، ولا زالت مقبرة لغزاة تحالف العدوان الامريكي السعودي الصهيوني.
وفي خضم ذلك ، فقد منحت المعارك والهجمات العسكرية، المجاهدين المزيد من الخبِرة وأكسبتهم من القوة جعلتهم أصلبُ عوداً وأقوى فعلاً ، ولا غرابة في ذلك فهم من وصفهم الله في محكم كتابة (نحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ) ،وأن بأسهم الشديد الذي ذكره الخالق جل شأنه في القرآن الكريم قد برز في ثباتهم وصمودهم أمام صلف العدوان وشنه عشرات الآلاف من الغارات التي استهدفت البشر والحجر والشجر وفتكت بكل مقومات الحياة.
وبالرغم من الهالة الإعلامية والفرقعات الاخبارية للآلة الإعلامية التابعة لقوى العدوى التي سعت إلى تزييف الوعي بأسطوانتها الإعلامية المشروخة التي ظلت تقول على مدى 21 شهراً أن قواتها الغازية أصبحت بالقرب من العاصمة صنعاء؛ ولكن سرعان ما اتضحت اكاذيب تلك الاسطوانة ، ولم تستطع أن تغير في الوقائع والاحداث شيئاً ، وكل ما استطاعت تحقيقية هي نشر اخبار عن اسر حمار تمت فرمتته!!! ،بالرغم من عشرات الزحوفات والغطاءات الجوية المكثفة والقصف بالقنابل العنقودية ، في مقابل مشاهد مصوَّرة وكثيرةً ، يبثها الاعلام الحربي باستمرار عبر قناة المسيرة لعمليات عسكرية مسددّة بإحكام ، واقتحامات وكمائن ، وعمليات قنص لجنود سعوديين ، وإحراق دبابات ومدرعات وآليات عسكرية ،واستهداف بارجات وزوارقُ حربية في عرض البحر ، واسقاط طائرات اباتشي ، واطلاق الصواريخ الباليستية ، والتي نقلت صورة واضحة لا تقبل الزيف بأن الشعب اليمني هو الشعب الذي لا يُقهر بعد أن وقفت قوى العدوان عاجزة عن كبح جماح تلك المشاهد الحية التي يبثها الإعلام الحربي .
تلك المشاهدَ، والملاحم القتاليةٌ الاسطورية لأبطال الجيش واللجان الشعبية لا يمكن نسيانُها من الذاكرة اليمنية ، ومازال صوت المقاتل اليمني يصدح عالياً وهو يقول بأعلى صوته: “سلم نفسك يا سعودي أنت محاصر” ، بعد أن شاهد الجميع حالةَ الذعر والخوف الشديدين لدى الجنود السعوديين أمام بسالة المقاتل اليمني حافي القدمين.
وسياسياً ، فقد وجّهت القوى السياسية الرافضة للعدوان ضربة سياسية قاضية لقوى العدوان ومرتزقته محقّقة أكبر انتصار سياسي عبر الاتفاق على تشكيل المجلس السياسي الأعلى لإدارة شؤون البلاد، وتشكيل حكومة الانقاذ الوطني بإرادة وطنية بعيداً عن التدخلات الخارجية ،وأنهت بذلك الاوهام التي كان يؤمن بها قوى العدوان في شق الصف الداخل الرافض للعدوان، الأمر الذي أثار ردود فعل هستيرية، بعد فشلهم في تحقيق أية انجازات خلال جولات المفاوضات في جنيف والكويت بفضل حنكة الوفد الوطني المفاوض ، فمالم يحققوه على الميدان لن يستطيعوا تحقيقه سياسياً.
وبعد انسداد الأفق أمامها عسكرياً وسياسياً ، راهنت قوى العدوان على كسر الشعب اليمني صمود وقهره اقتصادياً، بالتجويع واستهداف لقمة عيشه الكريمة ، فجاءت الخطوة الأكبر عدواة للشعب اليمني بكل فئاته وهي نقل البنك المركزي اليمني من العاصمة صنعاء إلى محافظة عدن؛ بهدف إرباك البنك المركزي بصنعاء ،والتي تسبّبت في حرمان السواد الأعظم من اليمنيين من رواتبهم، إضافة إلى تشديد الحصار الجوي والبحري والبري ومنع دخول المواد الغذائية والطبية.
وكان الغرض من نقل البنك المركزي هو زرع حالة من الفوضى بين أوساط المجتمع اليمني ، ومحاولة تغذية حالة الاستياء وتوظيفها وتهييج الشارع اليمني من خلال إثارة سخط أبناء الشعب اليمني ، وإحداث اضطرابات أمنية تحت شعار “قطع الرأس ولا قطع المعاش”، ولكن سرعان ما انكشفت تلك المؤامرة بعد دعت إن وسائل اعلامية تابعة لقوى العدوان ومنها قناتي الجزيرة والعربية لمظاهرات احتجاجية لتأخير صرف الرواتب، وهذا ما دفع الجميع الى فهم أبعاد المؤامرة الاقتصادية بعد أن قطعوا الشك باليقين بأن قوى العدوان السعودي الأمريكي قد قطع الرأس قبل أن يقطع المعاش ، بل مزق الجسد والرأس معاً الى اشلاء متناثرة بالأسلحة الأمريكية الفتاكة طيلة المدة السابقة ومازال مستمراً في ذلك، فكان الرد الصاعق وحصل ما لم يكن في حسبان تحالف العدوان ، حيث اجهض اليمنيون رهان تحالف العدوان ومرتزقته في نقل البنك المركزي ، وسارع أبناء الشعب رجالً ونساءً واطفالاً في تفاعل شعبي واسع لم يسبق له مثيل الى المشاركة الفعّالة في الحملة الشعبية لدعم البنك المركز اليمني التي دعا لها قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي ، وتوافدوا لفتح حسابات الإيداع في مكاتب البريد وفروع البنوك التجارية لرفدها بالسيولة النقدية في صورة تعكس بأن اليمن سيخرج منتصراً ضد تحالف العدوان وحربه الاقتصادية، فما لم يحققه العدو بالقوة العسكرية منذ اليوم الاول من العدوان الغاشم بواسطة الاسلحة الفتاكة والمحرمة دولياً ، لن يستطيع تحقيقه في حربه الاقتصادية ، لتكون الحرب الاقتصادية واستهداف البنك المركزي اليمني هي الورقة الأخيرة التي ترمي في وجه المارد اليمني الذي سوف يتجاوزها بإذن الله القوي العزيز، بعد أن فشلت قوى العدوان في مختلف الجبهات العسكرية والأمنية والسياسية والإعلامية.